لقاء الثلاثاء (21) | 10-8-2009

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

إسكان النويدرات

تحدّث الأستاذ حول توزيع إسكان النويدرات على المجنَّسِين، بالقول: من حيث المبدأ لا نعترض ولا بمقدار شعرة على أن يتجاور السنة مع الشيعة في إسكان النويدرات وفي غيره، فهم إخوة في الدين والوطن، ولو إنّ الحكم في البلد قائم على أساس العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والتعاطي مع المواطنين على أساس المواطنة، لما وجد أثرٌ لهذه المشاكل والأزمات التي تعصف بالبلد وبمصير المواطنين، ولاختفى هذا الصراع الطائفي البغيض بين النوّاب على المشاريع الإسكانية وغيرها، فمصدر الكثير من المشاكل والأزمات في البلد هو التمييز الطائفي الذي ترعاه السلطة من أجل الاستئثار بالثروة والسلطة، والإصلاح يكمن في تعزيز المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتجريم التمييز ومعاقبة المسؤولين عنه.

وبخصوص التجنيس، قال: لا يوجد لدينا اعتراض على أصل التجنيس، بل هو ميزة حضارية راقية حينما يُعطى للمستحقين، والبحرين بحكم موقعها الجغرافي كانت في تاريخها الطويل نقطة اتّصال بين العديد من الحضارات والشعوب، وقد أنتج ذلك سمات الانفتاح والتسامح والقبول للآخر لدى سكّان البحرين الأصليين، ولكن التجنيس الحالي، هو تجنيس سياسي ممنهج يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية، وهو استيطان يهدف إلى إبادة السكان الأصليين، ولا مثيل له إلا في الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين العزيزة، فهو جريمة سياسية وإنسانية بحق السكان الأصليين وليس بميزة حضارية، واعتراضنا هو على هذه الجريمة السياسية والإنسانية التي تستهدف السكان الأصليين، وليس على أصل التجنيس.

وقال: في الوقت الذي نحمّل فيه السلطة كامل المسؤولية عن هذه الجريمة السياسية والإنسانية، فإننا لا نُعفي المجنَّسِين من المسؤولية، فهم يعلمون بأنّهم يُجنَّسُون لأغراضٍ سياسيّةٍ خبيثة، وعلى حساب حقوق ومصالح السكان الأصليين، وبغير رضاهم، فهم مغتصبون وشركاء مع السلطة في الجريمة، وليست لهم حقوق مشروعة لا في الإسكان ولا في غيره، ومحاسبتهم واسترجاع الحقوق من أيديهم حق.

وكحلٍّ سياسي طرحنا تسليم ملف المجنَّسِين إلى البرلمان بعد حل المسألة الدستورية وتشكيل مؤسّسة برلمانية تُعبِّر بصدق عن الإرادة الشعبية للسكان الأصليين: سنة وشيعة.

وبخصوص إسكان النويدرات، قال: جعلت السلطة التوزيع الظالم أمرًا واقعًا مفروضًا، وحقُّ أهالي القرى الأربع سُلِبَ منهم ظلمًا وعدوانًا، وهذا الظلم حالة مصغَّرة للصورة الأكبر والأكثر فُحشًا في البلاد، فليس سَلْبُ حقِّ أهالي القرى الأربع في الإسكان بأكْثَرَ فُحشًا وظُلمًا من التجنيس السياسي الممنهج ومن التمييز الطائفي الشامل في جميع مفاصل الدولة وغيرهما من الجرائم الفاحشة بحق الوطن والمواطنين، وإنّ الخسارة في مشروع إسكان النويدرات هي استمرار للخسائر الشاملة على المستوى الوطني، ونتيجة مشتركة لنفس المنهج.

وهنا أُنبِّه إلى بعض المسائل:

(1) إنّ زرع المجنَّسِين في إسكان النويدرات يدخل ضمن مساعي السلطة لخلخلة أوضاع المناطق الشيعية بهدف سلب الاستقرار منها ومحاصرتها أمنيًا وتضييع أصوات الشيعة في العمليات الانتخابية القادمة، بحيث يفقد الشيعة من ثقلهم الانتخابي، ويصبحوا في المستقبل أقليّة انتخابية ضئيلة لا تتناسب مع ثقلهم السُكَّاني، بشكلٍ أكثر بشاعة من الفارق الحالي.

(2) إنّ ما عملت السلطة من الظلم والجور على جعله أمرًا واقعًا، لا زال قابلاً للنقض والتغيير لو تحرَّرت إرادة من يمتلك القرار الكامل والقدرة على التغيير.

(3) في ظلِّ الوضع العام السيء جدًا في البلد، يجب على الرموز والقيادات السياسيّة والمجتمعيّة والنُّخَب والجماهير أن تقوم بمراجعة لمنهج التعاطي مع السلطة والبحث عن الأساليب الأصح والأكثر فاعلية للدفاع عن النفس واسترجاع الحقوق المسلوبة وتحصيل المطالب المشروعة، فقد ثبت بالتجربة وجود الخلل والقصور فيما هو موجود، فلابدَّ من المراجعة وإعادة التقييم والقيام بالتصحيح المطلوب قبل فوات الأوان، وإنّ الوقت يمضي في غير صالح أبناء الشعب والمعارضة، وإذا لم نقم بذلك فلن نتمكَّنَ من استرجاع أيِّ حق. وتيار الوفاء الإسلامي قام على أساس هذه المراجعة، وهو يسعى للانفتاح والحوار مع الجميع ويتطلّع إلى الاستجابة والقيام بعمل مشترك للتصحيح.

(4) يُعتبر ملف التجنيس من أعقد الملفات الساخنة وأخطرها على مستقبل الوطن والمواطنين، ويجب التَّصدِّي الجماعي المنظَّم من كافّة الرموز والقيادات والقوى السياسيّة لهذا الملف بشكلٍ مباشر وفق رؤيةٍ وطنيةٍ مشتركةٍ واضحة المعالم، ويجب أن يشمل التَّصدِّي:

• التشخيص للمشكلة وأبعادها.

• ورسم الحلول المناسبة.

• ووضع البرامج وتفعيلها.

• والتحريض على المشاركة فيها.

وعدم ترك هذا الملف للمبادرات الفردية، والأنشطة الجماهيرية العشوائية، فهذه لن تكون مجدية، ولن تحلَّ شيئًا من المشكلة.

(5) وبخصوص معالجة مشكلة إسكان النويدرات، لدينا ثلاثة خيارات:

• القبول بالأمر الواقع والتسليم إليه.

• رفض الأمر الواقع ومقاومته على مستوى المشروع فحسب.

• رفض الأمر الواقع ومقاومته على مستوى تحرّك وطني شامل.

سبق أن قلت: إنّ الخسارة في إسكان النويدرات هي صورة مُصغَّرَة للخسارة الأكبر على المستوى الوطني ونتيجةٌ مشتركة لنفس المنهج، ودعوت إلى مراجعة منهج التعاطي مع السلطة وأساليب العمل التي ثبت بالتجربة وجود الخلل والقصور فيها، وأنا أعتقد إنّ رفض الأمر الواقع في مشروع إسكان النويدرات ومقاومته على مستوى المشروع يمكن أنْ يأتي بنتائج إيجابية، إلا أنني أرى بأنّ الأفضل هو مقاومته على مستوى تحرُّكٍ وطنيٍّ شامل كثمرة من ثمار المراجعة المطلوبة، وهو أمرٌ في غاية الإمكان. وقد بيّنتُ بعضَ الجوانب من أبعاد موقف السلطة والقوى الطائفية الموالية لها في هذا المشروع.

(6) أُجدِّد دعوة الرموز والقيادات الشيعية بالتفكير الجِدِّي في رفع شكوى ضدَّ السلطة بتهمة العمل على الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي ضِدَّ الشيعة.

تعزية رموز السلطة

فيما يتعلّق بعدم تقديم قيادة الوفاء التعزية إلى رموز السلطة، قال: نحن نحزن لموت كلِّ مسلمٍ ونترحَّمُ عليه صادقين، ولكن تعزية رموز السلطة ليست قضيّة إنسانيّة مجرّدة، وإنّما هي قضيّة سياسيّة بامتياز، فإذا ذهبت قيادات المعارضة وقدَّمَت التعزية لرموز السلطة، فهذا يُقرأ سياسيًا بأنّ الوضع العام ليس بدرجة عالية من السوء، وإنّ المعارضة راضية عن الوضع العام في البلد، والاختلاف إنّما هو في قضايا جزئيّة هي تحت السيطرة، وإنّ الوضع مشمول بقاعدة: “الاختلاف لا يُفسد بالودِّ قضية” وبالتالي سيتمُّ إرسال رسالةٍ سياسيّةٍ خاطئة للرأي العام في الداخل والخارج.

مصير الحوار

وبخصوص مصير حوار قوى المعارضة، قال: الحوار معلّق، وقد اتّفَقَت لجنة المتابعة المكلّفة على عقد لقاءٍ يجمع الأطراف المشاركة في الحوار لإعلان مستقبله، ووضعت مجموعة من الخيارات لذلك، وقد حَدَثَت مستجدّات على الساحة الوطنية أعاقت ذلك، والبعض يرى بأنّ الأمر بات بيد عبد الوهاب، ولكن ليس في نيتي إعلان موقف فردي يُحدِّد مستقبل الحوار، وأنتظر الفرصة المناسبة لعقد اللقاء الذي يجمع كافّة الأطراف المُشارِكة في الحوار لتحديد مستقبله.

وبخصوص محاضر الاجتماعات، قال: تمَّ الاحتفاظ بمحاضر الاجتماعات وجميع أوراق اللقاء، وهي تدخل ضمن الحق لعام، وهناك اتفاق سابق على نشرها.

الثبات على التشيّع

وحول احتمال خروج البعض من مذهب التشيّع نتيجة لضيق العيش ومغريات السلطة، قال: الاضطهاد الموجود ضد الشيعة قد يحمل البعض على تغيير مذهبه، وقد حدث هذا فعلاً للبعض، ولكن ذلك لن يُضعفَ التشيّع ولن يضيق من مساحته ومن حركة اتّساعِه وانتشاره، فالظلم والاضطهاد صاحب التشيّع منذ نشأته الأولى، ولكن التشيّع واصَلَ انطلاقته وتزدادُ مساحتُه وقوّتُه يومًا بعد يوم رغم كل ما تعرَّضَ له من ظلمٍ واضطهادٍ ولم يضعف ولم تضِقْ مساحتُه، فهذا التمييز والظلم والاضطهاد لن يحاصر التشيّع ولن يُضعفه، بل سيستمر التشيّع في الاتّساع وسيزداد قوّة مع الأيام، وهذا ما تصدقه نتائج التجربة التاريخية والمعاصرة، وصدق الله تعالى إذ يقول: )وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(([1]) ولكن الوضع يُحمّل الرموز والقيادات الشيعية في البحرين الكثير من المسؤولية، وهم في حاجة إلى الوعي واليقظة والعمل الدؤوب والصبر وقوة التحمل والإرادة.

من وحي رمضان

وحول شهر رمضان، قال: قبل أن أتحدّث عن شهر رمضان المبارك وعن الصيام، هناك حقيقة ينبغي أن نلتفت إليها، وهي: إنّ إدراكَنا لقيمة الصلاة أو الصيام أو الحج، أو غيرها من العبادات يتوقّف على فهمنا لحقيقة أنفسنا، فكلّما عرف الإنسان نفسه أكثر كلّما أدرك قيمة العبادات واستفاد منها أكثر، وسوف أشير إلى نقطتين تتعلّقان بالإنسان، قبل أن أتحدث عن الصيام:

النقطة (1) سعادة الإنسان

إنّ سعادة الإنسان الحقيقية تكمن في أن يكون مع الله سبحانه وتعالى، فكلّما كان الإنسان مع الله سبحانه وتعالى أكثر، كلّما كانت سعادته أكبر، وأشير هنا إلى ثلاث من الحالات التي تواجه الإنسان:

الحالة (أ): الإنسان قد تواجهه صعوبات، مثل: الفقر والمرض والظلم، فهذه الصعوبات لا يمكنها أن تسلب من الإنسان الشعور بالسعادة إذا كان ارتباطه مع الله U، وإذا حدثت له هذه الصعوبات بسبب ارتباطه مع الله (، فإنه يشعر بالسعادة بسببها، قول الإمام الحسين o وهو يواجه الأعداء في محنة كربلاء.

إلهي تركتُ الخلق طرًّا في هواك

وأيتمت العيالَ لكي أراك

فلو قطّعتني في الحب إربًا

لما مال الفؤاد إلى سواك.

الحالة (ب): إنّ للإنسان انتماءات عديدة في هذه الحياة، مثل: الانتماء العائلي والحزبي والمهني، فإذا أدرك إنّ سعادته في ارتباطه مع الله سبحانه وتعالى، فهو يُضحِّي بكلِّ هذه الانتماءات في سبيل أن يكون قريبًا من الله U ويفوز برضاه سبحانه وتعالى، ولا يسمح بأن تكون سببًا لارتكابه المعاصي والآثام، وأن تتحوّل إلى حجابٍ بينه وبين الله ذي الجلال والإكرام، فلو وُضع الإنسان العاقل العارف بنفسه بين خيارين:

• أن يُعطى مُلك الدنيا كلها ويعصي الله U.

• أو يبقى على طاعته لله سبحانه وتعالى ويُحرم منها ويُعذّب.

فإنّه يختار بدون شك ولا تردد الطاعة لله سبحانه وتعالى على ملك الدنيا، لأنّ سعادته الحقيقية هي في طاعته لله العزيز الحميد، وفي أن يكون معه لا مع غيره، يقول الشاعر.

فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكلُّ هيّنٌ وكلُّ الذي فوق التراب تراب

الحالة (ج): إنّ الإنسان قد يعرف الحقيقة، ولكن قد تأخذه العزة بالإثم فيرفضها ولا يُسلِّم إليها، ومثال ذلك: إبليس -عليه اللعنة – الذي هو يعلم بالله علم اليقين وكانت له مخاطبات ومحاورات مع الله (، وهو يعلم بالحساب والجنّة والنار علم اليقين، ولكنّه مع ذلك كله عصى الله U بدافع الكبر، حيث دفعه اعتزازه بنفسه إلى المعصية والإصرار عليها، ولو كان إبليس عارفًا بنفسه معرفة حقيقية لوجد إنّ سعادته الحقيقية هي في تواضعه لله ذي الجلال والإكرام وطاعته المطلقة إليه، ولكنّه عمى البصيرة. وهذا ينطبق على كلِّ صاحب أطروحةٍ أو موقفٍ يُدركُ الخطأ فيهما ولكن تأخذه العِزَّة بالإثم فيرفض مراجعتهما أو التراجع عنهما، والأسوء أن يبرِّرَهما باسم الدين والتقوى، فقد يقع بعض المؤمنين في مثل هذا الإثم الكبير رغم إيمانهم بالله (، وهو جوهر موقف إبليس.

النقطة (2) كرامة الإنسان

إنّ كرامة الإنسان الحقيقية تكمن في طهارة النفس أو الروح، فإنّ الله ( لما خلق الإنسان خاطب الملائكة، بقوله: )فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِين(([2]) فكان سجود الملائكة هو للروح الرحمانية التي نُفخت في الإنسان، فقيمة الإنسان الحقيقة هي في روحه، وكرامته في طهارتها، وليس بالمال والثروة والجاه والمناصب ونحوها.

ومما يؤسف له إنّ الواحد منّا يخجل من الخروج أمام الناس بثوب متّسخ، ولكنه لا يخجل من اتساخ روحه بالمعاصي والذنوب والآثام!! إنّ من يفعل ذلك، يُفرِّط في كرامته وقيمته الإنسانية.

مميّزات الصيام

وحول الصيام، قال: للصيام مميزات عديدة، منها:

• أنه يمثل عبادة السر، فكل العبادات تمكن رؤيتها من قبل الناس الآخرين إلا الصيام فإنّه لا يرى، فالنّاس ترى الإنسان وهو في حالة الصلاة أو الدعاء، وتراه وهو يؤدي أفعال الحج، وتراه وهو يقوم بسائر العبادات إلا الصيام فإنه لا يرى لأنه إمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، والإمساك لا يرى، ولهذه الخاصية قال الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به” واستنادًا لهذه الخاصية، فإنّ من آثار الصيام التربوية على الإنسان تحصيل الصدق والإخلاص في النية لله سبحانه وتعالى، فإذا لم تنمُ لديه ملكة الصدق والإخلاص في النية لله سبحانه وتعالى فإنه لم يستفد الاستفادة الحقيقية من الصيام مهما كثر صومه.

• الصبر: الكثير من المفسِّرين قالوا في تفسير قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(([3]) إنّ الصبر في الآية هو الصيام، والصوم في الحقيقة يُربِّي الإنسانَ على الصبر والتحمّل، ومن لا يتعلّم الصبر والتحمّل من الصيام، فقد لا يتهيّأ له شيء آخر ليتعلم منه الصبر والتحمّل، والصبر هو باب للكثير من الفيوضات والألطاف الإلهية، منها: النّصر والارتقاء والنجاح في المهام الصعبة والفوز بأعلى الدرجات في الفردوس الأعلى في الجنة، قول الله تعالى: )قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ(([4]).

• التشبّه بالملائكة: يقول العلماء بأنّ الصائم يتشبّه بالملائكة، فالملائكة لا يأكلون ولا يشربون، وزادهم هو الذكر والمعرفة، وهذا مما يُنمِّي الحالة الملكوتية لدى الإنسان الصائم، ويربطه بعالم الملكوت الأعلى، عالم القدس والطهارة والعلم والمعرفة والقيم والمبادئ السامية، فالإنسان الذي يفشل في كبح شهواته النفسية وغرائزه الحيوانية، ويذهب وراء الملذات الحسية والمكاسب الدنيوية، هو لم يتعلّم الدرس الحقيقي من الصيام، وهو التعلّق بالله ذي الجلال والإكرام والآخرة والقيم والعلم والمعرفة، والزهد في الدنيا وزخارفها وزينتها، والهجرة من عالم المادة والجسد إلى عالم الروح والملكوت الأعلى، عالم القدس والطهارة الروحية والقيم السامية.

دور العقيدة ودور الفقه

وحول دور العقيدة والفقه في الحياة، قال: دور العقيدة هو الكشف أو الإضاءة والتحريك، فهي تكشف الطريق وتضيؤه وتحرِّك إرادة الإنسان نحو الفعل والكدح في الطريق حتّى الوصول إلى الغاية والمُنتهى، ودور الفقه هو ضبط الفعل والسلوك في الكدح ليكون سليمًا كما ينبغي. ولكنّ بعض المؤمنين يُخطأ فيُعطي الفقه الثقل الأكبر من الأهميّة في الدين والحياة، وقد يُعطيه دور المحرِّك، فيجعل منه الأوَّلَ والآخرَ في الدين والحياة، مما يؤدِّي إلى الجمود والفشل في بناء الحياة الإسلامية وتطويرها، وهذا الكلام لا يعني التقليل من أهميّة وقيمة الفقه في الدين والحياة الإسلامية، وإنّما يعني التحذير من تغيير دوره وخلطه بدور العقيدة بسبب عدم وضوح الرؤية.


([1]) القصص: 5.

([2]) الحجر: 29.

([3]) البقرة: 135.

([4]) الزمر: 10.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى