مقاومة الإسلام الحنيف لكافة أشكال الظلم والطغيان

المناسبة : مؤتمر منتدى الوحدة الإسلامية الثالث، تحت عنوان : ( دور الأمة الواحدة في بناء حضارة إنسانية عادلة ) .
المكان : العاصمة البريطانية ـ لندن .
التاريخ : 19 ـ 22 / جمادى الثاني / 1430هج .
الموافق : 12 ـ 15 / مايو حزيران / 2009م .

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين
السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات المؤتمرون ورحمة الله تعالى وبركاته .

أيها الأخوة والأخوات : عنوان الكلمة : ( مقاومة الإسلام الحنيف لكافة أشكال الظلم والطغيان ) وسوف أجعلها على أربعة محاور رئيسية، وهي :
• ثلاثة نماذج لأشكال الظلم والطغيان المجتمعي .
• المعالجة الإسلامية القيمية للأشكال الثلاثة .
• المعالجة الإسلامية السياسية للأشكال الثلاثة .
• دور وحدة الأمة والتعاون مع الغير في تحقيق المقصد .
بالإضافة إلى التوصيات الختامية .

المحور ( 1 ) ثلاثة نماذج لأشكال الظلم والطغيان المجتمعي : سأتجاوز في هذه الكلمة أشكال الظلم والطغيان الفردي ـ وهي كثير ـ ولن أتحدث عنها، وسأتناول ثلاثة أشكال من الظلم والطغيان المجتمعي، وهي :
• الاستعمار .
• والاستبداد .
• والعنصرية .
وهي مظاهر مجتمعية يتجلى فيها الظلم والطغيان بأبشع صوره وتجلياته الوضعية، وسأتناولها كل واحد على حدة .

النموذج ( أ ) الاستعمار : والمراد منه معنيين أساسيين، وهما :
المعنى ( 1 ) : الحالات التي تفرض فيها دولة سلطتها على دولة أخرى، وتخضعها لتبعيتها وحكمها بدون رضا شعبها، وذلك لتحقيق أهداف عديدة، منها :
• فرض الإرادة الإستعمارية على شعب البلاد المستعمرة، وإخضاعهم لسياستها وتحقيق أغراضها الاستراتيجية في السياسة الدولية وغيرها .
• السيطرة على ثروات البلاد المستعمرة والإستئثار بها دون شعبها .
• الحصول على الأيدي العاملة الرخيصة .
• جعل البلاد المستعمرة سوقا لتصريف تجارة المستعمرين .
المعنى ( 2 ) : مجموعة القيم والمواقف المقترنة عادة بالمستعمرين، منها :
• الاستيطان المتمثل في تشجيع رعايا الدولة المستعمرة على الهجرة إلى البلاد المستعمرة لغرض الاستيطان .
• التمييز بين رعايا الدولة المستعمرة والسكان الأصليين .
• التضييق على السكان الأصليين بوضعهم تحت ظروف معيشية صعبة .
• ممارسة الإرهاب ضد السكان الأصليين بهدف طردهم وربما إبادتهم ليحل المستوطنون محلهم ويستأثروا بخيرات البلاد دونهم .

الاستعمار الجديد : وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين إنهيار معظم النظم الاستعمارية القديمة بفضل كفاحات الشعوب المستعمرة وتضحياتها العظيمة من أجل طرد المستعمرين .
وقد أصدرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، بتاريخ : 14 / ديسمبر كانون الأول / 1960م القرار الذي تضمن منح شعوب العالم غير المستقلة حق تقرير مصيرها بنفسها، وانتقلت بذلك السلطة من القوى الاستعمارية إلى أهل البلاد وسكانها الأصليين، وانتهى بذلك عهد الاستعمار القديم ليحل محله ما سمي بالاستعمار الجديد، حيث :
• أن قوانين القوى الاستعمارية ولغتها بقيت في معظم الحالات في البلاد المستعمرة بعد استقلالها .
• لم يتحقق الاستقلال على جميع الأصعدة، فقد بقيت معظم المستعمرات معتمدة على المستعمرين السابقين من النواحي الثقافية والاقتصادية وغيرها، وقد نشروا في البلاد الإسلامية الالحاد والعداء للإسلام والشعائر الإسلامية والقرآن، وخلقوا المشاكل الروحية والأخلاقية، مثل : شرب الخمور والربا والبذخ والقمار .
• خلف الاستعمار وراءه الكثير من المشاكل الحدودية بين الدول المتجاورة وبؤر المنازعات والأنظمة الملكية الرجعية الفاسدة المتواطئة مع الاستعمار وطوابير العملاء، ونقضوا كل ما من شأنه أن يكون مؤثرا في توحيد الكلمة وجمع الشمل ورص الصفوف، أو يجعل للمستضعفين سبيلا للتقدم العلمي والأدبي والسياسي والاقتصادي، ليبقى المجال أمام المستعمرين مفتوحا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستضعفة والضغط عليها في جميع الأوقات .
والاستعمار الجديد لا يقل بشاعة وسوء عن الاستعمار القديم، ويتجلى فيه الظلم والطغيان والنهب كسابقه، إلا أنه يلبس قناعا مزركشا يُخفي وجهه القبيح أمام عيون البسطاء والمغفلين . ومع ذلك : عاد إلينا الاستعمار من جديد بشكل فاضح في القرن الواحد والعشرين بإحتلال العراق وأفغانستان وغيرهما بالقوة العسكرية، وذلك حينما عجزت الأساليب المقنعة للإستعمار الجديد عن تحقيق أهداف المستعمرين الباطلة والظالمة .
وكان ولا زال الاحتلال الصهيوني لفلسطين العزيزية والجولان وجزء من الأراضي اللبنانية، أسوء صنوف الاستعمار وأكثرها دموية، ولا زال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، في كفاح مستمر مع الكيان الصهيوني المدعوم من أمريكا والغرب، ولا زالت هذه الشعوب ـ وخاصة الشعب الفلسطيني ـ تدفع الأثمان الباهظة إلى اليوم، في مواجهتها لظلم الكيان الصهيوني وطغيانه .

النموذج ( ب ) الدكتاتورية : وهي شكل من الحكم السياسي ( ملكي أو جمهوري ) يستولي فيه فرد ( قد يكون على رأس عائلة أو حزب أو جماعة من الضباط ) ينفرد بكل مظاهر السيادة والسلطة في الدولة، وتنحصر السلطات جميعها بشخصه، ويمارسها بحسب مشيئته، بحيث يحكم بصورة مطلقة، وبإرادة إعتباطية مستبدة، غير مقيدة بقيود قانونية أو دستورية أو عرفية ( أي الحدود المتعارف عليها لسلطة الحاكم ) وبدون النظر إلى رأي الشعب وموافقته، وبلا مسؤولية تجاه الناخبين أو أية هيئة سياسية أخرى، وهذا هو عين الاستبداد .
ويحصل الدكتاتوريون على السلطة عادة بوسائل غير دستورية ـ غالبا ما تكون عنفية : انقلابات عسكرية دموية أو قوة احتلال ـ ويحتفظون بالسلطة أمام إرادة الشعب بالقوة وبالأعمال التعسفية، أي : يحكمون الشعب بالحديد والنار، ويعملون على هضم الحقوق الطبيعية والوضعية للمواطنين، ويتذرعون لذلك : بدعوى المؤامرات الداخلية والأخطار الخارجية التي تهدد الوطن والمواطنين .
وفي الإدارة السياسة يلجأون غالبا :
• إلى الاستفتاءات المزورة، ونشر الأكاذيب ـ بواسطة الاعلام غير المستقل ـ للتضليل وتشويه الحقائق، والإباحية والإفساد الأخلاقي لإلهاء الشعوب عن واقعها، والفبركات الأمنية للكيد بالمعارضة والإيقاع بها، وغير ذلك .
• وإلى صياغة دستور جديد مفصل على قدهم لمواجهة الشرعية وتثبيت موقعهم في الحكم باسم الدستور والصلاحيات الدستورية، والقوانين المقيدة للحريات لفرض قبضتهم على أبناء الشعب ومواجهة المعارضة باسم القانون .
• ويفرضون على المجلس التمثيلي غالبية من الموالين لهم من خلال التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية وتزوير نتائج الانتخابات، وينتقصون صلاحيات المجلس التمثيلي من خلال تشكيل مجلس معين من أصحاب المصالح وفسدة الضمير، لتزوير الإرادة الشعبية، والحكم ظلما بأسم الشعب .

النموذج ( ج ) العنصرية : والمراد منها معنيين أساسيين ، وهما :
المعنى ( 1 ) : الاعتقاد بأن الاختلاف في الانتماء العرقي ينتج عنه اختلاف في الخصائص والقدرات : الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، بصورة وراثية وحتمية وأبدية، بحيث لا يمكن ـ بحسب عقيدتهم ـ تجاوزها أو تخطيها أو معالجتها، ويستتبع ذلك تمييزا وفروقا في المعاملة بين المجموعات العرقية .
المعنى ( 2 ) : السلوك التمييزي القائم على العقيدة العنصرية وغيرها، فالعنصريون :
• يعتقدون بأن عرقهم أفضل من جميع الأعراق الأخرى .
• ويدعون إلى ضرورة الحفاظ على نقاء العنصر وتفوقه وعدم اختلاطه .
• ويسعون إلى فرض سيطرته على سائر العناصر .
وتمثل العقيدة العنصرية : غطاء فكريا سيئا للهيمنة والتمييز والاضطهاد وسوء التصرف، مثل :
• مواقف عدائية غير مألوفة ضد الغير، مثل : القتل خارج القانون، وإحداث أعمال الشغب، والاضطهاد والتطهير العرقي، وشن الحروب .
• التمييز أمام القانون، وفي الاجراءات الأمنية، وفي تخليص المعاملات، وفي الحصول على خدمات الدولة .
• السعي لتوسيع الفروق العرقية .
• منع أي دمج سياسي مناسب وأي فهم مشترك بين المجموعات العرقية .
أما الفروقات التي تدعوا إلى السلوك التمييزي فلها أشكال ودرجات، منها :
• الاختلاف في العرق واللون .
• الاختلاف في الدين واللغة واللباس .
• الاختلاف بين الطبقة الحاكمة وأبناء الشعب .
• الاختلاف بين المستعمرين وأبناء المستعمرات .
• الاختلاف بين القادمون من الخارج والسكان الأصليين .
وتعتبر العنصرية والسلوك التمييزي سمة واضحة لنظم سياسية كثيرة في العالم، ومن أبرز الأمثلة وأكثرها تطرفا :
• الكيان الصهيوني في فلسطين .
• المانيا الفاشية .
• الفصل العنصري في جنوبي أفريقيا .
• الكوكلاكس كلان، وهي منظمة عنصرية شكلها البيض في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1865م للتمييز ضد السود، وقد مارست هذه المنظمة العديد من عمليات الاغتيال والإرهاب ضد السود الأمريكيين .
وتوجد دول وأحزاب سياسية لها برامج عنصرية في كثير من بلدان العالم الحديث، وإني أصنف السلطة في البحرين ـ في الوقت الحاضر ـ ضمن الدول التي تمارس السلوك التمييزي الفاحش ضد الشيعة في داخل الوطن، وقد أشارت إلى ذلك الكثير من التقارير ذات السمعة الدولية .

المحور ( 2 ) المعالجة الإسلامية القيمية للأشكال الثلاثة : وتتمثل في الرؤية الإسلامية لقيم : الحق والعدل والمحبة والحرية .
فالأشكال الثلاثة ( الاستعمار، والدكتاتورية، والعنصرية ) من أبشع المظاهر المجتمعية الخطيرة للباطل والظلم والطغيان، والاعتداء على حقوق الإنسان، والإساءة للكرامة الإنسانية، وليس فيها أي مظهر من مظاهر الحق والعدل والجمال والخير والفضيلة والكرامة الإنسانية .
ومن أجل التأسيس القيمي لرفضها إسلاميا، أوضح الرؤية الإسلامية لأربع قيم أساسية، وهي :
• الحق .
• والعدل .
• والمحبة .
• والحرية .
وجميعها ينقض جميع أشكال الظلم والطغيان الفردي والمجتمعي، ويدينها .

القيمة ( أ ) الحق : يطلق الحق في الفلسفة الإسلامية ـ فيما يطلق ـ على واجب الوجود بذاته ( وهو الله ذو الجلال والإكرام ) فهو الحق المطلق الذي لا يدخله شيء من الباطل، وهو جل جلاله ـ بحسب الفلسفة الإسلامية ـ لا يعبد إلا بالحق، فيجب على العبد الموحد :
• أن يتعلم كيف يميز بين الحق والباطل .
• وأن يسعى لمعرفة الحق، وأن يزيل كل حجابا يحجبه عنه .
• أن يلتزم عمليا بمظاهر الحق وتجلياته في السلوك والمواقف العامة والخاصة .
وذلك لتحقيق النتائج المهمة التالية :
• ليكون العبد موحدا وعابدا لله حقا، ظاهرا وباطنا .
• وليحصل على الكمالات الروحية والمعنوية .
• وليكون آمانا في الدنيا والآخرة .
والخلاصة : الأشكال الثلاثة ( الاستعمار، والدكتاتورية، والعنصرية ) تجليات للباطل، ومظاهر متعارضة مع الحق والتوحيد .

القيمة ( ب ) العدل : وهو الاستقامة في السلوك والمواقف على طريق الحق، وهو الوجه العملي للحق، فالحق والعدل وجهان لحقيقة واحدة، يمثل الحق وجهها النظري، ويمثل العدل وجهها العملي، ويقابله الظلم والجور .
ولهذا نجد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، الإشارة إلى ثلاث حقائق أساسية، وهي :
الحقيقة ( 1 ) : أن إقامة العدل وبسط الأمن بين الناس يمثلان غاية بعث الأنبياء والرسل وإنزال الكتب السماوية، ليعيش المجتمع هانئا تعمه الراحة ويسوده الاستقرار .
قول الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } ( الحديد : 25 ) .
وقول الله تعالى : { وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } ( الشورى : 15 ) .
الحقيقة ( 2 ) : الأمر بالعدل والنهي عن الظلم، وفرض النصرة للمظلومين، والنهي عن لزوم الصمت إزاء الظلم والطغيان .
قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
وقول الله تعالى في وصف المؤمنين : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ( الشورى : 39 ) .
وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به، شركاء ثلاثة ” (البحار .ج75 . ص312) .
وقوله (عليه السلام) في وصيته للحسن والحسين ( عليهما السلام ) : ” كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ” (النهج.الكتاب:47) .
الحقيقة ( 3 ) : أن عاقبة الركون إلى الظالمين النار .
قول الله تعالى : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } ( هود : 113 ) .
وذلك لأن الركون إلى الظلم والظالمين هو ركون إلى غير الله عز وجل، وإلى غير الحق .
وللعدل بعدان في حياة الإنسان :
البعد ( 1 ) الشخصي : ويدل على حالة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال المطابقة للحق .
البعد ( 2 ) المجتمعي : ويدل على احترام حقوق الآخرين ( إعطاء كل ذي حق حقه ) والإمتناع عن الشر، والتقيد بالصالح العام .
أما في السياسات الغربية والوضعية عموما : فمعيار الحق هو المنفعة ( البرجماتية ) وعلى هذا الأساس تُبنى مختلف السياسات : الداخلية والخارجية ..
• فقام بذلك الاستعمار وفرض سيطرته على الشعوب بالقوة .
• ومارس الاستعمار التمييز ضد السكان الأصليين .
• ومارست قوى الاستكبار العالمي ـ ولازالت تمارس ـ نهب ثروات الشعوب وفرض الهيمنة على مقدراتها .
• وغاب العدل وانتشر الظلم وظهر الفساد في البر والبحر .
والخلاصة : لقد اعتنى الإسلام الحنيف بالعدل، وتبنت السياسة الإسلامية العدل في جميع المجالات الشخصية والمجتمعية : الحقوقية والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها، بما لا مثيل له في أي نظام في العالم والتاريخ كله .
والأشكال الثلاثة ( الاستعمار، والدكتاتورية، والعنصرية ) تجليات واضحة للظلم والجور والطغيان، وهي مظاهر مجتمعية معارضة للحق والعدل، والإسلام الحنيف يرفضها رفضا قاطعا .

القيمة ( 3 ) المحبة : وهي نقيض الأنانية والكراهية، وتوجب على المرء إنكار الذات، والزهد في المنافع المادية الشخصية، والإحسان إلى الغير والسعي لجلب المنفعة إليهم، بل توجب على المرء الإيثار، بأن يريد لغيره أكثر مما يريده لنفسه، وأن يجود بنفسه في سبيل غيره .
قول الله تعالى : { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( الحشر : 9 ) .

ونتوصل مما سبق إلى النتايج المهمة التالية :
النتيجة ( 1 ) : أن المحبة أسمى من العدل .
النتيجة ( 2 ) : أن واجبات المحبة أوسع من واجبات العدل .
النتيجة ( 3 ) : أن الإنسان لا يحتاج إلى العدل إلا إذا فاته شرف المحبة .
النتيجة ( 4 ) : أن المحبة تمثل الأساس الذي تقوم عليه العدالة والوئام في المجتمع، فإذا تحاب الناس تناصفوا، ولم يقع بينهم خلاف، ويتحقق الأمن والاستقرار والإزدهار في المجتمع .

وفي الحقيقة : لا يمكن أن تتحقق المحبة في صورها الناصعة، إلا بالمعرفة الحقيقية من الإنسان لله ذي الجلال والإكرام، والسعي لقربه ورضاه، والالتزام بطاعته . وتمثل المحبة الظاهرة الروحية لتجلي الرحمة الإلهية في حياة الإنسان .
والخلاصة : أن الأشكال الثلاثة ( الاستعمار، الدكتاتورية، العنصرية ) تجليات بشعة للأنانية والكراهية، وتتعارض مع المحبة والتوحيد، والاسلام الحنيف يرفضها رفضا قاطعا، لأنها هبوط إلى الحضيض، والإسلام الحنيف يريد أن يسمو بالإنسان إلى الملكوت الأعلى، حيث المحبة والطهارة والكرامة الحقيقية للإنسان .

القيمة ( 4 ) الحرية : لقد رفع الإسلام الحنيف شعار الحرية، ويرى أنها عنصر من عناصر الحياة الكريمة للإنسان، وقد جعل الإسلام الحنيف عبودية الإنسان الحقيقية لله وحده لا شريك له، وهي تعني :
• التحرر الواقعي للإنسان من العبودية للغير .
• وتؤسس للتحرر الفعلي للإنسان على كافة الأصعدة : حرية الفكر والتعبير، والتخلص من الأوهام والخرافات، وحرية الاختيار في السلوك والمواقف، وغيرها .
• وتحمل الإنسان على الإرتقاء في سلم الكرامة والكمال الروحي والمعنوي .
• وتقويه على مجابهة صعوبات الحياة وتحدياتها .
• وتجعل منه فردا صالحا في المجتمع .
والخلاصة : أن الأشكال الثلاثة ( الاستعمار، والدكتاتورية، والعنصرية ) تجليات للشرك بالله وللاوهام والاستعباد للخلق، وتتعارض مع الفطرة والتوحيد وتطلعات الإسلام الحنيف للارتقاء بالإنسان في سلم الكمال الروحي والمعنوي، ولذلك : يرفضها الإسلام رفضا قاطعا .

المحور ( 3 ) المعالجة الإسلامية السياسية للأشكال الثلاثة :
معالجة الشكل ( 1 ) الاستعمار : ينظر الإسلام الحنيف إلى المجتمعات الإنسانية باعتبارها وجودات اجتماعية لها حقوق واحدة، وعلى هذا الأساس يجب أن تقوم العلاقات بين الدول .
قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .
ويرفض الإسلام الحنيف كافة أشكال الاستعمار والقتال من أجل التسلط والحصول على الغنائم والأموال والشهرة والشهوات الحسية، ويجعل الغاية من الجهاد تحرير الإنسان من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، ودفع شر المعاندين، وتحقيق السعادة الإنسانية وضمان كرامتها الحقيقية في ظل تطبيق دقيق لشريعة إنسانية عادلة وسمحة .
وقد فرض الإسلام الحنيف قيودا على استخدام القوة العسكرية في المواجهة، وحدد بدقة الموارد التي يجوز فيها استخدام القوة ولا يجوز فيما عداها، لكي لا يتحول الجهاد إلى اعتداء وإثم كبير، وفرض الترحيب بالمبادرات السلمية .
قول الله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ . فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } (البقرة:190ـ193) .
وقول الله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } ( الانفال : 61 62 ) .

وقد أقر الإسلام الحنيف لأهل البلاد المستعمرة المظلومين الحق في الدفاع عن أنفسهم والتخلص من ظالميهم وتحرير بلادهم بكل الوسائل المشروعة : الدبلوماسية والعسكرية، وهي حالة :
• مشروعة وضرورية تستلزمها سلامة الحياة الإنسانية من الفساد، قول الله تعالى : { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( البقرة : 251 ) .
• وتقررها كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، قول الله تعالى : { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الشورى:41ـ42).

وفرض الإسلام الحنيف على المظلومين والمضطهدين أن يعدوا العدة لمواجهة العدو ونهاهم عن التقاعس .
قول الله تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ( الأنفال : 60 ) .

وأعطاهم حق الاستنجاد بالغير لنصرتهم وقطع دابر المستعمرين، ولا لوم عليهم في شيء من ذلك .
قول الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ( الأنفال : 72 ) .

وقد سلك الإسلام الحنيف طرقا عديدة لمناهضة الاستعمار، منها :
( 1 ) التأكيد على إستقلالية الأمة الإسلامية وعزتها وكرامتها ودورها الريادي في قيادة البشرية نحو الحق والعدل والخير والتقدم والازدهار .
قول الله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } ( البقرة : 143 ) مما يؤدي إلى نبذ التبعية للثقافة الغربية وآدابها ومظاهرها الفاسدة، ورد كل القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية المقدسة .
( 2 ) النهي عن الولاء لغير الله عز وجل والمؤمنين الذين يقومون بأداء فرائض الله عز وجل عليهم، وما يجب عليهم تجاه أمتهم والمستضعفين من الناس . والتهديد بالخذلان والعذاب الأليم لكل من يطلب الغلبة والنصر بواسطة المستعمرين والمستكبرين والاستعانة بهم والركون إليهم والاعتقاد في قدرتهم على إيصال الخير إلى الناس، ووصمه بالنفاق .
قول الله تعالى : { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعً } (النساء:138ـ139) .
( 3 ) الأمر بالقتال دفاعا عن المحرومين والمستضعفين في الأرض .
قول الله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا } ( النساء : 75 ) .

معالجة الشكل ( 2 ) الدكتاتورية والاستبداد : تعتبر الدكتاتورية ..
• من أبرز المظاهر المجتمعية المناقضة لحقوق الإنسان وكرامته .
• ومن أخطر المشاكل المعيقة لتقدم الإنسان وتطوره وازدهاره .
وقد اعتبر الإسلام الحنيف الحرية والعدل أساسان في الدين والحكم، فلا يقوم مجتمع صالح إن لم يؤسس بنياه عليهما، وهما ميزان لا يحابي الأصدقاء والأحباب، ولا يظلم الأعداء والخصوم .
وقد سلك الإسلام الحنيف طرقا عديدة لمناهضة الدكتاتورية والاستبداد، منها :
( 1 ) فرض إقامة الدولة الإسلامية الرشيدة بقيادة الإمام العادل، الملتزمة بتطبيق الشريعة المقدسة والمفاهيم الإسلامية المنبثقة عن عقيدة التوحيد وتجسيدها في واقع الحياة، بحيث تمثل التجلي الطبيعي والواقعي لعقيدة التوحيد في الحياة، وما تفرضه من العدل والحرية والمحبة والسلام والتقدم والازدهار .
فدولة المعصوم والولي الفقيه، تعني :
• تحصين موقع القيادة العليا في الدولة ضد الجهل والظلم والرذيلة .
• فرض القانون والنظام على جميع المواطنين بدون أية استثناءات .
• أن تمثل الدولة التجلي الطبيعي والواقعي لعقيدة التوحيد ( صفات الجمال والجلال ) في الحياة .
والخلاصة : دولة المعصوم والولي الفقيه، نقيض طبيعي ووضعي للظلم والاستبداد والطغيان .
( 2 ) فرض الإسلام الحنيف على الحاكم الشورى واحترام إرادة المواطنين وتمثيلهم واشراكهم في إدارة شؤون الدولة، ومنع مخالفة نتائج الشورى .
في الحديث الشريف : ” استشر العاقل من الرجال الورع، فإنه لا يأمر إلا بخير، وإياك والخلاف، فإن مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين والدنيا ” (المحاسن . ص602) .
وجعل الحاكم مسؤولا بين يدي الله عز وجل ثم بين يدي المواطنين .
وفرض على الأمة مراقبة الحاكم ومحاسبته أدق مراقبة وأشد محاسبه على أساس الدين ومصالح العباد .
واعتبر الشورى الأساس لـ :
• القوة والأمن والاستقرار والتقدم والازدهار .
• وتوطيد العلاقة بين السلطة والشعب .
• وأفضل الطرق للكشف عن الكفاءات والقدرات .
&bbull; وأفضل السبل لمعرفة الواقع، وللحزم والصوابية في اتخاذ القرارات وتنفيذها، ولنجاح الحكم في وظائفه .
• وأفضل السبل لإقناع المواطنين بالمشاركة الصادقة في الدفاع عن نظام الدولة وحمايته من كافة الأخطار المحدقة به : داخليا وخارجيا .
وقد جرت سيرة الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده على ذلك .
( 3 ) فرض الإسلام الحنيف تساوي جميع المواطنين أمام القانون، لا فرق بين حاكم ومحكوم في ذلك، وتقييد صلاحيات الحاكم بالنصوص الدستورية ( القرآن والسنة ) وعدم السماح له بمخالفتها والخروج عنها، وصيانة حقوق الإنسان الطبيعية والوضعية القائمة على أساس عقيدة التوحيد الإسلامية .
وقد أقر الإسلام الحنيف الحقوق التالية للمواطنين، وألزم الدولة بتهيأة الظروف والوسائل لتطبيقها :
• الحق في المعارضة وتكوين الجمعيات والأحزاب بشرط أن لا تشكل حربا ضد الإسلام، ولا تتنافي أنشطتها مع المصالح العامة للمجتمع والدولة .
• الحق في الاحتجاج والاجتماع السلمي الذي تراعى فيه الآداب الشرعية والمصالح العامة .
• حق الأفراد في الحياة والأمن وحرية العقيدة والعبادة والتعبير عن الرأي والتعليم واختيار الزواج من غير المحارم والتنقل والسكن والمراسلات واختيار العمل لكسب المعيشة من الحلال الطيب والملكية والتصرف في المال الخاص، وغيرها من الحقوق الطبيعية والوضعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية المقدسة . وفرض على الدولة والمجتمع ـ تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ حماية حقوق الضعفاء، وعدم السماح لأحد ـ أي كان ـ بانتهاكها .

معالجة الشكل ( 3 ) العنصرية : يرفض الإسلام الحنيف العنصرية رفضا قاطعا، لأنها تعارض مفاهيم العدل والكرامة الإنسانية، وسلك طرقا عديدية لمناهضة العنصرية، منها :
( 1 ) التأكيد على وحدة النفس البشرية ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) وعلى القيمة الإنسانية الواحدة والمشتركة بين جميع البشر، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح .
قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .
وقد أثبت العلم الحديث تهافت الإدعاءات العنصرية القائلة بتفوق أعراق معينة بسبب تركيبها البيولوجي على أعراق أخرى، فعلميا :لا فروقات عرقية جوهرية بين البشر .
وفي المنظور الإسلامي :
• الناس سواسية كأسنان المشط .
• وهم متساوون في الحقوق والواجبات .
فالإسلام يسقط كل الاعتبارات الجاهلية : ( الطبقية، والعرقية، واختلاف الدين واللون واللغة، وغيرها ) التي أقام عليها العنصريون القدماء والجدد فلسفاتهم العنصرية الجائرة والحاقدة على الإنسان، التي تكرس الظلم الاجتماعي، وتهدر كرامة الإنسان، وتهضم حقوقه الطبيعية والوضعية .
وقد دعى الإسلام الحنيف إلى التضامن والتكافل بين جميع البشر، وعد الاعتداء على أي إنسان اعتداء على الإنسانية، وانقاذ أي إنسان من الهلكة إنقاذ للإنسانية .
قول الله تعالى : { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } ( المائدة : 32 ) .
( 2 ) التحذير من الجاهلية، وهي حالة تتجلى فيها الأهواء، أهواء : الأفراد، والطبقات، والقوميات، وغيرها، وتبتعد عن الحالة الإنسانية السامية والنبيلة .
قول الله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ( المائدة : 50 ) .
( 3 ) تعميق الوازع الديني الذي يغرس في الإنسان العقيدة بالرب الواحد لجميع البشر، الذي لا محاباة لديه لأحد على حساب أحد، ولا لقوم على حساب قوم آخرين، ولا لأهل دين على حساب أهل دين آخر، لأنه رب الجميع العادل الحكيم، والكل لديه سواء . ويغرس في الإنسان مخافة الله جل جلاله، ويشعره بجلاله وعظمة حسابه يوم القيامة، مما يؤدي إلى تطهير نفس الإنسان من الأنانية والأحقاد ومن كل خلق سيء، ويعطيه القوة الروحية للبر والإحسان والمساواة بين البشر، ويزجره عن العنصرية وعن كل إساءة إلى الغير .

المحور ( 4 ) دور وحدة الأمة والتعاون مع الغير في تحقيق المقصد : الوحدة في كل ما يجب أن تكون فيه، من شعارات الإسلام الكبرى التي لا يفتأ يدعو المسلمين إلى تحقيقها في الواقع، وهي :
• واجب من الناحية الشرعية .
• ومن مستلزمات الوقوف في وجه التحديات في الصراع الحضاري بين الإسلام وخصومه .
• والسبيل إلى القوة والمنعة والغلبة في الحق .
وتمتاز الوحدة الإسلامية بمجموعة خصائص، حيث أنها تقوم على أساس الحق والعدل والخير والفضيلة، وليس على أساس المصالح المادية : الشخصية والحزبية والفئوية وغيرها .
وقد عدها القرآن الكريم قرين الإيمان، قول الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ( الحجرات : 10 ) وعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الفرقة قرين الكفر، قوله : ” لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض ” .
فهذه الوحدة :
• تنبع من الدين والعقل والضمير .
• ومسايرة لتكوين الإنسان وفطرته .
• وهي تقوم على الطواعية والاختيار .
• وتسودها الإلفة والمحبة .
• وتستطيع أن تجمع تحت مظلتها جميع المؤمنين المصدقين برسالات الأنبياء ( عليهم السلام ) .
• وتمثل حالة روحية جمالية غير قابلة للتصدع، فلديها القدرة على الصمود أمام المغريات والتهديدات، لأنها تقوم على أصول عقلية وإيمانية وواقعية ثابتة وراسخة ومشتركة بين الجميع .
وتعتبر الوحدة من الأركان الأساسية لنجاح الأمة في مناهضة كافة أشكال الظلم والطغيان والقضاء عليها، وذلك :
• لأن الوحدة قوة ومنعة، فهي السبيل إلى الصمود والبناء وتحقيق النصر والغلبة في الحق .
• وتعطي القدوة الحسنة، وتطرح النموذج الرائد للأمم في الوحدة، وتثبت عظمة الإسلام الحنيف وقدرته على توحيد الأمة وتفجير طاقاتها وتوظيف قدرات أبنائها في الصمود والبناء وتحقيق النصر والغلبة، وتمنح القدرة على التأثير الإيجابي في الغير .
• وتفتح آفاق التعاون الإسلامي : ( الفكري والمعنوي والمادي والبشري ) لإنجاز المقصود، وتفتح آفاق التعاون مع الغير على المشتركات ( كلمة سواء ) قول الله تبارك وتعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ( آل عمران : 64 ) وهو سبيل مهم لإنجاز المقصود : إنسانيا وعالميا .
والخلاصة : لو توحدت كلمة المسلمين واجتمعوا تحت راية الإسلام الحنيف، لتعززت قدراتهم الروحية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ومساهماتهم في الحياة الإنسانية بشكل أفضل، وما كان للاستعمار وللصهيونية العنصرية وللدكتاتورية، أن تتمكن منهم وتفرض سيطرتها الظالمة عليهم .

توصيات ختامية : في ختام هذه الكلمة، أوصي المؤتمرين بما يلي ..
( 1 ) الاهتمام بالتربية الروحية والقيمية في الأوساط التي لهم تأثير عليها، فلم يدخل الظلم والطغيان والاستبداد والفساد والتخلف والاستعمار إلى المجتمعات الإسلامية، إلا حينما سلبت منا القيم الملكوتية الرفيعة ( الحق، والعدل، والمحبة، والحرية، وغيرها ) وضيعناها بلهونا في ملذات الحياة الحسية، فأصبحنا أذلاء في أيدي أعدائنا الشرقيين والغربيين من قوى الأستكبار العالمي، وضحايا هينين للسلطات الطاغوتية المستبدة في بلداننا .
( 2 ) دعم حركات التحرر التي لها قضايا عادلة، والمستضعفين في جميع أنحاء العالم، ومناهضة الاستعمار والدكتاتورية والعنصرية بكافة أشكالها، ومقاطعة الكيان الصهيوني .
( 3 ) تعزيز العلاقات والتعاون بكافة أشكاله السلمية المشروعة على المستويات الفردية والجماعية بين الناشطين : فكريا وسياسيا وحقوقيا، في سبيل :
• إيجاد حالة إسلامية وإنسانية عالمية، يتم التوافق فيها على مشروع عالمي للقيم الإنسانية الرفيعة، والمفاهيم الضرورية للحكم والوحدة الإسلامية والتعايش السلمي بين شعوب العالم .
• دعم القضايا العادلة لدى كافتها .
مما يساهم في التكامل الإنساني وبناء حضارة إنسانية عادلة، ويحث الخطى نحو نظام إنساني واحد للبشرية يقوم على أساس العقيدة الإليهة، وتطبيق الأحكام الإلهية المشتركة في الديانات السماوية، ومباديء الإسلام الحنيف .
( 4 ) بذل قصاري الجهود في توثيق عرى المحبة والمودة والتعايش السلمي بين شعوب العالم والطوائف الإسلامية، ومنع حصول أية منازعات طائفية أو إقليمية أو غيرها من شأنها أن تضر بالوحد الإسلامية والتعايش السلمي بين الشعوب في العالم .
( 5 ) تشجيع الحوار بين الأديان والحضارات والطوائف وعقد المؤتمرات، مما من شأنه أن يساهم في العمل الإنساني المشترك لمناهضة الظلم والطغيان والفساد في العالم بكافة أشكاله، ويشجع على تأمين سلامة الدول وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لكافة الشعوب . ومقاطعة كل المؤتمرات والفعاليات التي تشجع على الفرقة والنزاعات غير العادلة بين المسلمين أو غيرهم وتضر بمصالح المسلمين والمستضعفين في الأرض .
( 6 ) أقترح تشكيل لجنة رصد ومتابعة تقوم بالمهام التالية:
• رصد حالات التأزيم الطائفي في العالم الإسلامي وبلورة مشاريع حلول لها.
• التواصل مع الجهات التقريبية و الاطراف المؤثرة في سبيل تفعيل الحلول المقترحة.
• متابعة تنفيذ ما يصدر عن المؤتمر من قرارت، والتحضير للمؤتمرات اللاحقة على ضوء نتائج الرصد والمتابعة .
• إصدار وثيقة عن المؤتمر تتضمن أهم ما طرح فيه لخدمة مقاصده الإسلامية والإنسانية.

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير
واستغفر الله لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى