خطبة الجمعة | 8-8-2003
الخطبة الدينية : علاقة الإنسان بالكون – رؤية قرآنية ج2
أعوذ بالله السميع العليم
منشر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد وآهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه النتجبين ومن أتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين . السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء ، سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، سيدي شباب أهل الجنة أجمعين . السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين ، والصراط المستقيم . السلام على الخلف الصالح ، الحجة بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء . السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . السلام على جميع ملائكة الله المقربين ، السلام على الكاتبين الشاهدين . السلام على شهداء الانتفاضة السعداء المظلومين ، السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته .
قال الله تعالى في محكم كتابه المنزل : ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ) . آمنا بالله صدق الله ألعلي العظيم
هذه الآية الشريفة المباركة ، وهي الآية رقم : ( 192) من سورة ( آل عمران ) ، والبحث فيها هو استمرار للبحث في الآيات التي سبقتها وكانت موضوع بحثنا في الأسبوع الفائت . وهي تتناول مجموعة من الحقائق التي تتعلق بمعرفة النفس ، والتي يتوصل إليها أولي الألباب بفطرتهم السليمة وبعقولهم النيرة المنفتحة على الآيات الكونية والتفكر فيها ، وقد أشرت إليها بإجمال في الأسبوع الفائت وسوف أواصل البحث فيها في هذا الأسبوع .
قول الله تعالى على لسانهم : ( ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ) .
الرب : هو من يقوم بالتدبير والتربية ، وهو السيد والمالك والمصلح .
أخزيته : الخزي هو الذل والهوان والفضيحة والهلاك .
والمخزي : هو من يقع في بلية أو يفعل الشر ويفتضح أمره ، فيصيبه بذلك الذل والهوان والهلاك .
وتتضمن هذه الآية الشريفة المباركة مجموعة حقائق تتعلق بمعرفة النفس البشرية ، يتوصل إليها أولي الألباب من خلال نظرهم وتبصرهم في الآيات الكونية وفي أنفسهم ، منها :
الحقيقة الأولى : قول الله تعالى على لسانهم : ( ربنا ) حيث يدل هذا اللفظ على أنهم عرفوا ، بأن الله جل جلاله هو الخالق والمدبر للكون ، هو أيضاً الخالق والمدبر للإنسان والمتعهد بأن يوصل الإنسان إلى كماله وغاية وجوده . وهذا يقتضي بأن يضع الله جل جلاله للإنسان منهج الحياة الكفيل بتحقيق كماله والغاية من وجوده ، وهذا هو القول والحقيقة التي تتناسب مع العقيدة بحكمة الله جل جلاله ، والعقيدة بكرامة الإنسان . فكيف يعقل أن يضع الله جل جلاله كل جزء في هذا الكون الفسيح في مكانه المناسب ، ويضبط حركته ووظيفته بدقة دقيقة ، وفق قوانين في غاية الصرامة ، من أجل أن يحقق كل جزء في هذا الكون الفسيح غاية وجوده ، وأن يتعهد بأن يوصل البذرة إلى كمالها بأن يجعل منها شجرة مثمرة ، ويتعهد بأن يوصل النطفة إلى كمالها بأن يجعل منها كائناً كامل الأعضاء يؤدي وظيفته العضوية في غاية الدقة !! ثم يهمل الإنسان أفضل المخلوقات ، فلا يضع له منهج حياته الذي يتوقف عليه كماله وتحقيق غاية وجوده ؟!
هل الله جل جلاله عاجز أو قاصر عن ذلك ؟
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
أم أن وجود الإنسان لا يحتاج لهذا التشريع ، كما يقول العلمانيون الذين قال الله عنهم : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ( الأنعام : 91 ) ؟!
أستغفر الله سبحانه عما يقولون !!
إن كمال الإنسان الحقيقي يتعلق بكماله العقلي والقلبي والروحي ، وحياته يوم القيامة ، ومعرفة تفاصيل ذلك خارج عن دائرة قدرة الإنسان ، مما يقتضي إرسال الرسل ، الذين يحملون على عواتقهم توضيح المنهج الرباني القادر على أن يوصل الإنسان إلى غاية وجوده وكماله ، ويتعهدوا بتربية الإنسان، وأن يعطوا من أنفسهم القدوة الحسنة للإنسان في حياته ، لكي يرتقي في معارج الكمال ويحقق غاية وجوده . وقد توصل أولوا الألباب بفطرتهم السليمة وعقولهم النيرة إلى معرفة كل ذلك من خلال التفكر في الظواهر الكونية وفي أنفسهم . والحمد لله رب العالمين .
ومن جهة أخرى : فإن قولهم في بداية الجملة : ( ربنا ) له ثلاث دلالات رئيسية ، وهي :
الدلالة الأولى : يدل على كمال اليقين بالمضمون ، الذي ذكرته في الحقيقة الأولى والذي يأتي بعده في الحقائق التالية .
الدلالة الثانية : شدة الخوف من الخزي ، كما يدل عليه قول الله تعالى على لسانهم : ( إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) .
الدلالة الثالثة : الخضوع المطلق لله جل جلاله ، كما يدل عليه قول الله تعالى على لسانهم : ( وما للظالمين من أنصار ) .
وسوف تتضح الدلالتين : الثانية والثالثة أكثر في مستقبل البحث .
الحقيقة الثانية : قول الله تعالى على لسانهم : ( أنك من تدخل النار فقد أخزيته ) . هذه الفقرة كما ذكرت قبل قليل ، تدل على شدة خوف أولي الألباب من الخزي والعار والفضيحة في مشهد يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي الملائكة وكافة الخلائق ، وتتضمن هذه الحقيقة عدة نقاط ، وهي :
النقطة الأولى : أن أولي الألباب أدركوا بفطرتهم السليمة وعقولهم النيرة المنفتحة على الآيات الكونية والأنفسية ( يعني الآيات التي هي في أنفسهم ) قول الله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ( فصلت : 53 ) ، أدركوا بفطرتهم السليمة وبعقولهم النيرة ، أن النفس البشرية هي عبارة عن مشرع بيد صاحبها ، تنجلي حقيقتها من خلال عمل الإنسان وسلوكه في الحياة ، وهي قابلة للكمال وقابلة للنقص . قال الله تعالى : ( ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) ( الشمس : 7- 10 ) . فالنفس البشرية قابلة للارتقاء والتكامل بحيث تكون كما قال الله عنها : ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر) ( القمر : 55 ) . وقابلة للنقص والهبوط حتى تنسلخ وتخرج من دائرة الإنسانية كما قال الله تعالى عن أناس : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) ( الفرقان : 44 ) . وأن كل ذلك يتوقف على عمل الإنسان وسلوكه في الحياة كما ذكرت قبل قليل .
النقطة الثانية : تدل الآية الشريفة المباركة على أن أولي الألباب لديهم خوف شديد من النقص والفقر الذي يصيب الإنسان في إنسانيته نتيجة المعاصي ومخالفة منهج الله تعالى في الحياة ، وما يدل عليه ذلك النقص والفقر في إنسانية الإنسان من الحقارة والدناءة ، وما يترتب عليه من الخزي والعار والافتضاح أمام الله جل جلاله والملائكة وكافة الخلائق في مشهد يوم القيامة ، والابتعاد عن الله ذي الجلال والإكرام ، وذهاب الإنسان بعيداً في الشقاء والظلمة ، لتكون النار مثواه ومقره الوجودي الذي يتناسب مع حقيقة وجوده ، وما تلبس به من النقص والحقارة والدناءة .
وفي الآية الشريفة المباركة – كما يقول علماء التفسير – دلالة على أن خوف أولي الألباب من النقص والحقارة والدناءة وما يترتب على ذلك من الابتعاد عن الله ذي الجلال والإكرام ، أن خوفهم هذا : هو أشد من خوفهم من النار كما سيتضح أكثر بعد قليل .
النقطة الثالثة : أنه واستناداً لما اكتشفه أولوا الألباب من هدفية الحياة وحكمة رب العالمين وعدالته وحكمة اليوم الآخر، فقد أدركوا بأن أمام الإنسان مصيرين وجوديين في يوم القيامة ، وهما :
المصير الأول : مصير مشرق وسعيد لمن آمن وعمل صالحاً ، كانت له عناية بتربية نفسه وتكميلها على المنهج الرباني الصحيح .
المصير الثاني : مصير شقي مظلم لمن كفر ولم يعمل لآخر ته ، فأهمل نفسه ولم يتقيد بالمنهج الرباني الصحيح في الحياة ، وأنطلق في الحياة مع الشيطان ومع هوى النفس الأمارة بالسوء . نعوذ بالله الكريم من الكفر والفسوق والعصيان ومن غضب الرب الواحد الأحد ومن النار .
والخلاصة : أن أولي الألباب لديهم إدراك كامل بكرامتهم الإنسانية ، وحساسية ضخمة بهذه الكرامة . ولديهم خوف شديد من فقدان هذه الكرامة ، لما يعنيه فقدان الكرامة من نقص في إنسانية الإنسان ، وما يلزم عنه من ابتعاد عن الله ذي الجلال والإكرام . إذ أن الإنسان كلما كان أكثر كمالا في إنسانيته ، كلما كان أكثر قرباً من الله جل جلاله في كماله ، وكلما كان الإنسان أكثر نقصاً في إنسانيته ، كلما كان أبعد عن الله جل جلاله في كماله.
وأعلموا أيها الأحبة : أن الجنة درجات .. والنار درجات ، وكل إنسان يأخذ مكانه في الجنة أو النار حسب درجة كماله أو نقصه . قال الله تعالى : ( هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ) ( آل عمران : 163 ) . و يظهر من الآية الشريفة المباركة ، أن أولي الألباب بمقتضى فطرتهم السليمة وعقولهم النيرة ، يخافون من فقدان كرامتهم الإنسانية وابتعادهم عن الله جل جلاله ، أكثر من خوفهم من النار .
النقطة الرابعة : قول الله على لسانهم : ( فقد أخزيته ) وهذه النقطة ذات صلة بالنقطة الثانية ، وإن كانت تختلف عنها كثيراً . فقد نسبوا الخزي إلى الله جل جلاله ، بينما تدل كل أقوالهم على أنهم يدركون بوضوح تام مسؤولية الإنسان عن عمله وأنه غير مجبر عليه . وبالتالي فإن نسبتهم الخزي إلى الله جل جلاله ، في الوقت الذي يدل على تحمل الإنسان نتائج عمله المخزي ، فإنه يدل على خذلان الله جل جلاله لكل إنسان يدخل النار ، وذلك لأنه بلغ من الظلمة والخبث والشقاء ، إلى درجة لا تنفع في تطهيره إلا النار والعياذ بالله الكريم من غضبه وخذلانه . قال الله تعالى : ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) ( آل عمران : 185 ) ( والزحزحة : تعني النجاة والإبعاد بصعوبة عن النار ) . فهناك من يزحزحهم الله الكريم برحمته عن النار ، والصعوبة في الزحزحة لا تعود إلى الله جل جلاله ، فليس ثمة شيء صعب على الله سبحانه ، وإنما هو بيان لسوء عمل أهل النار ، مع عظيم رحمة الله جل جلاله بالعباد ، التي تتجلى في ذلك اليوم المشهود ، حتى روت الأحاديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، أن إبليس يطمع في رحمة الله جل جلاله في ذلك اليوم المشهود لعظيم ما يراه من ظهور الرحمة وتجلياتها الكبرى ، فلا يدخل النار في ذلك اليوم ، إلا كل من لا تصلحه إلا النار ، لعظيم خبثه وظلمته وشقائه !!
فأي شقاء أعظم من هذا الشقاء ؟!
وأي ظلمة أكثر من هذه الظلمة ؟!
وأي خبث فوق هذا الخبث ؟!
أعاذنا الله وإياكم جميعاً برحمته وكرمه من ذلك كله .
ومن جهة ثانية : فإنه بالإضافة لما قلته قبل قليل من أن خوف أولي الألباب وفرط حساسيتهم من النقص وفقدان الكرامة ، وما يترتب علي ذلك من الابتعاد عن الله ذي الجلال والإكرام ، فإن الآية الشريفة المباركة تدل على أن أولي الألباب يرون أن النعيم الأعظم ليس في الجنة ، وإنما هو في القرب من الله ذي الجلال والإكرام . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( ألهي ما عبدت خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، وإنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) .
وهذا هو تفسير ما قلته في الأسبوع الماضي بأن طموح أولي الألباب أكبر من النجاة من النار ودخول الجنة !!
إن طموحهم هو أن يكونوا قريبين من الله ذي الجلال والإكرام وليس مجرد دخول الجنة . قال الله تعالى على لسان آسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وهي من أولي الألباب ، وقد ضرب الله تعالى بها مثلاً للمؤمنين ، قال الله تعالى على لسانها : ( إذ قالت : رب أبن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) ( التحريم : 11 ) .
تأمل قولها : ( أبن لي عندك بيتاً في الجنة ) . لم تقل بيتا في الجنة ، وإنما قالت : عندك !! أي قريباً منك وفي جوارك .
نعم : كيف يكون أقصى طموح أولي الألباب دخول الجنة ، والجنة يدخلها كل إنسان بريء حتى البلهاء والمجانين والأطفال الذين يموتون في طفولتهم ؟
فما قيمة عقولهم التي ميزهم الله جل جلاله بها وكانت حجته عليهم لطلب القرب وليس الجنة .
فهنيئا لأولي الألباب بطموحهم العظيم ، جعلنا الله برحمته وكرمه في زمرتهم ، ونعوذ بالله تعالى من أن نكون من أهل معصيته وأهل ناره التي سجرها لغضبه .
الحقيقة الثالثة : قول الله تعالى على لسانهم : ( وما للظالمين من أنصار) . هذه الفقرة تدل على الانصياع الكامل والطاعة المطلقة من أولي الألباب لله تعالى ، حيث أنهم أدركوا بفطرتهم السليمة وعقولهم النيرة ، بأن العاصي لا ناصر ينصره من دون الله ، فخضعوا بصدق طائعين لله سبحانه وتعالى ، ويتضمن بحث هذه الحقيقة عدة نقاط تتعلق بمعرفة النفس ، وهي :
النقطة الأولى : تتعلق بالظلم والظالمين .
الظلم : ضد العدل والإنصاف . ويعني غصب الحق أو انتقاصه . ويعني أيضاً : وضع الشيء في غير موضعه ، والميل عن جادة الطريق .. الخ وينقسم الظالمون إلى قسمين ، وهما :
القسم الأول : الظالمون أنفسهم بالمعاصي ، حيث يسلخونها من إنسانيتها ويوردونها نار جهنم ، وكان بوسعهم إثراء إنسانيتهم والاقتراب من الله جل جلاله في كماله ، والفوز بالجنة والكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر . أيها الأحبة الأعزاء : أي ظلم للنفس أعظم من هذا الظلم ، بأن يدخل نفسه إلى نار جهنم وهو قادر على أن يدخلها إلى الجنة ، ويجلسها في مقعد صدق عند مليك مقتدر ؟!
وأي خسارة لها أعظم من هذه الخسارة ؟!
القسم الثاني : الظالمين لأنفسهم وللناس . وهم أشد ظلماً لأنفسهم وأشد عذاباً عند الله جل جلاله يوم القيامة ، لأنهم أضافوا إلى ظلم أنفسهم بالمعاصي ، ظلم الآخرين بإضلالهم أو بسلب حقوقهم وعدم إنصافهم ، وكل ظالم للآخرين ، فهو عاصي وظالم لنفسه .
الفرق بين القسمين : هناك فرق مهم بين الظالم لنفسه والظالم للآخرين . فالظالم لنفسه قد يكون لديه إحساس بإنسانيته وبكرامته وحرص عليهما ، إلا أنه قطعاً لا يعرف حقيقة إنسانيته وحقيقة كرامته ، أولا يمتلك الإرادة الكافية ، فيضيعهما ويفرط فيهما من حيث لا يريد . وهذا مما يميز أولي الألباب عن الظالمين لأنفسهم ، فأولوا الألباب يعرفون حقيقة إنسانيتهم وكرامتهم ، ويمتلكون الإرادة الكافية بمقتضى المعرفة بأنفسهم وبالمصير ، وهم بالتالي يصينون أنفسهم من المعصية بمقدار معرفتهم وبمقدار إرادتهم، وهم درجات عند الله سبحانه وتعالى ، والتفاصيل تخرجنا عن الدائرة المحددة للبحث .
أما الظالمين لأنفسهم وللناس ، فهم ليس لديهم إحساس أصلاً بالإنسانية وبكرامة الإنسان ، فضلاً عن أن تكون لديهم معرفة بالحقيقة الإنسانية والكرامة الإنسانية !! فلو كان لديهم إحساس بإنسانية الإنسان وكرامته ، لما تجرؤا على ظلم الإنسان ، لاسيما أولئك الوحوش الذين يوغلون في الدماء والقتل والتعذيب وإيلام الناس وحرمانهم ، وأولئك الذين يتاجرون بالأعراض والمباديء والقيم ، ويجيرون عذابات الإنسان ويوظفونها لمصالحهم الخاصة ، ويسرقون جهود الآخرين ومكتسباتهم لأنفسهم أو لغيرهم من كبار الظالمين والطواغيت . ولا شك أن أولي الألباب أكثر خوفهم من القسم الثاني من الظلم ، لأن صاحبه أكثر حقارة ودناءة ، وأكثر نقص وعذاب ، وأكثر بعداً عن المحبوب وهو رب العزة والكرامة والجلال سبحانه وتعالى عما يصفه الظالمون .
النقطة الثانية : تتعلق بانعدام النصير للظالمين يوم القيامة .
الأنصار : جمع نصير وهو المعين والمؤيد والمخلص .
وقول الله تعالى : ( ما للظالمين من أنصار ) . أي ما لهم من معين يعينهم ، ولا شفيع يخلصهم . ولهذا القول دلالتين رئيسيتين ، وهما :
الدلالة الأولى : تفرد الله جل جلاله بالملك والتصرف في يوم القيامة ، فهو المالك وهو المتصرف وحده ، وهو القاهر فوق عباده ، فلا يملك أحد أن يفعل شيئاً في ذلك اليوم . قال الله تعالى يصف هذه الحقيقة الوجودية العظيمة : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) ( غافر : 16 ) . وفي ذلك دلالة على مدى ضعف الإنسان الذي يتجلى بحقيقته المقهورة مطلقاً في ذلك اليوم . تلك القاهرية والمقهورية هي ظاهرة لأولي الألباب في الدنيا قبل الآخرة ، ولكن الله جل جلاله لم يقهر الإنسان على الطاعة في الدنيا لأنها دار ابتلاء ، وهي الدار التي يظهر الإنسان فيها من خلال الاختيار على حقيقته الوجودية ، التي تحدد مكانه الوجودي عند الله جل جلاله ، وبالتالي مصيره الوجودي في الآخرة التي تظهر فيها القاهرية لكافة الخلق لأنها دار القرار .
ولأن أولي الألباب رأوا القاهرية والمقهورية حقيقة وجودية مطلقة في الدنيا والآخرة ، خضعوا بصدق طائعين لهذه الحقيقة وانسجموا وتناغموا معها في الدنيا قبل الآخرة ، وبالتالي فهي من أسرار خضوعهم لله الواحد القهار وطاعتهم المطلقة في الدنيا ، وسبب نجاتهم في الآخرة .
الدلالة الثانية : تتعلق بالشفاعة يوم القيامة . فمن الناس من تنفع معه شفاعة المؤمنين ، ومن الناس من تنفع معه شفاعة الأنبياء والأئمة والملائكة عليهم السلام ، ومن الناس من تنفع معه شفاعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الناس من يزحزحه الله جل جلاله من النار ويدخله الجنة برحمته وكرمه . ومن الناس لعظيم خبثهم لا تطهرهم إلا النار ولا تنفع معهم الشفاعة أبداً ، لأنهم لفرط خبثهم ودناءتهم ، ليست لدبهم لياقة لدخول الجنة الطيبة ، وهؤلاء هم الذين قال عنهم أولوا الألباب : ( ربنا إنك من تدخله النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار ) . ليس لهم من شفيع يشفع لهم ، لأن الشفاعة لا تنفع لهم لعظيم خبثهم وشدة دناءتهم ، فليس لهم إلا النار وساءت مصيراً .
ما لهم من أنصار : لأن الملك يوم إذن لله الواحد القهار . ولأنهم لا شافع يشفع لهم لعظيم خبثهم ، فليس لهم إلا النار وساءت مصيراً . وهم درجات : فمنهم من يدخلهم الله جل جلاله إلى النار فتطهرهم فيخرجهم الله جل جلاله منها برحمته وكرمه ويدخلهم الجنة . ومنهم من أشتمل عليه الخبث بحيث لا تطهره النار فيبقى خالداً فيها أبداً .
لقد أدرك أولوا الألباب هذه الحقائق الوجودية الثبوتية العظيمة التي لا تقبل التخلف ولا تخضع للاعتبار والرغبات . لقد أدركوها بتوفيق الله تعالى لهم، فصهرتهم في بوتقة الطاعة المطلقة لله الواحد القهار.
وهنا تجدر الإشارة إلى مجمل مراتب المعصية ، لنحصل على بعض الفوائد ببركة هذه الآية الشريفة المباركة ، وهي ثلاث مراتب رئيسية :
المرتبة الأولى – المعاصي التي تتعلق بالعقل: وهي من أعظم المعاصي ، وأخطرها الكفر والشرك بالله ، وهي من المعاصي التي لا يغفرها الله جل جلاله . والعقل هو المسئول الأول عن قيادة كيان الإنسان ، ومعصيتي الكفر والشرك تحولان كيان الإنسان إلى كيان يشتمل عليه الخبث التام . قال الله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشر به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) ( النساء : 48 ) . وقال : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ) ( النساء : 116 ) .
المرتبة الثانية – المعاصي التي تتعلق بملكات النفس : أي الملكات الأخلاقية، مثل الحقد والحسد . والنفس أو الملكات الأخلاقية تقع في المرتبة الثانية في قيادة كيان الإنسان بعد العقل ، والملكات النفسية الخبيثة لا يصدر عنها إلا السلوك الخبث . قال الله تعالى : ( والذي خبث لا يخرج إلا نكداً ) ( الأعراف : 58) . وبالتالي فإن الله جل جلاله يعذب في المرتبة الثانية على الملكات النفسية الخبيثة بعد المعاصي التي ترتبط أو تتعلق بالعقل .
المرتبة الثالثة – المعاصي التي تتعلق بالسلوك : مثل السرقة والزنى وشرب الخمر وهي أقل المعاصي خطورة ، وهي درجات من أخطرها شرب الخمر لأنه يذهب العقل ، والقتل وظلم العباد .
وأعتبر ت المعاصي التي تتعلق بالسلوك أقل المعاصي خطورة ، لأنها منقادة إلى العقل والملكات النفسية ، واعتبرت الملكات النفسية في المرتبة الوسط ، لأنها منقادة إلى العقل مؤثرة في السلوك ، وأعتبر العقل في المرتبة الأولى لأنه غير منقاد إلى غيره ، وغيره منقاد إليه .
وهناك جانب آخر للبحث ، وهو التأثير العكسي للذنوب على العقل والنفس ، وللنفس على العقل ، لا يتسع له الوقت ولا يسمح به المقام ، فأعتذر عنه على أمل التوفيق لبحثه في مناسبة أخرى .
والخلاصة : إن سلامة الكيان الإنساني تتوقف أولاً على سلامة الفكر الذي يجب أن يوليه الإنسان كل الاهتمام ، وأن يدقق فيه كثيراً ويراجعه باستمرار حتى يتأكد من سلامته. ثم الملكات النفسية التي يجب أن يوليها الإنسان اهتمامه بالدرجة الثانية بعد العقل ، ويراقبها باستمرار حتى يتأكد من طهارتها من الأخلاق السيئة المهلكة ، التي تفسد الإيمان وتصدر عنها المعاصي والذنوب الكبيرة ، مثل الحسد الذي تصدر عنه الغيبة والنميمة ، وهي من الذنوب الكبير التي تفسد المجتمع وتخربه وتقضي على وحدة صفه ووحدة كلمته وتجعله كالهشيم بسب انتشار أزمة الثقة بين الناس فيكون المجتمع كله فريسة سهلة بيد الأعداء . ومن الواضح جداً للمتأمل بأن المعاصي درجات في المراتب الثلاث ، وأن الإنسان يحشر يوم القيامة ويتحدد مصيره في ذلك اليوم العظيم وقبله في عالم البرزخ حسب حقيقته الإنسانية التي يكتسبها من خلال عقيدته وعمله في عالم الدنيا .
الدرس الذي نستفيده من هذه الآية الشريفة المباركة بعد كل الذي قلناه فبها هو : أن الوسيلة الوحيدة لنجاة الإنسان يوم القيامة وسعادته في دار القرار ، هي صحة عقيدته ، وصلاح عمله ، فمن فقدهما فما له من نصير ، ومأواه جهنم وبئس المهاد وساءت للظالمين مصيراً .
الخطبة السياسية : قضيتان مثيرتان في الساحة الإسلامية والوطنية
بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة ، أنتقل إلى القسم الثاني من الخطاب ، وهو القسم الذي يعرف بالخطاب السياسي ، ويدور في هذا الأسبوع حول قضيتين : إحداهن تخص ساحتنا الوطنية ومحورها التيار ، والأخرى تشمل ساحتنا الإسلامية الوطنية وخارجها .
القضية الأولى- تدور حول الاستعدادات القائمة لانتخابات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية : لقد أعلنت إدارة جمعية الوفاق ، بأن الانتخابات لاختيار الإدارة الجديدة حسب النظام الداخلي للجمعية والميزانية ، سوف تجرى في شهر يناير/ 2004 ، وقد بدا الاهتمام بهذه الانتخابات مبكراً في أروقة الجمعية وفي الأعلام المحلي ، مما يدلل على أهمية الانتخابات ، والثقل الكبير والدور القيادي المتميز لجمعية الوفاق في الساحة الوطنية . وقد ظهر إلى الرأي العام المحلي ، الكلام عن قوائم وتكتلات وخطوط ، وهذه علامات تدل على الحياة والأهمية الكبرى للجمعية في الساحة الوطنية وقيادتها وتوجيهها ، والشعور بالمسؤولية الإسلامية والوطنية العظيمة لدي قيادات ومنتسبي الجمعية ، وكلها ظواهر صحية ومطلوبة في جمعية مثل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ، الجمعية التي تلعب دوراً قيادياً متقدماً في غاية الأهمية لتحديد حاضر ومستقبل مملكة البحرين العزيزة .
إنني أحيي هذه الروح الإسلامية والوطنية المتوثبة لدى قيادات ومنتسبي جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ، وأدعوهم لمزيد من الاهتمام والتركيز من أجل ترسيخ وتعميق وتطوير دور جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في الساحة الإسلامية والوطنية ، وإلى المزيد من الحرفية في ممارسة العمل الإسلامي والوطني ، في هذا الزمن الذي تزداد فيه التحديات النوعية ، والتي لا تجدي معها إلا الحرفية في العمل الإسلامي والوطني .
وفي هذا السبيل أدعوا لأن تقوم التكتلات والقوائم الانتخابية ، على أساس الرؤى والبرامج ، وأن يكون الاختيار مبنياً على أساس القناعة بها وبكفاءة وإخلاص القائمين عليها ، وليس على أساس العواطف والعناوين التي تغيب الكفاءة المطلوبة في حرفية العمل الإسلامي والوطني .
وهنا أرغب في تقديم وجهة نظري في زاوية من هذه القضية .
وفي سبيل الوضوح ووضع النقاط على الحروف ، ولكي لا تحمل بعض الأمور ما لا تحتمل ، فإني أرى ضرورة التمييز بين مسألتين ، قد يلتبس أمرهما على البعض ويكون مدعاة لخلط الأمور ، مما تترتب عليه بعض السلبيات الخطيرة على ساحتنا الإسلامية الوطنية ، وسوف أوضح الرأي فيهما بصورة جلية من أجل الإنصاف وحماية ساحتنا الإسلامية الوطنية من الاهتزاز والضياع .
طرح فضيلة الشيخ علي سلمان حفظه الله تعالى ورعاه ، وسدد على طريق الحق والصواب خطاه ، طرح في ملتقى الوفاق الثقافي ، مسألة في غاية الأهمية ، قد تختلف حولها وجهات النظر ، وهي حق الإدارة بعد انتخابها في اتخاذ ما تراه صحيحاً من القرارات وفق آليات عملها المقررة ، وليست ملزمة بالرجوع إلى الجمعية العمومية ، بل الرجوع في كل صغيرة وكبيرة إلى الجمعية العمومية ، مدعاة إلى الإرباك والتأخير في البت في القضايا التي قد تحتاج إلى سرعة البت فيها . وهذا ليس محل خلاف ، وإنما تختلف وجهات النظر حول منهج الإدارة في اتخاذ القرارات . هل تلجأ إلى الفوقية أو الدكتاتورية في اتخاذ القرارات ، أما تسعى إلى الاقتراب من جماهيرها وتتعرف على وجهات نظرهم وتتخذ القرارات التي تعبر عن إرادتهم ، وترجع إلى الجمعية العمومية إذا أقتضى الأمر ذلك ، لاسيما في القرارات الجوهرية والمصيرية التي تهم الشعب والوطن ؟
وأنا أدعي بأن المنهج الثاني هو منهج الأنبياء الذي كشف عنه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . إلا أنه بعيداً عن الصواب أو الخطأ في أحد المنهجين أو كليهما ، إلا أن العمل بأي منهما حق للإدارة بعد انتخابها – حسب قناعتها – وهي تتحمل مسؤولية جودة أو رداءة الأداء. وأقدر بأن سلبيات تطبيق أي منهما ، سوف تبقى سلبيات محصورة كبرت أم صغرت . كما تتحمل الجمعية العمومية مسؤولية الاختيار ، وللجمعية العمومية الحق في استخدام صلاحياتها التي منحها إياه النظام الأساسي للجمعية ، بحجب الثقة عن الإدارة متى رأت الجمعية العمومية ، بأن ذلك ضرورياً أو مطلوباً لمصلحة الجمعية نفسها أو الساحة الوطنية .
هذه مسألة مهمة جداً ، قد جليت فيها الرأي بوضوح لا لبس فيه إن شاء الله تعالى . ويجب أن نميز بينها وبين أن يوجد توجه لتغيير توجهات التيار من خلال الهيمنة على قمة صناعة القرار ، بعيداً عن تهيئة القاعدة وإرادتها . وأرى بأن رأي فضيلة الشيخ على سلمان حفظه الله تعالى ورعاه ، لا علاقة له البتة بهذا التوجه الخطير جداً .. جداً إن وجد .
إنني أعتقد بأن هذا التوجه إن وجد ، هو محاولة مجنونة لهدم كيان التيار بالكامل ، بواسطة عملية تفجير سياسي خطيرة جداً .. جداً ، وأحذر منها سواء ظهرت في الزمن القريب أو البعيد . ويجب على الرموز والقيادات والقاعدة ، أن يكونوا على حذر من هذا التوجه ، وأن يكونوا متيقظين ، وأن يحولوا دون ظهوره أو تمكينه حال وجوده . هذه مسؤولية دينية ووطنية ، وعلى الجميع أن يتحملوا مسئولياتهم نحوها .
اللهم أشهد أني قد بلغت. اللهم أشهد أني قد بلغت . اللهم أشهد أني قد بلغت .
القضية الثانية – تدور حول الخلافات التي تظهر وتتحرك في الساحة بين الفينة والفينة : الاختلافات التي تظهر بين المراجع والرموز والقيادات والخطوط والمؤسسات . هذه أمر واقع وظاهرة إنسانية طبيعية في دار التكليف ، سواء قبلنا بأعذار أصحابها أم لم نقبلها .
ويبقى السؤال : كيف نتعامل معها ؟!
لقد كثر الحديث عن خطورة الاختلاف على دين الإنسان ودنياه ، وتحذيرات القرآن وأهل العصمة من التفرق والتنازع ، ولا سبيل إلى ذكر المزيد من الكلام في هذا الموضع . ولكني أرغب في بيان بعض الملاحظات الوجدانية ، التي تصور لنا أنفسنا في حالة الاختلاف ، لعلها تردعنا حينما نكتشف حقيقة أنفسنا في حالة الاختلاف ، من وراء كل أساليب الزيغ والتزييف وخداع النفس ، وإن كان الغطاء هو عنوان الإخلاص لله تعالى ، والحرص على الدين والأمة والوطن .
الملاحظة الأولى : وصف الله جل جلاله المؤمنين بأنهم أخوة ، وأوضح حق الأخوة وحكمها وفوائدها . قال الله تعالى : ( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) ( الحجرات : 10 ) . وهذه الأخوة تتجلى بحقيقتها يوم القيامة في قول الله تعالى عن المؤمنين :
( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين . لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) ( الحجر : 47 – 48) . بينما قال عن النصارى : ( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) ( المائدة : 14 ) . وقال الله تعالى عن اليهود : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثير منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) ( المائدة : 64 ) .
والسؤال الدقيق والمحرج لنا جميعاً : ما هي الروح الحقيقة التي نكون عليها في الدنيا ونبعث عليها يوم القيامة ، ونحن ندير الخلافات بيننا ؟!
هل هي روح الأخوة الإيمانية ؟
أم الروح التي أنبتها الله سبحانه وتعالى في قلوب اليهود والنصارى ، لسوء عقيدتهم وأخلاقهم وأعمالهم ، واستحقوا عليها اللعن والطرد من رحمة الله الرحيم بعباده ؟!
علينا أن نقف بصدق أمام هذه الحقيقة ، وأن لانخدع أنفسنا بأي عنوان ، فإن الله جل جلاله لا تخدعه العناوين !!!!
الملاحظة الثانية : إن كثيرا من إخواننا المؤمنين ، علماء ومجاهدين ، شرفوا ساحة العلم والجهاد ، وأذاقوا الأعداء مرارة المقاومة والجهاد ، وضيقوا عليهم الفسيح من دنياهم المظلمة الظالمة ، وأفنوا عمرهم في سبيل الله سبحانه وتعالى ، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الحق والعدل ، وبذل الأعداء جهدهم للقضاء عليهم وتصفيتهم جسدياً وسياسياً ومعنوياً ، ولم ينالوا خيرا وخيب الله آمالهم . ثم يأتي بعض المؤمنين ليتبرع بتصفية هؤلاء العظماء سياسياً أو معنوياً وربما جسدياً ، ثم يخدع نفسه بقوله : إنه إنما فعل ذلك في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى ، وفي سبيل والحق والعدل والدين والوطن !!!!
ومن الملفت : أن الأعداء في محاولاتهم ، إنما يطمحون في تصفية الشخص نفسه ، ويشعرون بالعجز واليأس من تصفية الوسط الذي يغذيه هؤلاء العظماء . أما إخوتنا المؤمنين : فإنهم يطالون الوسط المؤمن الذي يغذيه هؤلاء العظماء ، ويربكون وضعه الإيماني وحالته التقوائية مع الله سبحانه وتعالى !!!!
فأي حال سيء يعيشه بعضنا وهم يحسبون أنفسهم أنهم يحسنون صنعاً ؟!
علينا أن ننظر بعين الفطرة والبصيرة إلى حقيقة أنفسنا وباطنها ، لنرى شكلها الباطني الحقيقي ، وهي تقوم بهذا الدور نيابة عن أعداء الله ضد أولياء الله وأحبائه .
وعلينا أن لا نخدع أنفسنا بعناوين الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، والحرص على المصلحة الإسلامية والوطنية ، فهذه العناوين المقدسة ، لا تغير شيئاً من حقيقة النفس الخبيثة ، والله سبحانه وتعالى لا يخدع ، ويحاسب على حقيقة العمل وليس على ظاهره وعناوينه !!!!
عجباً من أنفسنا الأمارة بالسوء : كيف نجيز لأنفسنا أن نبعد الناس عن الله سبحانه وتعالى قربة لله سبحانه وتعالى ؟؟؟؟
نريد أن نقنع أنفسنا يذلك ، ونريد أن نخدع الله تعالى به ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيري !!!!
إننا نستطيع أن نخدع أنفسنا ونخدع الناس ، ولكننا لن نستطيع أن نخدع الله سبحانه وتعالى ، الذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وأقرب إلينا من أنفسنا ، تعالى الله عما تسول لنا أنفسنا علواً كبيراً !!!!
أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله الكريم لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .