خطبة الجمعة | 13-6-2003

الخطبة الدينية : رؤية قرآنية حول تطبيق العدالة الاجتماعية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين . السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على جميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى،والحبل المتين، والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والصالحين ، السلام على جميع ملائكة الله ،السلام الكاتبين الشاهدين، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

في البداية أرفع أحر التعازي إلى مقام إمامي وسيدي ومولاي وشفيعي يوم القيامة ، الحجة بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، وإلى الشعب الفلسطيني ، وإلى كافة الشعوب العربية والإسلامية ، بمناسبة المجازر البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ، بمباركة الإدارة الأمريكية ، ضد أشقائنا المسلمين في فلسطين ، ومن الملفت أن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني ، بعد أن حصلا على صمت الحكومات العربية إزاء جرائمهما ضد الشعب الفلسطيني المسلم ، فإنهما يسعيان في الوقت الراهن للحصول على الكلمة والمواقف المؤيدة لهما في جرائمهما ضد الشعب الفلسطيني المسلم ، لتنتقل الحكومات العربية من التأييد السلبي للجرائم ، إلى التأييد الإيجابي لها ، تحت الضغوط النفسية التي تشكلها الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني تحت عنوان الإرهاب ، في الوقت الذي لا يوجد في العالم كله أكثر إرهابا من أمريكا والكيان الصهيوني ، فحذاري .. حذاري من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) سورة النساء 135 .

هذه الآية الشريفة المباركة ، وهي الآية رقم (135) من سورة النساء تأمرنا بإقامة العالة الاجتماعية ، في كافة الشئون والأحوال ، وعلى كل المستويات ، وتبين فلسفتها ، وتنظر إلى العدالة الاجتماعية ، كقضية إنسانية في غاية الأهمية والخطورة ، وتحذر ، بل في الآية تهديد لمن يخالف ويمارس الظلم ، بالعذاب الشديد يوم القيامة ، والآية الشريفة المباركة ، تعلمنا كيف نمارس الدين والشريعة في الحياة ، وتلفت نظرنا إلى أهمية الدراسة العلمية لأوضاعنا من أجل إصلاحها وتطويرها .

قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ)

الخطاب في الآية الشريفة المباركة موجه للمؤمنين خاصة ، مع أن العدالة الاجتماعية ، هي قضية إنسانية تهم كافة المجتمعات ، كما أشارت الآية الشريفة المباركة إلى ذلك ، وقد تعودنا من القران الكريم أنه يوجه الخطاب في القضايا العامة إلى الناس كافة ، وتوجيه الخطاب إلى المؤمنين خاصة في هذه الآية الشريفة المباركة ، بخصوص العدالة الاجتماعية ، أمر يلفت النظر .

وذلك التخصيص للمؤمنين في الخطاب يعود لسببين ، وهما :

السبب الأول : أن الذين يستمعون النداء ويطبقونه فعلا كنداء ألاهي هم المؤمنين خاصة ، أما غير المؤمنين فإنهم لا يكترثون بهذا النداء وأمثاله .

السبب الثاني : أن تطبيق العدالة الاجتماعية في كافة الشئون والأحوال وعلى كل المستويات ، كما تشير إليه الآية الشريفة المباركة ، يحتاج إلى جهاد شاق للنفس ، لا يقدر عليه إلا المؤمنون ، في ضوء شعورهم بالراقابة الإلهية ، وعلمهم بالثواب والعقاب الإلهي يوم القيامة ، أما ادعاء نهوض غير المؤمنين بتطبيق العدالة الاجتماعية في كافة الشئون والأحوال وعلى كل المستويات ، كما تشير إليه الآية الشريفة المباركة ، فهي صوفية حسية غير منطقية ، لا وجود لها في الخارج .

قوله تعالى : (كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) .

قوامين : جمع قوام ، وهو المبالغة في القيام بالشيء ، كما يدل عليه قوله تعالى : (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) وقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ) سورة الطلاق 2، وقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) الرحمـن9.

القسط : يعني العدل . فالآية الشريفة المباركة تأمر المؤمنين أن يبالغوا في القيام بالعدل ، ونحن في الآية الشريفة المباركة أمام صيغتين ، وهما :

الصيغة الأولى : هي صيغة الجمع ، وتدل على حاجة المؤمنين إلى التعاون والتناصر فيما بينهم لإقامة العدل بين الناس .

الصيغة الثانية : هي صيغة المبالغة ، وهي تدل على ثلاثة أمور ، وهي :

الأمر الأول : يجب على كافة المؤمنين ، أن يقوموا بتطبيق العدالة الاجتماعية في كافة الشئون والمجالات والاحوال ، وعلى كل المستويات ، في الأقوال والأفعال والعلاقات ، وهذا يحتاج إلى إرادة ومراقبة ومحاسبة دائمة .

الأمر الثاني : تدل صيغة المبالغة على الثبات والمداومة في تطبيق العدالة الاجتماعية بالشكل أو الصورة التي أوضحناها في الأمر الأول ، وهذا الثبات أو المداومة على تطبيق العدالة الاجتماعية ، يتطلب أن تكون العدالة ملكة ثابتة ، أو صفة راسخة في النفس ، لا تقبل الظلم بأي حال من الأحوال.

الأمر الثالث : تدل صيغة المبالغة على وجوب إظهار المؤمنين للعدل ونشره في العالم ، وبين كافة الناس ، وهذا يتطلب أن يلتزم المؤمنون بالعدل حتى مع أعدائهم…

قال الله تعالى : (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) سورة المائدة 8

والخلاصة : أن الآية الشريفة المباركة ، تأمر المؤمنين بتطبيق العدل وإظهاره ونشره بين الناس كافة في العالم ، وأن يلتزموا بالعدل حتى مع أعدائهم ، وأن يحافظوا ويستمروا على ذلك ، وأن يتعاونوا ويتناصروا من أجل ذلك ، ومن أجل الحصول عليه إذا كان مفقودا بينهم .

قوله تعالى : (شُهَدَاء لِلّهِ) سياق الآية يدل على أن الشهادة لله ، وهي الشهادة الصادقة ، هي جزء من القيام بالقسط ، وذلك لأن دور الشهادة هو اكتشاف الحقيقة ، لجعلها أساسا للعدل في المجتمع ، والشهادة لله تدل على أمرين ، وهما :

الأمر الأول : أن تكون الشهادة صادقة ، أي أن تكون بالحق .

الأمر الثاني : أن تكون الشهادة مجردة من التأثيرات السلبية عليها ، مثل المصلحة الشخصية ، أو عاطفة القرابة والانتماء ، كما توضحه الآية الشريفة المباركة ، أو المزاج ، أو الترهيب ، أو غير ذلك من التأثيرات السلبية على الشهادة .

وبعد أن تأمرنا الآية الشريفة المباركة بإقامة العدل والشهادة لله تعالى ، توضح لنا الموانع التي تحيل بين الإنسان والشهادة لله بالحق ، والموانع التي تشير إليها الآية الشريفة المباركة ، هي ثلاثة موانع :

المانع الأول : المصالح الشخصية ، قوله تعالى : (وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) ، فالآية الشريفة المباركة تأمرنا بتجاوز مصالحنا الخاصة في سبيل إقامة الشهادة لله بالحق ، فهي تأمرنا بأن نؤدي الشهادة بالحق ، ولو ترتب على ذلك بعض الضرر على أنفسنا ومصالحنا الشخصية .

المانع الثاني : العواطف المترتبة على القرابة والانتماء ، قوله تعالى : (أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) ، والأقربون تشمل أبناء الطائفة أو الحزب أو المعارضة أو الحكومة أو القيادات والرموز التي ننتمي إليها ونحترمها أو نقدرها ، فالآية الشريفة المباركة تأمرنا بأن نتجاوز كل ذلك ، من أجل تأدية الشهادة لله تعالى بالحق ، وهذا يدلنا على أمرين ، وهما :

الأمر الأول: أن العلاقة مع الله مقدمة على كل علاقة، سواء كانت العلاقة مع النفس أو العلاقة مع الغير ، وأن أحكامه مفروضة على النفس وعلى العلاقة مع الغير ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

الأمر الثاني : أنما نحصل عليه من المصالح أو ما يقع علينا من الضرر ، أو ما يحصل لغيرنا الذين نرتبط بهم من المصالح ، أو يقع عليهم من الضرر ، لا يساوي شيئا بالمقارنة لما يحصل في المجتمع من الصلاح نتيجة الشهادة العادلة ، ويعود علينا جميعا بالمصلحة أكثر ، وما يقع عليه من الفساد نتيجة الشهادة بالباطل ، ويعود علينا بالضرر أكثر ، هذا بالإضافة إلى نعيم الآخرة نتيجة الشهادة بالحق ، وعذاب الآخرة نتيجة الشهادة بالباطل .

المانع الثالث : انحراف القيم الفطرية ، مثل الاحترام والخوف والرحمة ، ووضعها في غير مواضعها ، قوله تعالى : (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا) ، حيث تشير الآية الشريفة المباركة ، إلى أن الإنسان قد يتأثر في شهادته للغني أو الفقير أو عليهما ، بالنظر إلى غنى الغني أو فقر الفقير ، أما الغني فبسبب المجاملة له لمكانته ووجاهته في المجتمع ، أو بسبب الطمع في ما عنده ، أو بسبب الخوف من سلطته ونفوذه ، أو بسبب الحقد عليه ، أو الحسد له ، وأما الفقير فبسبب الرحمة له لفقره ، أو بسبب تحقيره أيضا لفقره وضعف مكانته في المجتمع .

هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة تدلنا على عدم التأثر في الشهادة بغنى الغني، أو فقر الفقير، وعدم حرف القيم الفطرية النبيلة عن مواضعها، التي وضعها الله من أجلها ، فالاحترام للآخرين مطلوب من الإنسان المؤمن ، ولكن لا يحترم الإنسان لغناه ، وإنما يحترم لما يتمتع به من صفات الكمال الإنساني ، ولا يحقر الإنسان لفقره ، وإنما لنقص صفات الكمال فيه ، وهذا يدلنا على أن الله جل جلاله يريد أن يقيم الحياة على أسس وأصول وقيم ثابتة ، وليس على أساس الأمزجة والعواطف والمصالح الآنية .

قوله تعالى : (فَاللّهُ أَوْلَى) بعد أن أمرتنا الآية الشريفة المباركة ، بعدم التأثر في الشهادة بغنى الغني أ, فقر الفقير ، أوضحت لنا علة ذلك ، وهي أن الله أحق وأجدر بالغني والفقير منا ، فهما عباده ، وهو أرحم بهما منا ، وأعلم بمصلحتهما منا أيضا ، فبالنظر إلى احترام الغني ، فهو كما بينته قبل قليل إنما يحترم لإنسانيته ، وأما بالنسبة إلى الطمع فيما عنده ، فإن الله أغنى وأكرم منه ، وإما بالنسبة إلى الخوف من سلطته ونفوذه ، فإن الله أعز وأقدر منه ، ولا ينبغي أن يحسد الغني أو يحقد عليه لغناه ، فإن غناه من عند الله جل جلاله ، وأما بالنسبة إلى الفقير فإن الله أرحم به منا ، وأعلم بمصلحته منا ، وأما بالنسبة إلى تحقيره ، فالإنسان لا يحتقر لفقره وإنما لفقده صفات الكمال الإنساني ، وبالتالي فإنه لا يصح لدى العقلاء أن يتأثر الإنسان المؤمن في شهادته بغنى الغني أوفقر الفقير .

قوله تعالى : (فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ) .

الهوى : هو ميل النفس بعيدا عن الفطرة والعقل والشرع ، والآية الشريفة المباركة ، توضح لنا بأن علينا لكي نكون من أهل العدل أن نتجنب الهوى ، ومن الهوى ، الحرص على مصالحنا الشخصية ، وعواطف القرابة والانتماء ، حينما تأتي على حساب الشهادة لله بالحق ، وغيرها من المؤثرات السلبية على الشهادة .

قوله تعالى : (وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ) .

تلووا : لهذا اللفظ معنيين ، وهما :

المعنى الأول : هو تحريف الشهادة أو تغييرها وتبديلها ، أي الإتيان بها على غير وجهها الصحيح .

المعنى الثاني : التسويف .

تعرضوا : بمعنى كتمان الشهادة ، أي عدم الإتيان بها .

قوله تعالى : (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .

الخبير: هو العالم بتفاصيل وجزئيات الأمور، والعالم بحقائقها، أي العالم بظاهرها وباطنها، والآية الشريفة المباركة تدلنا على أمرين أو فائدتين، وهما:

الأمر الأول: أن الله يعلم بحقيقة الشهادة التي نؤديها، يعلم بظاهرها وباطنها وكل أجزائها وتفاصيلها، ويحاسبنا عليها يوم القيامة، أي أن كل محاولة للإتفاف في الشهادة ، وإظهار الحق باطلا ، وإظهار الباطل حقا ، فإننا نستطيع أن نخدع به الناس والقضاة ، لكننا لا نستطيع أن نخدع به الله جل جلاله لأنه يعلم الحقيقة ويحاسب عليها ويجازي .

الأمر الثاني: أن الله يعلم بما يصلح الإنسان في دنياه وآخرته، ولهذا أمر بإقامة العدل، والشهادة لله بالحق في كل الشؤون والمجالات والأحوال وعلى كل المستويات، وعدم التأثر بالمؤثرات السلبية في ذلك، لأن مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة تقتضي هذا، وهذا يدل على أن الله جل جلاله يريد أن يقيم الحياة على أسس وقواعد وقيم ثابتة تحفظ له التوازن والتقدم والرخاء.

الخطبة السياسية : نقد المعارضة ، وتصريحات الظهراني

بعد هذه الوقفة القصيرة مع الآية الشريفة المباركة ، أنتقل إلى القسم الثاني من الحديث ، الذي يعرف بالحديث السياسي ، وأتناول في هذا الأسبوع مسألتين ، وهما :

المسألة الأولى : وتتعلق بنقد المعارضة ، حيث أعرب بعض الأخوة الأعزاء الذين أكن لهم كل الاحترام ، عن عدم رضاهم بنقدي للمعارضة ، وأنا واحد منهم ، ويرى هؤلاء بأن النقد مطلوب ، ولكنهم يرون بأن النقد ينبغي أن يكون بعيدا عن الشارع العام والخطاب الجماهيري ، ورغم تقديري الكبير لهؤلاء ، فإني أرى خطأ رأيهم ، وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول : إن المعارضة تعتبر من الشأن العام ، وينبغي أن تقف الجماهير والرأي العام ، على واقع المعارضة ودورها في الساحة الوطنية.

السبب الثاني : أن المعارضة من العناصر المهمة المكونة للواقع ، شأنها في ذلك شأن الحكومة ، وأن تطور الواقع أو تخلفه ، يتوقف على دور الحكومة والمعارضة معا ، وبالتالي ومن أجل المحافظة على الواقع وتطويره ، فإنه يجب أن تخضع الحكومة والمعارضة معا لحق الجماهير في المراقبة والتقييم والنقد ، ولا يصح أن تستورد أو تكتسب المعارضة الصفات السيئة من الحكومات ، حيث تحاول بعض الحكومات حرمان الشعب من حقه في المراقبة والتقييم والنقد ، وأن المعارضة التي تطالب بهذا الحق للشعوب ، عليها أن تتقبله حينما تمارسه الشعوب معها ، فالجميع يعرف بحكم الفطرة ، صواب هذا الحق وأهميته في تطوير المسيرة الوطنية .

السبب الثالث : أن النقد الذي وجهته إلى المعارضة ، كان بهدف التبصير والتحفيز ، وكان داخل دائرة النقد الذاتي ، الذي تحتاجه المعارضة في سبيل تحسين وتطوير أدائها ، ولم يكن بهدف التفتيت أو الإساءة أو الإضرار بالمعارضة .

ومن الناحية العملية ، فإن النقد قد جاء بنتائج ايجابية ، منها أن جمعية التجمع القومي ، قد عقدت ندوة جماهيرية ، تحت عنوان : حوار حول دور المعارضة السياسية في البحرين ، وكانت الندوة تركز على تقييم أداء المعارضة ، وأقر جميع المتحدثين باسم الجمعيات السياسية ، بوجود أخطاء وتقصير في أداء المعارضة ، وقد ذكر المهندس عبدالرحمن النعيمي أهمية النقد ، وطالب بالمزيد منه . ومن النتائج الايجابية : حدوث حالة من النقد والنشاط في بعض الجمعيات .

والخلاصة : أنه مع حدوث حالة من عدم الارتياح لدى بعض الأخوة الأعزاء من المعارضة ، نتيجة للنقد الموجه للمعارضة ، فإنه من الناحية العملية ، قد ظهرت نتائج ايجابية للنقد ، ولم تظهر نتائج سلبية يعتد بها عقلائيا ، مما يدلل على صحة النقد وأهميته لتطوير المسيرة الوطنية والواقع .

المسألة الثانية : وتتعلق بما جاء على لسان السيد الظهراني رئيس مجلس النواب ، في مقابلة معه في جريدة الوسط ، حيث أقر السيد الظهراني بوجود حالات غير صحية وخطيرة في داخل الوطن ، منها تشكيلة المجلس الوطني من غرفتين حسب ما جاء في الدستور الجديد ، وليس حسب ما جاء في ميثاق العمل الوطني ، ومنها التجنيس العشوائي والطائفية ، وقد برر السيد الظهراني ذلك بوجود أزمة ثقة بين الحكومة والشعب ، وهنا أذكر الملاحظات التالية :

الملاحظة الأولى : أن الظهراني كان في موقع الدفاع عن الحكومة وليس عن الشعب ، وهنا يظهر أن السيد الظهراني لم يستطع المحافظة حتى على الجانب الشكلي لدوره كممثل عن الشعب ، فضلا عن محافظته على المضمون .

الملاحظة الثانية : أن السيد الظهراني في الوقت الذي يحمل فيه أبناء الشعب المسؤولية عن أحداث أزمة الثقة ، فإنه لا يعني بذلك كافة أبناء الشعب ، وإنما يعني بصورة خاصة أبناء طائفة بعينها ، والمعارضة بوجه عام ، وهو بالتالي يبرز حسا طائفيا من موقع ينبغي فيه أن يكون ممثلا لكافة أبناء الشعب ، أننا نطالب كافة المواطنين بالابتعاد عن الحس الطائفي ، والتركيز على المواطنة التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات وتكافئ الفرص ، وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللون أو اللغة .. إلخ ، وهذا المطلب أكثر تأكيدا بالنسبة إلى الأشخاص في مواقع المسؤولية العامة ، كما أن تحميل السيد الظهراني المسؤولية للمعارضة ، فإنه بذلك يدين الحركة المطلبية في تاريخها الطويل ، ويرى في المطالبة حالة سلبية في المسيرة الوطنية ، خلافا لمنطق العقل والسنن الإلهية في التأريخ ، ومنها قوله تعالى : (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) سورة البقرة 251

الملاحظة الثالثة : أن السيد الظهراني لم يكن موفقا في دفاعه عن الحكومة ، وتبريراته لسوكها ، كما سيتضح في مستقبل الحديث ، وأنني لأعجب من عدم رد الحكومة على تصريحات السيد الظهراني ، لقد كانت تصريحات السيد الظهراني مثيرة للعجب والدهشة ، وأعجب منها وأكثر دهشة عدم رد الحكومة عليه . وبعد هذا فإني أذكر السيد الظهراني بالنقاط الثلاث التالية :

النقطة الأولى : تتعلق بالاستفتاء على استقلال البحرين كدولة عربية تحت حكم آل خليفة ، أو تبعيتها لإيران ، وكان ذلك بأشراف الأمم المتحدة ، وقد أختار الشعب البحريني ، وغالبيته العظمى من الشيعة ، أختار أن تكون البحرين دولة عربية مستقلة تحت حكم آل خليفة ، وهنا أذكر السيد الظهراني بالملاحظتين التاليتين ، وهما :

الملاحظة الأولى : في ذلك الوقت لم يكن هناك تجنيس ، وكانت غالبية الشعب من الشيعة ، ومع ذلك أختار الشعب استقلالية البحرين تحت حكم آل خليفة .

الملاحظة الثانية : لم يكن الشعب قد خضع في اختياره هذا لضغط من حكومة آل خليفة ، لأن الاستفتاء كان حول حكم آل خليفة ، ولم يكن آل خليفة يملكون في ذلك الوقت القوة والسلطة للضغط على الشعب وتحديد خياراته ، مما يدل على أن الشعب قد أختار بمحض أرادته .

وبعد هذا الاستفتاء وبعد الاستقلال وكمكافأة للشعب ، تم تشكيل مجلس تأسيسي ، أكثر من الثلثين من أعضائه منتخبون ، واقل من الثلث من أعضائه معينون ، وقام المجلس بوضع دستور ، صدق عليه الأمير الراحل ، وبالتالي فالدستور كان دستورا تعاقديا بين الأمير والشعب ، وبعد ستة شهور تقريبا من التصديق على الدستور التعاقدي ، جرت الانتخابات البرلمانية ، للمجلس الوطني ، الذي كان ثلثي أعضائه تقريبا منتخبين ، والثلث الباقي وهم الوزراء بحكم وظائفهم معينين ، ولم تمضي على الاستفتاء إلا سنوات قليلة لم تتجاوز الخمس سنوات ، وعلى التجربة البرلمانية إلا سنتين ، حتى حل البرلمان وعطل الدستور ، ونحن نسأل السيد الظهراني عن تفسيره لذلك ؟!! .

النقطة الثانية : بعد مجئ جلالة الملك إلى الحكم ، وتقدمه بالإصلاحات إلى الشعب ، من خلال ميثاق العمل الوطني ، وما صاحبه من أطلاق سراح المعتقلين ، والسماح للمبعدين بالعودة إلى وطنهم ، فإن الشعب قد قابل ذلك بالترحيب والتعاون غير المحدود ، ونسيان ألام ومعاناة الماضي ، وقد شهدنا جميعا الاستقبال الحاشد والمتميز لجلالة الملك في سترة ، وهي المنطقة التي كانت أكثر المناطق تأزما أثناء الانتفاضة ، والتي كانت ولا تزال أكثر المناطق في البحرين حرمانا ، حتى أن جلالة الملك قال بأنه لم يستطع أن يسيطر على عواطفه وانفعالاته أمام ذلك الاستقبال الحاشد والمتميز ، ومع ذلك نجد بأن الإعلام يركز على استقبال أهالي المحرق الكرام ، ويتجاهل استقبال أهالي سترة لجلالة الملك إلا قليلا . وفي ظل هذه الأجواء المتفائلة والايجابية جدا ، شهد شعب البحرين تشكيل لجنة لاقتراح التعديلات الدستورية النصوص عليها في ميثاق العمل الوطني ،مارست عملها بسرية تامة ، حتى إبليس لم يكن يعلم شيئا عن عملها ، ثم يفاجئ الشعب بأن اللجنة المذكورة ، قد اشترت بأموال الشعب ، وأركز هنا على لفظ اشترت ، رجلا من الخارج ، ليقوم بالعمل بدلا عنها ، والنتيجة هي هذا الدستور المشئوم ، الذي جاء خلافا لميثاق العمل الوطني ، وأدخل الشعب والوطن ، في أزمة دستورية وسياسية ، لا يعلم مداهما إلا الله جل جلاله . وهنا أتقدم بالسؤالين التاليين :

السؤال الأول : ألا يحق للشعب البحريني ، أن يحاسب هذا الرجل الذي زجه في أزمة دستورية وسياسية خطيرتين ؟ أعتقد أن الشعب لن ينسى لهذا الرجل فعلته .

السؤال الثاني : وأوجهه إلى رجال القانون خاصة . إلا يحق للشعب البحريني أن يحاسب أعضاء اللجنة المذكورة على فعلتهم ، وهي تخليهم عن عملهم المعهود إليهم ، وشراء رجلا من الخارج بأموال الشعب للقيام بالعمل نيابة عنهم ، مما أدى إلى إدخال البلاد في أزمة دستورية وسياسية ، لا يعلم مداهما إلا الله جل جلاله . وهنا أتوجه بالسؤال إلى السيد الظهراني عن تفسيره لهذا الحدث والذي قبله ، لاسيما ونحن نبحث فيما ادعاه من أزمة الثقة التي أعتبرها تفسيرا ومبررا لسلوك الحكومة ، وحمل الشعب ، بل طائفة بعينها ، وحمل المعارضة مسؤولية ذلك؟!!.

النقطة الثالثة : وتتضمن ثلاثة أسئلة ،أوجهها للسيد الظهراني ، وهي :

السؤال الأول : إذا كانت أزمة الثقة موجودة ، فمن يتحمل مسؤولية وجودها ، الحكومة التي تمتلك القوة والسلطة والنفوذ ، أم الشعب الذي لا يمتلك شيئا من ذلك ؟!!

السؤال الثاني : إذا كانت أزمة الثقة موجودة ، فمن يتحمل مسؤولية الحل ، الحكومة التي تمتلك القوة والسلطة والنفوذ والمؤسسات ، أم الشعب المجرد من كل ذلك ، وتفرض عليه القوانين من السلطة التنفيذية وهي الحكومة ؟!

السؤال الثالث : إذا كانت أزمة الثقة موجودة ، ونفترض أن الشعب هو المسئول عن وجودها ، كما هو رأي السيد الظهراني ، فهل يجوز للحكومة أن تدخل كطرف في صراع مع الشعب ؟!! ألا يتعارض ذلك مع دورها والوظيفي في رعاية الشعب ، فالحكومة إنما تستمد شرعية وجودها ،وشرعية دورها من الشعب ، ولا يجوز تدخل كطرف في صراع مع الشعب ، كما صورها السيد الظهراني في مقابلته مع جريدة الوسط ، فهذا يتعارض مع دورها الوظيفي الذي أوضحته قبل قليل ، وإني إذ أعجب من تصريحات السيد الظهراني التي ذكرت ، فإني أعجب أكثر من صمت الحكومة ، وعدم ردها على تصريحات السيد الظهراني ، لأنه قد ألغى في تصريحاته الدور الوظيفي للحكومة في علاقتها مع الشعب ، وهو دور الرعاية ، وصورها كطرف في صراع عدائي مع الشعب . إننا نطالب الحكومة بالرد على تصريحات السيد الظهراني ، أننا نطالب الحكومة بالرد ، إننا نطالب الحكومة بالرد وننتظره منها .

اكتفي بهذا المقدار واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 13 / ربيع الثاني /1424هـ – الموافق 13 / 6 / 2003 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى