خطبة الجمعة | 20-6-2003

الخطبة الدينية : الوحدة – رؤية قرآنية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآهل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء، سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على جميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح، الحجة بن الحسن العسكري، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والصالحين، السلام على جميع ملائكة الله، السلام على الكاتبين الشاهدين، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الإخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) سورة آل عمران 103، صدق الله العلي العظيم.

هذه الآية الشريفة المباركة، وهي الآية رقم (103) من سورة آل عمران، تدعونا إلى وحدة الصف والكلمة والموقف، وتحذرنا من الفرقة والاختلاف، وتبين لنا الطريق الواضح إلى تحقيق الوحدة وتجنب الاختلاف والفرقة، وتدعونا إلى الاهتمام بالدراسة العلمية لأوضاعنا من أجل المحافظة عليها وتطويرها، وتدعونا إلى عدم القبول بأي دعوة أو أطروحة إلا من خلال الدليل والبرهان وحصول القناعة لدينا بها، وليس من خلال المجاملة أو التقليد أو غير ذلك من الأساليب الغير العلمية والغير واقعية، التي تنتهي بنا إلى التخلف والفشل.

أسباب نزول الآية: وقبل الدخول في بحث مضامين الآية الشريفة المباركة، أشير إلى أسباب نزول الآية، وقد ذكر المفسرون لنزول الآية سببين، وهما:

السبب الأول: أن أحد رجال اليهود الحاقدين على الإسلام والمسلمين، مر على جماعة من الأنصار فيهم نفر من الأوس ونفر من الخزرج، وكانوا يتحدثون في محبة ووآم، فغاظه ذلك، لأنه رأى بأن تجمع المسلمين ووآمهم، لا يخدم مصلحة اليهود، بل يهدد أطماعهم وتطلعاتهم غير المشروعة للسيطرة على المدينة المنورة ومقدراتها، فقرر أن يوقظ الفتنة بينهم ليفرقهم من خلال إثارة نعرات العصبية الجاهلية، فبعث بشاب يهودي كان معه أليهم، وأمره بأن يذكرهم بأيام بعاث، وهي حرب كانت بين الأوس والخزرج، وأن يذكرهم بما قيل فيها من الشعر، فذهب ذلك الشاب أليهم، ونفذ ما أمره به زعيمه من إيقاظ الفتنة، ونفذ ذلك ببراعة يهودية في إيقاظ الفتنة والشر بين الناس، وتصارخ الأوسيون والخزرجيون: السلاح.. السلاح !! فتجمع أليهم قومهم من الأوس والخزرج، وكاد أن يحدث بينهم القتال، لولا أن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذاك، فحضر أليهم مسرعاً على حمار، وقال: أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن أكرمكم الله بالإسلام، وألف بين قلوبكم ؟!! فعرف القوم أنه كيد العدو ونزعة الشيطان، فألقوا السلاح، وبكوا.. وتعانقوا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الدروس المستفاد من الحادثة: نستفيد من هذه الحادثة الدرسين المهمين التاليين، وهما:

الدرس الأول: أن نكون حذرين من كيد القوى المضادة، التي تريد شرا بالوحدة الإسلامية والوطنية، وأن لا نستمع لأقوالهم وأطروحاتهم الشيطانية.

الدرس الثاني: أن نكون حذرين من الاهتزازات التي قد تصيب الساحة الوطنية والإسلامية ، وأن نتعامل معها بحذر وحكمة بالغين، في سبيل المحافظة علي الساحة من الصراعات البينية والتراجع .

السبب الثاني: أن جماعة من الأنصار فيهم نفر من الأوس والخزرج، كانوا جالسين يتفاخرون بمآثرهم في الإسلام، فانتهى ذلك التفاخر إلى إثارة نعرات العصبية الجاهلية، وتنادوا بالسلاح، وكاد أن يحدث بينهم القتال، لولا أن تدارك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموقف، وعالجه بحكمته المعهودة، وذكرهم بما ذكرته في السبب الأول للنزول، وانتهوا إلى نفس النتيجة التي ذكرتها في السبب الأول.

الدرس المستفاد من الحادثة: نستفيد من الحادثة الدرس التالي، وهو أن نكون حذرين من التعصب الطائفي أو الحزبي الأعمى، والتعصب للعلماء والقيادات والرموز، على غير الحق والعدل والمصلحة العامة: الإسلامية والوطنية، فإن ذاك قد يؤدي إلى التنازع والاختلاف، وبالتالي الإضرار بالمصلحة الإسلامية والوطنية، وهذا ما يهدف إليه الأعداء، ولا يرضاه الله ورسوله لنا، ويتناقض مع إيماننا وأخلاقنا الإسلامية السمحة العظيمة.

قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)

ألاعتصام: يعني التمسك بالشيء مخافة الوقوع في الخطر أو الهلاك.

الحبل: هو ذلك الشيء المعهود والمعروف لديكم، وهو ذلك الشيء الذي يفتل من الليف أو الشعر أو الجلد أو القطن أو غير ذلك من المواد المناسبة للفتل. ويطلق على ما يتوسط به لتحقيق الغاية أو المطلوب في الأمور.

وقيل أن حبل الله يعني: الدين، وقيل هو القرآن، وقيل القيادة التي تتمثل في الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام من بعده. وبالتأمل الدقيق في هذه المعاني الثلاثة، نجد أنها لا تختلف، وإنما تخدم نفس الغرض، فالدين هو حبل الله ومنهجه في الحياة، والقرآن الكريم والسنة الشريفة هما مصادر المعرفة لهذا الدين، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الطيبين الطاهرين من بعده، هم المعلمون والهادون لهذا الدين، والقادة المخلصون والمتفانون لخدمته وتطبيقه في جميع مناحي حياة الإنسان.

والخلاصة: أننا بعد أن نقرر بأن الدين هو حبل الله الذي يجب أن نتمسك به، في سبيل تحقيق وحدة الصف والكلمة والموقف، وتجنب الفرقة والاختلاف ( الوحدة الفكرية والعملية ) وأنه لا سبيل غيره لذلك، كما تقرره الآية الشريفة المباركة، فإن النظرة التحليلية تفرض علينا التمسك بالعناصر الأربعة التالية، كركائز أساسية حسب منطق الآية الشريفة المباركة، في سبيل تحقيق الهدف المنشود المشار إليه فيها، والعناصر هي كالتالي:

العنصر الأول: الرجوع إلى المصادر الإسلامية في المعرفة والتشريع، وهي العقل والقرآن الكريم والسنة الشريفة، وفق منهج علمي دقيق وصحيح.

العنصر الثاني: الالتزام بالمرجعية الدينية، التي تمثل المعيار الصحيح لمعرفة دقة المنهج والاستنتاجين المذكورين في العنصر الأول، بدون أن تلغي حق الاجتهاد أو تعطله.

العنصر الثالث: الالتزام بالمرجعية السياسية التي تقود الحالة الإسلامية والوضع الإسلامي، فهي المسئولة بالإضافة إلى التعليم المذكور في العنصر الثاني، مسئولة عن قيادة الواقع وإدارته، فتقوم بدور تجميع الجهود والآراء وتوظيفهم لخدمة الإسلام والمسلمين، بدون إقصاء أو تعطيل لها لأي رأي أو جهد مخلصين، وتقوم أيضاً بدور معالجة القضايا الجوهرية والأساسية في ضوء التعاليم والأحكام الإسلامية المقدسة، وتقوم بتذليل الواقع وتكسير الآلات التي تمنع من تطبيق الإسلام على أرض الواقع والحياة بإرادة إيمانية لا تقهر.

العنصر الرابع: الالتزام بالقيم والمبادئ الإسلامية في الحوار والعلاقات الاجتماعية، بعيداً عن الحقد والتعصب الجاهلي والطائفي أو الحزبي أو غيره من القيم المخالفة للإسلام الحنيف وتعاليمه السمحة المقدسة.

قوله تعالى: (جَمِيعًا)

هذا اللفظ يدل على أن المسلمين أمة واحدة، على الرغم من تنوع المذاهب والمدارس الفقهية، وعليهم أن يراعوا ذلك، ويحرصوا عليه، ويعملوا بموجبه، ويرفضوا كل ما يتعارض معه، وفي مقدمة ذلك تكفير المسلمين بعضهم بعضاً.

قوله تعالى: (وَلاَ تَفَرَّقُواْ)

لهذا اللفظ معنيين محتملين، وهما:

المعنى الأول: لا تفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم في الدين، كما حدث لأهل الكتاب.

المعنى الثاني: لا تفرقوا بإحداث ما يزيل الألفة والمحبة بينكم، كالحروب والمنازعات.

ملاحظتين مهمتين جداً:

الملاحظة الأولى: أن الاختلاف في الدين يؤدي حتما إلى التنازع، لأن الدين والقيادة الشرعية ذات الكفاءة العالية، هما وحدهما القادرين عمليا على توحيد الصفوف والكلمة والمواقف على الحق، وقول غير ذلك، هي صوفية حسية، غير منطقية، ولا وجود لها في الخارج، فإذا غابوا أو غيبوا فالنتيجة الحتمية لذلك هو التفرق والتنازع.

الملاحظة الثانية: أن التنازع والاختلاف يؤديان إلى النتائج التالية:

النتيجة الأولى: الضعف وفقدان الأمن.

النتيجة الثانية: السقوط والتخلف.

النتيجة الثالثة: الانحراف عن الصراط المستقيم.

وفي نهاية الوقفة مع هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة، أرى أهمية التذكير بالنقاط التالية، وهي:

النقطة الأولى: أن الآية الشريفة المباركة أشارت إلى ثلاثة عناصر رئيسية، وهي:

العنصر الأول: الدعوة إلى وحدة الصف والكلمة والموقف.

العنصر الثاني: نهي التفرق والاختلاف.

العنصر الثالث: بيان الطريق الواضح لتحقيق العنصرين الأول والثاني، والطريق هو التمسك بحبل الله، الذي يتضمن العناصر الأربعة، حسب التحليل الذي بينته في بداية البحث في هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة.

النقطة الثانية: أن العناصر الثلاثة الأولى التي ذكرتها في تحليل معنى حبل الله، وهي: مصادر المعرفة، والمرجعية الدينية والسياسية، التي تقوم بدور التعليم والقيادة، هذا المعني يؤكده حديث الثقلين المتواتر في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وفي مدرسة الخلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قوله: ( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ).

النقطة الثالثة: أن الآية الشريفة المباركة، في الوقت الذي تحذر فيه من الاختلاف والتفرق، وتوضح خطرهما الكبيرين على الإنسان في الدين والدنيا، وتجعل السبيل الوحيد إلى النجاة من ذلك الخطر، هو التمسك بحبل الله المتين، المتمثل في الكتاب والقيادة، فإنها تقرر في الوقت نفسه، أن التمسك بحبل الله المتين، هو طريق آمن موثوق بنتائجه في تحقيق الهدف المنشود في الدنيا والآخرة، في الدنيا يتحقق الأمن والاستقرار، وهما قاعدة التقدم والازدهار، وفي الآخرة الفوز بالجنة، والنجاة من النار.

النقطة الرابعة: أن الوحدة الإسلامية التي تقوم على أساس التمسك بحبل الله المتين، ليست وحدة شكلية فارغة من المضمون والهدف، فهي تستمد شكلها وصورتها من الأحكام الشرعية، وتستمد مضمونها من المفاهيم والقيم الإسلامية العالية، وتستمد هدفها من رضا الله جل جلاله، و تحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة.

قوله تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ)

الآية الشريفة المباركة تذكر المسلمين والمؤمنين، بنعمتين أساسيتين، وهما:

النعمة الأولى: نعمة الأخوة الإسلامية، وهي الأخوة التي تتصاغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والمصالح الشخصية…

قوله تعالى: (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) لاسيما الأنصار، حيث كانت الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، وقد امتدت لمدة مئة وعشرين سنة، فإذا بهم أخوة متحابين متناصرين، شعارهم:

قول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، سورة الحجرات 10. قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وذلك بفضل تعاليم الدين الحنيف التي تطهر النفوس من الأحقاد والأمراض كالحسد والغيبة والنميمة والأنانية والأهواء، التي تفتت الجسم الاجتماعي، وتشيع الألفة والمحبة بين المؤمنين والمسلمين، من خلال التشريع، والقيم والمبادئ المفاهيم الروحية، ومن خلال الأهداف النبيلة السامية، والمصالح المشرعة المشتركة ، وبفضل القيادة الإيمانية الرشيدة ، التي تغرس تلك التعاليم في النفوس ، وتفعلها على أرض الواقع ، وتدير الساحة الإسلامية والوطنية ، وتعالج قضاياهما بمسؤولية وحكمة بالغتين.

ومن الملفت للنظر، قوله تعالى: (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) ولم يقل: ألف بينكم، فالقلوب هي مركز الشعور والإحساس، مما يدل على قوة التوحد وصدقه، بعيدا عن المصالح الذاتية والأنانية، بالإضافة إلى مدلول لفظ: (ألف) الذي يعني التجمع مع توافق ومحبة.

والدرس الذي نستفيده من هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة هو: أن الآية الشريفة المباركة، تدعونا إلى أن لا نقبل أية دعوة أو أطروحة أو موقف يتعلق بالشأن العام، بدون قناعة مستمدة من الدليل والبرهان، حيث استندت الآية الشريفة المباركة، إلى الدليل الحسي والمشاهدة في أثبات دعواها، بأن التمسك بحبل الله هو السبيل الوحيد لتوحيد الصفوف والكلمة والمواقف، والخروج من مأزق التفرق والاختلاف، وليس ذلك للحد من سلطة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو تقييد طاعة الله جل جلاله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما لتأسيس مبدأ في العلاقة بين القيادة والقاعدة، تقوم على أساس التبصير والتنوير والشفافية، وليس على الطاعة العمياء، بدون أن تحرم القيادة من حقها في السرية التي تحفظ أمن القضية، ولكن تلك حالة استثنائية، وليست قاعدة عامة، ولا تكون في القضايا الرئيسية والجوهرية، التي يجب أن تقوم على الشفافية التامة والوضوح بين القيادة والقاعدة.

النعمة الثانية – قوله تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).

شفا: يعني طرف الشيء، مثل طرف النهر أو البئر أو السقف الذي يشرف على السقوط أو الهاوية.

وشفا حفرة: يضرب به المثل في القرب من الهلاك.

وقوله تعالى: ) شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ) في الآية الشريفة المباركة، له معنيين محتملين، وهما:

المعني الأول: أن المراد من النار، هو نار جهنم، وبالتالي فإن معنى شفا حفرة، هو ما كانوا عليه من الكفر والوثنية في زمن الجاهلية، حيث لا يحول بينهم والسقوط في جهنم إلا الموت، أعوذ بالله العظيم من غضبه ومن النار.

المعنى الثاني: أن المراد من النار، هو نار الحروب والنزاعات في الدنيا، حيث تقضي على الأمن والاستقرار والتقدم، وتحرق الأخضر واليابس، وتؤدي إلى التخلف الشامل في أوضاع المجتمع.

وهنا ينبغي التنبيه إلى أن الحروب والنزاعات التي هي من نتائج الاختلاف، قد تؤدي إلى الانحراف عن الصراط المستقيم، وبالتالي تؤدي إلى نار جهنم والعياذ بالله العظيم من غضبه ومن النار. ومما لاشك فيه أن غياب القيادة المؤمنة الرشيدة والواعية، يؤدي حتما إلى التفرق والاختلاف، فينبغي الحذر من ذلك، ومعالجته سريعاً إذا وجد !!!

قوله تعالى: (فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) من نار جهنم، ومن نار الحروب والنزاعات، بالإسلام، والأخوة الإيمانية، والقيادة المؤمنة الرشيدة والواعية، وأرشدكم إلى طريق الجنة في الآخرة، وطريق الأمن والتقدم والازدهار والصلاح والأخوة في الدنيا، وأساس ذلك كله، هو التمسك بحبل الله المتين، بالمفهوم الذي بيناه في بحث مضامين الآية الشريفة المباركة.

والدرس الذي نستفيده من هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة، هو أن يعيش المؤمنون روحية الجنة في علاقاتهم الاجتماعية في الدنيا، ليكونوا من أهل الجنة في الآخرة.

فوله تعالى: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

اسم الإشارة: (كذلك) في الآية الشريفة المباركة، له دلالتين، وهما:

الدلالة الأولى: في معنى البعد الذي يدل عليه الاسم، إيذان بعلو منزلة المطلوب، المتمثل في وحدة الصف والكلمة والموقف، والوسيلة إليه، المتمثلة في الدين والقيادة الإيمانية الواعية والرشيدة.

الدلالة الثانية: أن تحقيق المطلوب عن طريق الوسيلة المذكورة، المعبر عنها بحبل الله، حسب المفهوم الذي بيناه، من الأمور المشاهدة التي ندركها بالحواس.

قوله تعالى: (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) أي الآيات التي توضح لكم طريق السلامة في الدنيا والآخرة، ومن آياته: تحقيق المطلوب عن طريق الوسيلة المذكورة. ونستفيد من هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة، الدرسين التاليين، وهما:

الدرس الأول: أن نهتم كثيراً بالدراسة العلمية لأوضاعنا الاجتماعية، في سبيل المحافظة عليها وتطويرها.

الدرس الثاني: أن وعي الواقع الاجتماعي من خلال المبادئ والثوابت، يمنح التحرك نحو الهدف قوة وعمقاً.

قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة، لها معنيين أساسيين ، وهما :

المعنى الأول: لعلكم تهتدون إلى النجاة من النار والفوز بالجنة.

المعنى الثاني: لعلكم تهتدون في الحياة الدنيا إلى النجاة من الحروب والمنازعات، التي هي نتيجة للإختلاف وأتباع الأهواء، وتفوزون بالهداية والأخوة الإيمانية، والأمن والاستقرار، والتقدم والازدهار.

والدرس الذي نستفيد من هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة، هو أن نقف وقفة تأمل لأوضاعنا في العالمين العربي والإسلامي، وأن ندرسها دراسة علمية متأنية وعميقة، في سبيل النهوض بهما من الحضيض الذي يعيشون فيه، بالطريقة الوحيدة التي هدانا إليها القرآن الكريم، وشهد الدليل الحسي على صدقها، والتي تتمثل في إتباع الدين والقيادة الإيمانية الرشيدة الواعية.

الخطبة السياسية : التحالف السياسي بين القوى الإسلامية والوطنية

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة، أنتقل إلى القسم الثاني من الحديث، وهو الذي يعرف بالحديث السياسي، ويدور في هذا الأسبوع حول التحالفات السياسية بين القوى السياسية الإسلامية والوطنية المعارضة في البحرين.

الأهداف العامة للتحالف الوطني:

لقد أدركت القوى السياسية الإسلامية والوطنية المعارضة في البحرين حاجتها إلى التحالف، في زمن مبكر قبل الانفتاح، أي في زمن قانون أمن الدولة، من أجل تحقيق الأهداف العامة، وهي الأهداف لكل تحالف، أذكر منها التالي:

الهدف الأول: تشخيص وتحليل المعضلات الوطنية بعمق وشمولية، وذلك لتنوع الرؤى وتعدد الاتجاهات، وإيجاد الحلول المناسبة لها بصورة أفضل.

الهدف الثاني: اتخاذ خطوات الدعم المتبادل بينها لتحقيق أهدافها المشتركة.

الهدف الثالث: خلق التوازن في المعادلة السياسية مع الحكومة في الساحة الوطنية من أجل تطويرها وتحقيق الازدهار والرفاه للمواطنين.

حاجة مستمرة… وثمرات طيبة:

ولازالت القوى الوطنية تدرك بقاء الحاجة إلى هذا التحالف إلى الوقت الراهن، ومن الثمرات الطيبة لهذا التحالف، العريضتين: النخبوية و الشعبية التين نهضت بهما ما عرف بلجنة العريضة، وكانت شكلا مناسبا للتحالف في وقتها، أما اليوم فقد أخذ التحالف شكله المناسب من خلال الجمعيات السياسية، التحالف الرباعى و السداسي، التحالف السداسي على المشترك الأوسع للمعارضة في الساحة الوطنية، والتحالف الرباعي على المشترك في الدائرة الخاصة للجمعيات الأربع المقاطعة للانتخابات البرلمانية، وكلاهما مطلوب في ساحتنا الوطنية بشرط أن لا يؤثر العام على الخاص، أي بشرط أن لا يؤثر التحالف السداسي على تحقيق الجمعيات الأربع لأغراض المقاطعة، الذي هو خيارها الأهم في الساحة الوطنية في الوقت الراهن، من أجل المحافظة على المكتسبات الوطنية، وعصمت الساحة الوطنية من التراجع، ودفعها إلى الأمام، وقد تعرض التحالف الوطني الجديد إلى امتحانين يختلفان في نوعيتهما وهما:

الامتحان الأول – الانتخابات البلدية: وهو امتحان يتعلق بالمصالح، أي ما حصلت عليه كل جمعية من مقاعد في المجالس البلدية، وكاد أن يعصف هذا الامتحان بالتحالف الوطني، لولا أن أدركت المعارضة خطأها، وعادت إلى رشدها، وحافظت على وحدة صفها، لأنها أدركت بأن حاجتها إلى التحالف لخدمة المصالح الوطنية العليا، وخدمة مصالحها الإستراتيجية، أهم من المكاسب الآنية، ويفترض أنها تعلمت من التجربة إلى المستقبل.

الامتحان الثاني – محنة قانون الأحوال الشخصية: وهو امتحان يتعلق بالمبادئ، لأن الأطراف المتحالفة تختلف جوهرياً في معالجة هذا الملف المهم، استنادا إلى رؤيتها في الديمقراطية و الشريعة، وكاد أن يعصف هذا الملف بالتحالف، بصورة أشد مما حدث في تجربة الانتخابات البلدية، وقد أثبتت المعارضة بأنها تمتلك الوعي والرشد السياسيين، وأنها أذكى من القوى المضادة التي تحاول أن تضرب التحالف الوليد، لقد أحدثت التحركات المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية الكثير من الإرباكات، إلا أن المعارضة بحنكتها وإخلاصها استطاعت أن تتجاوز المحنة بنجاح، ويفترض أنها تعلمت من التجربة إلى المستقبل، وأنها أدركت حاجتها إلى إرساء أرضية قوية من التفاهم لمعالجة القضايا الوطنية العامة، والقضايا الإستراتيجية الخاصة بكل طرف، في ساحة العمل الوطني، التي هي ميدان عمل الجميع، والمحافظة عليها وتطويرها مسؤوليتهم جميعا.

تحديات تواجه التحالف الوطني:

وبعد هذين الامتحانين لم تنتهي محنة التحالف الوطني بعد، فالقوى المضادة لازالت تعمل، ولازالت تأمل في النجاح بتحقيق أهدافها، وهذا يتطلب أن ترسي المعارضة تحالفها على أسس قوية ثابتة، وهنا أرغب وقبل الدخول في توضيح بعض الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها التحالف، أرغب في التمييز بين أطروحتين، وهما:

الأطروحة الأولى: هناك بعض الأقلام المضادة، التي تمثل ما أسميته في وقت سابق بالعلمانية السلفية، ولأني ذكرت هذه التسمية في حوار مع الأخ عبد الله هاشم، فإنه يلزم التنبيه هنا إلى أن هذا الحديث غير منطلق مما دار في ذلك الحوار، وإنما ينطلق مما وجدته بكثرة في كتابات بعض الكتاب في الصحف المحلية، وفيها تحريض للقوى الوطنية العلمانية على التكتل من أجل مواجهة القوى الإسلامية، وقد نشطت تلك الكتابات أكثر بعد محنة قانون الأحوال الشخصية، التي يعرفها الجميع، ولا ترى هذه الأقلام بأساً في تحالف القوى الوطنية مع الحكومة، من أجل مواجهة القوى الإسلامية المتنامية، والتي تصفها بالمتخلفة والظلامية، وأرى بأن هذه تمثل علمانية سلفية متحجرة، لم تستطع تجاوز الماضي، ولم تدرك واقع الساحة البحرينية، ولم تقرأها جيدا، ولم تدرك حقيقة وواقع القوى الإسلامية البحرينية المتنورة والمنفتحة، التي استطاعت أن تدرك قيمة العمل الوطني المشترك، وأن تتقدم فيه بمعية القوى الوطنية المتحررة من عقد الماضي، ومن الهواجس الغير واقعية، ومن النظرة ضيقة الأفق للآخرين وللساحة الوطنية، وقد أثمر ذلك الإنفتاح الإسلامي الوطني: العريضتين: النخبوية والشعبية، وقد تضمنتا المطالبة بتفعيل الدستور، وعودة الحياة البرلمانية التي تم تعطيلها في عام (1975)، وبدلاً من أن تقوم هذه الأطراف، بتشجيع القوى الإسلامية وتحفيزها أكثر على الاستمرارية والتقدم في هذا الطريق الوطني اللاحب، نصطدم بهذه الإطروحات غير المسئولة، ومن المؤسف أن من أصحاب هذه الأقلام والإطروحات، من هو محسوب على بعض الأطراف السياسية المعروفة في الساحة الوطنية، وقد تخيل البعض أنها تعكس توجهات هذه الأطراف، ولأن هذه الأطروحات غريبة على شعب البحرين، ومضرة بالمسيرة الوطنية عامة، وبالأطراف الوطنية خاصة، فإننا نتوقع من كافة الأطراف والقوى الوطنية المخلصة، أن تعرب عن رفضها لهذه الإطروحات الخطيرة وأمثالها، حفاظا على النسيج الوطني من التمزق، ومن أجل المحافظة على التحالف الوطني من الضرر، وتجنب الصراع البيني بين القوى الوطنية والإسلامية، ولكي يصمد هذا التحالف في وجه التحديات المضادة، التي تحركها بعض الأطراف، التي لا تهمها إلا مصالحها الخاصة الشخصية أو الفئوية أو الحزبية، وإن كانت على حساب المصالح الوطنية العليا والجوهرية.

الأطروحة الثانية: وهو ما دعت إليه بعض الرموز الوطنية من تكتل القوى الوطنية الديموقراطية لكي تشكل قوة لها ثقلها، وبالتالي التأثير الحقيقي في الساحة الوطنية، ونحن لا نرفض ذلك، وليس من حقنا أن نرفضه، ولا نرفض أن تكون هناك تكتلات على أساس إسلامي: سني أو شيعي، بشرط أن لا يخدم أهداف طائفية سنية أو شيعية، وإنما يخدم المصلحة الوطنية لكافة المواطنين على أساس المواطنة الواحدة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات وتكافئ الفرص. أما أن ينطلق هذا التكتل أو ذاك من هذه الرؤية السياسية أو الإيديولوجية أو تلك، فهذا حق كفله الدستور التعاقدي، وكفلته المواثيق الدولية، والشريعة الإسلامية المقدسة، للأفراد والجماعات، وأعتقد بأن قيام هذه التكتلات يخدم المصلحة الوطنية، لأنه يجعل الساحة الوطنية تتألف من مكونات سياسية وحزبية قوية، ويجعل الحوار بينها قويا ومتكافئا، ومن شأن ذلك أن يخلق التوازن بين قوى المعارضة القوية والحكومة، ولا يرفض ذلك التكتل إلا الذين هم غير واثقين بأنفسهم، ولا يحترمون الحقوق المشروعة للآخرين.

الأسس الواقعية للتحالف الوطني:

والآن: ما هي الأسس الواقعية التي ينبغي أن يقوم عليها التحالف الوطني الصحيح بين القوى الإسلامية والوطنية المعارضة ؟

أذكر في الإجابة على السؤال أربعة أسس رئيسية، فإن المقام لا يتسع للحصر والتوسع، والأسس الأربعة هي كالتالي:

الأساس الأول: المحافظة على المصالح المشتركة لجميع الأطراف المتحالفة، ففي التحالف لا يوجد طرف خاسر، فالطرف الذي يعلم من البداية بأنه خاسر في التحالف، لن يدخل التحالف أبداً، وهنا أرغب في ذكر الملاحظات التالية، وهي:

الملاحظة الأول: التحالف لا يعني أن تتساوى جميع الأطراف في المكاسب، وإنما تحقيق العدالة بين كافة الأطراف المتحالفة، كل حسب ثقله الفعلي في الساحة، وتمثيله الشعبي، وقد تتنازل بعض الأطراف المتحالفة عن بعض مكاسبها لطرف آخر أو أكثر، من أجل المحافظة على التحالف وتقوية عوده، بما يعود بالمصلحة أخيراً، على الوطن والمواطنين.

الملاحظة الثانية: إن المصالح المشتركة، في الوقت التي هي مصالح القوى المتحالفة، فهي في الوقت نفسه تمثل المصالح الوطنية التي تلتقي عليها القوى الوطنية المتحالفة، ومن أجلها، ولا يمكن أن تضر بها بأي حال من الأحوال، فالمصلحة الوطنية مقدمة على كل مصلحة لأي طرف كان.

الملاحظة الثالثة: إن المصلحة الوطنية المشتركة، هي المصلحة التي تقوم على أساس مفهوم المواطنة، التي تعني تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافئ الفرص، وعدم التفريق بينهم على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو اللغة أو غير ذاك من عناصر التمييز، وأن كل طرف أو قوة تحاول أن تحقق مكاسب لحساب طائفة على حساب طوائف أخرى، أو تحتفظ بها، فإنها تخالف في ذلك الشريعة الإسلامية المقدسة، والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ودستور البحرين التعاقدي.

الأساس الثاني: المحافظة على الثوابت لكل الأطراف المتحالفة، فالتحالف لا يكون بين الأطراف المتفقة في كل شيء، وإنما التحالف قد يكون بين أطراف قد تختلف إيديولوجيا، وقد تختلف في معالجة بعض القضايا الجوهرية والملفات الساخنة، وهنا يأتي التحالف ليقوم بخلق أجواء الود والتفاهم من أجل تنفيذ الدورين الرئيسيين التاليين، وهما:

الدور الأول: خدمة القضايا المشتركة بين الأطراف أو القوى السياسية المتحالفة.

الدور الثاني: توفير أرضية قوية وثابتة، لإعطاء فرصة أفضل لتحقيق النجاح في القضايا الخاصة لكل طرف، لاسيما الإستراتيجية منها، بدون أن يأثر ذلك على التحالف والوحدة الوطنية.

وأرى أن قيام التحالف على هذا الأساس، يدل على الوعي والرشد السياسي لدى القوى السياسية المتحالفة، إلا أن هذا هوما ترفضه العلمانية السلفية المعاصرة، التي ترفض أن تحافظ القوى الإسلامية على ثوابتها داخل التحالف، وتطالب بأن تتخلى القوى الإسلامية عن ثوابتها لكي يكون التحالف مقبولاً لديها، وهذا ما لم نجد له مثيلا حتى عند أكثر الرموز الإسلامية تشدداً حسب تقدير هذه الأطراف، فقد دعت هذه الرموز إلى التحالف المدروس الذي يقوم على أساس الخير للوطن والمواطنين، ولا يدوس على الثوابت، بدون أن تشترط أو تطالب الأطراف التي تختلف معها بالتنازل عن ثوابتها، في الوقت الذي تزعم فيه هذه الأطراف العلمانية السلفية المعاصرة، بأنها متنورة وتقدمية، ويفهم من زعمها هذا، بأنها لا تقبل أن تحتفظ القوى الإسلامية بثوابتها، لأنها ثوابت رجعية حسب زعمها.

وأنا أعتقد بأن هذا التفكير المتحجر سوف يعود على الساحة الوطنية بالضرر، لأنه سوف يؤدى في حال نجاحه، إلى تفتيت القوى الإسلامية والوطنية، وإدخالها في حالة من الصراع البيني، بدلاً من التعاون والتنسيق بينها، لخدمة المصالح الوطنية العليا المشتركة. وأيضا سوف يعود هذا التفكير المتحجر وغير المسئول، بالضرر على هذه القوى السياسية العلمانية نفسها، أكثر من القوى الإسلامية، ذات النفوذ والقاعدة الشعبية الأوسع في الساحة الوطنية، وهذا يدل على قراءة خاطئة للساحة الوطنية، فضلا عن أنه لا يدل على وعي سياسي، وخبرة في ميدان العمل الوطني، ولهذا كله: فإني أتمنى لهذه القوى السياسية وعليها ، أن تثوب إلى رشدها ، وأن تتراجع عن هذه الإطروحات، التي لا تخدم المصلحة الوطنية، وتصب في نهر إطروحات القوى المضادة، التي تزعم بأن التحالف الوطني هش، لأنه يقوم بين قوى تختلف إيديولوجيا، وتختلف في معالجة بعض القضايا الجوهرية، والملفات الساخنة، وتنتظر متوهمة ساعة سقوطه!!

الأساس الثالث: أن تلتزم الأطراف المتحالفة وتتقيد بما تعاقدت عليه، وأن لا يتمسك كل طرف باستقلاليته التامة، ويكون حراً في التقيد أو عدمه بما تعاقدت عليه الأطراف، فإن ذلك من شأنه أن يفقد التحالف قيمته، وهو من مخلفات التفكير البدوي، والحالة البدوية، التي تقوم على أساس الترحال والتنقل من مكان إلى آخر، أما في التفكير المدني، والحالة المدنية، فإن الفرد يتنازل عن بعض إرادته وحريته، لصالح الحالة المدنية ونظامها، بما يعود على الفرد والمجتمع في النهاية بالمصلحة والسعادة.

الأساس الرابع: أن تضع الأطراف المتحالفة لها مرئيات وبرامج عمل زمنية واضحة، تستند إليها في حركتها لتحقيق أهدافها العامة، التي ذكرتها في أول الحديث، والأهداف الخاصة التي قام من أجلها التحالف في الزمان والمكان المعينين، وبدون المرئيات وبرامج العمل الزمنية الواضحة، فإن التحالف يكون عرضةً للتخبط والعشوائية وردود الفعل غير المدروسة في الحركة، مما يعود بالضرر على التحالف وأهدافه.

وختامــا: فإنني أعرب مسروراً عن تفاؤلي بمستقبل التحالف الوطني، وسقوط هذه الإطروحات الغريبة على شعبنا البحريني وساحتنا الوطنية، معولا في ذاك كله، على وعي وإخلاص شعبنا الغيور، والقوى الإسلامية والوطنية المناضلة والمجاهدة، وعلى خبرتها في العمل الوطني، وبصيرتها في كيد الأعداء، والآعيب القوى المضادة، مع تمنياتي لهم جميعاً، بكل التوفيق والنجاح في عملهم الوطني والإسلامي المباركين.

اكتفي بهذا المقدار واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 19 / ربيع الثاني /1424هـ – الموافق 20 / 6 / 2003 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى