خطبة الجمعة | 6-6-2003

الخطبة الدينية : رؤية قرآنية في عقيدة اليهود

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين . السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على جميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى،والحبل المتين، والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح

المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) صدق الله العلي العظيم .

ما تلوته كان الجزء الأول من الآية الشريفة المباركة رقم (64) من سورة المائدة، وهذه الآية الشريفة المباركة ، تعرفنا على عقيدة خطيرة من عقائد اليهود ، وتحذرنا منها ، وهذه العقيدة قد أصبحت في زماننا هذا عقيدة عالمية ، بسبب التظليل الإعلامي والثقافي الذي وظفت إليه الصهيونية المعاصرة إمكانيات مادية وبشرية ضخمة جدا ، وقد تسربت هذه العقيدة اليهودية الخطيرة إلى الكثير من أبناء المسلمين ، بسبب الجهل والغفلة أحيانا ، وبسبب الرغبة في المكاسب الرخيصة أحيانا أخرى ، وسوف نقف على بعض التفاصيل المهمة لهذه العقيدة الخطيرة ، من خلال استعراض المضامين الرئيسية للآية الشريفة المباركة .

قوله تعالى: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ )…

اليد تطلق في الأصل على الجارحة المعروفة ، التي بها نأكل ونشرب ونعمل ، وقد أطلقت مجازا على عدة معاني ، منها : النعمة ، والقدرة ، والملك ، والسلطة .

مَغْلُولَةٌ: بمعنى مقيدة .

وقول اليهود: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ، له ثلاثة معاني رئيسية ، وهي :

المعنى الأول: أن الله جل جلاله لما أن خلق الخلق وأتمه على ما هو عليه ، انتهت مهمته فيه ، وأن الكون أصبح محكوما بالقوانين الطبيعية ، ولم يعد الله قادر على أن يغير فيه أو يتصرف ، أي أن مشيئة الله أو أرادته لم تعد ماضية في الكون ، وليست مهمتي الآن المناقشة العلمية أو الفلسفية لهذا القول الباطل ، وإنما أريد فقط الإشارة إلى بعض الجوانب العملية لهذه العقيدة الباطلة ، وهي الجوانب التي تخدم موضوع بحثنا الذي سوف أشير إليه بعد قليل في التعليق السياسي ، على المعاني الثلاثة لقول اليهود الذي نحن بصدد بحثه ، من هذه الجوانب أن ما ورد في القرآن الكريم من إهلاك قوم نوح بالغرق ، وكذلك إهلاك فرعون وقومه ، وإهلاك عاد بالريح العاتية ، إهلاك ثمود بالصيحة ، وإهلاك قوم لوط بالخسف ، لأن الله غضب عليهم ، كل ذلك لا يمكن قبوله حسب هذه العقيدة الخطيرة التي تقول بأن يد الله مغلولة عن التصرف في الكون ، وان الكون محكوم فقط بقوانينه الطبيعية ، وهذه عقيدة باطلة لا زال البعض يقول بها حتى اليوم .

المعنى الثاني: أن الله غير قادر على التصرف والتغيير في أوضاع الناس ، وأن مشيئته وإرادته غير نافذة فيها ، فأوضاع الناس العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها محكومة بالقوانين الطبيعية ، ولا دخل لإرادة الله فيها ، فالقوانين الطبيعية هي التي تحدد النصر والهزيمة في المعركة ، وكذلك الغنى والفقر ، وبالتالي فإن الله غير قادر على نصر عباده المؤمنين ، وغير قادر على إغنائهم وتحسين أوضاعهم المعيشية ، والأثر العملي لهذه العقيدة الخطيرة ، أن الناس يجب أن يخضعوا لليهود لأنهم يمتلكون القوة والمال والعلم ، قال الله تعالى على لسانهم في كتابه المجيد : ( أن الله فقير ونحن أغنياء ) كذلك يرون بأنهم يمتلكون الحصون والسلاح ، ويمتلكون العلم والتقدم ،لأن فيهم الأحبار والرهبان ، بينما يطلقون على غيرهم صفت الأميين ، وهذا عينه ما نراه اليوم لدى الصهاينة في فلسطين من تفكير وسلوك عدواني صلف .

المعنى الثالث: أن الله جل جلاله بخيل لا ينفق إلا القليل ، فبسط اليد كناية عن الجود والكرم ، وغل اليد كناية عن البخل وعدم الإنفاق ، وقيل في سبب نزول هذه الآية الشريفة المباركة ، أن يهوديا قال لرسول الله (ص) : ( أن ربك بخيل لا ينفق ) ، وكان ذلك على خلفية حدوث أزمة اقتصادية أو مالية لليهود . وهنا أريد أن أنبه إلى ثلاث نقاط رئيسية، وهي:

النقطة الأولى- أن قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ) يدل على أن هذا القول هو تعبير عن عقيدة شائعة لدى اليهود ، ونحن ندرك وجودها من خلال كتبهم وسلوكهم في الوقت الحاضر ، وسوف تتضح هذه الحقيقة أكثر من خلال التوغل في البحث .

النقطة الثانية: أن هذا القول يدل على انحراف عقائدي وأخلاقي خطيرين ، وهما أكثر ما يعاقب الله الإنسان عليه في يوم القيامة ، فأكثر ما يعاقب الله عليه الإنسان يوم القيامة هو الانحراف الفكري وهو الجانب الأهم في كينونة الإنسان ، ثم الانحراف الأخلاقي ( صياغة النفس : بالحب أو الكراهية ، الشجاعة أو الجبن ، .. الخ ) وأخيرا هو الانحراف السلوكي ، الذي هو أقل خطرا من سابقيه ، أما الانحراف الفكري ، فإن هذا القول يدل على أن الله جل جلاله في عقيدة اليهود المشار إليها في الآية الشريفة المباركة ، ليس هو ذلك الذات المقدسة الجامعة لصفات الكمال ، صفات الجمال والجلال الامتناهية ، المنزهة عن كل عيب ونقص ، وإنما هو ذات محدودة يمكن أن تتصف بالنقص والعيب والخطأ في الأفعال ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وأما الانحراف الأخلاقي ، فذلك القول يدل على تكبر اليهود واستعلائهم على الله ثم على الناس ، فبعد أن يقول اليهود بأنهم الأغنياء وأن الله فقير ، وأنهم يمتلكون العلم والقوة ، فإنهم يطالبون الناس بالخضوع إليهم ، ويثبتون لأنفسهم الفضل على الناس ، ويعطون لأنفسهم الحق في استعباد الناس والسيطرة عليهم ، ولو كان ذلك عن طريق الظلم والقتل والعدوان والتدمير ، كما نراه اليوم في سلوك الكيان الصهيوني في فلسطين ، وكما نراه أيضا في سلوك الإدارة الأمريكية التي تمثل المسيحية المتصهينة ، فإن لسلوك أمريكا والكيان الصهيوني العدواني ، خلفية عقائدية كما كشفت عنها الآية الشريفة المباركة .

النقطة الثالثة: أن عقيدة اليهود هذه ، قد أصبحت عقيدة عالمية بسبب التظليل الإعلامي والثقافي ، الذي سخر اليهود من أجله إمكانيات مادية وبشرية ضخمة جدا ، وقد تسربت هذه العقيدة الخطيرة إلى عقول وتفكير أبناء الإسلام ، وتبرز هذه العقيدة على وجهين يتفاوتان في درجة خطورتهما، وهما :

الوجه الأول: وهو العلمانية ، التي تعني فصل الدين عن الدولة ، وهو الوجه الذي يمثل الخطورة الأقل على الدين والعقيدة الحقة ، وهي عقيدة التوحيد ، وهو وجه واضح البطلان لدى غالبية المسلمين الملتزمين بالإسلام والتوحيد كمنهج حياة .

الوجه الثاني: وهو عقيدة غل اليد بالمفهوم الذي أوضحته في المعنيين الأول والثاني للآية الشريفة المباركة ، وهو الوجه الذي يمثل الخطورة الأكثر على الدين ، وعلى عقيدة التوحيد ، وقد تسربت هذه العقيدة إلى تفكير أبناء المسلمين ، وقد شمل تسرب هذه العقيدة حتى أبناء الإسلام الملتزمين بالإسلام والتوحيد كمنهج للحياة ، وذلك بسبب خفاء ودقة وغموض هذه العقيدة الباطلة ، ونجد ذلك في تحليلات بعض أبناء الإسلام الملتزمين بالإسلام والتوحيد كمنهج حياة ، تحليلاتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، حيث نجدهم يركزون على العوامل والقوانين الطبيعية ، ويتجاهلون إرادة الله ومشيئته في الأوضاع ، مما يؤدي إلى شعورهم بالوهن والضعف أمام قوى الاستكبار والطاغوت ، ويتخلون عن وظيفتهم أو تكليفهم الشرعي تحت تأثير ذلك ، فهم لا ينظرون إلى نصر الله ودفاعه عن المؤمنين ، ويتجاهلون جنود الله في السماء والأرض التي تمتلك القوة المدمرة للأساطيل والبوارج الضخمة التي يرهب بها أعداء الله الناس ، ويفرضون هيمنتهم عليهم تحت تأثير هيبتها ، ويتجاهلون كذلك تأثير التقوى والصلاح في تحقيق النصر ، وتأثير الفجور والخيانة والفساد في تحقيق الهزيمة ، أن بعض أبناء الإسلام الملتزمين يتجاهلون ذلك تحت تأثير هذه العقيدة الباطلة ، التي تسربت إلى عقولهم بسبب شدة خفائها ، مع أنها تخالف النصوص الصريحة في القرآن الكريم والتي تعبر عن عقيدة التوحيد الحقة ، التي تعني أن لله جل جلاله كمال القدرة ، ونفوذ الإرادة والمشيئة في كل شيء من أمور الناس وأوضاعهم ، وأمور الكون وأوضاعه .

قوله تعالى: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ).

في هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة ، دعاءين من الله جل جلاله على اليهود ، وهما :

الدعاء الأول- قوله تعالى : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) وهذا الدعاء يدل على ثلاثة أمور محتملة ، وهي :

الأمر الأول: الدعاء عليهم بأن يتصفوا بالصفات الذميمة ، وفي مقدمة هذه الصفات ، البخل والأنانية ، وهما مدخلان إلى كثير من السيئات الكبيرة ، منها : أكل الحرام ، وذلك لأنهم لا ينفقون إلا من أجل الربح والمصالح ، مما حملهم على الربا ، ومنها الظلم والعدوان والقتل بغير حق من أجل المال والمصالح ، وهم يسمحون لأنفسهم بذلك ، لأنهم شعب الله المختار ، ولأنهم أبناء الله وأحباؤه ، ولأنهم يمتلكون العلم والقدرة ولهم الفضل على الناس جميعا ، وأن الناس يجب أن يخضعوا إليهم ، ولهم الحق المطلق في التصرف بالناس كيف ما يشاؤن … إلخ ، وسوف يأتي بعد قليل علة دعاء الله جل جلاله عليهم .

الأمر الثاني: الدعاء عليهم بفشل مخططاتهم للسيطرة على العالم ، فلن يكون لهم من ذلك إلا التعب والنكد والعداوة من الناس ، ولن يفلحوا أبدا في مخططاتهم ، ولن يكون لهم نصيب إلا الفشل والخسران في الدنيا والآخرة ، قال تعالى عنهم : (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)

الأمر الثالث: الدعاء عليهم بالعذاب الشديد في جهنم وفيها يسحبون، قوله تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ ) الحاقة- الجزء التاسع والعشرون

الدعاء الثاني- قوله تعالى: (وَلُعِنُواْ ) .

اللعن: هو الطرد من رحمة الله على سبيل السخط ، وهو يعني في الدنيا الخذلان وعدم التوفيق ، ومن مصاديق هذا الخذلان ، الدعاء الأول عليهم بغل اليد ، حسب ما يدل عليه الأمر الأول ، وهو اتصافهم بالبخل والأنانية ، والآثار السيئة المترتبة على ذلك كما أوضحت قبل قليل ، وحسب ما يدل عليه الأمر الثاني ، وهو فشل مخططاتهم في السيطرة على العالم واستعباد الناس جميعا ، واللعن يعني في الآخرة العذاب الشديد ، وربما يدل اللفظ على أن اللعن وهو الطرد من رحمة الله على سبيل السخط ، هو أشد عذابا من نار جهنم ، أعاذنا الله جميعا من ذلك ، أنه رؤوف رحيم .

ويدل قوله تعالى: (بِمَا قَالُواْ) على أن علة الدعاء عليهم من الله الرؤوف الرحيم هو قولوهم الشنيع : (يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ) ، لما يدل عليه ذلك القول من عقائد باطلة وخطيرة ، يأباها العقل والفطرة والخلق الإنساني الجميل كما أوضحته قبل قليل ، ولما يترتب على تلك العقائد الباطلة والخطيرة من آثار في حياة الناس ، منها الظلم والعدوان والقتل بغير حق والتدمير والتخريب والفساد في الأرض ، كما نجده لدى الصهاينة في فلسطين ، وكما نجده لدى أمريكا في العالم ، فإن كل ذلك من أمريكا والصهاينة ، له خلفية عقائدية باطلة تغذيه ، وقد كشف القرآن عن ذلك كله ، فالذي نستفيده من تناول القرآن لقول اليهود هذا ، هو الكشف عن الخلفية الفكرية أو العقائدية التي تغذي وتفسر سلوك اليهود ، وهو السلوك الباقي لديهم حتى اليوم ، وقد اكتسبت المسيحية المتصهينة ، تلك العقيدة والسلوك ، وهو الذي نجده لدى الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن .

قوله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ).

بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ: هذا القول يدل على كمال الجود ، وكمال القدرة ، فهو يعطي عباده بلا حدود ، وبلا مقابل ، تفضلا منه وكرما ، وأيضا له كمال القدرة ، فإرادته ومشيئته نافذتين في كل شيء ، في الكون والإنسان ، وله جنود السماوات والأرض التي تدمر قوى الشر والبغي والظلم متى يشاء وكيف يشاء ، وأنه ينصر من يشاء متى يشاء و كيف يشاء ، ويرزق من يشاء متي يشاء وكيف يشاء ، وأنه قادر على قلب الموازين العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية متى يشاء وكيف يشاء ، وهذا ما يجب أن نعتقده ونثق به في مواجهة قوى البغي والظلم من المستكبرين والمستعمرين والطواغيت .

يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ: هذا القول يدل على كمال الحكمة ، فهو يعمل جوده ويرزق عباده حسب مقتضى حكمته البالغة ، لا حسب مزاج اليهود أو غيرهم .

قال تعالى: (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِر) الرعد- الجزء الثالث عشر، الآية 26

وقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى- الجزء الخامس، الآية 27، وهذا يدل على الحكمة.

وقال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ …) المؤمنون- الجزء الثامن عشر، الآية 71.

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) وأيضا يعمل القدرة ويتصرف في الكون وأوضاع الناس بحسب مقتضى حكمته البالغة.

قال تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ …) الرعد- الجزء الثالث عشر، الآية 8.صدق الله العلي العظيم .

قوله تعالى: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً).

تدل هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة ، على أن اليهود لن يرتدعوا ، ولن يتراجعوا عن باطلهم في الأقوال والأفعال ، في الإطروحات والمواقف ، مهما جاءهم الرسول الأعظم (ص) بالآيات وبالبراهين القاطعة ، وأن تلك الآيات والبراهين لن تزيدهم إلا طغيانا وكفرا ، أي لن تزيدهم إلا عنادا وتجاوزا لكل الحدود في الظلم والبغي والعدوان والفساد والإثم ، وذلك لأنهم لا يطلبون الحقيقة ، ولا يتعاملون معها بموضوعية ، وإنما يتعاملون معها من خلال العقد النفسية ، وفي مقدمة ذلك التكبر والاستعلاء والحسد، وقد ذكر المفسرون سببين رئيسيين لهذا التأثير في اليهود من القرآن الذي أنزل رحمة للعالمين ، والسببين هما :

السبب الأول: العقد النفسية لدى اليهود ، وفي مقدمتها التكبر والاستعلاء والحسد ، حيث يعتقد اليهود بأنهم شعب الله المختار ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم أهل العلم والتقدم ، ففيهم الأحبار والرهبان ، وأنهم أحق بأن يكون النبي منهم لا من غيرهم ، فلما كان من غيرهم حسدوه وتكبروا عليه ، ونتج عن ذلك مزيدا من الطغيان ومن الكفر ، الذين كانا موجودين فيهم أصلا .

السبب الثاني: أن القرآن الكريم كشف عيوبهم وسيئاتهم .

وفي الآية تحذير في غاية الأهمية ، نستفيده من تقديم لفظ الطغيان على الكفر ، فهو يدل على أن الطغيان قد يؤدي إلى الكفر ، والدرس الذي نستفيده من هذه الفقرة من الآية الشريفة المباركة ، هو الحذر من التعامل مع الأمور والحقائق من خلال العقد النفسية ، لاسيما التكبر والاستعلاء والحسد ، فإن ذلك قد يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله الكريم من ذلك ، فالمطلوب منا أن تعامل بموضوعية ونزاهة مع الأمور والحقائق وتقييم المواقف .

الخطبة السياسية : تأملات في شخصية الإمام الخميني رحمه الله تعالى

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة ، التي أرجو أن أكون قد أفدتكم من خلالها ، بعد هذه الوقفة انتقل إلى القسم الثاني من الحديث ، وهو الخطاب السياسي ، ويدور هذا الأسبوع حول الإمام الخميني طيب الله ثراه ، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة عشر لرحيله من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ، وأرغب أن أشير إلى ملاحظتين قبل الدخول في موضوع البحث .

الملاحظة الأولى : أن معظم ما يتضمنه الحديث عن الإمام الخميني طيب الله ثراه ، كنت قد قلته في نفس المناسبة، وذلك في ليلة الخميس ، في مسجد المؤمن في المنامة ، وطلبا للاختصار، فإني أستغني عن تكراره ، وسوف أقوم بتنزيله مكتوبا مع الخطبة على الموقع ، فعلى الذين يطلبونه الرجوع إليه هناك ، وسوف أكتفي الآن بالحديث حول الملاحظة الثانية .

الملاحظة الثانية : أن ذكرى رحيل الإمام الخميني العظيم في هذا العام ، تكتسب أهمية خاصة بالغة ، وذلك لأنها تأتي بعد العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله ، وبعد قمتي شرم الشيخ والعقبة المشؤمتين ، اللتان تدلان على التسليم المطلق من الأنظمة العربية المشاركة في القمتين للإرادة الأمريكية والصهيونية ، والانصياع الكامل لهما ، والذكرى تقدم لنا نموذجا شامخا في رفض الهيمنة الصهيونية والأمريكية ، والثبات والصمود في مقاومتهما بالفكر والعمل ، ويمكننا الإقتداء بتلك الشخصية العظيمة في الظروف الراهنة ، التي دخلت علينا فيها أمريكا والصهيونية الدار ، وأصبحتا اللاعبين الرئيسيين في تحديد حاضر ومستقبل المنطقة ، وهنا أرغب أن أذّكر بثلاث نقاط حول قمتي شرم الشيخ والعقبة ، أرى أهمية التذكير بها ، ولفت النظر إليها ، والنقاط هي :

النقطة الأولى: أن القمتين لا تعبران عن أرادة الشعوب العربية والإسلامية، وتدلان على ضعف الأنظمة العربية في مواجهة الضغوطات الخارجية، وذلك لسببين:

السبب الأول: أن الأنظمة العربية لا تحمل رسالة إلى العالم، وتملك مشروعا ثقافيا بعد تخليها عن الإسلام، مما جعل مشروعها السياسي مشروعا سطحيا سلطويا لا قيمة له، وكل ما يهم الأنظمة العربية، هو الاحتفاظ بكرسي الحكم للحاكم بأي ثمن، وإن كان على حساب رسالة الأمة وقيمها وسيادتها ومصالحها الجوهرية.

السبب الثاني: انفصال الأنظمة العربية عن شعوبها ، فهي لا تستمد شرعية وجودها من الشعوب ، ولا تستمد شرعية دورها من الشعوب ، ولا تشارك الشعوب مشاركة جدية في صياغة القرارات مما أدى إلى فصل مصير الأنظمة عن مصير الشعوب ، وأصبح هم الكثير من الشعوب العربية هو التخلص من أنظمتها بدلا من دعمها والوقوف إلى صفها كما حدث في العراق .

النقطة الثانية : من الواضح رفض قوى المقاومة الفلسطينية للقمتين وما نتج عنهما ، لاسيما قمة العقبة ، وبالتالي فإن أبو مازن قد ذهب إلى القمتين بدون الاتفاق مع قوى المقاومة رغم ما تمتلكه المقاومة من رصيد شعبي ، وما تلعبه من دور جهادي وسياسي على الساحة الفلسطينية ، وهذا ما يميز الأنظمة العربية من تخلف في الإدارة ، وهو سر تخلفها وفشلها المستمر على جميع الجبهات ، وما لم يتغير هذا الأسلوب الاقتصادي الفاشل ، فإننا لن نجني إلا التخلف والفشل على جميع الجبهات ، وأن أخوف ما نخافه ، أن تتحول خارطة الطريق ، بدلا من إقامة الدولة الفلسطينية ، إلى اقتتال داخلي بين الفلسطينيين ، وأن تخوض السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن ، حربا مع قوى المقاومة الفلسطينية بالنيابة عن الكيان الصهيوني .

النقطة الثالثة : من المثير للعجب والاستغراب ، غياب الدولتين ، السورية واللبنانية عن القمتين ، رغم أنهما دولتي مواجهة مع الكيان الصهيوني ، ولديهما أراضي محتلة مما يدل على أن أمريكا تجمع الأنظمة العربية وتفرقهما حسب إرادتها ، وكما تقتضيه سياستها ومصالحها ، والانصياع الكامل من الأنظمة العربية التي حضرت القمتين لهذه الإرادة والسياسة والهيمنة ، فأي شيء نرجوه من هذه الأنظمة بعد ذلك ؟ !

بعد هاتين الملاحظتين المهمتين اللتين أرجو أن أكون قد أفدت بذكرهما أعود إلى أصل الموضوع الذي يدور حول الإمام الخميني طيب الله ثراه .

الإمام الخميني العظيم، كانت حياته كلها كدحا في ذات الله تعالى ذي الجلال والإكرام.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ) صدق الله العلي العظيم، الانشقاق- الجزء الثلاثون، الآية 6. ولأن حياته كانت كدحا في ذات الله تعالى، فقد اتسمت بالحقيقة والجدية، فلم يجر الإمام طيب الله ثراه وراء السراب، ولم يشرب من ماء البحر الذي كلما شرب منه العطشان أزداد عطشا، وإنما كان يمشي بنفس مطمئنة وراء حقائق عقائدية قطعية وواضحة، ومشاهدات عرفا نية لا يتسرب إليها الشك، وكانت دابته إرادة إيمانية فولاذية لا تكل ولا تتعب، وزاده في الطريق التقوى وموائد العرفان. كما اتسمت حياته بالجدية التامة !! كأن يأخذ الأمور الجوهرية بأقصى درجات الجد، كان يأخذ التفكير في المسائل الجوهرية بأقصى درجات الجد، وكذلك يأخذ تشخيصها بأقصى درجات الجد، وكذلك الأقوال أو الاطروحات والمواقف فيها… كلها كان يأخذها بأقصى درجات الجد لأنه كان يعلم يقينا بأنه موقوف بين يدي الله العظيم ومسئول ومحاسب عن جميع ذلك…

قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)، الزلزلة- الجزء الثلاثون. فكانت هذه العلاقة الوجودية المصيرية التي تربطه بالله العظيم حاضرة في كل تصرفاته، فكان يتصرف بمسؤولية عميقة جدا جدا في ضوء هذا الحضور الرباني العظيم ، إنه يفكر والله العظيم أقرب إليه من حبل الوريد ، ويشخص الأمور ، والله العظيم أقرب إليه من حبل الوريد ، ويعطي الاطروحات ، أو يقدم الاطروحات ، والله العظيم أقرب إليه من حبل الوريد ، ويتخذ المواقف في الأمور الجوهرية والقضايا المصيرية ، بل كل الأمور ، وكل القضايا ، والله العظيم أقرب إليه من حبل الوريد ، فلم يكن يخضع شيئا من ذلك للمجاملات أو المزايدات أو الضغوطات أو الترهيب أو الترغيب ، وإنما يخضعها لمرضاة الله تعالى ذي الجلال والإكرام وأحكامه !!

وأيضا : لما كانت حياة الإمام الخميني رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، وأسكنه الفسيح من جناته ، واعطاه ما كان يسعى إليه من منازل القرب والمكاشفة والمحادثة والمناجات ، لما كانت حياته كدحا في ذات الله تعالى ذي الجلال والإكرام ، فقد اهتم بتأديب نفسه بآداب ربه ، وكانت نفسه ميدان جهاده الأول ، وقد أحسن تأديب نفسه ، حتى أصبح بحق قدوة العلماء والفقهاء والعارفين والقادة والمجاهدين ، كما أهتم بتأديب الناس وقيادتهم إلى الله تعالى ذي الجلال والإكرام وتعبيدهم إليه ضمن المشروع الإلهي العبادي الشامل .

قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات- الجزء السابع والعشرون، الآية 56. فكان كثير الاهتمام بالناس ولاسيما المستضعفين منهم، وكان كثير الاهتمام بالجماهير، فكان يتواضع إليهم تواضعا جما وهو الفيلسوف الكبير ، والعالم والفقيه المتميز ، والعارف السابق ، والقائد العظيم ، كان يتواضع كثيرا للجماهير ويواسيهم ويعتذر إليهم عن التقصير ، وكان يثق فيهم ويعتمد عليهم ويعترف إليهم بالفضل في ما يتم إنجازه من مشاريع إسلامية ضخمة وفي مقدمة ذلك إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران والمحافظة عليها ، وكان على الجمهورية يتواصل معهم ويشاورهم في الأمور التي تعود إليهم ، بما في ذلك التصويت على الجمهورية والدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وغيرها من الانتخابات ، وكان شديد المحبة إليهم والعطف عليهم والتسامح معهم ،

وقد تميز خطابه الجماهيري بالوضوح التام ليعرف الناس على طريقهم في الحياة، ويساعدهم على الخيارات الراشدة التي فيها خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، رغم دقة أسلوبه العلمي في الكتابة ورقيه، وكل ذلك كان يأتي بالتلقائية تامة دون تكلف، مما يدل على عظيم معاناته وكفاحه وجهاده، وكل ذلك كان ينبع من منهجه العرفاني الصافي الراقي، وقد سار خليفته آية الله العظمى السيد علي الخامنئي حفظه الله تعالى بحفظه الدائم على نفس النهج حميد العقبى في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). صدق الله العلي العظيم. الصف- الجزء الثامن والعشرون.

وقد أمن الإمام الخميني رحمة الله تعالى وطيب ثراه بإقامة الدولة الإسلامية وسعى من أجل قيامها وضحى من اجلها ومن المحافظة عليها بتضحيات جسام، ولم يثنيه عن ذلك شيء، كجزء من المشروع الإلهي العبادي…

قول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .الذي يقضي بإخضاع الناس في كل تفاصيل وجزئيات حياتهم العامة والخاصة إلى الله تعالى عز جلاله، بما في ذلك إقامة الدولة الإسلامية التي تقوم على ضوء أحكام الله ومنهجه الذي أنزله على رسوله العظيم (ص) ليسلك بالناس طريق سعادتهم في الدنيا والآخرة وجعلنا الله تعالى من الفائزين المفلحين به في الدنيا والأبخرة، ومن الملفت إلى الانتباه جسارة الإمام الخميني رحمة الله تعالى عليه في تقديم التضحيات الجسام ومنها الشهداء الأعزاء في الطريق الذي سلكه في الجهاد وإقامة الدولة الإسلامية والمحافظة عليها بشكل لم يسبق له مثيل عند أحد من الفقهاء قبله، وهي تضحيات لم يجسر عليها قبله إلا الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وهو التقي الورع وتحرز الفقهاء في تقديم التضحيات لاسيما الدماء، لعلمهم بأن التفريط في الدماء والأرواح وغيرها في سبيل الهوى وحب الذات والمصالح الشخصية والقضايا غير المضمونة ووضعها في غير محلها يهوي بالإنسان إلي قعر جهنم والعياذ بالله العظيم من غضبه العظيم، وهذا لا يقدم عليه فقيه ورع، ولكن الإمام الخميني كان يمتلك رؤية إسلامية شاملة وواضحة، وهو يسلم بصحتها، ولهذا لزمها وتمسك بها وسار عليها، ولم يفرط فيها أو يميل عنها يمينا أو شمالا، ولزم الصراط المستقيم فيها، ولم يخضع فيها وفي تطبقها إلى العوامل والمؤثرات الذاتية، وإنما قام بدوره الوظيفي الشرعي فيها، رحمه الله تعالى وأعلا مقامه وأقر عينيه وأرضاه وأجزل له الثواب من عنده أنه واسعا كريم، وحشرنا وإياه مع محمد و أهل بيته الطيبين الطاهرين أمين رب العالمين.

ومما تميز به الإمام الخميني العظيم رحمه الله تعالى وطيب ثراه، أنه رفع شعار الموت لأمريكا الشيطان الأكبر لم يكن ذلك مجرد شعار سياسي، وإنما كان شعار متميز يضع حدا فاصلا بين منهجين:

المنهج الإلهي العبادي: الذي يؤمن به ويدعو إليه ويجاهد من أجل العمل وتطبيقه.

والمنهج العلماني اليهودي: التي تحدثت عنه الآية الشريفة المباركة التي قمت بتوضيح بعض مضامينها الشريفة المباركة قدر الوسع والطاقة والتوفيق، وفي سبيل توضيح وإضاءة جوانب مهمة من الشعار العظيم…

أقـول: أن إبليس الشيطان الأصغر، وأمريكا الشيطان الأكبر، كلاهما يسعيان لكي يقطعان على الإنسان طريقه إلى الله تعالى ذو الجلال والإكرام ولكن أمريكا الشيطان الأكبر، تمتاز على إبليس الشيطان الأصغر بميزة جوهرية مهمة، وهي: أن إبليس الشيطان الأصغر إنما تكبر على الإنسان ورفض أمر الله تعالى بالسجود لله.

وحكى الله تعالى عنه بقوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ …) الأعراف- الجزء الثامن، الآية 12. ولم يتكبر على الله تعالى وقد أعترف لله بالخالقية واستحقاق العبادة أما أمريكا الشيطان الأكبر التي تتبنى العقيدة اليهودية التي أوضحتها الآية الشريفة المباركة، فأنها تتكبر على الله تعالى وليس على الخلق فحسب، وتريد أن تحبس الله تعالى بغرورها في سمائه بعيد عن الأرض وشئون الإنسان، وتغل يديه عن التدخل في شئون الناس وتفرض أرادتها على إرادته تعالى، وتفرض منهجها بدلا من منهجه، ودينها بدلا من دينه، وتفرض هيمنتها على الناس جميعا، وتجعلهم عبيدا لأمريكا والصهاينة بدلا من أن يكون عبيدا مطيعين لله تعالى، وهذا هو الغرور الذي سوف يقضي عليها في الزمن غير البعيد إنشاء الله تعالى، نسأل الله بقدرته تعالى ولطفه أن يجعلنا ممن يشهد ذلك اليوم القريب غير البعيد الذي تهلك فيه أمريكا، وتضاء الأرض بنور ربها وبنور محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين. أما عن تكليفنا الشرعي أمام الهيمنة الأمريكية الصهيونية ومنهجهما في الحياة فهو الرفض والمواجهة، أقول هذا وقد دخلة علينا أمريكا والصهيونية، وأصبحنا اللاعبين الأساسيين في تحيد مصير المنطقة والعالم، وعلينا أن نستفيد ونتعلم من تجربة الإمام الخميني العظيم وصموده في رفض الهيمنة الإمريكية والصهيونية ومقاومتها بالفكر والقول والعمل والعاقبة للمتقين: أقول هذا وأأكد على أن نقطة البداية في مواجهة ذلك هو النجاح في الإصلاحات الداخلية، وما لم ننجح في إيجاد الإصلاحات الداخلية الحقيقية، وبقينا متخلفين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا كما نحن عليه ألان بسبب الأنظمة الدكتاتورية الشمولية، فإننا لم ننجح في رد العدوان والتدخلات الخارجية، ولن نكون شركاء للعالم في النهضة والتقدم، ولن ننجح في إبلاغ العالم برسالة السماء التي هي قدرنا وتكليفنا الشرعي العظيم، إن الإصلاحات الداخلية هي نقطة البداية، وحينما نؤكد ونصر عليها، فإننا لا نقدم خدمة لوطننا ومواطنينا فحسب، وإنما نقدم خدمة للعالم والعالميين، وهذا هو إياه ولا حرمنا منه أنه واسعا كريم، وهو على كل شيء قدير. وفي ختام هذا الحديث أذكر بالمسألة التالية في سبيل تحقيق الشعوب العربية للنجاح في الإصلاحات الداخلية الحقيقية ، وهي أن عليها أن تتمسك بالمبدئيين التاليين ، وهما :

المبدأ الأول: رفض كل خطوة تراجعية على مستوى المبادئ والواقع ، على مستوى المبادئ مثلا ما هو عندنا في البحرين كان لدينا دستور تعاقدي ، فألغي ذلك الدستور وأعطينا دستور منحة ، والمطلوب رفض دستور المنحة من حيث المبدأ لأنها خطوة تراجعية بغض النظر عن مضمونها ، لأننا إذا قبلنا بدستور المنحة كبديل عن الدستور التعاقدي لأن مضمونه جيدا ،فأنه سيفرض علينا دستور غير جيد مرات أخرى، وأنا لا أعتقد بأن دستورا جيدا يقدم من خلال المنحة، لأنه إذا كان جيدا والنوايا حسنة، فإنه لا حاجة إلى تقديمه عن طريق المنحة، لأن الطريق التعاقدي مفتوح إليه !!!

أما على مستوى الواقع فهو مثل ما عندنا في البحرين، كان لدينا برلمان فيه 75% تقريبا من أعضائه منتخبين، 25% من أعضائه معينين، وبدلا من ذلك فرض علينا برلمان 50% من أعضائه منتخبين، و50% من أعضائه معينين، والرآسة فيه إلى للمعين، وهو الذي يمتلك الصوت الترجيحي، مما يعني بأن قرار الفصل في يد السلطة التنفيذية، وبالتالي فإن السلطة التنفيذية ترتهن إرادة الشعب من خلال هذا المجلس، وقد وصفت في أحاديث سابقة هذا المجلس بأنه يصلح أن يكون أداة لأفتضاض ضمير الآمة، وذلك لأنه يسمح بتمرير قوانين مخالفة إلى قيم الشعب ومصالحة وباسمه وهذا الوصف أقرب إلى الحس الثقافي، أما الأقرب إلى الحس السياسي فهو الوصف لهذا المجلس بأنه يصلح أن يكون محرقة للمعارضة، تحرقها الحكومة متى شاءت من خلال هذا المجلس، وقد حمت المعارضة نفسها والحمد لله رب العالمين بقرار المقاطعة وعدم الدخول إلى هذا المجلس المحرقة.

المبدأ الثاني: على الشعب والمعارضة أن يرفعوا شعار ( المعارضة العقلائية الفاعلة ) أما العقلائية فهي تعني الواقعية في تحديد الأهداف الطموحة التي تطور الواقع، وأن تتصف المعارضة بالشجاعة في العمل دون تهور أو خوف.وأما الفاعلية فتعني أن تكون أساليب المعارضة ووسائل وأدوات عملها فاعلة أو متجهة إلى تحقيق الأهداف، وبدون ذلك تتحول المعارضة إلى حالة عبثية أو وضع عبثي يكون مضيعة للوقت والجهد والمال، فإذا التزمت المعارضة والشعوب بذلك، فإنها سوف تمنع تراجع الوضع العربي وتعالج الوضع الفارسي الذي نعيشه والذي كشفته نتائج العدوان الأمريكي الصهيوني على العراق الجريح واحتلاله، ثم انعقاد قمتي شرم الشيخ والعقبة بما تمثلانه من انصياع للإرادة الإمريكية الصهيونية ومشرعهما الاستعماري الخطير في المنطقة، والتي تتحمل الشعوب والمعارضة قسطا من المسئولية عن ذلك ، لأنها لم تتم بصلابة وشجاعة أمام الخطوات التراجعية للأنظمة ، وكانت تبرر قبولها للمشاريع والخطوات التراجعية بمبرات ، والنتيجة هي هذه الأوضاع الكارثية التي أفقدتها كل شيء ووضعتنا في مهب الريا؛، بلا هوية وبلا مكانة على الساحة العالمية ، نخاف أن تتخطفنا الطير ، بعد أن نهشتنا السباع ونحن بلا حول ولا قوة ، والمطلوب منا جميعا أن نسترد هويتنا ومكانتنا ودورنا على الساحة العالمية وخدمة البشرية والإنسانية ، أن نفعل ذلك باقتدار من خلال رؤية علمية وعملية وبإرادة إيمانية فولاذية لا تقهر .

اكتفي بهذا المقدار واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ / /1424هـ – الموافق 6 / 6 / 2003 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى