خطبة الجمعة | 25-11-1994

الموضوع: المشروع الحضاري الإسلامي تجليات ومسؤوليات

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدًا في الدنيا والآخرة يا كريم، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم. السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، وفي آية أخرى قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}.  في هاتين الآيتين تأكيدًا على ظهور دين الحق على كل دين طاغوتي، سواء كان دينًا وضعيًا أو دينًا سماويًا منحرفًا أو حتى المذاهب الباطلة في الدين الحق، أما الآية الأولى فقد ذيلها الله جل جلاله. بقوله تعالى: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، وفي ذلك إشارة إلى أن المشركين والكافرين إن لم يخضعوا إلى الدين الحق ويستسلموا إلى الدين الحق طوعًا وبالعقل والمنطق فسوف يخضعون ويستسلمون رغم أنوفهم؟ وفيه إشارة إلى المعارك السياسية والثقافية والعسكرية التي تسبق ظهور وانتصار الدين الحق على الأديان والمذاهب الطاغوتية، وأما الآية الثانية فقد ذيلها الله جل جلاله بقوله: {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}، وفي ذلك إشارة للتدخل الإلهي وانتصار الدين الحق إنما هو بكفالة وتعيين من الله جل جلاله، فإنه جل جلاله المتكفل والمتعهد بإظهار ونصرة الدين الحق، فتجميع الأساطيل، وزيادة ترسانة الأسلحة لإخافة المؤمنين. هذا يجري تحت عين الله أو بمشاهدته جل جلاله، والتصفيات الفردية والجماعية للمؤمنين تحت شعارات مكافحة التطرف والأصولية هذا يجري أيضّا تحت عين الله وبمشاهدته، وتجويع المؤمنين وحرب الأرزاق التي تشن ضدهم، وتهميش وظائفهم في الدولة أو في المجتمع هذا أيضًا يجري تحت عين الله وبمشاهدته، الأراجيف والأكاذيب الإعلامية أيضًا تجري تحت عين الله وبمشاهدته والله جل جلاله يقول أن كل هذه الممارسات الشيطانية الطاغوتية لن تحيل بين الدين الحق والانتصار والظهور التام على الأديان والمذاهب الطاغوتية، قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ} هو ضمير عائد إلى الله جل جلاله، ويتألف هذا الضمير من حرفين: الهاء والواو، يقول البعض بأن الهاء تخرج من أقصى الحلق وهو آخر مخارج الحروف، والواو تخرج من الشفاه وأول مخارج الحروف، ويقول البعض بأن الضمير هو فيه إشارة إلى قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} فمنه ابتداء كل شيء وإليه انتهائه ومعاده، أينما هذا الضمير يشير إلى موجود فرد غائب ويقول البعض بأن هذا الضمير إشارة إلى قوله تعالى: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} الظاهر بالبينات والآيات والدلائل إلى العقول السليمة، وهو الباطن بكنهه ووحدانيته، أو الباطن بصمدانيته وتفرده، إشارة إلى قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. الله جل جلاله حينماتجلى من مقام الاختفاء أو مقام الغيبة، من مقام الباطن إلى مقام الظهور بإرسال الرسل إلى هداية الناس، فإننا حينما نأتي ونحلل هذه الحالة “حالة التجلي” تجلي الله عز وجل من الغيبة إلى الظهور بواسطة إرسال الرسل، نجد فيها ثلاثة عناصر مهمة:

العنصر الأول: هو الرحمة، بمعنى أن الله عز وجل إنما أرسل رسوله رحمة بعباده، ولطفًا بعباده، وحنانًا منه على عباده من أجل هدايتهم إلى الصراط المستقيم.

العنصر الثاني: التشريف. تشريف الإنسان، فإن الله جل جلاله حينما تجلى بإرسال رسوله إنما يريد بذلك هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن النقص إلى الكمال، فيعتبر ذلك تشريف للإنسان وتعظيم منه للإنسان، وأن الله جل جلاله أراد بذلك أن يجعل الإنسان كاملاً، ليشرفه بمقام القرب منه {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.

العنصر الثالث: الإرادة التامة المطلقة من الله جل جلاله لتحقيق الغاية، فناك إرادة تامة من الله عز وجل أن تتحقق هذه الغاية وهي إظهار الدين الحق على الدين كله، على كل دين طاغوتي وذهب طاغوتي، ولا توجد أي إرادة أو أي قوة تحيل بين الله وبين هذه الغاية، قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} فلا توجد أي قوة في الأرض تستطيع أن تحيل بين الله وبين هذه الغاية العظيمة، هذه الغاية الكبيرة التي هي من أجل الإنسان، قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} إشارة إلى الصراع بين الدين الحق والأديان الطاغوتية الباطلة، هنا نحتاج أن نلفت الانتباه إلى عدة نقاط:

النقطة الأولى: موضوع عناية الدين واهتمامه هو الإنسان، والغاية إيجاد الإنسان الذي يمثل خلافة الله جل جلاله في الأرض، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ومعنى ذلك أن موضوع عناية الدين هو الإنسان المتحرك في الكيان الاجتماعي، فإيجاد الإنسان الذي يمثل خلافة الله في الأرض، لا يتحقق إلا من خلال حركة الإنسان في المجتمع، من هنا نجد بأن عناية الدين بالإنسان ذات بعدين:

  • البعد الأول: بناء الفرد، وذلك من خلال صياغة عقله صياغة إسلامية وضبط سلوكه وتطلعاته ضبطًا إسلاميًا من خلال الأحكام الشرعية، والمفاهيم الأخلاقية الإلهية.
  • البعد الثاني: الاهتمام بالحركة التاريخية للإنسان، أو النشاط أو الفعل الاجتماعي للإنسان، فالدين لا يريد أن يبني الإنسان الفرد فحسب، وإنما يريد أن يبني الكيان الاجتماعي الذي يتحرك فيه الفرد، فالإنسان الذي تم بناؤه وصياغته صياغة إسلامية إلهية له نشاط أو فعل اجتماعي، فالاهتمام يمتد إلى هذا البنيان الاجتماعي، وحينما نحلل هذه العناية يمتد إلى هذا البنيان الاجتماعي، وحينما نحلل هذه العناية ذات البعدين نجد فيها ثلاثة عناصر:

العنصر الأول: الرؤية الإسلامية الكونية، فإن صياغة عقل الإنسان المسلم صيغة إسلامية إنما تتم من خلال الفهم أو التفسير أو التحليل الذي يقدمه الإسلام للعالم وللإنسان والحياة، والفهم أو التفسير أو التحليل الذي يعطيه الإسلام للتاريخ والحياة الاجتماعية … الخ.

العنصر الثاني: يتمثل في تجليات هذه الرؤية الكونية في أقوال وأفعال الفرد، لأن الإسلام حينما أعطى فهمًا للكون وأعطى فهمًا للإنسان وأعطى فهمًا للحياة وأعطى فهمًا للتاريخ وأعطى فهمًا للحياة الاجتماعية، فإن لهذا الفهم تجلياته وله آثاره، وله تمثلاته وتجسيداته في حياة الفرد، في أقواله وأفعاله وفي تطلعاته، وإن الإسلام يهتم بتجليات الرؤية الكونية أو تجليات الفهم الذي يقدمه الإسلام للكون والإنسان والحياة والتاريخ والمجتمع كاهتمامه تمامًا بإعطاء الفهم أو التفسير.

العنصر الثالث: هو تجليات الرؤية الكونية في الكيان الاجتماعي للفرد، وهنا تبرز صورة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحقوقي والقيمي التي يقدمها الإسلام، فصورة الوسائل التي يعتمدها أو يستخدمها الإنسان المسلم في التفاعل الاجتماعي فهي جميعًا من تجليات أو تمثلات الرؤية الكونية في الحياة أو الكيان الاجتماعي، وأن هذه العناصر الثلاثة، الرؤية الكونية وتجلياتها في الفرد والمجتمع يمثل المشروع الحضاري الإسلامي الذي كتب الله جل جلاله له الظهور والانتصار، على كل مشروع حضاري طاغوتي، وهو المشروع الذي تخوض به الصراع ضد المشروعات الحضارية الطاغوتية، فالإنسان المؤمن الذي يدخل الصراع من أجل تحقيق الانتصار لهذا المشروع الإلهي العظيم، لا يهتم فقط بالرؤية الكونية، لا يهتم فقط بتدارس الإسلام وتعليمه وإنما يهتم أيضًا بتجليات الرؤية الكونية في سلوك الفرد، وتجليات هذه الرؤية الكونية في الكيان الاجتماعي، يجب أن نهتم بهذه الجوانب، فإذا أخلينا بالنقطة الثانية أو الثالثة، لا نستطيع أن نحقق النصر لهذا المشروع، فالمشروع الحضاري الإسلامي يتألف من هذه العناصر الثلاثة ويجب أن تكون هي جميعًا موضع الاهتمام في صراعنا الحضاري ضد المشروعات الحضارية الطاغوتية.

بعد هذا أنتقل إلى مسألتين:

المسألة الأولى: مميزات هذا المشروع الحضاري.

المسألة الثانية: مسؤوليات المؤمنين اتجاه هذا المشروع الحضاري.

أولاً: مميزات المشروع الحضاري الذي كتب الله له النصر والظهور على كل مشروع حضاري طاغوتي.

  1. إن رؤيته الكونية رؤية دينية عقلية، فالفهم الذي يقدمه المشروع الحضاري الإسلامي للكون والإنسان والحياة والتاريخ والحياة الاجتماعية، ففي الوقت الذي يكون فيه هذا الفهم دينيًا مقدسًا هو أيضًا فهم عقلائي وواقعي يمكن للعقلاء أن يستدلوا على صدقه عن طريق الدليل والبرهان، فهو ليس مجرد رؤية حضارية دينية غيبية فحسب، وإنما هو في نفس الوقت رؤية عقلائية واقعية ليستطيع العقلاء أن يستدلوا على صدقها من خلال الدليل والبرهان، وهذه الميزة لا تكاد توجد في الأديان السابقة.
  2. إنها تربط الغيب بالشهادة: إن هذه الرؤية أو هذا المشروع يربط الغيب بالشهادة، فمثلاً: هذا المشروع للإنسان ككيان متكامل، فلم ينظر له كجسد فقط وإنما نظر إليه كروح وجسد، ولم ينظر إلى العالم نظرة حسية، وهي الفطرة التي يشترك فيها الإنسان والحيوان، فالإنسان والحيوان كل منهما يحس بالعالم ولكن الإسلام حينما قدم هذا الفهم، قدمه فهمًا عقلائيًا. وهو الجانب الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان. قال تعالى في وصف المتقين: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، فالإيمان بالغيب يمثل العتبة الفارقة بين الإنسان والحيوان، لأن الحيوان لا يستطيع أن يؤمن بالغيب لأنه لا يمتلك العقل، فما يمتلكه الحيوان هو الإحساس لكن الإنسان بوصفه كائن عاقل فهو إلى جانب إحساسه بالعالم يفهم ويفسر العالم بكل أبعاده الحسية والغيبية، والإسلام فهمًا عقلائيًا ربط فيه الغيب بالشهادة، وتجد مثل هذا الفهم أيضًا في تفسير الحياة الاجتماعية.
  3. النظرة الكاملة لمسيرة الإنسان، المشروع الغربي مثلاً رغم ما أنجزه من تقدم في حياة الإنسان نظر إلى حياة الإنسان في الدنيا فقط، وحاول أن يخلق التقدم والرخاء للإنسان في هذه الحياة الدنيا، أما المشروع الإلهي فقد نظر إلى المسيرة الكاملة للإنسان من مبدئه وإلى نهايته ومعاده، فالإنسان له بداية حددت غايات وأهداف وجوده في الحياة الدنيا، وأن مسيرته في الحياة يجب أن تسخر لأجل تحقيق تلك الأهداف، وأن له معاد مصير بعد هذه الحياة، وأن هذه النظرة قد جعلت قيمة ومعنى وأهداف سامية للإنسان وليس مجرد وجود حيواني، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}.
  4. أنها خلقت التوازن بين جميع العناصر الواقعية ذات الصلة بالإنسان وله تأثير واقعي في تحريك الإنسان وفي تسيس وقيادة الإنسان وتحقيق السعادة الكاملة للإنسان وفي الدنيا والآخرة، فقد أخذه الإسلام بعين الاعتبار وأدخله في توازن مع بقية العناصر المماثلة، هذه من أهم المميزات للمشروع الحضاري الإسلامي.

ثانيًا: ما هي واجباتنا تجاه هذا المشروع؟

  1. يجب علينا أن نحسن فهم واستيعاب هذا المشروع الحضاري بعناصره الثلاثة من مصادره الأساسية العقل والقرآن والحديث.
  2. يجب أن نحسن تقديم وعرض هذا المشروع للآخرين في كل زمان ومكان.
  3. يجب أن نسعى بجد إلى تطبيقه، أولاً على مستوى الذات، حيث يحرص كل واحد منا على تطبيق هذا المشروع على نفسه، ويجعل من نفسه أنموذجًا خيرًا وأنموذجًا فاضلاً للإنسان المؤمن المتدين الداعية المجاهد في سبيل نصرة هذا المشروع، وأيضًا على مستوى الكيان الاجتماعي حيث يجب أن نسعى إلى تطبيقه في حياتنا الاجتماعية من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… الخ، وقد ساد فهم في الفترة السابقة خلاصة:

عظمة وواقعية الإسلام لا تتجلى ولا تظهر إلا إذا طبق الإسلام كنظام دولة متكامل، فنحن نحتاج إلى دولة إسلامية لكي تتجلى واقعية وعظمة الإسلام، في واقع الأمر فإن هذا الطرح غير صحيح وغير واقعي فعظمة الإسلام يمكن أن تظهر في كل زمان وفي كل مكان وفي كل بيئة إذا أحسنا عرض الإسلام وتقديمه فإن عظمة الإسلام يمكن أن تتجلى في كل اجتماع للمؤمنين. مثل الحضور في المسجد، هذا تجمع إيماني يمكن أن تبرز فيه عظمة الإسلام، جماعة الأصدقاء، جماعة الطلبة المؤمنين في المدرسة، علاقتنا مع جيراننا، أوضاعنا في القرية أو في المدينة، كل تجمع إيماني يمكن أن يعطي الفرصة لظهور التجليات إلى الإسلام من خلال دلالتها على الرؤية الإسلامية أو المشروع الحضاري الإسلامي، وحينما تكون هناك دولة إسلامية تطبق الإسلام بصورة كاملة وصحيحة، فإن عظمة الإسلام تتجلى بصورة أفضل وأكمل، لكن هذا لا يمنع أن تتجلى وتتمثل وتتجسد عظمة السلام في كل تجمع إيماني مهما كان صغيرًا. إذا كان هذا التجمع بالفعل تجسيدًا إلى الرؤية الإسلامية والأخلاق الإسلامية والتطلعات الإسلامية، وأيضّا يمكن أن تتجسد عظمة الإسلام وواقعيته من خلال أي مشروع إسلامي واقعي يقدمه العاملون في أي حقل، وفي أي وقت، حتى في ظل الدولة العلمانية. فالدولة العلمانية مثلاً تعاني مجموعة من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية والقيمية.. الخ، فإذا قدم المؤمنون العاملون المشروعات الإسلامية الواقعية لحل هذه المشكلات وفي هذا المجتمع، وكانت هذه المشروعات قابلة للتطبيق على أرض الواقع لواقعيتها وعلميتها فإنها تفرض وجودها وتكون لها قيمتها التي تعبر عن عظمة وواقعية الإسلام، فيجب علينا أن نحرص على أن نواجه مشكلات العصر ومشكلات المجتمع ونقدم لها العلاج الإسلامي الواقعي ومن خلال هذه المشروعات التي نقدمها لعلاج مشكلات الإنسان المعاصر تتجلى عظمة وواقعية الإسلام.

وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطة فيها الكثير من الأوجاع والآلام، وهي مسألة الأسرة، والأسرة تمثل اللبنة الأولى في الكيان الاجتماعي، والإنسان الممن يجب أن يكون حريصًا على تعليم وتربية أسرته أولاً، وثانيًا على خلق الاستقرار في هذه الأسرة، وللأسف فإننا نجد في أسرنا وأسر الكثير من الشباب المؤمن وحتى المشايخ وعلماء الدين، حينما تأتي إلى أسرهم تراها من جهة تفتقر إلى التعليم والتربية ومن جهة ثانية تفتقد إلى الاستقرار فنجد مثلاً من بعض المؤمنين ظلمًا وإجحافًا بحقوق العائلة، ظلمًا وإجحافًا بحقوق الزوجة والأولاد. لا يمكن أن ينبع من قلب مؤمن تقي، مما يهدد الاستقرار العائلي، ويعود بالضرر على أفراد العائلة والمجتمع. ونجد مثل ذلك من الزوجة والأولاد أيضًا، حيث نجد من بعض النساء المؤمنات عدم الحرص على تعليم الأبناء وتربيتهم، وعدم الحرص على راحتهم وراحة الزوج، وبالتالي عدم الحرص على الاستقرار العائلي، فإذا كان الأمر كذلك من الرجال والنساء المؤمنين، فكيف نتكلم عن تجليات الإسلام وعظمته في الكيان الاجتماعي، فإذا كانت هذه اللبنة الأولى في كيان المجتمع، يختفي فيها التعليم الإسلامي وتختفي فيها التربية الإسلامية ويختفي فيها الاستقرار العائلي الذي يدعو إليه الإسلام بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}،  فكيف يجوز لنا أن نتحدث عن عظمة وتجليات الإسلام في الكيان الاجتماعي ونزعم بأننا دعاة إلى المشروع الحضاري الإسلامي، لماذا هذا الإهمال؟ ولماذا هذا الإجحاف، ولماذا هذا التقصير سواء كان من الزوج أو الزوجة أو الأولاد، فأرجو لكل مؤمن ولكل مؤمنة أن يكونوا حرصين أولاً على التعليم والتربية الإسلامية في الأسرة وثانيًا على خلق الاستقرار للأسرة المؤمنة وهذه أول مسؤولية تقدمها على الصعيد الاجتماعي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

الواجب الأخير أن نهتم بنصرة كل مشروع إسلامي وندافع عن كل مؤسسة إيمانية مثلاً العريضة الإسلامية الوطنية، هذا مشروع إسلامي وطني يجب أن  ندعم هذا المشروع وندافع عنه، كما يجب أن ندعم وندافع عن كل مؤسسة إيمانية مثل المسجد والمأتم والحوزة والدولة الإسلامية، يجب علينا أن ندافع ونحمي ونؤد وندعم كل مشروع إسلامي سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو غيره وعن كل مؤسسة إيمانية من المسجد وحتى الدولة، هذه مسؤولياتنا لنصرة المشروع الحضاري الإسلامي الذي يكتب الله جل جلاله أن ينصره، ويظهره على كل مشروع حضاري طاغوتي. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. أستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى