خطبة الجمعة | 18-11-1994

الموضوع: أقوال وآراء حول العريضة الشعبية

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، أهدى قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدًا في الدنيا والآخرة يا كريم. اللهم معهم معهم لا مع عدوهم. السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات، ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}. وقال الرسول الأعظم (ص): «كيف ما تكونوا يولّى عليكم». الآية المباركة والحديث الشريف فيما إشارة واضحة بأن أوضاع الأمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها إنما تصنعها الأفكار التي يؤمن بها الناس والقيم التي يحملونها والمواقف التي يقفونها. كيف ما تكونوا يولى عليكم، إذًا الناس بأيديهم يصنعون الأوضاع المحيطة بهم، لهذا أمرنا الرسول الأعظم (ص) وأمرنا أهل البيت (ع) بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}، وقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، وقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}، ونجد في أحاديث الرسول (ص) وفي أحاديث أهل البيت (ع) أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثابة قانون أو سنة من سنن الحياة، ففي الحديث «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله، من نصرهما أعزه الله ومن خذلهما أذله الله»، إذًا الالتزام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترتب عليه عزة الأمة وقوتها والتخلي عن هذا الفرض يترتب عليه ضعف وخذلان وذل الأمة، هذه حقيقة. ونجد في الأحاديث ما هو أعظم من ذلك، ففي الحديث «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو فيسلطن الله عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم» وفي رواية أخرى «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو فيسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» ليس أنتم الذين تدعون، خياركم الذين يدعون فلا يستجاب لهم، هذا الحديث فيه إشارة إلى ثلاث نقاط مهمة يجب أن نلتفت إليها تمامًا:

النقطة الأولى: هي أننا بأيدينا نصنع أوضاعنا، الناس بأيديهم أن يصنعوا الأوضاع المحيطة بهم، سواء كانت هذه الأوضاع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.

النقطة الثانية: إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثابة القانون، وإن الالتزام بها يلزم عنه عزة الأمة وقوتها والعكس هو الصحيح، والتخلي عن هذه الفريضة يؤدي إلى الذل والضعف والخسران.

النقطة الثالثة: لأن هذا الحديث فيه إضافة مهمة جدًا وهي أنه بمقتضى الحياة الاجتماعية يلزم التخلي عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تردي الأوضاع وسوء الأوضاع في المجتمع، وأن هذا السوء يصل إلى درجة تنغلق معها كل محاولات السلمية للإصلاح «فيسلط الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم» انتهت المنافذ، ونحن يجب علينا أن نحذر من هذه الخاتمة، فإذا نحن التزمنا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وباشرنا عملية الإصلاح للأوضاع المحيطة بنا، فإن ذلك يؤدي إلى تحسن الأوضاع وتكون الأمة بخير، أما إذا تخلينا عن هذه الفريضة تتردى وتستاء الأوضاع وتزداد سوء يومًا بعد يوم، ثم تنغلق كل منافذ الخير والإصلاح، وهناك أحاديث صريحة جدّا بهذا المعنى، منها حديث الرسول الأعظم (ص) قوله: «بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتعمر الأرض وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا تزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فإن هم لم يفعلوا ذلك رفعت عنهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ثم لا يكون لهم ناصر في الأرض لا في السماء»، فالأمة مسؤولة عن تحمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتتجنب هذه الخاتمة السيئة، ومن هذا المنطلق كانت العريضة المرفوعة إلى سمو الأمير للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية، وهنا توجد عدة ملاحظات إيجابية حول هذه العريضة:

الملاحظة الأولى: إن العريضة مطالبة سلمية ودستورية للإصلاح.

الملاحظة الثانية: إن العريضة كُتبت بأسلوب هادئ ورزين وبأسلوب عقلائي، بحيث ما قرأها أحد إلا وأثنى على أسلوب كتابتها ودقة مضمونها.

الملاحظة الثالثة: أن هناك تضامن وطني حول هذه العريضة، فقد اشترك الإسلاميون من الشيعة والسنة وغير الإسلاميين في هذه العريضة، بحيث إنها إجماعًا وطنيًا تقريبًا، وتعبر عن إرادة المواطن ورغبته بما هو مواطن، رغم اختلاف توجهاتهم السياسية أو الفكرية، بهذا التضامن الوطني، فإن العريضة تشارك في تقوية الجبهة الداخلية للأمة أو المجتمع، وبهذا التضامن تجنب الساحة السياسية الصراعات الخاطئة والفراغات الفكرية الخطيرة التي تمكن أعداء الأمة وأعداء الوطن من السيطرة على خيراته وثرواته، وبهذا التضامن نحصن الوطن من الاعتداءات أو التدخلات الأجنبية.

الملاحظة الرابعة: إن هذه العريضة ليست ضد الحكومة، لأنها تنطلق من الدستور ومن الشرعية، ونحن كما أننا حريصون على تقوية الجبهة الداخلية من خلال تضامن أبناء الشعب مع بعضهم البعض عل اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، فنحن حريصين أيضًا على تقوية الجبهة الداخلية من خلال التضامن بين الحكومة والشعب وفي سبيل مواجهة كل الأخطار المحدقة بالأمة، وهذا التضامن بين الحكومة والشعب، لا يتحقق إلا إذا بُني على أساس أصول صحيحة، تمامًا كالتضامن بين أبناء الشعب، وفي مقدمة هذه الأصول مشاركة الشعب في صناعة القرار، فالتردي في أوضاعنا الداخلية وتردي أوضاع كل العرب والمسلمين وهذا التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحقوقي، كله نتيجة عدم مشاركة الشعب في صناعة القرار، فمشاركة الشعب في صناعة القرار ن الأصول الصحيحة أو السليمة لخلق التضامن بين الحكومة والشعب، وبالتالي تقوية الجبهة الداخلية، ووضع الأمة على الخط الصحيح في مسيرتها التاريخية، وأعود فأُؤكد بأن العريضة ليست ضد الحكومة وإنما تثبيت إلى مبدأ صحيح في العلاقة بن الحاكم والمحكومين، هذه العريضة والحمد لله لقت تجاوُبًا كبيرًا من أبناء الشعب، فقد زادت التوقيعات حتى اليوم عن (20) ألف توقيع تقريبًا، كما أن العريضة شاركت في رفع معدل الوعي عند المواطنين فقد دخلوا في مناقشات مستفيضة وتفصيلية حول الكثير من الأوضاع ومضمون العريضة إلى آخره من أمور، كما أنها أيضّا أعطت للأمة تجربة فعلية للمطالبة بالحقوق بأساليب صحيحة، وينبغي على الشعب والحكومة أن يفتخران بذلك. نحن نفخر بأن الأمة تطالب بحقوقها أو أن الشعب البحريني يطالب بحقوقه بأساليب صحيحة مشروعة، وبعد هذا تأتي مجموعة ملاحظات ذكرها الأشخاص الذين امتنعوا عن التوقيع، ونحن نحترم آراء هؤلاء ونحتاج إلى مناقشتها.

أولاً: عن الآراء التي يطرحها بعض الأشخاص الذين امتنعوا عن التوقيع مسألة المشاورة، مشاورة بعض علماء الدين وبعض الشخصيات البارزة، وهنا أذكر عدة نقاط:

  • إن المشاورة وقد تمت وعلى نطاق واسع جدًا من غير الممكن عمليًا مشاورة كل صاحب رأي في الساحة، وأن هناك أشخاص ليسوا أصحاب رأي ولكنهم يدعون بأنهم أصحاب رأي أيضًا، ومن ثم لو أوقفنا المبادرات على مشاورة كل صاحب رأي، وكل من يدّعي أنه صاحب رأي لما كانت هناك أي مبادرة في الساحة إطلاقًا.
  • حتى مع المشاورة فإنه من غير الممكن عمليًا أن يجتمع أصحاب الرأي على رأي واحد، فلا تتوقعوا من أصحاب الرأي الفعليين الذين تتم مشاورتهم أن يجمعوا على رأي واحد، فإذا علقنا المبادرات على أن يجمعوا على رأي واحد، فقد حكمنا بتجميد الساحة، فالمشاورة تحدث لكن مع الأخذ بهاتين الملاحظتين.
  • فقد وافق على هذه العريضة ودعمها قطاع واسع جدًا من العلماء وأصحاب الرأي من أساتذة الجامعة والأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم، وتوقيعاتهم دليل على ذلك.
  • قد يتساءل البعض بأن هناك بعض المشايخ لم يؤخذ رأيهم في المسألة، وهنا ألفتُ الانتباه إلى ان العريضة هذه هي استمرارية أو تكميل أو خطوة ثاقبة مكملة إلى العريضة الأولى، والعريضة الأولى قد لاقت موافقة كل المشايخ تقريبًا، وأنها عرضت ونالت الموافقة من قبلهم، ولم يعترضوا على مضمونها أو على أسلوبها أو على التنسيق بين الإسلاميين الشيعة والسنة، أو التنسيق مع غير الإسلاميين، كل هذه النقاط لقت القبول. وهذه الخطوة مكملة وعلى نفس المنوال/ ومن جهة ثانية فإن هناك بعض المشايخ وبعض الشخصيات البارزة في المجتمع لهم خصوصيات تمنعهم من التوقيع، أو تمنعهم من التجاوب العلني مع العريضة، لأنهم يرون -كما صرح بعضهم- أن مصلحة الأمة تقضي عدم توقيعهم أكثر من دخولهم مع الموقعين، فلماذا نحرج هؤلاء، ونُصر على توقيعاتهم إذا كانت لهم مثل هذه الخصوصيات؟ ومن جهة ثالثة: بأن التوقيع والتجاوب أو التفاعل مع العريضة لا يصح توقيعه على فلان أو عدم توقيعه، لأن تحمل المسؤولية الشرعية والمسؤولية الاجتماعية يجب أن لا تعلق على أحد، فإذا أنت لم تأمر بالمعروف ولم تنهَ عن المنكر مثلاً، ثم أوقفك الله عز وجل وسألك يوم القيامة: لماذا لم تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر؟ ولماذا لم تتحمل مسؤولياتك الشرعية والاجتماعية؟ فهل ينفعك القول: لأن فلان لم يتحملها فأنا لا أتحملها؟ إن الموقف الشرعي لا يُعلّق على تجاوب فلان أو عدم تجاوبه، وإنما على الصحة أو الخطأ في ذات الموضوع أو العمل. فإذا كان الموضوع أو العمل صحيحًا فإنه ينبغي التجاوب معه، والعكس صحيح، وإلا لا نكون معذورين أمام الله عز وجل.

ثانيًا:رأي آخر، قال بأنه يحتفظ برأيه، وصنف قال بأن الناس لا يستحقون أن تخدمهم أو أن تضحي من أجلهم، طبعًا الشخص الذي يريد أن يحتفظ برأيه فليحتفظ برأيه، والشخص الذي يقول بان الناس لا يستحقون، فالأفضل له أن يغادر الأرض ولا ينبغي له أن يعيش مع الناس حياتهم الاجتماعية لأن سعادة الناس ومصلحتهم العامة في أن يتعاونوا مع بعضهم البعض وأن يضحي الفرد من أجل الكل، أما الروح الأنانية فليس ورائها إلا الخراب والتخلف.

ثالثًا: هناك رأي آخر يتعلق بالخوف، فالبعض يخاف على وظيفته أو يخاف على مصلحته الخاصة.. الخ، وهنا أذكر عدة نقاط:

  • بأن هذه الخطوة -أعني العريضة- خطوة سلمية ودستورية وأنه لا يُتوقع أبدًا من الحكومة أن تتخذ أي موقف عدائي أو موقف انتقامي أو ما شابه ذلك من أمثال هذه الخطوة، لأنها إن فعلت ذلك فقد انتهت حرمة الدستور والقانون، فلا يمكنها بع ذلك أن تطالب الناس باحترام الدستور أو القانون، فنحن لا نتوقع من الحكومة أن تتخذ هذه المواقف من الناس الموقعين.
  • لو افترضنا أن الحكومة أقدمت على مثل هذا العمل فإن الناس يجب عليهم أن يتضامنوا مع بعضهم البعض، فإن الحكومة ليس في وسعها أن تعاقب (20) ألف أو أكثر من ذلك بغير ذنب، ليس في الوسع ذلك، وقد يقول البعض أن العقوبة قد تلحق بأشخاص بارزين معدودين: أقول إذا أقدمت الحكومة على الانتقام من أشخاص بارزين معدودين عشرين مثلاً أو عشرة من الأشخاص البارزين أصحاب الوظائف المهمة أو الوظائف المرموقة، فغن تضامن هؤلاء مع بعضهم البعض يمنع هذا العمل.

ومن جهة ثانية فإنه من الواضح جدًا بأنه ما لم تكون خطوات إصلاحية في المجتمع فسوف تبلغ الأوضاع درجة كبيرة جدًا من السوء، والعريضة خطوة سلمية ودستورية للإصلاح، فإذا أسقطت من أيدينا المطالبة بالأساليب السلمية والدستورية فما هو السبيل إلى الإصلاح؟

إن أمامنا أحد الشيئين: إما نقبل بتردي الأوضاع إلى ما لا نهاية، أو أن تزداد الأوضاع سوءًا يومًا بعد يوم، ثم يحدث الانفجار وخسائرنا في كلا الحالتين لا تُقدّر، فأيهما الأفضل لنا، أن نقوم بخطوات سلمية ونقدم بعض التضحيات البسيطة أو أن الأوضاع تتردى إلى ما لا نهاية، أو ينفجر الوضع ويكون الضرر في كلا الحالتين أكبر بكثير من الضرر الذي يصيب الأشخاص لأنهم قاموا ببعض الخطوات الإصلاحية السلمية في المجتمع؟ فعلى النخبة أن تتضامن مع عوام الناس، وأن تضحي ولا يجوز لها بحال من الأحوال أن تصبح عالة على العامة. النخبة يجب أن تتصدر وتكون في موقع الريادة والتصدي لكل حركة إصلاحية سلمية ومشروعة، ولا تترك العمل الإصلاحي لعوام الناس، فتكون عالة على العامة، فمثل هذه الظاهرة موجودة في الحياة الاجتماعية. مثلاً رجل غني هو وأولاده وزوجته يأكلون من بيت أبيه أو أخيه الفقير ولا يقدمون له أدنى مساعدة، فهذا الغني يكون عالة على الفقير. تمامًا مثل هذه الوضعية المرفوضة في الحياة الاجتماعية تتكرر في حركات الإصلاح، فتصبح النخبة عالة على العامة، والمفروض أن النخبة هي التي تتصدر، فالحركة الإصلاحية مطلب اجتماعي ضروري لا يمكن الفرار منه، وعلى النخبة أن تتصدر وتتقدم وتتزعم حركات الإصلاح، وأن لا تتركها إلى عوام الناس لينحرفوا أو يسيئوا في هذا الخط أو في هذا المجال.

رابعًا: إن بعض المحسوبين على حركات التحرر امتنعوا عن التوقيع، بدعوى أن هذه العريضة أو أن هذه الخطوة في البلد تخدم الإسلاميين أكثر من غيرهم في الوقت الحاضر، فهنا أذكر عدة نقاط:

  • أن هؤلاء لا يحترمون أبدًا إرادة الأمة، فهذا الموقف أناني محض.
  • إذا كانوا يرفضون أن تتحكم الأكثرية أو تفرض هيمنتها على الأقلية -حسب زعمهم- فكيف يجيزون لأنفسهم أو بأي حق وأي منطق يجيزون للأقلية أن تفرض إرادتها وهيمنتها على الأكثرية.
  • إن هذا المنطق هو المسؤول عن حركات الإرهاب في المجتمعات العربية والمجتمعات الإسلامية -على وجه العموم- لأن الأكثرية إذا لم تحصل على حقوقها بالطرق السلمية، فسوف يتجه إلى العنف بصورة تلقائية لأن الأقلية إذا أصرت على حرمان الأكثرية، وعدم حصولها على حقوقها بالطرق السلمية، فلا تتصور الأقلية بأن الأكثرية سوف تبقى مغلولة الأيدي إلى ما لا نهاية، ولن تدافع عن حقوقها، فإذا لم تحصل على حقوقها بالطرق السلمية فسوف تتجه إلى العنف تلقائيًا، وهذا العنف موجود في البلاد العربية والبلاد الإسلامية، فهذا المنطق هو المسؤول عن ذلك، ويتحمل أصحابه مسؤوليته.

خامسًا: بعض المحسوبين على الإسلام امتنع عن التوقيع وحرضوا الناس على عدم التوقيع بحجة أن هذه العريضة أو أن الحياة الديمقراطية هي لمصلحة الشيعة، وهنا أذكر بعض النقاط:

  • في هذا الرأي إقرارٌ بأن الوضع القائم غير منصف للشيعة، وإنهم يعملون على تثبيته على هذا الأساس، أتساءل هنا: هل هذا هو منطق أو حكم الإسلام، فإن الله عز وجل يأمر بالعدل والإحسان، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}، وقال: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} أمرنا بالعدل، وأوضح بأن المؤمن بما هو مؤمن والتقي بما هو تقي، لا يكون إلا عادلاً، وقال: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}. قال بين الناس على اختلاف أديانهم واختلاف مذاهبهم، ولم يقل إذا حكمتم بين المسلمين، نفترض بأن الشيعة ليسوا من المسلمين، هم مشركون مثلاً -فإن منطق الإسلام {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ} وليس بين المسلمين، وعليه فإن المنطق السابق لا ينبع أبدًا من الإسلام والقرآن ولا ينبع من قلب المؤمن أو قلب النقي، بصريح القرآن الكريم.
  • إن هذا المنطق مضر بالإسلام لأن الناس لا يأمنون بالإسلام والمسلمين في هذه الحالة، وفي التأريخ وجدنا أن بعض البلاد التي فتحها المسلمون، كان الناس يعينون الفاتحين من المسلمين على فتح بلادهم، لأنهم يطمعون في عدل الإسلام، ولأنهم يطمئنون إلى عدل الإسلام، أما هذا المنطق وهذا الإنسان الذي ليس عنده الاستعداد لأن يكون عادلاً مع أخيه المسلم الذي يختلف معه في المذهب أو في الرأي، عادلاً مع غير المسلم، فكيف يطمئن الناس إلى عدالة الإسلام والمسلمين؟ إن هذا المنطق لا يخدم مصلحة الإسلام وإنما يخدم مصلحة أعداء الدين والأمة، ويفتت وحدتها ويُضعف قوتها، وهنا أذكر موقف لمسلم سني عاقل، وقع على العريضة وعلق بقوله: “أوقع لأنني أخاف على السنة من الشيعة” فقيل له لماذا؟، فقال: “لأن الشيعة هم أكثرية في البلد، ونحن إذا لم ننصفهم، ثم انقلبوا علينا يفعلوا بنا؟” فقيل له: إن الشيعة أناس مسالمون طوال التاريخ” فقال: “وإلى متى يبقون مسالمين؟”. هذا منطق عقلاني واقعًا، فهل يلتفت هؤلاء إلى هذه الحقائق؟ وأنتم أيها الأخوة الأعزاء عليكم أن تتجاوبوا بأقصى درجات التجاوب مع هذه الخطوة الإسلامية الوطنية المباركة. اعملوا على خدمتها، كل شخص يستطيع أن يقدم أي خدمة في سبيلها يفعل ذلك. كل شخص يستطيع أن يحصل على توقيع، أي شخص عليه أن يسعى للحصول عليه، من إنجاح هذه الخطوة الإسلامية الوطنية المباركة. والله من ورائكم يسمع ويرى.

أكتفي بهذا المقدار، وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أفلح من صلى على محمد وآل محمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى