خطبة الجمعة | 4-11-1994
الموضوع: الأيام الجنائزية السوداء في تاريخ الأمة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهد قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا ترق بيننا وبينهم طرفة عين أبدًا في الدنيا والآخرة يا كريم.. معهم معهم لا مع عدوهم.
قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}. صدق الله العلي العظيم.
الموضوع يدور خاصة حول اليهود. والعداوة في اللغة بمعنى الظلم والإيذاء والخصومة، وإذا حللنا السلوك العدائي نجد فيه أربعة عناصر أساسية:
- حب السيطرة.
- اللجوء إلى العنف واستخدام كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة من أجل تحقيق الأهداف الخاصة.
- التعصب للأفكار والمبادئ والعقائد التي يؤمن بها صاحب السلوك العدائي.
وفيما يتعلق بعداء اليهود إلى المؤمنين؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: حالة الاستكبار والاستعلاء على الحق، حيث كان اليهود قبل بعثة الرسول الأعظم (ص) يرون أنفسهم إلى المؤمنين وعلل ذلك بقوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}. قسيس بمعنى علماء يذكرونهم بالحق ورهبانًا بمعنى عبادًا يذكرونهم بالآخرة ويجعلون الحق يؤثر في سلوكهم وأنهم لا يستكبرون. الفرق بين اليهود والنصارى قوله تعالى: {أَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} لأن العلماء والعباد كما هم موجودين في صفوف النصارى، موجودين كذلك في صفوف اليهود ولكن اليهود لديهم الاستعلاء على الحق.
ثانيًا: النظام الاجتماعي والاقتصادي السائد قبل الإسلام، حيث كان اليهود يستفيدون من ذلك النظام في تجميع الثروات عن طريق الغش والربا والمكر والخداع ولما جاء الإسلام حرّم هذه الأساليب في تجميع الثروة فتضرر اليهود من ذلك، ولهذا نصبوا العداء للإسلام والمؤمنين.
ثالثًا: برز في النصف الثاني من هذا القرن، وذلك حينما حلم الصهاينة الذين كان يراودهم ويتمثل في إقامة وطن قومي في فلسطين، وقد تحقق ذلك الحلم بمساعدة الاستكبار العالمي ولا سيما بريطانيا وأمريكا حيث كان لبريطانيا سيئة غرس هذا الكيان، ولأمريكا سيئة دعمه من أجل الاستمرارية في البقاء وذلك لإعاقة حركة التقدم والنهضة في العالم الإسلامي وضرب كل مسعى من أجل توحيد صفوف الدول العربية والإسلامية لأن الاستكبار يدرك أن النهضة والتقدم والقوة في العالم الإسلامي يهدد مصالحه بل يهدد حتى وجوده لذلك غرسوا هذا الكيان في قلب العالم الإسلامي.
موقف الحكام العرب
الحكام العرب للأسف بدلاً من الوعي والأخذ بهذه الحقائق مدوا أيديهم لمصافحة اليهود ومعانقتهم وفتحوا أبواب العالم الإسلامي لهذا الكيان، ويسعون إلى إقامة علاقات طيبة مع هذا الكيان المغتصب، ووفروا له مقدمات الهيمنة والتفوق الإسلامي والعسكري والاقتصادي والثقافي على العالم الإسلامي.
* ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المأساوي في العالم الإسلامي؟
هناك ثلاثة عوامل شاركت في خلق هذا الوضع:
العامل الأول
إن الحكام تخلوا عن الإسلام كمنهج ودخلوا تحت مظلة العلمانية، ونتج هذا العامل عدة نتائج:
- اشتراك الحكام العرب مع الصهاينة في مدرسة سياسية واحدة على أساس المصالح المادية والأخذ بالأمر الواقع، وبذلك بدلاً من أن تحدد المواقف السياسية بالأحكام العقلائية، تتحدد المواقف السياسية من خلال رغبة البطن والفرج.
- تعطيل الزخم الروحي والعقائد لدعم المواقف السياسية.
- من نتائج تخلي الحكام عن الإسلام تعطيل المشاركة الوجدانية من الشعوب العربية التي تؤمن بالإسلام في دعم المواقف السياسية للحكام، فأصبحت هذه المواقف هزيلة. مما أدى في النهاية إلى هذا الوضع المأساوي.
العامل الثاني
تعطيل المشاركة الشعبية في صناعة القرار فنتج عنه النتائج التالية:
- تعطيل الطاقات والمواهب الشعبية في العمل والإنتاج.
- أصبح وجود الحكام في مناصبهم يستند إلى الدعم الخارجي بدلاً من إرادة الشعوب.
- وجدت الصراعات بين الحكام وشعوبهم التي أربكت الساحة الداخلية وهدرت الطاقات والمواهب والثروات.
- الحصيلة النهائية لهذا العامل حالة الوهن والضعف والتخلص في المجتمعات العربية والإسلامية وهذه المسألة في غاية الأهمية.
العامل الثالث
القرارات السياسية الخاطئة القاتلة منها على سبيل المثال لا الحصر.
- قرار العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدعم اللامحدود إلى صدام تحت غطاء القومية أو الطائفية.
- قرار إغراق سوق النفط وتخفيض الأسعار، حتى صار النفط يباع بسعر أبخس من التراب.
وقد مهد ذين القرارين بالذات إلى حرب الخليج الثانية التي صاحبها قرار جلب القوات الأجنبية إلى المنطقة، وقد نتج عن حرب الخليج الثانية التي صاحبا قرار جلب القوات الأجنبية إلى المنطقة، وقد نتج عن حرب الخليج الثانية ما يلي:
- إيجاد حالة اليأس من الوحدة العربية.
- تدمير البنية الاقتصادية والعسكرية للعراق مما أخلى بالتوازن العسكري والاقتصادي إلى صالح الكيان الصهيوني.
- احتلال المنطقة من قبل القوات الأجنبية والذي خلق حالة من عدم الاستقرار دائمة في المنطقة، وسوف تدفع المنطقة ثمنها إلى وقت غير معلوم.
- أصبحت أنابيب النفط تصب مباشرة في الجيب الأمريكي والأوروبي.
- الذهاب إلى مؤتمر مدريد بشروط إسرائيلية حسب تعبير عرفات.
هذه العوامل المشتركة خلقت هذا الوضع المأساوي الذي أوجد في تاريخ الأمة المعاصر أيامًا جنائزية سوداء، فيوم مؤتمر مدريد ويوم الاتفاق الفلسطيني الصهيوني، ويوم الاتفاق الفلسطيني الصهيوني، ويوم الاتفاق الأردني الصهيوني، هذه أيام جنائزية في تاريخ الأمة تذيب عصارة القلب لشدة حرارة ألمها، والأيام التي وطئت فيها الوفود الصهيونية دولة قطر ودولة عمان ودولة البحرين، أيام سوداء في تاريخ المنطقة بل أكثر أيامها ظلامًا وحلكة ولا يكاد يختلف اثنان من العقلاء المخلصين حول تقييم هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر. والسؤال:
إذا كان هذا الوضع الذي خلقه منطق الحكام البرجماتي حيث يحدد مواقفهم على أساس المنافع المادية والأمر الواقع، فما هو موقف الشعوب الإسلامية؟
لا شك أن منطق الشعوب الإسلامية يختلف تمامًا عن منطق الحكام، فموقف الشعوب الإسلامية ينطلق من مبادئ وأحكام الإسلام، التي لا تعترف أبدًا بشرعية الكيان الصهيوني المغتصب للأرض الإسلامية وتدعو إلى تحرير جميع الأراضي الفلسطينية، وهذا واجب شرعي يشترك فيه كل المسلمين، وتعتبر كل القرارات الاعتراف بالكيان الصهيوني غير مقبولة عند الشعوب الإسلامية وبالتالي فإن الشعوب الإسلامية لا تعترف بشرعية إقامة العلاقات مع الكيان المغتصب سواءً كانت علاقات سياسية أو تجارية.
الوفود الصهيونية إلى المنطقة لها ثلاثة أهداف سياسية:
- كسر الحاجز النفسي بين الشعوب المسلمة والكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين المقدسة.
- استغلال خيرات وثروات المنطقة.
- تحويل المنطقة إلى سوق للمنتجات الصهيونية.
والسؤال:
هل يسمح منطق الشعوب الإسلامية بالتعامل مع الكيان الصهيوني؟ فإذا أُقيمت العلاقات التجارية بين الحكام والصهاينة وسمح الحكام بوجود البضائع الصهيونية في الأرض العربية المسلمة، فهل الشعوب الإسلامية سوف تشتري هذه البضائع؟
الفقهاء يقولون بحرمة ذلك. كل بضاعة صهيونية أو شركة تتعامل مع الصهاينة فشراء هذه البضائع حرام شرعًا. ليعلم التجار والمواطنون أن التعامل مع الصهاينة حرام شرعًا عند كل الفقهاء وإن اختلفت مبانيهم، واعلموا أن كل المساعي الصهيونية سوف تفشل إذا تمسكت الشعوب الإسلامية بالأحكام الشرعية، فإذا كان الحكام قد أذلوا رقاب المسلمين من خلال خضوعهم إلى الكيان الصهيوني وتسليمهم كنوز المنطقة إلى أيديهم فلا أقل من أن يكون للشعوب الإسلامية موقف إيجابي يتمثل في المقاطعة السلبية، وهو عدم التعامل مع الكيان المغتصب، فإذا فعلت الشعوب الإسلامية تعاملت بهذا المنطق فلن يجد الكيان الصهيوني له موقع قدم في بلادنا العربية والإسلامية.
أكتفي بهذا المقدار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.