خطبة الجمعة | 23-12-1994
الموضوع: أحداث البلاد الأخيرة
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، وأهــد قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً في الدنيا والآخرة يا كريم. اللهم معهم معهم لا مع عدوهم.
السلام عليكم أيها الأحبة. أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.
ليس في وسعي في هذا اليوم المعظم. إلا إن أعرب عن أسفي وقلقي الشديدين إزاء ما حدث على هذه الأرض الطيبة من إحداث مؤلمة وخطيرة، راح ضحيتها عدد من الشهداء. وأُصيب عدد غير محدد بإصابات بعضها خطيرة وبعضها الآخر مزمن. بالإضافة إلى مئات المعتقلين فيهم الأطفال والمرضى الذين قد تجاوز عددهم ـ حسب بعض التقديرات ـ (1500 معتقل).
ومما يؤسف له أيضاً أن بعض المسئولين الحكوميين حاول أن يربط بين الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد ولا تزال تشهدها، وبين أطراف خارجية لم يعينها. كما إن بعض المؤسسات قد شجبت الحوادث مما يعد مؤثراً على بروز اتجاهات خطيرة على الساحة المحلية إزاء الحوادث في هذا البلد الطيب.
وإيماناً مني بتحمل المسئولية سوف أحاول قدر استطاعتي إن أعطي فهماً واقعياً لما حدث، أقدمه بين يدي جميع الإطراق لتتخذ الموقف الحكيم والمسئول إزاء ما حدث.
أولاً. إن هذا الشعب الطيب النبيل (أعني شعب البحرين) شعب مسالم. وقد ذكرت في أحاديث سابقة، ومن على المنبر بأنني افتخر بهذا الشعب، لأنه قد عرف كيف يطالب بحقوقه بأساليب سليمة حضارية وديمقراطية. وقلت: بأنه ينبغي للحكومة أيضاً أن تفتخر بأن لها شعباً قد عرف كيف يُطالب بحقوقه بأساليب حضارية سليمة وديمقراطية، وحذرت فيما سبق من أحاديث من إحباط المحاولات السليمة في الإصلاح، وقلت بأن إحباط المحاولات السليمة. إما إن يؤدي إلى التدهور غير المحدود، أو يؤدي إلى الانفجار الذي لا تؤمن عواقبه. وأن الذي حدث هذه الأيام القليلة الماضية وما يزال، لهو دليل على صحة وصدق ما قلت، وهذا يدعو كل الأطراف الحكومية والأهلية إلى إن تدعم المساعي السليمة والدستورية لعملية الإصلاح في البلاد.
إن المطلوب من كل أبناء الشعب من غير استثناء إن يقفوا صفاً واحداً لدعم الحركة الإصلاحية السليمة في البلاد. كما ينبغي للحكومة أن تتقبل ذلك وتدعمه من أجل منع حالة التدهور غير المحدود، أو حالة الانفجار غير المأمونة عواقبه، مستفيدة من الحوادث الأخيرة على صدق وصحة ما ذكرت.
ثانياً. أصل الأحداث الأخيرة في البلاد معروف، وكما جاء في بيان وزارة الداخلية بأن أصل الأحداث يرتبط بقضية اعتقال فضيلة الشيخ علي سلمان ـ حفظه الله ـ. ولو أن الحكومة من البداية تصرفت بحكمة لما ظهرت هذه النتائج الخطيرة على الساحة، فأصل القضية وتطوراتها يدل بكل وضوح على أنه لا علاقة بين الحوادث الأخيرة في البلاد وأي طرف خارجي، كما أن أصل القضية وتطوراتها تدل على تلقائية هذه الحوادث. فلو أن الحكومة تصرفت بحكمة وتقبلت وساطة العلماء وأفرجت عن فضيلة الشيخ علي سلمان ـ حفظه الله ـ والمعتقلين الآخرين، لكانت بذلك قد نزعت فتيل الأزمة، واستطاعت احتواء القضية، وأعطت الفرصة الكافية لجميع الأطراف لتدارس الموضوع بروية وهدوء.
إلا أنها ـ وهذا شج يؤسف له ـ لم تتقبل وساطة العلماء، واستخدمت القوة في التعامل مع الجماهير الغاضبة، مما أدى إلى التطورات الخطيرة للإحداث.
المهم إن أصل القضية وتطوراتها ـ وكما جاء في بيان وزارة الداخلية ـ يدل على أن لا علاقة لأي طرف خارجي بالأحداث، كما أن الأحداث انطلقت وتطورت بتلقائية تامة. وهذا ما أعرب عنه المراقبون والمحللون السياسيون المستقلون في تحليلاتهم وتقاريرهم الإخبارية وغيرها.
ثالثاً. إن التطورات المذهلة للإحداث، والتصعيد غير المعقول من جانب الحكومة، أمر يحتاج إلى وقفة وتأمل وتحليل.
فأنا لا أستطيع إن أهضم تفسير الإحداث الأخيرة في البلاد بالأصل البسيط لها، فان اعتقال فضيلة الشيخ علي سلمان ـ حفظه الله ـ بحد ذاته لا يعتبر سبباً كافياً أو علة تامة لهذه التطورات المذهلة للإحداث. وإنما وفرت لذلك أرضية مناسبة، وجاءت قضية اعتقال فضيلة الشيخ علي سلمان ـ حفظه الله ـ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ـ كما يقال ـ.
فتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هو الذي يتحمل بالدرجة الأولى مسئولية ما حدث. فإذا افترضنا إن الحكومة عن طريق القوة أو عن طريق المساعي الدبلوماسية استطاعت إن تحتوي ما حدث، فإنها لن تستطيع إن تمنع تكرار ما حدث ما لم تلجأ إلى إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد.
هذه هي الأسباب الحقيقية، وهذه هي الأرضية لحصول ما حدث. لو كان الشاب مثلاً له وظيفة مستقر فيها براتب مجـز، وله بيت، وله زوجة، وله أولاد، ما كان ليتصرف في الإحداث الأخيرة بهذه الطريقة. لكن شاباً عمره خمس وعشرون سنة أو ثلاثون بغير وظيفة، ودون بيت أو زوجة وأولاد، وليس في جيبه دينار واحد، والثوب التي يلبسها صدقة عليه من أبيه، كيف تتصورون معنويات هذا الإنسان، وكيف سيتصرف في مثل هذه الإحداث؟ .
إنني لا أتصوره إلا وهو يريد الانتقام من الحكومة التي لم توفر له مستلزمات العيش الكريم. فلماذا لا تحاول الحكومة إن تتعقل وتتفهم هذا الوضع، وان تتصرف معه بحكمة ومسئولية؟ .
أضف إلى ذلك حرية التعبير والجوانب الأخرى. فسوء الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية هي المسئولة بالدرجة الأولى، وان المعالجة الجذرية والأساسية يجب إن تتوجه لمعالجة هذه الأوضاع.
إن الإفراج عن فضيلة الشيخ علي سلمان ـ حفظه الله ـ والمعتقلين الآخرين قد يكون سبباً آنياً لاحتواء الأزمة، ونطالب به من أجـل احتواء الأزمة على المدى القريب. إلا أنه على المدى المتوسط والبعيد يجب إن تلجأ الحكومة لتصحيح ومعالجة هذه الأوضاع المتدهورة. لكي تمنع تكرار حدوث مثل ما حدث، وتوفر الأرضية المطلوبة لأمن البلاد واستقراره، وتقدمه وازدهاره.
البطالة هم كبير وعامل أساسي من عوامل تفجير الأزمة، فنسبة العمالة الأجنبية في البلد تصل إلى (66 % تقريباً)، والأيـدي العاملة الوطنية أقل من (36 %) حسب إحصائية ” 1991م “. والأيدي العاملة الأجنبية الموجودة حالياً في البلد معظمها أيد عاملة بسيطة غير خفية وغير متخصصة، فهي غير ضرورية، وفي مقدور واستطاعة الأيدي العاملة الوطنية إن تحل محلها. فلماذا لم تفعل الحكومة ذلك؟.
ومن جهة ثانية. ماذا نقول عن التعليم في البحرين؟ لقد مضى على التعليم الحديث في البحرين حتى اليوم (75 سنة تقريباً)، وقد احتفلت البلاد بذلك. وبعد هذا الزمن الطويل الذي انقضى على بداية مسيرة التعليم الحديث في البحرين، نجد صاحب العمل يرفض توظيف المواطن بحجة انه غير مؤهل، إن الأمر عجيب. ماذا قدم لنا التعليم الحديث في البحرين؟ إلا يعتبر هذا دليلاً وشاهداً من الواقع على فشل التعليم في البحرين رغم كل عمليات التطوير والتجميل التي أحدثتها وزارة التربية والتعليم؟ .
لماذا لا يرتبط التعليم الثانوي والجامعي عملياً بسوق العمل؟ أليست الأيدي العاملة الأجنبية خطراً على اقتصاد وأمن وثقافة البلد؟ إلا ينبغي لنا إن نتصرف مع الأيدي العاملة الأجنبية على حسب الحاجة والضرورة؟ .
إن هذا الفيض من الأسئلة كلها عن عامل واحد فقط من العوامل التي ترتبط بالبطالة وليس عن كل العوامل وهي كثيرة. فأزمة البطالة لا يمكن تبريرها بصورة معقولة أبداً، ويجب إحداث إصلاحات جوهرية في التعليم، ولا سيما التعليم الثانوي والجامعي، والتعليم العالي، وربط هذا التعليم بسوق العمل.
إننا نجد في بلادنا طالب يتخرج من التعليم الثانــوي، وربما تجاوز تقديره الـ (90 %). ومع ذلك لا يحصل على كرسي في الجامعة، وفي الوقت الذي نجد فيه الأجانب ولا سيما الغربيين يشغلون الوظائف المهمة الحساسة في الدولة. وتشغل الأيدي العاملة الأسيوية الوظائف الدنيا والبسيطة رغم تزايد العاطلين عن العمل من المواطنين، فلماذا لا يسرح هؤلاء ليحل محلهم أبناء الوطن، ولماذا لا تقوم الجامعات بتأهيل المواطنين لشغل الوظائف الحساسة والمهمة في البلاد، فامن البلد واستقلاله، والمحافظة على ثرواته يتوقف على ذلك.
بعد هذا أعود فأقول. بأن منع تكرار حدوث مثل ما حدث يتوقف على إحداث إصلاحات جوهرية في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلد، فالتطورات المذهلة للإحداث من قِبل الناس ترتبط بهذه الأوضاع.
ومن جهة أخرى لا أستطيع أن أهضم التصعيد غير المعقول من جانب الحكومة، ففي غضون أيام قلائل من الأحداث يصل الأمر إلى استخدام الرصاص الحي ضد الشعب !! من يستطيع أن يستوعب ذلك؟ .
إن هذا التصرف يقيناً هو تصرف غير مسئول وغير حكيم وغير حضاري !! إسرائيل مثلاً تفتخر على العرب بأنها دولة ديمقراطية ومتحضرة، وتدلل على ذلك في المحافل الدولية بتعاملها مع الانتفاضة الفلسطينية، لو كانت في دولة عربية لتمت تصفيتها في زمن قصير. لكنها تتعامل مع الانتفاضة بأسلوب حضاري وديمقراطي مما أطال في عمر الانتفاضة، هذا هو منطق الدولة الصهيونية، ونحن لا نريد أن تكون (……) مصداقاً لهذا القول الصهيوني.
وعليه فأني أقول. ليس بكثير على حكومة البحرين أن تلجأ إلى محاكمة ومحاسبة الأطراف والأشخاص المسئولين عن إطلاق الرصاص على الشعب، ومد جسور المحبة والمودة مع هذا الشعب النبيل والطيب.
رابعاً وأخيراً. المؤسسات التي لجأت إلى شجب ما حدث في البلد، أيضاً هذا التصرف غير مسئول لأنه يحدث شرخاً عميقاً في الوحدة الوطنية.
فهو من جهة يعمق ويوسع الفجوة بين الحكومة والشعب في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى مد الجسور بين الحكومة والشعب من أجل التنمية والازدهار، ومن أجل مواجهة الإخطار الخارجية.
ومن جهة ثانية. تؤلب الشعب بعضه على البعض الآخر. فهذه التنديدات لا حاجة إليها أبداً، وهي دليل على أن المؤسسات التي مارست الشجب لم تفهم حقيقة ما حدث في الساحة، ولا تدرك خطورة التصرف الذي قامت به على الوحدة الوطنية، واني أرى بأن سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد. لا يقبلون بهذه التنديدات من هذه المؤسسات إذا علموا بخطورتها على الوحدة الوطنية التي تهم أصحاب السمو، وتهمهم المحافظة عليها وتقويتها، فهي الضمانة الأساسية لاستقرار وأمن البلد، وتقدمه وازدهاره.
فالمطلوب من جميع الأطراف أن تتعرف على الكيفية الصحيحة للتعامل مع الأحداث الأخيرة، وأن تتحمل مسؤوليتها في ذلك. فالوضع الأخير خطير جداً، وأنه فوق المهارات والمزايدات السياسية وغيرها.
وكما أننا في حاجة ماسة من الحكومة لأن تتحمل مسئولياتها الدينية والتاريخية والوطنية والأخلاقية في التعامل مع الأزمة الأخيرة التي شهدتها البلاد ولا تزال. فنحن في حاجة ماسة أيضاً لأن تتحمل جميع الأطراف الأهلية مسئولياتها كاملة في ذلك. فنحن لا نقبل بتخريب الممتلكات العامة أو الخاصة، وهذا شيء خطير جداً على الوطن، إلا أن الخطر منه يقيناً استخدام الرصاص ضد الشعب، فلماذا أدانت هذه المؤسسات التخريب ولم تدن إطلاق الرصاص؟ .
إن من يريــد إن يتكلم يجب إن يكون شجاعاً وإلا فليصمت، فالوضع خطير جداً. ويجب على كل الأطراف أن تتحمل مسئولياتها كاملة بصدق وأمانة تجاه الشعب والوطن، وفي سبيل تهون جميع التضحيات.
أكتفي بهذا المقدار. وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.