خطبة الجمعة | 7-10-1994

الموضوع: الإسلام والديمقراطية

الديمقراطية. أصل هذا اللفظ يوناني، ومعناه سيادة الشعب. والديمقراطية كنظام سياسي واجتماعي. يقوم على ثلاثة أركان:

الأول: سيادة الشعب.

الثاني: المساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية.

الثالث: الحرية الفردية والكرامة الإنسانية.

وفيما يتعلق بالمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية. هذا المبدأ يقبله المسلمون جميعاً بغير خلاف بينهم. أما فيما يتعلق بمبدأ الحريات الفردية فيشمل حرية الفكر والتعبير ويشمل الحريات الشخصية أيضاً.

فيما يتعلق بحرية الفكر والتعبير. الإسلام يقبله إذا كان الفكر منطقياً. ويمنع الأكاذيب والأفكار التي تحاول أن تفسد وتنشر الشبهات والتشكيكات في عقول الناس بدون أن تستند على عقل أو منطق.

أما فيما يتعلق بالحرية الشخصية. فالإسلام يكفل الحريات الشخصية في حدود الشريعة وبما لا يضر بكرامة الإنسان وبالأمن والاستقرار الاجتماعي.

فالإسلام ـ مثلاً ـ يمنع ظاهرة التعري وحرية الجنس. فلا يسمح بممارسة هذه الأعمال تحت عنوان الحرية الشخصية لأنها تضر بكرامة الإنسان وتهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي. والإسلام يستند في موقفه إلى حكم العقل والفطرة. قوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).

تقييد الحريات الشخصية في واقع الأمر يخدم أمرين: يخدم كرامة الإنسان ويخدم النظام الاجتماعي. حيث لا يمكن تصور مجتمع إنساني نحتفظ فيه بكرامة الإنسان بدون وجود قوانين تنظيم حياة الإنسان، فهذه القوانين موضوع البحث بعضها الهدف منه المحافظة على كرامة الإنسان. مثل: منع حرية الجنس، المحافظة على الأمن والاستقرار ـ مثل: منع لباس الشهرة ـ فحينما يلبسه الإنسان ويكون كلام الناس. هذا يهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي.

وعليه فان الركن الثاني وهو (المساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية). والركن الثالث وهو (الحرية الفردية والكرامة الإنسانية) تلقى قبول في الفكر الإسلامي بالحدود التي وضحتها. تبقى المسألة التي تحتاج إلى المزيد من البحث وهي المسألة الجوهرية في الديمقراطية هي (سيادة الشعب).

السلطات في النظام الديمقراطي. ثلاث سلطات:

1. السلطة التشريعية: وتقوم بسن ووضع القوانين والتشريعات.

2. السلطة التنفيذية: وتقوم بتنفيذ التشريعات.

3. السلطة القضائية: التي تفصل في الخصومات استناداً للتشريعات.

وموضوع بحثنا يتناول الآن السلطة التشريعية فقط.

السلطة التشريعية: لها ثلاث وظائف في النظام الديمقراطي:

الأول: سن التشريعات العامة.

الثاني: سن التشريعات الإجرائية.

الثالث: مراقبة المواطنين للحكومة بما يحفظ المصالح العامة. ويحفظ حرياتهم المدنية.

موقف الإسلام من الوظيفة الأولى: ” سن التشريعات العامة “

في الفكر الإسلامي ليس للشعب أن يسن التشريعات العامة وإنما سن التشريعات العامة لله وحده. والمقصود بالتشـريعات العامة التي تحدد علاقة الإنسـان مع الله (عز وجل)، كالصلاة والصيام والحج. والتي تحدد علاقته مع أخيه الإنسان: فيحدد مثلاً الحاكم باسمه أو بصفاته، وعلاقة الحاكم مع المحكوم، أيضاً. كعلاقة الرجل مع المرأة والزوج مع زوجته ” النفقة، الإرث. الخ “.

وأيضاً علاقة الإنسان مع الطبيعة ” ما يأكل وما لا يأكل. ما يشرب وما لا يشرب. وما يملك وما لا يملك، وحكم الملكية والحقوق المفترضة في الملكية كالخمس، فقد أحل لحم البقر وحرم لحم الخنزير وأحل شرب الماء وحرم شرب الخمر. الخ “.

هذه التشريعات هي حق لله وحده، وتتصل هذه الوظيفة ” سن التشريعات ” بتوحيد الربوبية. الله (عز وجل) بوصف الربوبية مسئول عن تدبير شئون الإنسان بما يحقق غايته وسعادته وفيما يحقق الكمال لهذا الإنسان. ولكي يصل الإنسان إلى كماله يحتاج إلى التشريعات، الله بصفته الربوبية كما خلق الإنسان في أحسن تقويم. أيضاً بصفته الربوبية مسئول عن وضع القوانين والأنظمة التي يحقق من خلالها كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.

فالذي يختص بالتشريعات العامة هو الله وحده لا شريك له، والأنبياء هو الوسائط في التبليغ عن الله لهذه الإحكام. وأما موقف الإسلام من التشريعات الإجرائية فهذه التشريعات هي موضع الشورى في الإسلام. قوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله).

هذه التشريعات. تشمل العلاقات والاتفاقات السياسية الخارجية (علاقة الدولة مع الدول الأخرى، وتشمل أيضاً العلاقات والاتفاقات الاقتصادية. وتنظيم التعليم. والصحة. الخ، وأيضاً قرار الحرب والسلم أحياناَ. الخ).

هذه تشريعات إجرائية يتخذها الحاكم بالتشاور مع الشعب، فمع العلم بأن الرسول الأعظم (ص) معصوم ومتصل بالوحي، إلا أن الله (عز وجل) أمر الرسول بأن يشاور المسلمين في هذه الأمور. وبالفعل فقد شاور الرسول (ص) المسلمين في أمور الحرب واتخاذ قرار الحرب. وفيما يتعلق بالثروات في غزوة الخندق، عندما أراد أن يفاوض المشركين في غلات التمر. الخ.

قد يقول البعض بأن هذه الشورى غير ملزمة. واقع الأمر الشورى ملزمة. وإلا أصبحت لغواً.

فحينما يشاور الرسول (ص) خالف رأيه فيما يتعلق بقرار الحرب في غزوة أحد، إلا أن قول الله (عز وجل) (فإذا عزمت فتوكل) لها بعد آخر. وهو أن اتخاذ القرار النهائي يكون بيد القائد هذا جانب.

الجانب الآخر. هناك شاهد واقعي فالمسلمين قد لا يتفقون على رأي، فبأي الآراء المختلفة يأخذ في حالة اختلاف الرأي، فلا بد من اتخاذ قرار بأي الآراء نأخذ. والهدف من المشاورة كما تشير الآية الكريمة (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولكم فاعف عنهم، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر). ـ الهدف منها ـ هو توطيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومشاركة الناس في اتخاذ القرار، ومن ثم تحمسهم واشعارهم بالانتماء إلى الوطن. وإشعارهم بالصلة الوثيقة مع الحكومة. الخ.

وفيما يتعلق بمراقبة الحكومة للمحافظة على مصالح المواطنين وحرياتهم المدنية، الإسلام لا يأبى ذلك ولا يرفضه.

هنا قد يتساءل البعض: إذا كانت السلطة التشريعية هي لله وحده، والبرلمانات في الدول العلمانية تقوم بدور التشريع، فلماذا يدخل الإسلاميون إلى البرلمانات في الدول العلمانية؟

(1) الإسلاميون حينما يدخلون إلى البرلمانات، ليس بهدف وضع تشريعات مخالفة لتشريعات الله (عز وجل)، وإنما يدخلون إلى البرلمانات من أجل الدعوة إلى الأخذ بالتشريعات الإلهية، ورفض كل التشريعات التي تتناقض مع التشريع الإلهي.

(2) فيما يتعلق بالتشريعات الإجرائية، الإسلاميون يقدمون المشروعات والتشريعات الإجرائية التي تنسجم مع التشريعات الإلهية، والتي تحقق للناس الخير.

فحينما يكون هناك مشروع اقتصادي، فان الإسلاميون يقدمون مشروعاً ينسجم مع التشريعات الإسلامية فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي، الجانب الصحي، التعليم. وأي حقل من حقول الحياة.

(3) المراقبة للحكومة تكون في ضوء التشريعات الإسلامية والمصلحة العامة للمواطنين.

ونلخص ما يمكن قوله في هذا الباب.

إننا ننظر إلى البرلمان كمنبر حر للحوار. للتعبير عن الرأي. فكل طرف يقدم رأيه، ويتم الحوار، والتعاطي بالأدلة والبراهين. والمشروع الأقوى والأفضل هو الذي يثبت، وأنه تعبير عن إرادة الشعب والمواطنين.

فإذا كان الشعب يرفض الإسلام، فنحن لا نستطيع أن نفرض الإسلام بالقوة على الناس. لكن إذا كان الشعب قابلاً بالإسلام، ويريد الإسلام فعلى الأقلية المخالفة أن تقبل بالإسلام.

ومن هنا تأتي أهمية الدقة في اختيار الممثلين. يجب اختيار الممثلين الذين يعبرون ـ بالفعل ـ عن اتجاهات الشعب وآرائه ومصالحه. ولا يكون الانجراف وراء الاغراءات المادية أو ما شابه ذلك.

من هذا المنطلق دخل الإسلاميون في البحرين في الدعوة إلى إعادة الحياة البرلمانية، والمطالبة بإجراء الانتخابات. وقد دخلت جميع الاتجاهات في هذا المشروع. فهي تمثل إجماعاً وطنياً، وتعتبر هذه خطوة رائدة حتى على مستوى العالم العربي. فلم نعرف في عالمنا العربي أن المعارضة من دولة عربية قد اجتمعت على مشروع واحد تقدمت به إلى الحكومة.

وهذه الخطوة تبشر بخير كثير، وقد ساعدت عليها المسافة الصغيرة لهذا الوطن العزيز، والروابط الطيبة بين أبنائه، وارتفاع نسبة الوعي والثقافة بين أبنائه مما جعلنا نفخر لهذا الشعب قديماً وحديثاً ومستقبلاً إن شاء الله تعالى.

واكتفي بهذا المقدار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى