خطبة الجمعة | 15-7-1994

الموضوع: الجهاد في الإسلام

الحمد اللّه رب العالمین، اللهم صل علی محمد وآل محمد وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد، واجمع بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبینهم طرفة عین أبداً في الدنیا والآخرة یا كریم، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم.

السلام علیكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة اللّه وبركاته

قال تعإلى: (هل أدلكم علی تجارة تنجیكم من عذاب إلىم، تؤمنون باللّه بأموالكم وأنفسكم، وذلكم خیر لكم كنتم تعلمون)

فی الأسبوعين الماضیین تحدثت حول الآیة الأولى، والشطر الأول من الآیة الثانیة، في هذا اليوم المعظم سوف أتحدث في قوله تعإلى: (وتجاهدون في سبیل اللّه).

الجهاد في اللغة مأخوذ من الجهاد -بضم الجیم-، بمعنی: ‌الطاقة، كأن المجاهد یبذل ما لدیه من طاقة في سبیل تحقیق الهدف الذي یصبو إلىه. وبعض الفقهاء یقول: إنها مأخوذة من الجهد -بفتح الجیم- بمعنی:‌ التعب والنصب والمشقة، إشارة لما للجهاد من مشقة وتعب أیضأ، وهو واضح بیّن.

ینقسم الجهاد إلى قسمین:‌

  1. جهاد النفس
  2. جهاد الاعداء، وینقسم جهاد الأعدا‌ء إلى قسمین:
  3. الجهاد الابتدائي، ویسمی أیضاً بجهاد الفتح
  4. الجهاد الدفاعي

المفسرون الذین اطلعت علی تفاسیرهم، یفسرون الآیة الشریفة بجهاد الأعداء، ولا أتذكر أحد من المفسرین أشار إلى جهاد النفس في تفسیر الآیة الشریفة المباركة.

إلا أنه لا یوجد مانع من أن نتحدث عن جهاد النفس في ظل الآیة الشریفة المباركة، لا سیما إذا قرأنا قوله تعالى: (الذین قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا) فبین الآیتین صلة، فالآیة موضوع البحث تقول: (تؤمنون باللّه والرسول) وهذه الآیة تقول: (الذین قالوا ربنا للّه) فالذین قالوا ربنا اللّه هم المؤمنون، الذین قاموا بالتكلیف الأول: (تؤمنون بالله والرسول) والآیة موضوع البحث تقول: (وتجاهدون في سبیل اللّه) وتلك الآية تقول: (ثم استقاموا) فالاستقامة هي غایة وثمرة جهاد النفس، ولهذا ابدأ الحدیث عن جهاد النفس.

جهاد النفس هو الجهاد ضد النفس الأمارة بالسوء، الجهاد من أجل ثتل النفس الأمارة بالسوء، شن الحرب في داخلنا ضد النفس الأمارة بالسوء، ومعنی جهاد النفس أیضاً كبح الرغبات والشهوات الحیوانیة، من أجل أن یبقی الإنسان في ساحة المقدس الإلهیة، من أجل أن یستظل الإنسان برحمة اللّه ورضوانه، من أجل أن یبقی الإنسان علی نهج اللّه القویم، قوله تعالى:‌ (ثم استقاموا) لأن الإنسان إذا خرج عن نهج اللّه، یتنكب عن طریق الإنسانیة، الذي ینسلخ عن دین اللّه، ینسلخ عن الإنسانیة.

فجهاد النفس من أجل أن یبقی الإنسان في هذا الطریق، ولیبقی في حظیرة الإنسانیة، لیبقی تحت ظل اللّه، تحت ظل رحمة اللّه، تحل ظل رضوان اللّه عزّ وجل.

يجب أن ندرك بأن المعركة شرسة وخطیرة ومصیریة، تدور في داخل أنفسنا، في نفس كل إنسان تدور معركة، وهذه المعركة شرسة وخطیرة ومصیریة، هذه المعركة بین الروح بمعنویاتها الأخلاقیة، بإیثارها، بتضحیاتها، بكرمها، بجودها، وبین الجسد برغباته وشهواته، هذه المعركة بین العقل بنوره وهداه وبین الهوی بظلماته، وضلاله.

هناك معركة، نتائج هذه المعركة تحدد قیمة الإنسان، وتحدد مصیره، تحدد قیمة الإنسان كما قال أمیر المؤمنین (ع): «من أصبح همه بطنه فقیمته ما یخرج منه» فالإنسان الذي یعتم فقط برغباته وشهواته الحیوانیة فهو والحيوان علی حد سواء (إن هم‌ إلا كالأنعام بل اضل) فقیمة الإنسان تتحدد حسب نتیجة هذا الصراع ونتیجة هذه المعركة.

فالإنسان الذي ینتصر الجانب الحیواني والجسدي علی الروح والعقل، فعمنی ذلك أن قیمته وقیمة الحیوان سواء. بل أكثر من ذلك، فالقرآن لا یقول (إن هم كالانعام) فقط، یقول (بل هم أضل) بل القرآنذهب إلى اكثر من ذلك: (‌إن شر الدواب عند اللّه الصم البكم الذین لا یعقلون)، هناك من الدواب ما نصفها بالشر، مثلاً جرثومة الإیدز، جرثومة خطیرة، ومصدر من مصادر الشر عند الإنسان، هذا الإنسان أحقر وأذل من جرثومة الایدز وأخطر علی الإنسانیة من جرثومة الإیدز.

الإنسان الذي ینتصر في معركة النفس، هذا یكون أفضل من الملائكة، جبرائیل (ع) یقول له أنا خادمك.

تأملوا جیداً برحلة المعراج، الرسول الاعظم (ص) حینما دنا فتدلی فكان قاب قوسین أو أدنی، یقول جبرائیل دنا فتدلی فكان قاب قوسین أو أدنی، یقول جبرائیل تقدم فیعتب علیه الرسول (ص) بأن في مثل هذا الموقف تخذلني فیقول جیرائیل تقدم، فلو تقدمت أنملة لاحترقت.

الرسول (ص) بشر في معركة نفسه، انتصر عقله علی هواه وروحه علی جسده، فكان أفضل من عموم الملائكة، أفضل من كل الملائكة، فبلغ الحد الفاصل بین الخالق والمخلوق.

الإنسان أيضاً یمكن أن یصل إلى هذا الطریق وتتحقق له الكثیر من الكرامات، ففي ضوء هذا المعركة یتحدد لنا قیمة الإنسان.

وفي ضوء هذه المعركة أیضاً یتحدد مصیر الإنسان، إذا انتصر العقل علی الهوی وانتصرت الروح علی الجسد، یكون أهل هذا الخطاب (یا أیتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضیة مرضیة، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) یكون من أهل الجنة، یكون قریباً من اللّه عز جل، لكن الإنسان في المعركة إذا انتصر الهوی علی العقل، وانتصرت الشهوات والرغبات علی القیم الروحیة والمعنویة والأخلاقیة یكون مصيره إلى جهنم، في الحدیث إن الرسول الاعظم (ص) كان جالساً مع جیرائیل (ع) سمعا صوتاً مدویاً فسأل النبي (ص) جبرائیل: ما هذا الصوت؟ فقال جبرائیل: هذا صوت صخرة، ألقیت قبل سبعین عاماً، في قعر جهنم.

ماذا فهم العلماء من ذلك؟ إن انساناً عمره سبعین سنة، هذا الإنسان من غلب هواه علی عقله، وغلب جسده على روحه، أصبح إنسانا شریراً وبعد سبعین سنة استقر في قعر جهنم.

 من هنا نعرف قیمة قوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة علی السماوات والارض والجبال فأبین أن یحملها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جمهولاً)، یفسر العلماء الأمانة بالتكلیفالالهي، الذي تأهل لحمل هذه الأمانة هو الإنسان، كیف یصفه اللّه تعالى بأنه ظلوم جهول؟

فالمعنی إن هذا التكلیف الإلهي یمكن أن یصل بك إلى الجنة، یمكن أن یجعلك في مكان الصدق عند ملیك مقتتدر، قریباً مقرباً مرضیاً عند اللّه عزّ وجل، لكن الإنسان الذي یتنكر إلى هذا التكلیف الالهي، ویتخلی عن حمل هذه الأمانة فما هي قيمته؟ وأین یكون مصیره؟ یكون كالحیوان، ویكون مصیره إلى جهنم، هذا الإنسان الذي في إمكانه أن یكون مقرباً عند اللّه یكون مرضیاً من اللّه، أن یكون كذلك، وإذا به یقود نفسه إلى نار جهنم، فهل هناك ظلم للنفس أكثر من هذا الطلم، وهل هناك جهل أكبر من هذا الجهل؟

یقول أمیر المؤمنین في نهج البلاغة: «لیس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبیعوها إلا بها»هذا القول له أكثر من معنی، ومن معانیه: إن الإنسان یجب أن یربط حركته باللّه عزّ وجل، وكل انتماء الإنسان في هذه الارض وكل عمل وكل جهد یقوم به الإنسان یكون مرتبطاً باللّه عزّ وجل وإلا كان هذا الجهد ضیاعاً.

الجانب الثاني: قوله تعالى: (ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) الإنسان له حركتان: حركة تصاعدیة نحو الله عز وجل ونحو الجنة، وحركة هبوط ونزول وتسافل نحو الشیطان ونحو جهنم.

فعلی الإنسان أن تكون حركته حركة بناء وارتقاء، حركة تكامل، حركة اقتراب ودنو من اللّه عزّ وجل؛ لیكون ثمرة ذلك الجنة. ويكون حذراً من أن تكون حركته حركة هبوط ونزول وتسافل وبعد عن اللّه عزّ وجل وإلى النار، فهذه النفس كریمة عند اللّه عزّ وجل ليس لها ثمن إلا الجنة فلا یضیعها.

جهاد النفس یحتاج إلى جد، إلى معاناة، لهذا سماه الرسول (ص) بالجهاد الأكبر وسماه امیر المؤمنین (ع) بأفضل الجهاد، فهذه العبارات لها دلالتها، لماذا سمی الرسول (ص) جهاد النفس بالجهاد الأكبر في قبال الجهاد الاصغر وهو جهاد الأعداء؟ وسماه أمیر المؤمنین بأفضل الجهاد؟ فهذه التسمیات لها دلالة نفسهما من القرآن وأحادیث اهل البیت (‌ع).

فمن دلالات هذا المعنی، قوله تعالى: (لا یغیر اللّه ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم ) فهذه الآیة تبین لنا نوعیة التغیر في الواقع الاجتماعي یتوقف علی تغییر النفس.

یقول تعالى: (الذین إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) فلن یحقق جهاد الأعداء أهدافه إلا إذا حقق المجاهدون أهداف الجهاد الأكبر في أنفسهم، هذه نقطة.

النقطه الثانیة: قول أمیر المؤمنین (ع): «میدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم علیها كنتم عن غیرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز».

فالإنسان الذي یستطیع أن یحقق الانتصار في معركة جهاد النفس یستطیع أن یحقق الانتصار في الخارج، فتكون الإرادة الكافیة والعزم الكافي للانتصار في الخارج.

هنا ملاحظلات یحب أن نلتفت لها:

الملاحظة الأولی: إنه لا تطرف في علاقة الإنسان مع اللّه عزّ وجل، فالإنسان الذي یحق قدراً أكبر من الحب والخوف من اللّه عزّ وجل والتعلق بالله والطاعة للّه هو هذا الإنسان عظیم.

الملاحظة الثانیة: قول الرسول الاعظم (ص): «اجتهدوا في العمل فإن قصر بكم الضعف فكفوا من المعاصي»، هناك حد لا نتجاوزه فلا نترك الواجبات ولا نفعل المعاصي.

الملاحظة الثالثة: التوبة، الإنسان قد یضعف ویقع في الذنب، فبمجرد ان تعصي تب إلى اللّه، وإن استطعت أن تعمل طاعة في محل المعصیة فافعل، وظیفة التوبة إنها تنقل الإنسان في رحاب اللّه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

والحمد للّه رب العالمین.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى