خطبة الجمعة | 16-6-1994

الموضوع: الموكب الحسیني هو الحركة الجماهيریة

استعاذ وبسمل وصل علی النبي محمد وآله الطاهرین

السلام علی الحسین وعلی علي بن الحسین، وعلی أولاد الحسین، وعلی ـصحاب الحسین.

السلام علیكم ایها الأحبة ایها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

عظم الله أجوركم وجبر مصابكم بأمامكم وجعلنا الله وإیاكم من الآخذین بثارات الحسین مع الإمام المنصور ولي الله الاعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

فی سیاق اهتمام أهل البیت (ع) بالقضیة الإسلامیة من أجل بقائها وانتصارها في خضم الصراع العقائدي الشامل، فقد خلف لنا أهل البیت (ع) مؤسستین عظیمتین هما: الحوزة والموكب الحسیني.

أما الحوزة فهي إشارة إلى أهمیة القیادة والعقل المفكر والقلم واللسان في خدمة القضیة الإسلامیة، وهي امتداد إلى جامعة الإمام الصادق(ع). أما الموكب الحسیني فهو إشارة إلى اهمیة السیف والجما هي ر في خدمة القضیة الإسلامیة، وهو امتداد إلى ثورة الإمام الحسین (ع).

واعني بالقضیة الإسلامیة: إیمان الناس جمیعاً بالعقائد الإسلامیة، وتطبیق التشریع الإسلامي في جمیع مجالات حیاة الإنسان الفردیة والاجتماعیة‌، وهو المعنی الذي یشیر إلیه الباري جل جلاله بقولة تعالی: <هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین كله ولو كره المشركون>[1]، وقوله تعالی: <هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودین الحق لیظهره علی الدین كله وكفی بالله ش هي دا>[2].

و موضوع بحثنا هو الموكب الحسيني إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى العلاقة بین الرأس والجسد، والحوزة مسؤولة عن القیادة والتخطیط والمحافظة علی خط الموكب، وأن لا یقصر عن تحقیق أهدافه التي أرادها له أهل البیت (ع)، وهذا یعني أهمیة المشاركة الإیجابیة لأساتذة وطلاب الحوزة العلمیة في المسیرة العزائیة وسائر محاور الموكب الحسيني من موقع القیادة للموكب.

قبل ان ابدأ البحث في المسائل المطلوب بحثها، ورغبة مني في وضع بعض الأسس النظریة لمعالجة المسائل العلمیة في الموكب الحسيني، فإني ابدأ بتقدیم تعریف أو توضیح مفهوم للموكب الحسيني.

فالموكب الحسيني – كما أفهمه من أحادیث أهل البیت (ع) وسیرتهم الطاهرة – هو: الحركة الجما هي ریة للأمة المسلمة بقیادة المعصوم أو نائبه في غیبته من أجل تحقیق أهداف ثورة الإمام الحسین (ع) التي هي عینها أهداف الرسول الاعظم (ص) وأهداف الاسلام.

وتدور حركة الموكب الحسيني حول ثلاثة محاور هي: المنبر، المسیرة العزائیة، الزیارة لأهل البیت (ع)، والصالحین من شیعتهم عن قرب أو عن بعد.

الحركة الجماهریة للأمة المسلمة بقیادة المعصوم أو نائبه في غیبته من أجل تحقیق أهداف ثورة الإمام الحسین (ع) والتي هي عینها أهداف الرسول الاعظم (ص) وأهداف الإسلام.

فالموكب الحسيني لیس هو المنبر أو المسیرة العزائیة أو الزیارة، إنما هو الحركة الجماهيریة للأمة المسلمة بقیادة المعصوم أو نائبه في غیبته من أجل تحقیق أهداف ثورة الإمام الحسین (ع)، وما المنبر والمسیرة العزائیة والزیارة إلا المحاور المقدسة التي وضعها أهل البیت (ع) وورثناها عنهم (ع) لتدور علیها الحركة الجماهيریة المذكورة.

یشترط أن تتوفر في الموكب الحسيني بعض الشروط لكي تصح نسبته للإمام الحسین (ع) وأهل البیت سلام الله علیهم جمیعاً، وینجح في تحقیق أهدافه.

والشروط هي:

  1. أن یعبّر الموكب الحسيني بمحاوره الثلائة عن العقائد والأحكام والمبادئ والقیم الإسلامیة، وأن یعرف الناس بالتاریخ الجهادي لأهل البیت (ع) والقیم الجهادیة لهم (ع)، والمحن والمصائب التي تعرضوا لها من طواغیت زمانهم في جهادهم (ع)، وتعریف الناس بفضائلهم وغرس المحبة والولاء لهم في قلوب المؤمنین.

وهذا یمثل الجانب الثابت ویحفظ لنا وحدة الموكب الحسيني رغم اختلاف الزمان والمكان اللذین یقام فیهما الموكب الحسيني، ویؤكد هذا الجانب أهمیة ما یطلق علیه البعض: الجانب التقلیدي أو أصل الموضوع في الموكب الحسيني.

فهنا أرغب في أن أسجل شكري وتقدیری للأخوة الأعزاء القائمین علی اللجنة الإعلامیة‌ للموكب في القریة علی التقدم النوعي والكمي وحتی الفني والجمالي في الشعارات المنشورة في القریة.

وقد سمعت أن الشعارات المكتوبة في العاصمة قد حققت نفس التقدم بل أكثر، وبما أن الشعارات قد أصبحت تعبر بحق عن أهداف ثورة الإمام الحسین (ع) فإني أوصي الأخوة القائمین علی الشعارات في داخل القریة وخارجها باستخدام اللغات الاجنبیة إلى جانب اللغة العربیة في كتابة الشعارات في الأعوام القادمة.

  • أن یلعب الموكب الحسيني دوراً إیجابیاً وفعالاً في حركة المقاومة والتغییر الإیجابي (الاصلاحي) علی الساحة المحلیة والإقلیمية والعالمیة وفقاً لمقتضیات الزمان والمكان اللذین یقام فیهما الموكب الحسيني، وذلك تعبیراً عن مصداقیة الموكب والتزامه بالنهج الحسيني من خلال قوله (ع): «لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظلماً، وإنما حرجت لطلب الاصلاح في امة جدي آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، أسیر بسیرة‌ جدي وأبي» وهذا الجانب یبین لنا أهمیة ‌الاهتمام بالجدید من أمور المسلمین وقد خطت المواكب خطوات إیجابیة متفاوتة ‌من بلد إلى آخر من أجل تحقیق هذه النقطة.

ومن خلال النقطتین الأولی والثانیة ندرك الجوانب التي تدعونا لإیجاد التوازن بین الجانب التقلیدي والاهتمام بالجدید من أمور المسلمین، وأن الإخلال بهذا التوازن یؤدي إلى الإخلال بالوظیفة والدور المفترضین للموكب الحسيني.

  • المحافظة علی الهيبة والوقار ومراعاة‌ الأحكام والمبادئ والقیم الإسلامیة ‌في الأنشطة‌ والظواهر المصاحبة للموكب لكي تصح لنا نسبته للإمام الحسین وأهل البیت (ع).

و هذا یدعونا لملاحظة ما یلي:

  • المحافظة علی وحدة الصفوف ووحدة الفكر والحضور في الموكب الحسيني ونبذ الاختلاف والتفرق والتنازع لأن لا یضعف هیبة ووقار الموكب الحسيني، ویسيء إلیه وإلى الشیعة، ویؤدي إلى فشل الموكب في تحقیق أهدافه.
  • نبذ الحركات والممارسات غیر اللائقة في الموكب الحسيني كالضحك والقشمرة والحركات الراقصة التي لا حاجة إلیها في الموكب ولا تخدم أهدافه، وكذلك الممارسات التي تسيء الیه مثل: التطبیر الذي اشار إلیه القائد حفظه الله.
  • تنظیم الموكب بما یجعله اكثر هيبة ووقار، فالبلاد التي یمكنها إظهار البعد العسكري في الموكب، مثل: إیران ولبنان، یمكنها أن تفعل ذلك، أما البلاد الاخری كما هو الحال في البحرین، فیمكنها إبراز المظاهر الدالة علی ذلك مثل رفع الرایات ومشاركة الخیالة وشهر السیوف ولیس التطبیر و… الخ، من الظواهر الدالة علی البعد العسكري للإیحاء بحركة الموكب الحسيني التاریخیة من كربلاء المقدسة یوم استشهد الإمام الحسین (ع) وأصحابه وضوان الله علیهم وأرضاهم وإلی القدس یوم ظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه)‌ وتحریر العالم وإقامة دلو العدل الإلهي العالمية، من ذلك معالجة ظاهرة ‌التفرج علی المسیرة العزائیة، وبخصوص القرية تبرز الحاجة إلى انتظام الأشخاص الذين يسايرون المسيرة العزائية في المسیرة بصورة مناسبة وترك الحالة ‌الغالبة التي تضعف هيبة ووقار المسیرة العزائیة في القریة، ‌كما یسرني أن أسجل شكري وتقدیری لأبناء القریة جمیعاً علی حرصهم بالمشاركة والحضور الكثیف إلى المنبر والمسیرة العزائیة فقد بدی حجم المشاركة ‌والحضور في الأیام الأولی بحجم المشاركة والحضور في الیوم العاشر تقریباً في الأعوام السابقة، ‌وأنا إذ أشكرهم علی ذلك وأحثهم علی المزید، اسأل الله جل جلاله أن یبارك لهم ذلك ویورثهم حسن العاقبة في الدارین الدنیا والاخرة‌،‌ قوله تعالی: <والعاقبة للمتقین>.
  • منع كل الظواهر المصاحبة‌ للموكب الحسيني والتي لا تنسجم مع مبادئ وأهداف الموكب الحسيني وتسيء إلى رسالته وأهدافه الاجتماعیة، مثل: الاختلاط والمغازلة بین الساقطین والساقطات، وأؤكد هنا علی الدور الذي تمارسه اللجنة الأخلاقیة في العاصمة، واعتبر أن عملها جزء‌ لا یتجزء ‌من الموكب الحسيني، وأن المشاركة في أعمالها هي عین المشاركة في الموكب وإن ثواب ذلك لا یقل عن ثواب المشاركة إن لم یكن افضل ثواباً، ‌وبخصوص القریة فإني ونظراً لملاحظات بعض الأخوة والظهور المكثف للنساء‌ في هذا الموسم المبارك أؤكد علی وجوب غض النظر وصیانته عما حرم الله جل جلاله لكي لا یفسد ذلك علینا العطاء ‌الروحي والمعنوي الذي یفرض أن تحصل علیه من بركات المشاركة المقدسة في هذا الموسم العظیم.

في نهایة المطاف ارغب في بیان الصفات الفترضة للمشاركین في الموكب الحسيني، ومكانة الرادود والخطیب في المعزین:

  1. یفترض في الشخص المشارك في الموكب الحسيني أن یكون مؤمنا بالخط العقائدي للإمام الحسین (ع) الذي هو عینه الخط العقائدي‌ لرسول الله (ص) وأهل البیت (ع)، ومن الأبعاد العلمیة لهذا الخط: الولایة لله جل جلاله ولرسوله (ص) والائمة (ع) والمؤمنین جمیعاً، ولجمیع مؤسسات التوحید الثقافیة والاجتماعیة والاقتصادیة‌ والسیاسیة وغیرها، والبراءة من أعداء الله عز وجل والرسول (ص) والائمة (ع)، الطواغیت ومن فكرهم ومؤسساتهم جمیعاً.
  2. التخلق بأخلاق أهل البیت (ع) ونبذ الأخلاق الجاهلیة التي هي أخلاق الطواغیت ائمة الكفر ولأشیاعهم،

وأخلاق أهل البیت (ع) تنقسم إلى قسمین:

  • الأخلاق التي تختص بكمال صفاتهم وبناء ذواتهم المقدسة (ع) وهي موضوع جهاد النفس.
  • الأخلاق الاجتماعیة وهي الأخلاق التي تتعلق بإصلاح وبناء المجتمع وهي موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فالمشاركة في الموكب الحسیني فرصة للقرب المعنوي والروحي من أهل البیت (ع) ولن یتحقق لنا ذلك إلا بالتخلق بأخلاقهم (ع).

أما عن الخطیب والرادود فإني ألحظ مكانتهما من المعزین بأنها بمكانة الإمام من المصلین، فینبغي للخطیب والرادود أن یكونا قدوة حسنة للمعزین وأن یبتعدا عن كل مواطن المظنة والتهمة لكي یستطیعا أن یحدثا في المعزین التأثیر المطلوب.

اكتفي بهذا المقدار والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته.


[1] التوبة: 33

[2] الفتح: 28

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى