خطبة الجمعة | 8-7-1994
الموضوع: العلم والعمل في الاسلام
حمد الله و أثنی علیه و دعا للمؤمنین و المؤمنات بلزوم خط الولایة، ثم عاد الی حدیثه السابق لیكمل شرح الآیة في قول عزّ من قائل: «یا ایها الذین آمنوا هل ادلكم علی تجاة تنجیكم من عذال الیم، تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبیل الله باموالكم و أنفسكم ذلكم خیر لكم ان كنتم تعلمون»
ثم شرع الاستاذ -حفظه الله- بشرح الشطر الأول من الآية الثانیة «تؤمنون بالله و رسوله».
فتكلم في البدایة عن مفهوم الإيمان من حیث دلالته في القرآن الكریم في قوله تعالی «تؤمنون» قال -حفظه الله- إن الإيمان هو العلم مع الالتزام بحیث تترتب علی ذلك آثاره العملیة، فالعلم بغیر عمل لا یسمی إیماناً فمن اعتقد بحیث یحصل له العلم الیقیني بأن الله إله معه، ما لم یترتب علیه مقتضاه من العمل لا یسمی إیماناً لهذا قال تعالی: «واضله الله علی علم» و قال تعالی: «وجحدوا بها واستیقنتها انفسهم» كما هو حال ابلیس علیه اللعنة فهو عالم و معتقد في نفسه بأن الله إله لا إله معه حیث وصل به الامر ان الله عزّ و جل یخاطبه مباشرة في قوله تعالی: «فاخرج منها فانك رجیم» و قوله: «انظرني الی یوم یبعثون» فهل هناك مرتبة أعظم من هذه المرتبة، أن یخاطب الله إبلیس مباشرة لكنه رأس الضلال والكفر والفساد في الارض، و هناك كثیر من بني البشر أبالیساً منهم یعلمون ولكنهم من الضالین والجاحدین والمنكرین لكثیر من الحقائق الالهیة فاضلهم الله علی علم.
إن العمل بغیر علم لا قیمة له كما هو حال المنافق، فهو یعمل أعمال المؤمنین یصلي، یصوم، یزكي، ولكنه من دون اعتقاد لا فائدة من عمله، و هو من أسوء الناس حالاً في جهنم، رغم أنه یعمل أعمال المؤمنین. و أشار إلی أن أحادیث الرسول (ص) و أهل بیته الأطهار (ع) جعلت الإيمان علی ثلاث حالات: علم و شهادة و عمل كما في الحدیث: «الإيمان معرفة في القلب و قول باللسان و عمل بالاركان»، و في مضمون حدیث آخر «الإيمان اعتقاد في القلب و لفظ في اللسان و عمل بالجوارح» و في حدیث ثالث «الإيمان قول مقول و عمل معمول و عرفان في العقول»، و بإمكاننا من خلال هذه الأحادیث أن نصنف الناس إلى خمسة أصناف حسب انتسابهم للإيمان والإسلام وهي:
- المسلم: وهو الذي يعتقد ويشهد سواء عمل أم لم يعمل.
- الكافر: هو الذي لا يعتقد ولا يشهد و عمله غير موضوع في النظر.
- المنافق: هو الذي يشهد و يعمل و لكنه لا يعتقد، ثم قسم المنافق إلى ثلاثة اقسام:
- من يكفر بالإسلام جملة و تفصيلا.
- من يؤمن ببعض الكتاب و يكفر ببعض حسب تعبير القرآن الكريم.
- من آمن ثم كفر.
- الفاسق: هو الذي يعتقد و يشهد ولكن لا يعمل.
- المؤمن: من يعتقد و يشهد و يعمل.
ثم بدأ بشرح تتمة الآية «تؤمنون بالله و رسوله» فقال: إن الإيمان بالله هو الاعتقاد بتوحيد الله و ما شرع من الدين والإيمان بالرسول هو الإيمان بكون الرسول مبعوثاً من الله، أمره أمر الله، لا يتقول على الله، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، و في الآية موضوع البحث تساؤل و نكتة لطيفة إذ قال عز من قائل: «يا ايها الذين آمنوا هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب اليم؟» ثم قال «تؤمنون بالله ورسوله» و هم مؤمنون حسب الخطاب أو النداء في أول الآية، و قد اتجه المفسرون من مدرسة أهل البيت (ع) و مدرسة الخلفاء إلى مذاهب خمسة في تفسير هذه النكتة.
الرأي الأول: قيل إن الخطاب موجه لأهل الكتاب لأنهم مؤمنين بالله ومؤمنين بالكتاب ويجدون وصف النبي مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل، لهذا وجه لهم الخطاب ليؤمنوا بمحمد (ص) كما آمنوا بموسى (ع) و عيسى (ع)، و هذا رأي مستبعد.
الرأي الثاني: إن الخطاب موجه للمنافقين الذين آمنوا بالله و برسوله ظاهراً، فأمرهم أن يؤمنوا في السر والباطن يوافق ظاهرهم باطنهم.
الرأي الثالث: إن المراد هو المداومة على الإيمان و عدم الارتداد أو الانقلاب على الأعقاب حيث إن الإيمان ينقسم إلى قسمين: قسم مستمر و ثابت، و قسم مستودع.
الرأي الربع: إن المراد هو التشجيع والتشويق، يقول الإمام الباقر (ع): قالوا لو نعلم ما هي لبذلنا فيها الاموال والانفس والأولاد، و قال أحد الصحابة لرسول الله (ص): وددت لو أعرف أي التجارة أحب إلى فاتاجر فيها، فهناك تشوق و رغبة من هذا الإنسان المؤمن لمعرفة هذه التجارة ولكي يشجع و يشرح قلب الإنسان المؤمن، ذكر ما هو موجود عنده فقال «تؤمنون بالله و رسوله» و هم مؤمنون!!
الرأي الخامس: إن الإيمان مراتب و درجات و هي قابلة للزيادة والنقصان، ففي أحاديث أهل البيت (ع): «إن الإيمان عشر درجات»، و في أحاديث أخرى سبع درجات، ويمكن أن نفهم هذه الاحاديث بفهمين:
- قول الرسول (ص): «الإيمان علم و عمل يزيد و ينقص» فهو علم والعلم يزيد و ينقص و هو عمل والعمل يزيد وينقص، اذا فالإيمان المؤلف منهما يزيد وينقص.
- أما الفهم الثاني ففي قوله تعالى: «و ما يؤمن اكثرهم بالله إلا و هم مشركون» والفهم من ذلك إن هناك إيمان محض وشرك محض، وبين الإيمان المحض والشرك المحض مراتب و درجات، أو بتعبير آخر إن الإنسان المؤمن من خلال معرفته بالله يتعلق قلبه بالله ويخضع لحقيقة واجب الوجود أما غيره فيتعلق قلبه بالأشياء الفانية كالأموال والأولاد و زخارف الدنيا الفانية.
والإنسان المؤمن الذي تعلق قلبه بالله حقيقة و خضع لحقيقة واجب الوجود تظهر آثار ذلك العملية، ويختلف الأفراد حسب درجات إيمانهم في ذلك، فنجد إنسانا يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، ومع ذلك ترتعد فرائضه إذا أصابته مصيبة، بينما ينبغي أن يكون الإنسان المؤمن كما قال امير المؤمنين (ع): في الهزاهز وقور، و عند الشدائد صبور. كما هو حال الحسين و أصحابه في كربلاء يو9م عاشوراء.
و نجد ايضاً إنساناً يقول: «العزة لله جميعا» و مع ذلك يطلب الدنيا ويذل نفسه عند أبواب السلاطين وأصحاب الثروة وغيرهم، بينما نجد إنساناً مؤمناً يطلق من السجن وترفض نفسه أن يشكر الذي تسبب في إطلاق سراحه حتي يتفرغ في اليوم الأول لشكر الله ولا يشرك به شيئاً ثم يعود في اليوم الثاني ليشكر الشخص الذي تسبب في اطلاق سراحه إلى آخره من الحالات.
ثم قام الأستاذ -حفظه الله- بتوضيح الرابط في الآية بين الإيمان بالله و الإيمان بالرسول (ص) وهو أن الإيمان بوحدانية الله يتعلق تعلقاً جذرياً بنبوة محمد (ص) وإطاعة أوامره ونواهيه لأنه مبعوث من السماء ويعد هذا مجالاً خصباً لبحث الإمامة، فالتبليغ عن الله قائم بعد وفاة الرسول لقوله (ص): «أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي»، أي: أنت في التبليغ عن الله بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، فالتبليغ عن الله بعد الرسول قائم والنبوة منتهية، و قوله (ص) «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما أبداً وإن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، فالهداية بعد الرسول (ص) متوقفة على التمسك بالقرآن و بالمبلغين عن الله و هم أهل البيت (ع)، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، هذا دليل على أن الحاجة إلى التبليغ قائمة إلى يوم القيامة.
ثم انتقل الاستاذ -حفظه الله- إلى الحديث عن قضية الساعة ألا وهي مشكلة البطالة وركز حديثه على ثلاثة محاور:
تكلم في البداية عن تساؤل كثير من الشباب عن موقف العلماء والشباب المثقف من هذه المشكلة، ثم أدلى برأيه قائلاً: «أرى بأن دستور البحرين نظر للعمل نظرة إنسانية متقدمة جداً؛ ففي المادة (13) من دستور البحرين نظر الدستور إلى العمل على أنه شرف وواجب تقتضيه الكرامة الإنسانية والخير العام، في قبال النظرة المتخلفة للعمل على أنه سلعة تباع وتشترى وأنه أحد عناصر الإنتاج الثلاثة: (الطبيعة، رأس المال، العمل) ثم أن العمل حق للمواطن يجب على الدولة والمجتمع أن يوفره له، فإذا كان هذا العمل شرف و واجب وحق حسب هذه النظرة الإنسانية المتقدمة، فإن المطالبة بهذا الحق بالطرق السلمية أمر مشروع و يقبله كل العقلاء بل لا يستسيغون القعود عن المطالبة بهذا الحق، و لا سيما اذا كان هذا الحق حقاً عاماً فكيف بالعمل الذي له آثار جسيمة على أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كالسرقات، الانحرافات الخلقية و تفشي الجرائم والتخلف الفكري والخ…
ثم وجه أنظار الشباب إلى العنف أو التخريب أو أي حركة غير لائقة، لأنه عمل يرفضه منطق العقلاء و يرفضه القانون، ثم إن المطالبة بالحقوق المشروعة كالعمل بالطرق السلمية هو مدعاة لفخر المواطنين بأبنائهم وفخر الحكومة بشعبها وهو دليل على رقي وتقدم أبناء هذا البلد، بعكس الشعوب الغربية التي تدعي التقدم والتحضر وهي عندما تطالب بحقوقها عادة ما يصاحب ذلك الكثير من أنواع العنف أو التخريب، و هنا نحن دول العالم الثالث لما غرسته فينا المبادئ الإسلامية من مثل إسلامية عالية نطالب بحقوقنا بالطرق السلمية المشروعة.
المحور الثاني هو: توجيه للشباب بأن يحافظوا على شرف والعمل حسب النظرة الإنسانية المتقدمة للعمل المتمثل في العمل والالتزام على زيادة القدرة الإنتاجية لأن ذلك ما يقتضيه الشرف في العمل.
أما المحور الثالث للموضوع فهو يختص بالأجور، ففي المادة (13) من دستور البحرين ينص الدستور على توفير العمل مع عدالة شروطه، و من عدالة شروطه أن يكون بأجر يكفل للإنسان الحياة الكريمة، و مقارنة بالأيدي العاملة الوافدة فإن هذا لا يعتبر من عدالة الشروط، لأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تختلف اختلافا تاما مع ظروف الوافد الاجتماعية و الاقتصادية للمواطن، فمبلغ زهيد يرسله الوافد لأهله يكفل له و لأهله الحياة الكريمة بعكس المواطن الذي يعيش في ظروف معيشية صعبة مقارنة بالاجور، فعلى الحكومة أن توفر حداً أدنى للأجور بحيث يكفل العيش الكريم للمواطن.