خطبة الجمعة | 9-6-1994
الموضوع: في میزان عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحیم، الحمد لله رب العالمین، اللهم صل علی محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبینهم في الدنیا والآخرة طرفة عین أبداً، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم
السلام علی الحسین وعلی علي بن الحسین وعلی أصحاب الحسین
السلام علیكم أیها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.
لقد جعلتمونی إماماً في صلاتكم، وخطیباً لكم، ومعنی ذلك أنكم تریدون أن أكون سائقاً أسوقكم إلى الله عزّ وجل وإلى الخیر والسعادة في الدنیا والآخرة، والخجل من نفسي لقصوري وعجزي وفشلي عن بلوغ الغایة أو الهدف الذي تصبون إليه، ولكن الشعور بالخجل یزداد إلى درجة الإحراج في بعض الأوقات، مثل: شهر رمض أن المبارك وموسم الحج وموسم عاشوراء وغیرها؛ ل أن هذه أوقات عظمیة وفرص ثمینة لا تقدر بثمن، وینبغی لل أن س أن المؤمن أن یستثمر هذه الأوقات أیما استثمار من أجل تقدمه في علاقته مع الله عزّ وجل، ومن أجل خیره وسعادته، ولكن یؤسفني أن ي لا أستطیع أن أقدم في مثل هذه المواسم ما تصبون إليه، فعلیكم أن تبحثوا ب أن فسكم عن عظمة هذه الأوقات وبما یجب علیكم أن تفعلوه في هذه الأوقات، واحذروا أن تضیعوا هذه الفرص الثمینة فتصیبكم الحسرة والندامة.
وتذكروا أن أول یوم من المحرم هو أول یوم في السنة، فاعملوا علی أن یكون هذا اليوم هو یوم الطاعات، افتتحوا یومكم بالطاعة لله عزّ وجل، یستحب الصیام في أول یوم من المحرم، والصلاة ركعتین في لیلته بالحمد مرة والتوحید عشر مرات في كل ركعة، واحرصوا علی أن یكون العام كله عام طاعة أیضاً، افتتحوا العام بالطاعة، واحرصوا علی مدأومة الطاعة إلى آخر العام، واحذروا من تكرار المعاصي والذنوب والأخطاء التي ترتكبونها أو ارتكبتموها طوال أعماركم، بل أكثر من ذلك احذروا أن تقفوا أو ترأوحوا في مك أن ك، فلیكن شهر المحرم أو موسم عاشوراء أن طلاقة، أو بدایة ل أن طلاقة في تحقیق تقدم في العلاقة مع الله جل جلاله، لا تراوحوا في مك أن كم، احذروا من المرأوحة في نفس المك أن ، احرصوا علی أن تحققوا التقدم في علاقتكم مع الله عزّ وجل.
موسم عاشوراء هو موسم الصرخة، هو موسم الغضب من أجل الله، عاشوراء هو موسم التضحیة والفداء من أجل الله عزّ وجل، والجود بالنفس أقصی غایة الجود، لا توجد تضحیة أغلی من التضحیة بالنفس، الله عزّ وجل یقول: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[1]، فهو موسم الصدق مع الله، والتضحیة لله عزّ وجل، هو موسم صرخة الغضب من أجل الله عزّ وجل، ولا شك أن الله عزّ وجل ینظر إلى عباده في هذا الموسم نظرة خاصة تتناسب مع حقیقة وطبیعة هذا الموسم، فلنغضب من أجل الله عزّ وجل، واعلموا أن بعض حقیقة ما جری في عاشوراء، أن الذي أن تهك في عاشوراء لیس هو فقط حرمة الحسین (ع)، و أن ما أن تهكت حرمة الله، أن تهكت حرمة النبوة، أن تهكت حرمة الإمامة، أن تهكت حرمة القر أن ، أن تهكت حرمة المقدسات جمیعاً، أن تهكت حرمة ال أن س أن یة، لم تبقی حرمة لم تنتهك في عاشوراء، أن تهكت كل الحرمات في عاشوراء و أن تكت عن علم وعن قصد، یزید وجیش یزید لا یجهلون من هو الحسین ولا یجهلون معنی قتل الحسین ولا یجهلون من هم نساء الحسین (ع)، ولا یجهلون معنی سبي نساء الحسین (ع)، أن تهكوا حرمة الحسین وحرمة نساءه (ع)، وهم یعلمون من هو الحسین (ع)، وماذا یعني الحسین (ع) وإلى من ینتسب الحسین (ع).
یعلمون نسبته إلى الله، ویعلمون نسبته إلى النبوة، ویعلمون نسبته إلى القر أن ولكن اصروا علی أن تهاك حرمة القر أن و أن تهاك كل الحرمات، من أجل ماذا؟ من أجل الدنیا.
وعجباً إذا ك أن یزید قد أن تهك كل هذه الحرمات من أجل الدنیا وملك الدنیا، فلماذا أن تهك جیش یزید هذه الحرمات، من أجل دنیا یزید!! عجباً أن ینتهك البعض حرمات الله من أجل دنیا غیره، الطاغوت ینتهك الحرمات من أجل دنیاه، ولكن اتباع الطاغوت ینتهكون الحرمات من أجل دنیا غیرهم.
هذه الحرمات ما زالت تنتهك إلى هذا اليوم، حرمة الله وحرمة النبوة، وحرمة القر أن وحرمة الإمامة وكل الحرمات والمقدسات تنتهك في الوقت الحاضر، علینا أن نتذكر ذلك فغیبة القائم (عج) دلیل علی أن تهاك هذه الحرمات، غیاب الدولة الإسلامیة دلیل علی أن تهاك هذه الحرمات، تطبیق الدساتیر الوضعیة وغیاب الدستور الإلهي دلیل علی أن تهاك هذه الحرمات، العلم أن یة دلیل علی أن تهاك هذه الحرمات، إیذاء المومنین دلیل علی أن تهاك هذه الحرمات، فعلیكم أن تعلموا ب أن جمیع الحرمات ما زالت تنتهك إلى یومنا هذا، فلیس یزیدٌ فقط أن تهك هذه الحرمات و أن ما طواغیت زم أن نا أیضا أن تهكوا كل هذه الحرمات، علینا أن نتذكر ذلك جیداً.
أن عاشوراء تعني فيما تعني البراءة من الطواغیت فكراً وسلوكاً ومؤسسات، الكفر والبراءة من فكر الطاغوت ومن العلمنة كفكر وكمشروع، والكفر بالسلوك الطاغوتي وبالشخصیة الصاغوتیة سواء شخص الطاغوت نفسه أو الاشخاص الذین تربوا علی الفكر الطاغوتي، أن نكفر بهؤلاء الأشخاص نكفر سلوكهم وقیمهم وبمسالكهم في الحیاة، ونكفر بالمؤسسات الطاغوتیة أیاً ك أن ت هذه المؤسسات ثقافية، فالجامعة الطاغوتیة لیست من جامعتنا والمدرسة الطاغوتیة لیست مدرستنا وأي مؤسسة طاغوتیة ثقافية أو اجتماعیة أو اقتصادیة أو سیاسیة صغیرة أو كبیرة لیست مؤسسة لنا، نحن فقط نؤمن بالله وبالتوحید وولایتنا لله عزّ وجل ولرسوله (ص) وللمومنین ولمؤسسات التوحید، فنحن نوالي فكر التوحید ونوالي الشخصیة الموحدة ونوالي مؤسسات التوحید، عاشوراء تعني ذلك، أن تظار القائم یعني ذلك، القائم وظیفته أن یقضي علی الطاغوت فكر وشخصیة ومؤسسة فإحیاء عاشوراء و أن تظار القائم (عج) یعني الكفر بالطاغوت فكر وشخصیة ومؤسسة والإیم أن بالتوحید فكر وشخصیة ومؤسسة، فمن یكفر بالطاغوت ویؤمن بالله علینا أن نتذكر ذلك جیداً، إحیاء عاشوراء یعني ذلك.
عاشوراء فيها الكثیر من الدروس والعبر، المهم أن نعلم ونحن نعیش عاشوراء أن نكون حریصین علی أن فسنا، الإمام (ع) حینما قُتل لم یقتل من أجل نفسه فحسب، الإمام (ع) ك أن یستطیع أن یصلي ویصوم، یحج ویزكي وهو في سلامة من نفسه، الإمام (ع) لم یعرض نفسه للقتل من أجل أن یصلي أو یصوم أو یزكی أو یحج هو، هو (ع) یستطیع أن یفعل ذلك من دون أن یعرض نفسه للقتل، ولكنه (ع) عرض نفسه للقتل من أجلنا، نحن من أجل أن یبعدنا من أحض أن الطواغیت والضالين المضلین، الهالكین المهلكین، ومن أجل أن نستریح في أحض أن ائمة الهدی الهادین المهدیین (ع) لنحظی بسعادة الدنیا والآخرة، تصوروا أن فسكم لو كنتم في أحض أن الطاغوت ومن أشیاع الطاغوت، كیف سیكون حالكم في الدنیا والآخرة؟ هل بعید علیكم أن تفعلوا ما فعل جیش یزید بالحسین (ع)؟ الحسین إذن لم یقتل من أجل أن یحفظ دینه هو فحسب و إنما من أجل أن یحفظ دیننا نحن، بعض حقیقة تضحیة الإمام (ع) هو أن یبعدنا عن أحضان الطواغیت إلى أحضان ائمة الهدی (ع)، فإذاً فعل الامام الحسین (ع) ذلك من أجلنا فما هو موقفنا نحن؟
عاشوراء هو موسم الصرخة من اجل الله عزّ وجل، هو موسم التضحیة والفداء والذي یرید أن یحيي عاشوراء صادقاً مخلصاً یجب أن تكون له صرخة غضب من أجل الله عزّ وجل، ویجب أن یكون موطئاً نفسه علی ذلك، وسعادة الإنسان أن یكون كذلك، الإمام الحسین (ع) لیس لأنه یضحي من أجل الله عزّ وجل لم یكن نادماً في یوم عاشوراء، الآلام التی تعرض لها الإمام الحسین (ع) لا حصر لها، ضرب السیوف وطعن الرماح والعطش والجوع وصراخ النساء، كل هذه الآلام لا حصر لها، ولكن كیف یصف المؤرخون الروح المعنویة للإمام الحسین (ع) وكیف یصفون تعلق الإمام الحسین (ع) بالله عزّ وجل؟ یقول بعض الرواة أنه كلما اشتد وطیس المعركة اشتد وجه الحسین تلؤلؤاً، وجه الحسین(ع) كان یتلئلئ رغم عطشه ورغم جوعه وآلامه لأنه كان مقبلاً علی الله عزّ وجل، وكانت تترای له أنوار جمال الله وتتكشف له سبحات جلاله فكان مبتهجاً، كان یتألم بجسده، أما روحه فكانت مشدود الملأ الأعلی، وهكذا الإنسان المؤمن إذا كان عمله وجهاده من أجل الله عزّ وجل فالألم والعذاب لا یزیده إلا إقبالاً علی الله عزّ وجل وابتهاجاً وراحة معنویة عالية.
علی كل حال كما ذكرت في البدایة أن موسم عاشوراء من أعظم المواسم والدروس والعبر الموجودة في هذا الموسم، لا تعد ولا تحصی، فلا أعلم كیف أبداً وكیف انتهي.
أرجو أن أكون قد أفلحت في شيء واحد، وهو أن أكون قد نبهتكم إلى عظمة هذا الموسم، وإلى وجوب أن تحسنوا التعامل مع هذا الموسم والاستفاده منه من أجل أن تحققوا التقدم في علاقتكم مع الله عزّ وجل، وتصلحوا أوضاعكم وأوضاع مجتمعكم، فهذا موسم ربح وتجارة حقیقیة مع الله عزّ وجل، وأن الله عزّ وجل ینظر إلى الناس في هذا الموسم من خلال الأجواء التي رسمتها تضحیات الحسین، تأملوا كثیراً في ما جری في عاشوراء، تعرفوا علی أجواءه الخاصة لكي تفلحوا وتحققوا النجاح والفلاح في علاقتكم مع الله عزّ وجل، واحذروا أن تفرغوا الموسم من معناه ومضمونه الحقیقي من أجل الدنیا فتكونوا من الخاسرین والعیاذ بالله.
اكتفي بهذا المقدار والسلام علیكم ورحمة وبركاته
[1] البقرة: 94