خطبة الجمعة | 12-5-1994
الموضوع: صلتنا بالله 2
الحمد لله رب العالمین، اللهم صل علی محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد، واجمع بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبینهم طرفة عین أبداً في الدنیا والآخرة یا كریم، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم
السلام علیكم أیها الأحبة أیها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته
قال تعإلى مخاطباً الرسول العظیم(ص): (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)[1]
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ: الله جل جلاله یخاطب الرسول الأعظم (ص) بقوله: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، والمزمل هو المتلفف في ثیابه، وقد وصفه بذلك لأن الرسول الأعظم (ص) وقت الخطاب كان علی هذه الهیئة، وكان الخطاب ملاطفة من الله عزّ وجل للرسول الأعظم (ص)، وفي هذه الملاطفة دلیل علی عظمة الرسول (ص) لأن الله جل جلاله بجلاله وكماله یلاطفه (ص)، وقد فعل الرسول (ص) ذلك مع أمیر المؤمنین (ع) حینما جاء (ص) وعلي (ع) كان نائماً فخاطبه: «قم یا أبا تراب» إذ كان التراب عالقاً في جسمه (ع) وكانت هذه الكنیة من أحب الكنى إلى نفسه.
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا: الله جل جلاله یأمر الرسول الأعظم (ص) بقیام اللیل، قم اللیل: أي لصلاة اللیل، ویأمره أیضاً بتلاوة القرآن: ورتل القرآن ترتیلاً،والترتیل هو القراءة من التثبت والتدبر وترك الإسراع في القراءة؛ لأن الفرض من تلاوة القرآن، تدبر معانیه ومقاصده والالتفات لأحكامه ومواعظه.
ثم قال: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا، ناشئة اللیل بمعنی الصلاة التي تحدث في اللیل، هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا،أصعب وقعاً علی النفس الإنسانیة، وَأَقْوَمُ قِيلًا،وأقدر علی خلق الاستقامة في نفس الإنسان.
الخلاصة
إن الله عزّ وجل یأمر الرسول الأعظم (ص) بقیام اللیل وتلاوة القرآن الكریم، والهدف من ذلك:
أولاً: إعداد الرسول الأعظم( ص) لكرامة القرب من الله وشرف الحضور واللقاء: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[2].
ثانیاً: تحمل أعباء الرسالة: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)، إنك تحمل أكبر رسالة وتدعو الناس إلى أضخم دعوة، وسیكون لك أعداء وخصوم، لهذا أمرناك بإعداد نفسك، لتحمل أعباء وعناء وآلام الدعوة.
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا، هذا الخطاب موجه إلى الرسول الأعظم (ص) ولأمته، ولا سیما لأصحاب الدعوات والأفكار والمبادئ، إنهم یحتاجون كما یحتاج الرسول (ص) لإعداد النفس وتهیئتها لأمر الدعوة، أمر التلقي والفهم عن الله، وأمر أداء الدعوة إلى الناس.
الرسول الأعظم (ص) امتثل لأمر ربه حتی خاطبه الله جل جلاله: (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[3]، وبقي نحن أتباع الرسول (ص) وشركائه في أمر الدعوة إلى الله عزّ وجل ولدینه الحق (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِ)[4]، فنحن أتباع الرسول في الدعوة، هل قمنا بإعداد أنفسنا وتهیئة أنفسنا للدعوة إلى الله وتحمل أعباءها؟
وبعد أن عرفنا أمر الله جل جلاله لرسوله الأعظم (ص) بقیام اللیل وتلاوة القرآن بقصد إعداده وتهیئته للتلقي عن الله وأداء الدعوة إلى الناس، ماذا یعطینا توثیق الصلة مع الله عزّ وجل من خلال الممارسات العبادیة في طریق الدعوة؟
تعطینا أموراً منها:
أولاً: تربیة الجسم وتهیئته لتحمل المشاق، وبالتالي الصبر والثبات في معترك الحیاة المؤلم (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[5]، وفسّر الصبر بمعنی الصیام.
ثانیاً: الحب، قوله تعالى: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)[6]، وقال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[7]، هذه الصفات العظیمة من أین تحصّل علیها الرسول الأعظم (ص)؟ من خلال الصلة الوثیقه مع الله، وما أحوجنا إلى هذه الصفات في طریق الدعوة.
انظروا ماذا یفعل الحب الصادر من النفوس السامیة الطاهرة، وماذا یفعل هذا الحب من الرحمة والشفقة بالناس، ولا سیما المومنین، وتأثیر هذا الحب في التأليف بین القلوب، ورصّ الصفوف، وبالتالي تطویر العمل الإسلامي ونجاحه في تحقیق أهدافه.
دور هذا الحب في التحلق حول القیادة الإسلامیة الشرعیة وهو شرط من شروط النجاح في تحقیق هذه الأهداف، إننا لن نحصل علی هذه النتائج الطيبة التي أشارت إليها الآیات القرآنیة إلا من خلال الحب الذي یصدر من النفوس الطاهرة الشدیدة والصلة بالله عزّ وجل من خلال الممارسات العبادیة، وما أحوجنا إلى الحب في طریق الدعوة إلى الله عزّ وجل.
ثالثاً: البصیرة والتركیز علی أهداف الرسالة، قوله تعالى: )لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[8]، الله عزّ وجل كلفنا أن نأمر بالمعروف وننهی عن المنكر، ولذلك نحن ملزمون بأداء هذا الواجب والتكلیف الشرعي، ولذلك فنحن ممتثلون لأمره جل جلاله.
(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لعل أمرنا بالمعروف ونهینا عن المنكر لهم یؤثر في نفوسهم وقلوبهم، فتحصل لهم حالة التقوی ثم یغیّروا سلوكهم، وهذا هو هدفنا ولا شك بأن تحقیق هذا الهدف یتطلب توفير بعض الشروط في الأشخاص الذین یأمرون بالمعروف وینهون عن المنكر.
اسأل الله عز وجل أن یمن علینا بأن نوفرهذه الشروط في أنفسنا لنؤدي هذا الواجب المقدس، ونرفع الظلم عن هذه الأمة، ونخرجها من الظلمات إلى النور.
والحمد لله رب العالمین وصلی الله علی محمد وآل الطیبین الطاهرین.
[1] المزمل: 1-6
[2] الإسراء: 79
[3] طه: 1-2
[4] يوسف: 108
[5] البقرة: 45
[6] البقرة: 128
[7] آل عمران: 159
[8] آل عمران: 146