خطبة الجمعة | 5-5-1994
الموضوع: صلتنا بالله
الحمد لله رب العالمین، اللهم صل علی محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد، واجمع بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبینهم طرفة عین أبداً في الدنیا والآخرة یا كریم، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم.
السلام علیكم أیها الأحبة، أیها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ)[1]
في هذه الآیة الشریفة یبین الله لنا حالة المجتمع الذي انقطعت صلته بالله وانحرف عن الدّین، ینتهي به الآمر الضعف والوهن.
القرآن كریم یبین بأن نهایة هذه المجتمعات أما الهلاك وأما العذاب الشدید وضنك العیش، قوله تعالى: (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ – كما حدث مع عاد وثمود وأصحاب نوح وقوم لوط وغيرهم – أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا)[2]، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً)[3].
ما هي العوامل التي تؤدي المجتمعات – غیر المؤمنة أو المجتمعات المنحرفة عن الدین – إلى هذه النتیجة؟
العامل الأول: انهیار البناء الداخلي للفرد غیر المؤمن في هذه المجتمعات:
الإنسان المؤمن عندما یتخلق بأخلاق الله تسمو نفسه وتكون نظرته في الحیاة نظرة جادة وتصرفاته في الحیاة تصرفات مسؤولة، وتكون لهذا الإنسان إرادة قویة جداً، وتكون سلوكیاته سلوكیات حسنة، جمیلة، بنّائة.
الابتعاد عن الله
أما الإنسان الذي تنقطع صلته بالله عزّ وجل، تكون نفسه نفساً خبیثة وساقطة، لأنه یتبع الهوی والشیطان، ویبحث عن المصالح والمنافع المادیة والحسیة، وبالتالي تكون إرادته إرادة ضعیفة، وتصرفاته في الحیاة تصرفات غیر مسؤولة، هذا الإنسان یكون ناشراً للمعاصي والذنوب في المجتمع، فإذا كان أفراد المجتمع كلهم من هذه الفئة، أو أن هذه الفئة هي الغلبة علی المجتمع فما هو حال المجتمع.
هناك ذنوب یكون تأثیرها المباشر علی الفرد نفسه، فالذي یشرب الخمر، أول ما یحطّم نفسه ویعطل طاقته، إلى جانب الآثار السلبیة علی المجتمع.
الزنّا، السرقة، الكذب، الغیبة، النمیمة، الحسد و… الخ، ما هي حالة المجتمع إذا سیطرت علیه هذة السلوكیات؟ هل نرجو لهذا المجتمع الخیر والبقاء والقوة والانتصار؟ أم إن مصیره الوهن والضعف؟
العامل الثاني: ما یتعلق بالمجتمع والقیادة:
القیادة غیر المؤمنة للمجتمع: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)[4]، عندما یتبع الحاكم الهوی وتنقطع صلته بالله عزّ وجل، ویركض وراء المنافع والمصالح المادیة والحسیة، ما هو سلوكه في إدارة الدولة؟ هل سیضع التشریعات والقوانین التي تخدم مصلحة الناس؟ أم أنه سیضع التشریعات والقوانین التي تخدم مصلحته ومصلحة حاشیته والفئة التي تلتف حوله؟
ولو افترضنا وجود التشریعات والقوانین العادلة فما هو الضمان لتنفيذها!
كثیرة هي دساتیر الدول التي نری فيها الكثیر من الإیجابیات، ولكن حینما نأتي للتطبیق، لا شيء؛ لعدم وجود الضمان لتطبیقها.
فما هي النتیجه؟
النتیجة: الظلم السیاسي، والاجتماعي، والاقتصادي و,..
علی الصعید السیاسي: السیاسة المستبدة؛ منع الحریات، التفرد في صیاغة حاضر الأمة ومستقبلها.
فمثلاً: القضیة الفلسطینیة، ترتبط بهویة الأمة وبعقیدتها وتاریخها، الحكام ینفردون في تسویة هذه القضیة بصورة منفردة وبعیدة تماماًعن إرادة الشعوب.
وتكفي نظرة عامة حالة مجتمعاتنا الإسلامیة وغیر الإسلامیة، الحالة الاستبدادیة، حكم المستبد، حرمان الشعوب من حریاتها وحقوقها العامة و… الخ، هذه النتیجة تكون حتمیة وخصوصاً عند انحراف الحاكم عن الدین وانفصاله عن الله عزّ وجل.
علی الصعید الاقتصادي: سوء توزیع الثروة، تكریس الثروة في ید الحاكم وحاشیة الحاكم والفئة التي تلتف حوله.
فحینما تنظر ثروات المجتمعات الفقیرة تجدها كبیرة جداً، ولكن المجتمع یعیش الفقر والحرمان، لماذا؟
الثروة موجودة، ولكن الثروة مكرسة في ید فئة قلیلة جداً، أما الغالبیة العظمی من الناس فهي محرومة من الثروة،لعدم وجود رادع یردع الحكام عن هذه المنكرات، وهذه التصرفات غیر المسؤولة وغیر الأخلاقیة.
بل حتی العمل علی هدر الثروات وتضییعها، انظروا مثلاً الثروة النفطیة، ففي حرب اكتوبر 1973م برزت الثروة النفطیة كسلاح استراتیجي بید المنتجبین (العرب)، – ثم فصّل الأستاذ في هذا الجانب وقال: في أوائل الثمانینات وصل سعر النفط 40 دولار للبرمیل الواحد، اليوم ونحن نعیش 1994م، أهمیة النفط ازدادت والطلب علیه كذلك – لكن النفط بدل أن یكون سلاحاً بید المنتج (العرب)، أصبح بید المستهلك، من المفروض أن یصل سعر البرمیل 100 دولار، ولكنه یصل من 7 إلى 17 دولار، كل ذلك لأن الحكام فرطوا في هذه الثروة من أجل مصالحهم.
علی الصعید الاجتماعي: الظلم الاجتماعي، التفریق والتمییز بین أبناء الوطن علی أساس دیني أو مذهبي أو عرقي، (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا)[5].
– وضرب الاستاذ مثلاً وقال -: الظلم في البوسنة والهرسك، وحتی في المجتمعات الإسلامیة، مثلاً: إصدار الفتاوی بهدر دماء الشیعة، فظلم المسلم السني للمسلم الشیعي أقبح من ظلم الصربي (المسیحي) للمسلم البوسني.
من نتائج الانحراف عن الدین: معاداة الصالحین المصلحین ومحاربتهم، فهذا الحاكم لا یسمع للإنسان الصالح – حتی لو أتبع الطرق السلیمة – بأن یلعب هذا الدور (الإصلاح) فلو سمع له لأخذ بمصالحه، لذلك فهو یحاربهم، كما هو الوضع في الجزائر، ومصر، وتونس.
العامل الثالث: التمزق والتفرق في المجتمع، والحكام یعملون على هذه الحالة، والتي تسبب الانهیار للمجتمع.
من هنا یجب علی الشباب المؤمن أن یلتفت إلى ذلك ویقوم بدوره في المحافظة علی هویة وصلاح المجتمع المسلم واستقامته لكي لا یصل بنا الأمر إلى هذه النتیجة من الانهیار، أو أن یغضب الله علینا وينزل علينا العذاب، وقانا الله ذلك.
والسلام علیكم ورحمة الله وبركاته
[1] العنكبوت: 41
[2] الإسراء: 58
[3] طه: 124
[4] النمل: 34
[5] القصص: 4