خطبة الجمعة | 22-4-1994
الموضوع: حالات الإيمان
اللهم صل علی محمد وآل محمد وارحمنا بمحمد وآل محمد واهدِ قلوبنا بمحمد وآل محمد وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد واجمع بیننا وبین محمد وآل محمد ولا تفرق بیننا وبینهم طرفة عین أبداً في الدنیا والآخرة یا كریم
اللهم معهم معهم لا مع عدوهم، السلام علیكم أیها الأحبة، أیها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته
قال الإمام الصادق (ع): «الإیمان عمل كلّه» هناك حالات للإیمان؛ حالات علمیة سابقة علی مسألة العمل، من هذه الحالات:
الحالة الأولی: حالة التصدیق – وكمثال علیه – النطق بالشهادتین، ولو أن إنساناً نطق بهما یعتبر مسلماً، له ما للمسلمین وعلیه ما علی المسلمین، إلا أن هذا الشخص قد یكون مؤمن بهاتین الشهادتین، وقد لا یكون كذلك، فقد یكون نطقه بها من أجل منفعة ما، وهو غیر مصدق، غیر مقتنع بصحة حاتین الشهادتین، ولكنه نطق بالشهادتین، لیحصل علی الامتیازات في المجتمع الإسلامي من أجل منفعة أو دفع ضرر معین، فهنا یقال له بأنه مسلم ولا یقال له مؤمن لأنه لم یصدق، فيقال له: مسلم منافق، أما المسلم المؤمن فهو الذي ینطق بالشهادتین ویعتقد بصدقهما وصحتهما.
الحالة الثانیة: هي حالة الإذعان، وهي حالة معاكسة إلى الحالة الأولی، وقد أشار الله لها بقوله: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ)[1]، فلو فرضنا أن إنساناً مسیحیاً أو یهودیاً أو بوذیاً نظر مثلاً إلى القرآن وأعتقد من خلال الدلیل والنظر بأن القرآن منزل من الله، وأن محمد نبي للأرض، فهو هنا یعتقد بصدق النبوة ولكنه لا یقر ذلك، ولكن من أجل مصلحة معینة فهو ینكر ولا یقر بصدق هاتین الشهادتین (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).
الحالة الثالثة: من حالات الإیمان الاهتداء إلى الصراط المستقیم، من أجل بیان ذلك نری بأن المسلمین بعد الرسول الأعظم (ص) تفرقوا واختلفوا إلى ثلاثٍ وسبعین فرقة، وسواء صحّ هذا الحدیث أم لم یصح، فتفرق المسلمین واختلافهم حقیقة واقعیة قائمة ولا یمكن إنكارها.
من جهة ثانیة الصراط المستقیم لا یكون إلا واحداً (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[2] أو (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)[3] فالصراط المستقیم یمثل الهدی، وخلافه یمثل الضلال.
فالذي لا یهتدي إلى الصراط المستقیم یكون ضالاً؛ والضلال خلاف الإیمان، فلا یكون الإنسان مؤمناً، إلا إذا كان مهتدیاً إلى الصراط المستقیم وممسكاً به، فإذا ضلّ عن الصراط المستقیم لا یكون مطیعاً، ولهذا نجد -مثلاً – في كتب فقهاء الشیعة، وأیضاً في أحادیث أهل البیت صلوات الله والسلام علیهم إنهم یطلقون علی الشیعي مؤمن وعلی غیر الشیعي مسلم لأن الشیعي اهتدی إلى الصراط المستقیم لقول الرسول (ص): «إني مخلف فيكم الثقلین كتاب الله وعترتي أهل بیتي، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما». فالتمسك بالقرآن وأهل البیت صلوات الله علیهم عاصم للإنسان من الضلال ومن ثم یتحقق له الإیمان.
إذن فالإیمان ملازم للهدی، ولا یكون الضال مؤمناً.
الحالة الرابعة: هی الحالة إلى أرید أن أقف عندها (العمل)، «الإیمان عمل كلّه» وفي حدیث آخر للإمام الصادق (ع): أنه إقرار باللسان وعقد في القلب (أو تصدیق بالقلب بروایة أخری) وعمل بالأركان (أو عمل بالجوارح)، العمل بالأركان أو العمل بالجوارح، لیس فقط كما یفهم البعض بأنه الصلاة والصیام، والحج والزكاة والخمس، كل هذه الأمور مطلوبة وصحیحة حیث لایكون الإنسان مؤمنا ‘ذا لم یصلِ أو لم یصم، أو إذا زنا أو سرق، فالإیمان ترك المعاصي والعمل بالواجبات، هذه حالة صحیحة؛ لكن الإیمان كعمل یمتدّ إلى أكثر وأعمق من ذلك بكثیر؛ لأن الإیمان منهج حیاة، فمثلاً حینما نری مجتمعاً یسوده التمزق والتفرق والخلاف، هل هذه الحالة الاجتماهیة من الإیمان؟ هل یكون المجتمع المؤمن مجتمعاً مؤمناً متفرقاً؟
یقول الله عز وجل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[4]، فالاعتصام بحبل الله – وهو تعبیر عن الإیمان -مخالف تماماً إلى التفرّق: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[5]، أما إذا وجدنا الصراعات والنزاعات والخلافات في المجتمع، فإن هذه الظواهر لیست من الإیمان في شيء، فالمجتمع المؤمن مجتمع متماسك، متلاحم، مجتمع تسوده المحبة والأخوة والتعاون.
ولا یعني هذا عدم وجود الخلافات في وجهات النظر، أو اختلاف في البیت – مثلاً – ولكن ینبغي علیهم أن یسلكوا الطریق الصحیح لحل النزاعات، وحینما یسلكون الطریق الصحیح لحل النزاعات، یرتفع الأثر السلبي لهذه النزاعات والاختلافات، ولا تترك آثار الهدم أو التصدع في المجتمع.
ففي مجتمع الرسول (ص) كان المسلمون یختلفون في ملكية أرض أو نخیل، حتی إن الإمام علیاً (ع) یختلف مع یهودی حول ملكية درع، ولكن كانوا یحلون هذه الخلافات بأساليب شرعیة صحیحة، تمنع التصدع في المجتمع، هذا هو الجانب السلبي.
أما الجانب الإیجایي في القضیة هو التعاون والمحبة، یقضي بعضهم حاجات البعض الآخر، الغني یقضي حاجة الفقیر، العالم یقضي حاجة الجاهل، وهكذا.
فالجانب السلبي أن لا عداواة، لا تنازع، أما الجانب الإیجابي فهو التعاون والمحبة، وإدخال السرور علی قلوب المؤمنین.
فإذا لم توجد هذه الحالات في المجتمع المؤمن، فمعنی هذا أنه لم یعمل بقول الإمام الصادق (ع): «الإیمان عمل كلّه»، من الحالات الأخری التي تتعلق بالعمل: حالة التخلف، هل یمكن أن یكون المجتمع المؤمن مجتمعاً متخلفاً؟
ذكرت في الأحادیث السابقة أن الله عزّ وجل یتجلی للناس من خلال الشخصیة الإسلامیة، ومن خلال المجتمع المؤمن، لماذا؟ لأن الإنسان المؤمن یتخلق بأخلاق الله، المجتمع المؤمن أیضاً من مظاهر أسماء وصفات الله عزّ وجل، أليس المجتمع المؤمن یتربی وینتهج نهج الإسلام ونهج الحق والتوحید، فوظیفته أن یجسد صفات الله فيه، صفات العلم والقدرة والرحمة والعطاء و…، كل هذه من صفات الله تتجسد في المجتمع المؤمن، ولهذا لا یمكن أن یكون المجتمع حقیقة مجتمعاً متخلفاً، المجتمع المؤمن یجب أن یكون متقدماً متطوراً (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)[6]، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)[7].
وكل مظاهر التخلف هي مظاهر مخالفة للإیمان، سواء كان علی مستوی الأفراد أو مستوی المجتمع المؤمن، بل نستطیع أن نقول إن النهج الإیماني یستطیع أن یوجد حالة التقدم وحالة الرقي من خلال الإمكانیات الضعیفة.
الرسول الأعظم (ص) ما أوجد صناعات جدیدة، فكانت الزراعة والرعي هی حرفته، لكنّه خلق من المدینة مجتمعاً قویاً، مجتمعاً متطوراً؛ لأنه رتب أوضاع هذا المجتمع وحل مشاكله من منطلق المنهج الإیماني.
فالإمكانیات هي هي، ولكن لما أن تغیر المنهج، وتغیرت المنطلقات في معالجة المشاكل، تطور المجتمع.
فالمنهج الإیماني یستطیع أن یخلق التقدم والرقي حتی من الإمكانیات القلیلة، فكیف إذا وجدت الإمكانات الكبیرة، كما هو الحال في المجتمعات العربیة والإسلامیة.
لا توجد بلاد أكثر ثروة من البلدان والمجتمعات الإسلامية، ولكن انظر إلى التخلف السیاسي والاقتصادي والاجتماعي، تبعیة اقتصادیة وتبعیة سیاسیة، وتبعیة ثقافية و… الخ من أشكال التبعیات، هذا دلیل علی أن هذه الدول واقفة بعیداً عن المنهج الإیماني في حل مشاكلها ومعالجة قضایاها.
ومن الإیمان أیضاً الدعوة إلى الله عزّ وجل، بوصف أن الدعوة إلى الله تمثل النهج السلیم لرقي المجتمع وتطوره، ومن الإیمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي یعني فرض الرقابة الاجتماعیة علی من لا یكون مستقیماً، استقامة تحفظ مكانة المجتمع المؤمن.
والحمد لله رب العالمین.
[1] نمل: 14
[2] الفاتحة: 6-7
[3] الأنعام: 153
[4] آل عمران: 103
[5] الأنفال: 46
[6] الأعراف: 157
[7] الأنفال: 60