خطبة الجمعة | 8-4-1994

الموضوع: جانب من حیاة الامام صادق(ع)

الهم صل علی محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبین محمد وآل محمد، واجمع بیننا وبین محمد وآل محمد، ولا تفرق بیننا وبینهم فی الدنیا والآخرة، اللهم معهم معهم لا مع عدوهم

السلام علیكم أیها الأحبة أیها الأخوة في الله ورحمة الله وبركاته

فی البدایة أعزي صاحب العصر والزمان أرواحنا لمقدمه الفداء، وأعزي المؤمنین والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها بوفاة الإمام العظیم ناشر علوم أهل البیت الإمام الصادق (ع)، بهذه المناسبة سوف نأخذ درساً من حیاته الشریفة الحافلة بالدروس والعبر، وقد اخترت موضوعاً يتصل بالبحوث التي تحدثت عنها في الأسابیع الماضیة.

توفی الإمام الصادق (ع) عن عمر یناهز الخامسة والستین أو الثامنة والستین، منها أربعاً وثلاثین عاماً مدة إمامته (ع)، وقد عاصر الإمام الصادق (ع) فترة انهیار الخلافة الأمویة وقیام الخلافة العباسیة تحت شعار الدعوة للرضا من آل محمد وعلي علیهما السلام.

وقد عاش الإمام الصادق (ع) كما تدل الكثیر من الروایات، یری ببصیرته الثابتة ما سوف یؤول إلیه حكم بني العباس، وقد جاءه الكثیر من القادة السیاسیین والعسكریین في البلاد الإسلامیة یدعونه إلی الثورة واستلام الحكم وكان یرفض ذلك.

والسؤال لماذا رفض الإمام ذلك في هذه الفترة العصیبة؟ الحكم الأموی ینهار، الأمة متشوقة لأن ترى أهل البیت علی منصة الحكم، بحیث أن الدولة العباسیة وأحد أهم أسباب نجاحها هو الدعوة للرضا من آل محمد وعلي (ع)، فلماذا لم یتصدی الإمام (ع) للثورة وبعد ذلك یتسلم زمام الحكم في البلاد الإسلامیة؟

في سبیل أن یكون البحث أكثر وضوحاً فإني أجیب على لسؤال من خلال التعرض علی وظائف الإمام في الحیاة الاجتماعیة.

الإمام كالرسول، یمارس ثلاث وظائف فی الحیاة الاجتماعیة:

الوظیفة الأولی: التبلیغ عن الله عزوجل قوله تعالی: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)[1].

الوظیفة الثانیة: إعطاء الأسوة الحسنة والقدوة الحسنة من نفسه للناس فی الدین: (لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ).

الوظیفة الثالثة: الحكم والقضاء، قوله تعالی: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).

علی أن التبلیغ عن الله والأسوة الحسنة تعتبر وظیفة واحدة، فكأننا نقول بأنها التبلیغ عن الله؛ فنقول التبلیغ بالقول والتبلیغ بالفعل، والأسوة الحسنة هي تمثل السنة الفعلیة، ونستطیع أن نقول بأن الوظائف وظیفتین بین وظیفة التبلیغ وبین وظیفة الحكم والقضاء.

وظیفة التبلیغ تمثل ملاك العبودیة لله عز وجل، بمعنی آخر لا یستطیع الإنسان أن یعبد الله العبادة الصحیحة إلا إذا قام الأنبیاء والائمة بوظیفة التبلیغ، وإذا لم یقم الائمة بالوظیفة هذه، لا یستطیع الإنسان أن یعبد الله العبادة الصحیحة.

ولهذا فوظیفة التبلیغ عن الله بشقیها – بالقول والفعل – غیر قابلة للتخلف، بمعنی آخر إنه یجب على الإمام والرسول أن یمارس وظیفة التبلیغ عن الله في كل وقت وفي كل مكان حسب مقتضیات الحكمة حتی لا یكون للناس علی الله حجة بعد الرسل.

أما وظیفة الحكم والقضاء فهما حق للإمام وواجب علی الإمام، یعني من جهة هي حق للإمام، أي الإمام أو الرسول الحاكم الشرعي أو القاضی الشرعي ومن جهة أخرى یجب علی ذلك.

ولكن متی یجب علیه؟ یجب علیه ذلك بشرط إذا أمكنته الأمة من ذلك، یعني لو أن الأمة لم تمكن الرسول أو الإمام من الحكم، فهل یأثم الإمام إذا لم یمارس الحكم والقضاء؟ فهذا الواجب یتوقف علی تمكین الأمة له في الحكم والقضاء، ومع عدمتمكين الأمة يبقى له الحق ویسقط عنه الواجب، ولكن لیس معنی ذلك أن الإمام لا يعمل في سبيل استلام الحكم والقضاء، ولكن بشرط أن لا یتعارض عمله من أجل استلام الحكم والقضاء مع وظیفة التبلیغ، فیسقط عنه العمل من أجل الحكم والقضاء، ویبقی العمل من أجل التبلیغ وهو المقدم وذلك لسببین:

السبب الأول: هو أن وظیفة التبلیغ ملاك العبودیة لله، فإنه إذا لم تتم عملیة التبلیغ، فإن الإنسان المؤمن لا یستطیع أن یعبد الله العبادة الصحیحة، لهذا یجب التبلیغ أولاً، لكن لو لم تكن الحكومة الاسلامیة، فنعیش في دولة الكفر مثلاً، المسلمون في المكة لم یكونوا یعیشون في ظل الحكومة الإسلامیة، لكنهم كانوا یعبدون الله العبادة الصحیحة فی ظل تبلیغ الرسول عن الله عز وجل.

المسلم الآن فی أمریكا أو روسیا أو فرنسا، وفي عموم العالم العلماني فی غیر الحكم الإسلامي یستطیعون أن یعبدوا الله العبادة الصحیحة، لكن لو لم يكن هناك تبليغ لا يتمكن الإنسان المؤمن أن يعبد الله العبادة الصحيحة، هذا هو السبب الاول.

السبب الثاني: إذا أتم الائمة أو قام الائمة علیهم السلام بمسؤولیة التبلیغ عن الله، یستطیع المؤمنون أن یتحركوا أو یعملوا فی سبیل إقامة الدولة وذلك بعد أن یعبدوا الله العبادة الصحیحة كما حصل في إیران مثلاً.

الأطروحة الإسلامیة موجودة، الإسلام فی الساحة موجود، یأتي فقیه جامع للشرائط أو یأتي مجموعة من المؤمنین فیقیموا الدولة الإسلامیة.

لكن عملیة التبلیغ لو لم تتم هل یمكن إقامة الدولة؟ لا یمكن طبعاً، العكس لو أن الائمة أقاموا الدولة الإسلامیة، هذه الدولة قابلة للسقوط، حكومة الرسول سقطت، دولة الرسول سقطت، حتی لو اعتبرنا أن خلافة الخلفاء الراشدین امتداداً لدولة الرسول لنستطیع أن نقول إن الخلافة الأمویة والخلافة العباسیة أو العثمانیة هی امتداد.

سقطت دولة الرسول، سقطت دولة الإمام علي الإسلامیة، فلو أن الائمة علیهم السلام أقاموا الدولة الإسلامیة علی حساب عملیة التبلیغ عن الله بعد ذلك، هل یمكن أن یعبد الله العبادة الصحیحة أو هل یمكن للمؤمنین أن یقیموا الدولة الإسلامیة؟ لا یوجد الإسلام الصحیح لعدم قیام الائمة بعملیة التبلیغ.

ولهذین السببین تعتبر وظیفة التبلیغ مقدمة علی وظیفة إقامة الحكومة الإسلامیة، حینما نأتي إلی ظروف الإمام صادق (ع)، بإجماع المؤرخین أن ظروف الدولة عصیبة جداً، فلو افترضنا أن الإمام توجه لإقامة الدولة الإسلامیة ونجح فی إقامتها، هل من المتوقع أن تكون هذه الدولة دولة مستقرة أم إن الأزمات الداخلیة سوف تعصف بدولة الإمام الصادق (ع) كما عصفت بدولة امیرالمومنین (ع) وانشغل بالحروب وبالفتن وتنتهي.

فبماذا یستفید المومنون بعد ذلك؟ لكن انظر حینما توجه الإمام (ع) إلی عملیة التبلیغ عن الله، فتوفر للمؤمنین الإسلام الصحیح وتمكنوا من عبادة الله العبادة الصحیحة، وأن یعملوا علی إقامة الدولة الإسلامیة.

فالإمام الصادق (ع) استثمر هذه الفترة، فترة انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، ونشر علوم أهل البيت (ع).

وأصبحت العلوم التي نشرها الإمام (ع) تمثل الركیزة الأساسیة لمدرسة أهل البیت لأنه لم یتح لأي إمام ما أتیح له (ع)، لهذا سمي الشیعة الاثنی العشریة بالجعفریة.

 فالآن نحن ندرك أن الفائدة الحقیقیة للمسلمین هي القیام بعملیة التبلیغ من الامام (ع)، ونتوصل إلی ثلاث نتائج أساسیة:

الأولی: أهمیة الدعوة إلی الله ببصیرة، فالتخبط لا ینفع الدینن فینبغي تشخیص الأهم والمهم.

الثانیة: إن الإمام الصادق كسائر الائمة علیهم السلام لیست لدیهم شهوة الحكم وإنما هم ائمة بررة.

الثالثة: إن الإمام الصادق والائمة جمیعاً (ع) لا یعملون فقط لزمانه، وإنما عمله مؤثر ومصلح للمسیرة الإسلامیة وتاریخها الطویل، فهو من ذلك الوقت إلی الآن یصلنا عمله ونستفید منه، وكل ذلك بفضل بصیرته الثاقبة، وهناك من یبصر بمستوی مكانه وزمانه المحدودین، وهناك من لا حدود في بصیرته للزمان والمكان، ویعطی العطاء حتی یرث الله الأرض ومن علیها.


[1] النساء: 59

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى