خطبة الجمعة | 1-4-1994

الموضوع: صراع الإسلام ضد خصومه

صراع الإسلام ضد خصومه علی محاور كثیرة، ولكن المحور السیاسي والفكري في الوقت الحاضر یعتبر شاملاً جمیع أفراد الأمة، ففي الوقت الحاضر لا یوجد فرد مسلم واعي متحمل لمسؤولیاته الدینیة، لیست له مشاركة في صراع الإسلام ضد المحورین السیاسي والفكري في الوقت الحاضر.

ولا أرغب أن أبحث نفاصیل الصراع علی المحورین، وإنما أكتفي بتناول مسألتین فحسب، هما:

  • أهمیة المحور الفكري في الصراع بالمقارنة مع المحور السیاسي.
  • خصوصیة المرحلة الراهنة في الصراع علی المحور الفكري.

مع توضیح بعض الواجبات علی المؤمنین في الصراع:

أولاً: أهمیة المحورالفكري في الصراع:

  1. الصراع علی المحور السیاسي مهم جداً، وبه نحفظ للإسلام وجوده وسیادته، وللمسلمين حقوقهم ومصالحهم، إلا أن الصراع علی المحورالفكري یمثل جوهر صراع الإسلام ضد خصومه، وبه تمتد هویة المسلمن في الصراع الحضاري الشامل، وبدونه یبقی المسلمون بدون هویة في صراعهم ضد خصومهم، والخلاصة: إن الفكر یمثل الأرضیة التي یقوم علیها الصراع الحضاري الشامل، ومنه یستمد الصراع السیاسي قیمته وإلیه تعود ثماره.
  2. الصراع علی المحور الفكري یمثل الصراع ذو النفس الطویل والأفق الأوسع، وذلك لأنه صراع تاریخي متصل الحلقات، ‌لا تكاد تخلو منه مرحلة من مراحل صراع الإسلام ضد خصومه في أي بقعة من الأرض، ولأنه یمثل جوهر الصراع كما مر سابقاً.

ومن جهة ثانیة: فإن الصراع الفكري یتناول جزئیات وتطورات الحیاة الفكریة للإنسان.

  • یعتبر الصراع الفكري هو المقیاس الأدق في قیاس مدی التقدم أو الثبات أو التأخر في مسیرة الأمة الإسلامیة المباركة، فقد تحدث عملیة تصعید في عملیة الصراع علی الصعید الفكري أو السیاسي نتیجة استفزاز مشاعر المسلمین مثلاً فیحصل بعض التقدم إلی بعض الوقت، تحصل بعدها حالة استقرار أو هدوء تعود فیه الأمة إلى وضعها الطبيعي فتقف عند الحد الذي وصل إليه مستوى وعیها الفكري، وعلیها فالصراع الفكري هو المقیاس الأدق كما ذكر.
  • إن ما ذكر سابقاً لا یعني أبداً التخلي عن الصراع علی المحور السیاسي أو التقلیل من أهمیته، فقد ذكرت سابقاً أهمیة الصراع علی المحور السیاسي، إنما نعني ما یلي:
  • أن یسیر الصراع علی المحورین الرئیسیین جنباً إلی جنب في نظرة شمولیة إلی الإسلام وساحة العمل أو الصراع.
  • إعطاء الأولیة والأهمیة الأكبر للصراع علی صعید المحور الفكري للأسباب السابقة.

ثانیاً: خصوصیة المرحلة في الصراع علی صعید المحور الفكري:

  1. لقد عشنا في عقود الخمسینات إلی السبعینات أطروحات مثل الإسلام الرأسمالي والإسلام الاشتراكي، والإسلام الدیمقراطي و…الخ، من الأطروحات التي تحاول أن یضفي علی الإسلام صفة عصریة على حساب أصالة استقلالیة الفكر الإسلامي، وذلك نتیجة مركب النقص الذی تعیشه الأمة بفعل الهزائم التي تعرضت إلیها والتخلف الثقافي والسیاسي والاجتماعي والاقتصادي في المجمتع الإسلامي، وقد تبددت هذه الأطروحات بالجهاد الفكري والعلمي لشخصیات إسلامیة مفكرة مثل: حسن البنا وسید قطب وعبدالقادر هودة في مصر، والسید الصدر ومحمد أمین زین الدین، وفضل اللّه، وعبد الهادي الفضلي في العراق، والشیخ المطهري وبهشتي والخامنئي في إیران و…الخ، وانتهت حقبة السبعینات ولا سیما بعد قیام الجمهوریة الإسلامیة في إیران، والأمة تمتلك شعوراً عمیقاً بأصالة الفكر الإسلامي.
  2. كان صراع الإسلام الفكري ضد الشیوعیة صراع من أجل أساسیات الفكر الإسلامي والدین عموماً، وبسقوط الشیوعیة ترسخت أساسیات الفكر الإسلامي والدیني لا سیما وإن العلمانیة لا ترفض هذه الأساسیات أو لا تحاربها وتعترف للفرد بحقه في العبادة.
  3. الیوم وبعد سقوط الشیوعیة مركز الصراع ضد العلمانیة أو الرأسمالیة، ویمتاز الصراع الفكري ضد العلمانیة بأنه صراع من أجل تفاصیل النهج الإسلامي لتنظیم حیاة الإنسان؛ لأن العلمانیة تعترف بالجانب اللاهوتي للأدیان (علاقة الفرد بربه) وتجعل تنظیم شؤون الحیاة الاجتماعیة من حق الحاكم ولا علاقة للدین به.

وعلیه: فإن الصراع ضد العلمانیة صراع متقدم جداً لأنه یتناول تفصیل النهج الإسلامي لتنظیم حیاة الإنسان، ومثلما أثمر الصراع في المرحلة الأولى في تنمية الوعي بأصالة الإسلام، وفي المرحلة الثانیة ترسیخ الإیمان بأساسیات الإسلام والدین، فإن الثمرة المرجوة من الصراع في مرحلته الثالثة ترسیخ وتعمیق الوعي بتفاصیل المنهج الإسلامي المبارك في تنظیم حیاة الإنسان وقیادته نحو الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة، ویعتبر هذا بمثابة التمهید الفعلي لظهور القائم (عج) لحاجة الظهور الوعي بتفاصیل المنهج الإسلامي لدی القیادة والجماهیر.

ثالثاً: ماذا ینبغي علی المؤمن فعله لمواجهة المرحلة في الصراع الفكري.

  1. الاهتمام بمشكلات العصر والمجتمع والجدید في الفكر ودراستها وتحلیلها والبحث عن الحلول والمعالجات التفصیلیة لها من وجه نظر الإسلام لا أن ندیر لها ظهورنا.
  2. كتابة البحوث والدراسات في هذا المضمار.
  3. تنشیط عملیة التعلم والتعلیم للجدید في الفكر الاسلامي.

وأتذكر بهذا الصدد قول الإمام الحسین (ع) – بما معناه -: «من خرج معنا استشهد ومن تخلف عنا لم یدرك الفتح» فإن هده المرحلة تقترب ببعض خصوصیاتها من ذلك القول الشریف، فمن تصدی بجد وإخلاص للعمل الإسلامي في هذه المرحلة، فإن نصیبه المعانات وتعب الأعصاب، وربما أكثر من ذلك، ومن تخلّف شرف الفتح العظيم بدك حصون الكفر العالمي والتمهید لعصر الظهور، وفي نفس الوقت فإن تخلفهم سوف یزيد من معانات أخوانهم المؤمنین، تماماً كما حصل لأصحاب الحسین (ع) حیث انتهت معاناتهم بالشهادة المأساوية، نعم لقد انتهى الأمر بین شرف الشهادة وخزي وعار التخلف عن النصرة.

اكتفي بهذا القدر والسلام علیكم ورحمة اللّه وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى