خطبة الجمعة | 21-12-2001

الخطبة الدينية: (ادفع بالتي هي أحسن) رؤية قرآنية للعلاقات الاجتماعية والسياسية

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين * ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم *) صدق الله العلي العظيم.

(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) هذه الفقرة من الآية تدل على وجوب الدعوة إلى الله، أي الدعوة إلى توحيده وطاعته، وتعد الدعوة إلى الله أفضل دعوة في العالم وأنفعها إلى الناس، وهذا في حد ذاته يعد تشريفا وتفخيما للدعاة الذين يحملون أفضل وأنفع دعوة في العالم، وفي نفس الوقت يعد اضطلاع الدعاة بالدعوة وقيامهم بها دليل على وعيهم الإيماني العميق، وإحساسهم الكبير بالمسئولية تجاه الغير.

(وعمل صالحا) الآية بعد أن أكدت وجوب الدعوة إلى الله توضح في هذه الفقرة بعض أهم صفات الدعاة إلى الله، ومن هذه الصفات (عمل صالحا)، وكما أن الإيمان العميق والإحساس بالمسئولية أنتج الدعوة وحظ الإنسان المؤمن على تحمل أعبائها، فهو يثمر وينتج العمل الصالح، واتصاف الدعاة بالعمل الصالح له أهمية كبيرة لأنه يعطي المصداقية لهم، ويجعلهم يعملون ويعنون ما يقولون لأن الداعية يعني ما يقول ويعمل به، وفعله يصدق قوله، فهو لا يخالف بعمله ما يقول. هذه المصداقية تجعل لقول الداعية أثرا وحرارة في النفوس لتنفذ كلماته إلى قلوب الناس فيسمعونه باهتمام ومتابعة، أما لو كان فعله يخالف قوله، فهذا الداعية يفقد مصداقيته ولا يكون لقوله أثرا في نفوس الناس.

الصفة الثانية التي تبينها الآية الشريفة للدعاة: (وقال إنني من المسلمين)، بمعنى التسليم لله -عز وجل -وللحق، ويذكر علماء التفسير أربعة أقوال في تفسير هذه الفقرة من الآية:

القول الأول: أن هذا القول يدل على سلامة العقيدة الناتجة عن التسليم المطلق للحق والتجرد له، ونستطيع القول: أنها تدل على السعي والحرص الكبير على تصحيح العقيدة، فهو وبشكل دائم حريص على مراجعة مستمرة لعقيدته وحريص أيضا على سلامة واستقامة هذه العقيدة.

القول الثاني: أن هذا القول يدل على الالتزام العملي بالإسلام في كل جوانب الحياة حتى في مشاعره، فهو يحب ويبغض من أجل الله، ويقيم العلاقات ويهدمها على أساس علاقته بالله -عز وجل -، وبالتالي فكل أفعاله نتيجة لإسلامه.

القول الثالث : أن هذا القول يدل على الإعلان الكلامي بحيث يعلن ويصدع بإسلامه كما فعل بلال الحبشي حيث تشير بعض الروايات أن الآية نزلت فيه حين صدع بإسلامه ، والإعلان الكلامي عن الإسلام له أهمية كبيرة بالنسبة للدعاة ، لأن الإعلان الكلامي فيه تحصين وصيانة للإنسان الداعية ، فالإنسان الداعية ومن خلال علاقاته الاجتماعية وتعاطيه السياسي مع بعض القضايا واتصالاته مع مختلف الأطراف قد يضعف ويلين ويداهن ويطلب كسب رضا هذه الأطراف والتيارات والخطوط المختلفة وذلك على حساب الحقائق الإيمانية ، فيتساهل ويتسامح في توضيح الحقائق الإيمانية في سبيل أن يكسب ود واحترام التيارات المختلفة ، بينما إذا أصر على طرح وتوضيح الحقائق فقد يؤدي إلى تعقيد بعض العلاقات الاجتماعية والسياسية ، ويتهم بالتعصب ، فإذا أعلن عن إسلامه والتزامه المطلق بالدين ، فبهذا الإعلان الكلامي يحصل على تحصينه من الضعف والمداهنة في الدين ، وليس معنى ذلك أن لا تكون له علاقات جيدة مع مختلف الأطراف ، بل يجب أن تكون له علاقات جيدة ولكن ليس على حساب الحقائق الإيمانية والمصالح الوطنية ، فهو يقيم علاقات مع مختلف الأطراف مع التمسك بالحقائق .

ونستطيع أن نقسم الناس بالنظر إلى هذه القول إلى أربع فئات: –

الفئة الأولى: فئة المنافقين التي لا تؤمن بمبدأ ولا دين، ولا تفكر إلا في مصالحها، وهي بطبيعة الحال تغير وتزيف وتتخلى عن الحقائق الدينية في سبيل هذه المصالح والعلاقات.

الفئة الثانية: الذين يفعلون ذلك نتيجة نقص المعرفة، فليس في أنفسهم نفاق، ولا يعملون من أجل مصالح بعينها يتاجرون من أجلها بالحقائق الإيمانية والمصلحة الوطنية العامة، وإنما هم ممن يجهلون الحقائق ولا يملكون وضوحا في الرؤية حول بعض المفاهيم، وحينما يقدمون بعض التنازلات على حساب الحقائق الإيمانية فيفعلون ذلك نتيجة جهل وعدم معرفة.

الفئة الثالثة: فئة المؤمن الضعيف، فهؤلاء لديهم إيمان بالمبادئ، ولديهم النية الكافية للالتزام بها، ولكنهم ضعاف ولا يمتلكون النضج النفسي الذي يهيئهم لطرح هذه الحقائق والصدع بها وتحمل مسئوليتها.

الفئة الثالثة: فئة المؤمن القوي، وهو من يمتلك الإيمان، ولديه النضج النفسي لطرح الحقائق الإيمانية واتخاذ المواقف الصحيحة وتحمل مسئولية مواقفه كما في الحديث الشريف: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير).

القول الرابع: (وقال إنني من المسلمين)، وهو معنى سلبي في تفسير هذا القول، فحينما يقول الإنسان أنني من المسلمين؛ فمعنى ذلك أنه لا ينتمي لأي محور غير إسلامي، ولا يحمل أو يطرح أي أطروحات أو توجهات أو أفكار غير إسلامية، وإلا كيف يكون مسلم؛ وبالتالي فهو يقول: أنه لا ينتمي إلا إلى الله.

(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن؛ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هذه الآية تقدم لنا قاعدة ذهبية عظيمة في الدعوة إلى الله، وفي العمل السياسي وساحة الصراع. (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) الحسنة في نفسها، والحسنة في قيمتها، والحسنة في تقبل الناس لها وتأثرهم بها لا تستوي مع السيئة. فالحسنة في نفسها جميلة، والسيئة في نفسها قبيحة، الحسنة في قيمتها عظيمة ونافعة، والسيئة حقيرة وضارة، الحسنة يتقبلها الإنسان السوي ويتأثر بها، والسيئة ينفر منها الإنسان السوي ويتجنبها، وهنا الحسنة والسيئة تشملان كل ما يدخل في شأن الدعوة والعمل السياسي والصراع من فكر وخصال وأقوال وأفعال، فهناك أفكار حسنة وأخرى سيئة، وهناك خصال حسنة وأخرى سيئة، وهناك أقوال حسنة وأقوال سيئة، وهناك أفعال حسنة وأفعال سيئة.

(ادفع بالتي أحسن) وفي آية أخرى (ادفع بالحسنة السيئة) ما دامت الحسنة لا تستوي مع السيئة؛ فالله -عز وجل -يأمرنا أن ندفع بالحسنة السيئة. هذه الآية لا تحملنا فقط مسئولية إبراز الحقائق وإظهارها وتقديمها للناس، وإنما تطالبنا إلى جانب ذلك بمراعاة الناس والواقع الخارجي، وذلك بتقديم الحقائق بالأسلوب الطيب الذي يترك آثارا طيبة في نفوس الناس، وبالتالي يرسخ أوضاعا صحيحة في المجتمع، الأسلوب الذي ينزع الحقد والبغض من النفوس والذي يقيم علاقات إيجابية بناءة بين الناس، وهناك ثلاثة مستويات للتعامل مع الناس:

المستوى الأول: هو المعاملة بالمثل، أي أن من أساء إليك تسيء إليه، وهو في بعض الأحيان يكون حقا.

المستوى الثاني: أن تقابل الإساءة بالعفو فتعفو عمن أساء إليك.

المستوى الثالث: أن تقابل السيئة بالحسنة فتحسن إلى من أساء إليك.

الآية القرآنية تأمرنا بالمستوى الثالث ، فهي لا تأمرنا أن نعفو عن من ظلمنا وأساء إلينا فحسب ، وإنما نحسن إلى من أساء إلينا ، ولكن لا يكون ذلك على حساب الحقائق الدينية والمصالح الوطنية ، وعليه فينبغي أن يكون هناك توازن بين الأمرين ، فلا نقف عند عنوان العفو والإحسان ونسمح للظلم والفساد بأن يستشري بين الناس ، هذا أمر لا يجوز ، وإنما يجب علينا طرح الحق والعدل بدلا عنه وبالأسلوب الصحيح ، فالقرآن ينبهنا لاتباع الوسائل الطيبة في الدعوة إلى الله باعتبارها وسيلة من أجل إحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس ، ولكن لا ينبغي أن تكون هذه ذريعة للسماح للظلم والباطل بأن يستشري بين الناس .

البعض يرى أن هذه الآية تتعلق بالقضايا الشخصية وليست بالقضايا العامة وقضايا العقيدة، ويرى أن عليك المقاومة والمدافعة عن الحق فيما يتعلق بالمسائل العامة التي تخص الناس لأن الحق والعدل بمثابة الميزان في الحياة (والسماء رفعها ووضع الميزان)، وكل أمر في هذه الحياة يقوم على هذا الميزان، فإذا انتشر الظلم والباطل اختل ميزان الحياة؛ وهو غير مسموح به، لكننا يمكننا القول: أننا يجب أن نأخذ هذا المبدأ بعين الاعتبار مع خلق التوازن في هذا المبدأ بين طرح الحق والحقوق والأساليب الطيبة.

(ادفع بالتي هي أحسن؛ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) هذه هي الغاية. الغاية أن تتحول العداوة إلى صداقة، وفي ذلك تبيان لأهمية الأساليب الطيبة في الدعوة. البعض تحت عنوان الحق ينفر الناس ويبعدهم عن الدين؛ ويشنج العلاقات بينهم، وهذا أمر مرفوض لأن الإسلام يحملنا مسئولية المحافظة على العلاقات الطيبة بين الناس وذلك بأن نوجد المحبة والصداقة والتعاون بينهم تحت مظلة الحق والعدل.

هذه قاعدة غالبة لها استثناء، فالإنسان السوي إذا قابلت إساءته بإحسان تتحول عداوته لك إلى صداقة معك، ولكن هناك من الأشخاص من إذا أحسنت إليه حاول أن يستفيد من هذا الإحسان من أجل إساءة أكبر، وهو ما نعبر عنه أحيانا باللؤم، وبالفعل هناك من الناس من يحملون اللؤم في نفوسهم؛ ويقابلون الإحسان بالإساءة، وهؤلاء يجب مقاومتهم وأن نقول لهم في أنفسهم قولا غليظا؛ من أجل ردعهم والمحافظة على المصلحة العامة.

(وما يلقاها إلا الذين صبروا) هذه الفضيلة أي مقابلة الإساءة بالإحسان لا يؤتاها كل أحد؛ وإنما يتحصل عليها الصابرون، الذين يجاهدون أنفسهم وشهواتهم ورغباتهم وانفعالاتهم والضغوط الداخلية والخارجية.

(وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أيضا. هذه الفضيلة لا يؤتاها إلا كل ذو حظ عظيم، وهناك تفاسير كثيرة في تفسير كلمة (ذو حظ عظيم) أجملها بالقول: أن له كمالات نفسية وإنسانية، وله نصيب وافر من رضا الله -عز وجل -، وكما يقول صاحب الميزان: بأن ذوو الحظ العظيم هو الصابرون أيضا لأن الصبر شرط في أصحاب الشأن العظيم.

هذه الآية كلها تقودنا لملاحظتين أساسيتين بالنسبة للدعاة: –

الملاحظة الأولى: أنهم يعيشون قلق المعرفة والمعاناة في البحث عن الحقيقة والمصلحة، ويعيشون قلق الخير في الواقع الخارجي والحرص الكامل على إقامة الحق وانتشار الخير بين الناس.

الملاحظة الثانية: أن في ذلك دلالة على الإخلاص والأمانة التي يتحلون بهما.

الخطبة السياسية: هل نعمل بقاعدة (ادفع بالتي هي أحسن) في ظل الإصلاحات

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة نأتي إلى بعض القضايا والإثارات المختلفة على ساحتنا الوطنية لنرى هل أن هذه الإثارات والمعالجات قائمة على أساس هذه القاعدة الذهبية، وأنها تصب في المصلحة الوطنية ومصلحة الإصلاحات القائمة في البلد، أو أن الأمر يختلف تماما وذلك بغض النظر عن الأطراف والجهات المسئولة عن هذه المعالجات:

القضية الأولى: محاولة الإساءة المستمرة والدائمة إلى مدرسة أهل البيت (ع)، والتي تمثلها الغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب، وذلك على الرغم من التأكيد على أن ثمة فرق بين الهوية والدور، فالهوية ما هي إلا مرجعية فكرية وسياسية، وأن الدور هو دور وطني عبر الاهتمام بكل المواطنين وعدم التفريط في حق أي مواطن، والاهتمام بشأن كل الوطن. نحن أدنا ولا زلنا ندين الطائفية السياسية، ونرفضها وندعو إلى إلغائها وتجريم من يمارسها في حق المواطنين، ومع كل ذلك، فبمجرد أن يكون هناك طرح للهوية الفكرية والسياسية يعد ذلك عملا طائفيا.

هذا الطرح تقوم عليه ثلاث جهات: –

الجهة الأولى: جهات علمانية، والهدف من حملتها هذه إقصاء الإسلام وإزاحته عن ساحة الحياة. ونقول لهؤلاء كما قال تعالى: (ويريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).

الجهة الثانية: جهة طائفية، وتحمل على مدرسة أهل البيت (ع) تحت ضغط ضيق الأفق وقلة المعرفة. ونقول لهؤلاء: سامحكم الله وهداكم.

الجهة الثالثة: جهات منافقة متزلفة، تمارس الإساءة لأنها لا تؤمن بمبدأ ولا دين، ولا تفكر إلا في مصالحها الخاصة، ونحن قد تعرضنا إلى الإساءة في المرحلة السابقة تحت عنوان الحرص على الأمن، ونتعرض في هذه المرحلة إلى الإساءة تحت عنوان الحرص على الإصلاحات. تعددت العناوين والإساءة واحدة من عناصر بعينها ولأهداف بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية.

كما ذكرت في خطبة العيد. نحن غير قلقين على الهوية ، فالهوية من الأصالة والشموخ بحيث تقف كل هذه المحاولات قزما أمامها ، وكما قال الله تعالى ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ) فلو أن شخصا أراد أن يطفأ نور الشمس وهو ينفخ بفمه سيقال لهذا الشخص بأنك مجنون ؛ فكيف لمن يريد بأن يطفأ نور الله ، فمحاولات المساس بالهوية هي محاولات يائسة ، ولكنها محاولات مقلقة لأنها تضر بالمصلحة والوحدة الوطنية ، وهي أيضا بعيدة كل البعد عن القاعدة الذهبية ( ادفع بالتي هي أحسن ) ، حيث يتمثل هؤلاء قول ( ادفع بالسيئة الحسنة ) من أجل مصالح خاصة وحسابات قديمة .

القضية الثانية: محاولة المساس بالشعائر من خلال محاولة ترسيخ المجلس الإسلامي الأعلى، وكما ذكرت في أكثر من مرة: بأن هذا المجلس هو من ثمار قانون أمن الدولة، وأنه وليد أفكار وعقليات ومخططات وحسابات تلك المرحلة، فهذه المحاولات في سبيل تحقيق هذا الهدف لا تخدم المصلحة الوطنية، وبعيدة كل البعد عن قاعدة ادفع بالتي هي أحسن، لأن هذا من شأنه أن يعقد المرحلة ويسيء للإصلاحات.

القضية الثالثة: التجاوزات الأمنية التي حدثت، هذه التجاوزات بعيدة تماما عن روح الإصلاحات وقاعدة ادفع بالتي هي أحسن لأنها تجاوزات تعقد الساحة وتضر بالإصلاحات.

القضية الرابعة: بعض المعالجات التي تقوم بها الحكومة لبعض المشاكل -وهي نقطة أريد أن أقف عندها -، فمن هذه المعالجات معالجة مشكلة البطالة حيث توجد ملاحظات كثيرة جدا حول معالجة مشكلة البطالة. في البداية ، نحن لا ننكر الدور الذي تقوم به الحكومة والمسئولون فيها ؛ ولكن مع ذلك هناك ملاحظات جوهرية على طريقة المعالجة ، خذ على سبيل المثال معالجة المسئولين لقضية الإحلال والتوظيف حيث تتم فقط في الوظائف الدنيا ولا نجد أن هناك إحلالا وتوظيفا في الوظائف العليا ، وإذا نظرنا للمسألة من رؤية أشمل فإن مسألة الإضرار بمصالح البلد العليا ليس أن يكون هناك أجانب في الوظائف الدنيا وإنما أن يكون هناك أجانب في الوظائف العليا ، كما أن الذي يخدم المصلحة والوحدة الوطنية ليس توظيف هؤلاء العاطلين الذين يشعرون بإحساس عميق بالحرمان في الوظائف الدنيا ، وإنما أن تعطيهم حقهم وفرصتهم في الوظائف العليا بتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ، وهذا الكلام لا أذكره على المنبر فقط وإنما هو كلام يذكر في المجالس والشارع العام .

الأمر الثاني: تحسين مستوى المعيشة، فليس مجرد توفير الوظائف وإعطاء الموظف أو العامل 90 دينارا أو 120 دينارا أو حتى 150 دينارا كاف وأنت تضعه تحت خط الفقر، لتنتج بعد ذلك مشاكل اجتماعية وأخلاقية تسهم في تفكيك الأسرة وضرب روابطها ووحدتها واستقرارها، وعليه فهناك مسئولية تقع على عاتق الحكومة بتحسين مستوى المعيشة وذلك بوضع حد أدنى للأجور مبني على حساب تكلفة المعيشة في البلد.

الأمر الثالث: الأبواب المغلقة للوزارات، حيث لا تنحصر في وزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني، وإنما هناك وزارات أخرى في الدولة أبوابها مغلقة أمام بعض أبناء الشعب، والحركة الإصلاحية وقاعدة ادفع بالتي هي أحسن تتطلب أن نتجاوز هذه الحسابات، ونشعر بوجود ثقة في أبناء الشعب، وأن هناك مساواة وتكافؤ فرص.

القضية الخامسة : مطلوب بحق أن تكون هناك معالجة لحالة الحرمان التي يشعر بها قطاع واسع من أبناء الشعب ، حيث توجد حالة حرمان ، وهناك شعور بالاضطهاد والاستضعاف والتهميش لدى هؤلاء ، والمطلوب القضاء على الشعور بالحرمان عند هذا القطاع الواسع من أبناء الشعب ، أضف إلى ذلك وجود قضية بدأت تبرز بوضوح في هذه المرحلة وتتعلق بالخدمات ، والله يشهد أنني لا أقول هذا الكلام منافسة لأحد ، فأنا حريص على تجريد وتنزيه هذا المنبر عن القضايا والمنافسات الشخصية ، ولكنني أقول هذا الكلام من أجل المصلحة العامة والوطنية وخدمة للإصلاحات في البلد . هناك محاولات من أجل ترسيخ بعض العناصر وتقديم الخدمات للناس والمجتمع من خلالها، وأي عناصر تلك ؟!!! نفس العناصر القديمة التي وقفت ضد الإصلاحات والناس !!!. نحن لسنا ضد أحد، ولكن لماذا تقدم الخدمات للناس من خلال عناصر بعينها ؟!!!، فالخدمات حقوق للناس ويجب أن تصل للناس كحقوق، وهي مسألة ستعالج حينما تكون هناك بلديات ويكون هناك برلمان، ولكن السؤال: لما هذا الإصرار على هذا الأسلوب في التعامل مع قضايا الناس ؟!! وما هي نتائج هذا الأسلوب على الإصلاحات والناس، أليس في ذلك ترسيخ لشعور الناس بحالة الحرمان والاضطهاد والاستضعاف والتهميش ؟!!!، ولما هذا الإصرار على الاتكاء على عناصر قديمة ؟!!! وهل هذا الأسلوب ينبني على قاعدة ادفع بالتي هي أحسن في سبيل خدمة الإصلاحات وترسيخها ؟!!! أما أنها ترسيخ للعقلية القديمة والعناصر القديمة والحسابات القديمة ؟!!!، فمتى نتجاوز كل ذلك؟ .

القضية السادسة: تعديلات الدستور. العمل الذي تقوم بها لجنة تعديل بعض مواد الدستور بالسرية المطلقة لا يشعرنا بالارتياح مطلقا في مسألة بهذه الأهمية، فالمادة 104 تنص على أمرين؛ تنص على آلية تعديل الدستور حيث لا يمكن إجراء أي تعديلات إلا وفق الآلية الدستورية المتمثلة بثلثي أصوات البرلمان، وأن اللجوء إلى آلية أخرى يعد عملا غير دستوري، وقاعدة ادفع بالتي هي أحسن، ومن أجل خدمة الإصلاحات تتطلب رجوع سمو الأمير -وأنا أخاطبه بصوره خاصة -للتيارات والقوى السياسية الشعبية والأخذ برأيها في هذا الموضوع.

في الختام هناك ملاحظة؛ وأذكر هذه الملاحظة بصدق وإخلاص. الاحتفال الشعبي بمناسبة العيد الوطني لم يكن بالمستوى المطلوب ، ولم نجد الحفاوة المطلوبة من قبل الشعب بالعيد الوطني ، فقد عشت الاحتفال الذي حدث بمناسبة عيد الأضحى المبارك الفائت ، وقد شاهدت كيف يكون الاحتفاء بالمناسبات الرسمية في تلك الفترة ، والآن يوجد تراجع وتراجع ملحوظ في الاحتفاء الشعبي بمناسبة العيد الوطني ، وهذا يدل على أن هناك تراجع في حماس الناس للحركة الإصلاحية ، وهو مؤشر غير مريح وخطر لأننا لم نعمل في الكثير من القضايا بقاعدة ادفع بالتي هي أحسن ، وإنما لازالت الحسابات القديمة والعقليات القديمة تفعل فعلها في معالجة القضايا ذات الهم الأوسع ، وهذا يتطلب من سمو الأمير التدخل من أجل المحافظة على الحركة الإصلاحية التي بدأها ولازال يحمل رايتها ، وقد كسب سمو الأمير ثقة وتأييد الشعب ، وأنا أقول : بأنه يستطيع أن يتكأ ويعتمد على الشعب ويحقق آماله من خلال ثقته واتكائه على شعبه .

أكتفي بهذا المقدار، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 6 شوال 1422هـ الموافق 2001/12/21 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى