خطبة الجمعة | 14-12-2001

الخطبة الدينية: الولاية أمان الأمة

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

في البداية رحم الله من قرأ سورة الفاتحة لأرواح شهداء فلسطين.

قال تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون *) صدق الله العلي العظيم.

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) إنما: تفيد الحصر، والولي هو: من يلي النصرة والمعونة أو يلي وتدبير الأمور، والآية الشريفة المباركة تبين على وجه الحصر الجهة الوحيدة صاحبة الولاية، والولاية هنا بمعنى الحاكمية، والتصرف في شئون المسلمين والزعامة المادية والمعنوية. والآية تبين هذا الحق بالذات، وتحدد هذه الجهة وتحصرها في ثلاثة: في الله، والرسول، والذين آمنوا. فالله هو الخالق المالك للإنسان، وصاحب الحق الوحيد في التشريع، وصاحب الحق الوحيد في التصرف بالأصالة، لأن الخلق عباده وهو صاحب الحق في التصرف فيهم كيفما يشاء. والرسول (ص) مبلغ عن الله -عز وجل -وقائد بتعيين من الله. والذين آمنوا -كما تشخصهم الآية -هم الامتداد الطبيعي بعد الرسول الأعظم (ص) في التبليغ والقيادة.

وفي الآية جنبة والتفاتة فكرية مهمة ، وهي أن الآية ذكرت ( إنما وليكم ) بصفة المفرد ، ولم تقل إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا ، ولم تكرر لفظ الولي لتقول : إنما وليكم الله ، ووليكم الرسول ، وأولياؤكم الذين آمنوا ، كما كررت في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، مما يشير إلى أن حق التصرف في الأساس وبالأصالة هو لله – عز وجل – لأنه الخالق والمالك للإنسان ، أما النبي والإمام فكل منهما إنسان ، والإنسان مخلوق ، وفي نفسه ليس له الحق في أن يتصرف ويقيد إرادة الآخرين من تلقاء نفسه ، لأن الناس يتساوون في القيمة الإنسانية ، والحاكم يقيد إرادة المحكوم ، وبخصوص النبي محمد (ص) ، فإن هذا الحق ( حق التصرف ) يأتيه بتفويض من الله – عز وجل – لتكون صلاحياته في التصرف بمقدار الحاجة دون زيادة أو نقصان أو إجحاف بحق الإنسان وكرامته ، لأنه صاحب رسالة وله دور في هذه الأمة ، ولأنه لابد للناس من حاكم ، وكما قال أمير المؤمنين : ( لابد للناس من أمير ، بر أو فاجر ) ، وبناء على هذه الآية : فالحاكم – وكما ذكرت سابقا – ما لم يستمد وجوده من الله أو من الأمة فلا شرعية لوجوده أو ممارساته .

(الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) هذه الصفات كونها تشخص المقصود بالذين آمنوا، وكما قال معظم المفسرين من مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (ع) أنها نزلت في علي بن أبي طالب (ع)، وقد أحصى بعض المفسرين أربع وعشرون رواية من مدرسة الخلفاء، وتسعة عشر رواية من مدرسة أهل البيت (ع) على أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (ع)، فهي أيضا تكشف بعض أهم صفات القيادة في الخط الإسلامي. (الذين يقيمون الصلاة) إقامة الصلاة دليل على الإخلاص والأمانة، وإيتاء الزكاة دليل على العطاء اللامحدود وتحمل المسئولية في جميع الظروف والأحوال على أنهما نابعان من الإخلاص لله -عز وجل -أيضا، مما يعنى الاستقامة في خط تحمل المسئولية، وأن هذه الحالة حالة دائمة وثابتة في كيان القائد يمارسها في جميع الأحوال، ليس وقت دون آخر وليس في حالة دون أخرى، وبالتالي فلا يمكن أن يكون القائد محبا للدنيا، خائفا من الموت عاملا لنفسه ومصالحه الخاصة.

(ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) الحزب والتكتل والتجمع بمعنى واحد، وهذه الآية الشريفة لا تعطينا فقط شرعية التحزب والتكتل والتجمع على أساس الدين، ولا تقول بأن ذلك واجبا فقط، وإنما تعد ذلك نتيجة تلقائية وطبيعية للولاية، ومعنى ذلك أنه بمجرد العمل على أساس الولاية تحقق شرعية التكتل على أساس الدين، وتبرز هذه الحالة التكتل على ثلاثة عناصر وهم:

العقيدة، والشريعة، والقيادة. ولهذا نجد بأن السيد قطب (رحمه الله) يقول: بأن هذه الآية تضع حدا فاصلا بين الصف الإسلامي والصفوف غير الإسلامية التي لا تعتقد بالإسلام منهجا شاملا للحياة لأنها تقوم بعملية لكل الاتجاهات والتيارات الموجودة على الأرض.

ومضمون التحزب يحمل ثلاث عناصر أساسية: –

العنصر الأول: التنظيم والقيادة.

العنصر الثاني: وحدة الفكر والأهداف.

العنصر الثالث: التضامن لتحقيق الأهداف المشتركة.

لذا ينبغي للذين آمنوا أن يتأملوا ويبحثوا عن هذه العناصر، ويوجدوها على أرض الواقع أو في الخارج.

(ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وهنا أفرزت لنا الولاية التحزب والتكتل، وسمت هذا الحزب بحزب الله تشريفا وتعظيما له، وقالت: (هم الغالبون)، ومعنى ذلك أن هذه الحالة من الولاية يجب أن تفرز لنا هذا النمط من التحزب والتكتل، والنتيجة: أن هذا الحزب الموالي لله ولرسوله والذين آمنوا (هم الغالبون). والغلبة على مستويين:

المستوى الأول: الحجة البرهان.

المستوى الثاني: الغلبة على أرض الواقع وفي كل المجالات. ومعنى ذلك أن الولاية يجب أن تفرز شروط النصر، فإذا كانت هناك هزيمة أو تخلف، فمعنى ذلك أن هناك خللا أو إخلالا بشروط الولاية، لكن. قد تكون هزيمة كما هزم الرسول الأعظم (ص) وأصحابه في غزوة أحد، ولكنها هزيمة مؤقتة، ولابد للمسلمين أن يستعيدوا زمام المبادرة ويحققون النصر في النهاية.

وفي ختام الحديث عن هذه الآية الشريفة تجدر الإشارة إلى ثلاث نقاط: –

النقطة الأولى: في زمن الغيبة، فإن الامتداد الطبيعي للإمام والنيابة عنه تكون للفقهاء.

النقطة الثانية: إذا وجدت حكومة إسلامية تعمل وفق مدرسة الخلفاء فموقفنا منها التضامن والحوار.

النقطة الثالثة: يمكننا أن نتكيف مع حكومة علمانية -وفق شروط موضوعية -بحيث تكون عادلة، وتحفظ للإنسان حقوقه كاملة وأهمها، حق التعبير والاعتقاد، وحق إقامة الشعائر، كما يطرحه بعض العلماء والفقهاء في لبنان.

هذه نقاط ثلاث يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ونحن نتحدث عن هذه الآية التي تحصر الولاية في الله ورسوله والذين آمنوا وامتدادهم الطبيعي في الناس وهم الفقهاء.

الخطبة السياسية: يوم القدس العالمي

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة نأتي للحديث عن يوم القدس العالمي. وهذا اليوم هو أواخر شهر رمضان المبارك، والذين أعلنه الإمام الخميني (رض) يوم القدس العالمي.

ماذا يعني لنا يوم القدس في الوقت الراهن؟ وما الأمور التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن نعيش هذا اليوم؟ في هذا الصدد يمكن الإشارة إلى عدة جوانب:

الجانب الأول : أن يوم القدس العالمي من حيث الوقت هو في آخر جمعة من شهر رمضان ، وليوم الجمعة خصوصيته لدى المسلمين ، فيوم الجمعة هو يوم للإمامة والسياسة والحشد الجماهيري وهو يوم للتوعية ، وهي عناصر نستفيد منها من خلال أقوال الفقهاء حول صلاة الجمعة وخطبتها ، وهذا اليوم يأتي في شهر رمضان ، وشهر رمضان هو شهر الصبر والمقاومة والإخلاص لله – عز وجل – ، ففي هذا الشهر يقاوم الإنسان المؤمن الصائم هواه وشهواته وشيطانه ، ويقاوم الانحراف في الخارج ، وفي هذا الشهر استطاع المسلمون أن يحققوا النصر في يوم بدر وهم قلة بتأييد من الله – عز وجل – ( لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) ، وفي شهر رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وليلة القدر هي ليلة صاحب العصر والزمان (عج) ، وفي هذه الليلة يستشعر الإنسان المؤمن الارتباط العميق بالقيادة ، كما يستشعر بكثافة الاتصال بين السماء والأرض والدعم الإلهي للإنسان على وجه الأرض . إذن فالوقت له دلالته وقيمته في هذا اليوم.

الجانب الثاني : أن موضوع هذا اليوم هو قضية القدس ، والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين وهي قضية محورية في الإسلام حيث يوجد عندنا الكعبة المشرفة والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ، وإحياء يوم القدس فيه إشارة للجانب القدسي الذي يتعلق بالشعائر والمؤسسات الإسلامية ، والتكليف الشرعي للإنسان المؤمن هو أن يدافع باستماتة عن حرمة وقدسية الشعائر والمؤسسات الإسلامية . قال تعالى : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ، أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ، لهم خزي في الحياة الدنيا ولهم الآخرة عذاب عظيم ) ففي قوله تعالى : ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) تأكيد على أن حالة المنع لإقامة الشعائر لا يصح أن يدخل فيها المانعون لإقامة الشعائر هذه المساجد وهم آمنين مطمئنين ، ودخولهم خائفين دليل المقاومة ، وأن الإنسان المؤمن يدافع لآخر نفس عن شعائره ومؤسساته ، وللقدس محورية في هذا الموضوع ، ومعنى ذلك وجوب المقاومة لآخر نفس من أجل تحرير القدس .

الاحتلال الصهيوني للقدس وعبثه بقدسية هذا المسجد مؤشر على مدى الذل والهوان الذي وصلت إليه الأمة، فكيف لمسجد له هذه المحورية أن يدنس من قبل الصهاينة والأمة لا تفعل شيئا ؟!!! أليس في ذلك دليلا على مدى الذل والهوان الذي وصلنا إليه ؟!!!، وفي نفس الوقت فإن هذا المسجد هو لله، ولله آياته في الناس، وعليه فإن هذا المسجد من شأنه أن يحرك ضمير هذه الأمة ونخوتها وغيرتها وإحساسها بشرفها وعزتها وكرامتها المهدورة، ويشحذ همتها من أجل تحرير القدس، فهل توجد قضية ما تحرك ضمير المسلم كما يفعل القدس ؟!!، وإذا لم يتحرك الضمير الإسلامي من أجل القدس فمن أجل أي قضية يتحرك ؟!!. الضمير الإسلامي الذي لا يتحرك من أجل القدس لن يتحرك أبدا من أجل أي قضية أخرى.

المسجد الأقصى له محوريته، والله -جل جلاله -قادر على أن يفعل بالصهاينة فعله بأصحاب الفيل وسوف يفعل ذلك وينقذ القدس، ولكن الله -عز وجل -بهذا الابتلاء والامتحان يريد للأمة أن تتحرك، وأن تشعر بالواقع المؤلم نتيجة تخليها عن الولاية وإلى أين أوصلنا هذا التخلي.

الجانب الثالث: ونحن نعيش يوم القدس يجب أن نستحضر حجم ونوعية الإرهاب الصهيوني، ومدى السحق الذي يمارسه هذا الكيان ضد إخواننا المؤمنين في فلسطين مع الدعم غير المحدود لهذا الكيان في كل جرائمه من قبل أمريكا وأوربا، ولنسترجع قول بوش حيث يقول: لو أنه كان محل شارون لفعل بالفلسطينيين ما فعله شارون، وهو من يطلب منه العرب أن يكون وسيطا نزيها ويعولون عليه في حل القضية الفلسطينية.

الجانب الرابع : ونحن نعيش هذا اليوم نستحضر أيضا موقف الأنظمة العربية ، حيث تعيش التسليم الكامل وعدم إبداء أي مقاومة ضد أمريكا والكيان الصهيوني ، ولا نقول : أن الأنظمة العربية فاشلة في أدائها السياسي فحسب ، بل هي غير قادرة على فعل شيء ، فهي لا تفعل ثم يكون هناك عجز مع الفعل ، وإنما هي عاجزة عن الفعل تماما ، في حين نجد الشعب الفلسطيني هو صاحب المبادرة في الدفاع عن قضيته ، وهذه المنظمات الفلسطينية التي تحاول أن تحرر القدس مصنفة في قوائم الإرهاب ، كما أن أمريكا والغرب لن يكتفوا بدعم الكيان الصهيوني بل سوف يقومون بضرب هذه القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية .

أمريكا تسعى أيضا لضرب القوى الإسلامية الفاعلة في الساحة الإسلامية كلها، وماذا تفعل الأنظمة العربية العاجزة عن الموضوع ؟!!. هل ترفضه ؟!!. كثير من الأنظمة العربية تمنع التكتل والتحزب على أساس الدين ، تعد ذلك إضرارا بالوحدة الوطنية ، وفي ذلك تقسيم – حسب وجهة نظرها – حيث سينقسم المجتمع إلى مسلمين ومسيحيين ويهود وهذا ممنوع في عرفها ، في الحين الذي توجد فيه أحزاب شيوعية مرخص لها بالعمل السياسي ، وهذه نظرة تخالف النظرة الإسلامية والقرآنية وهي من صميم التوجه العلماني ، ومعنى ذلك أن الأنظمة العربية تحاول أن تفرض بقوة التوجه العلماني على الشعوب الإسلامية الرافضة لهذه الاتجاه ، وتريد أن تبعد جميع القضايا بما فيها قضية فلسطين عن بعدها الإسلامي .

في الوقت الحاضر يوجد عنصر جديد ، حيث كانت تمنع الأنظمة في السابق التكتل والتحزب على أساس الدين لأنه يضر بالوحدة الوطنية – حسب ما تدعيه – وكانت تنكل بالإسلاميين حيث كان الإسلاميون يجدون الملاذ الآمن لحرية التعبير في أمريكا وأوربا ومن مصلحة أمريكا وأوربا أن يعطوهم هذا المتنفس في ذلك الوقت ، أما اليوم فقد اجتمعت كلمة أمريكا وأوربا على ضرب القوى الإسلامية الفاعلة وأغلقت جميع الأبواب وليس لهم إلا الله ، وعليهم أن يكونوا في الفرن الداخلي ليحرقوا فيه ، وهذا ليس مصير القضية الفلسطينية فحسب ، وإنما مصير كل التيارات في الإسلامية في العالم الإسلامي .

هل التفتم إلى حجم المأساة والخطر الذي نحن فيه، إذن. علينا في يوم القدس العالمي -وكما قال الخميني العظيم عنه: أنه يوم الإسلام -أن نحشد جميع الطاقات الشعبية من أجل تحرير القدس، ونتمسك بالبعد الإسلامي للقضية، ونستمد العون من الله -عز وجل -ونثق بالنصر لأن النصر قادم لا محالة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 28 رمضان 1422هـ الموافق 2001/12/14 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى