خطبة الجمعة | 7-12-2001

الخطبة الدينية: (نموذج أبرهة) نتائج المكر. حقيقة انتصار الدين

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كصف مأكول *) صدق الله العلي العظيم.

السورة الشريفة المباركة تشير إلى الحادثة العظيمة ذات الدلالة العميقة جدا في حركة التاريخ، وهي حادثة أصحاب الفيل، حيث خرج أبرهة ملك اليمن بجيش جرار يتقدمه فيل عظيم من أجل هدم الكعبة، بهدف تحويل الحجاج من الكعبة إلى كنيسة بناها في عاصمة ملكه صنعاء، وهذه الحادثة معروفة بتفاصيلها لأهل مكة ومن حولها، والقرآن الكريم لم يأت بشيء جديد في تعريف الناس بتفاصيل هذه الحادثة، وإنما تناول هذه الحادثة بأسلوب أدبي بليغ جدا وباختصار شديد. هذا الأسلوب الأدبي تقشعر له الأبدان، وتنفتح له العقول، وتلين له القلوب، وقد تناول هذه الحادثة من أجل التنبيه إلى دلالاتها العميقة جدا في التاريخ.

( ألم تر كيف فعل ربك أصحاب الفيل ) الله – جل جلاله – يخاطب النبي محمد (ص) بأسلوب استفهامي تقريري من أجل تقرير الواقعة والحادثة ، والرؤية المقصودة في الآية ليست هي الرؤية الحسية وإنما الرؤية العلمية اليقينية القاطعة التي تصل في درجة اليقين إلى درجة الرؤية الحسية ، لأن هذه الحادثة وقعت في زمن ولادة النبي محمد (ص) ، والنبي محمد (ص) لم ير هذه الحادثة بعينه لأنها حدثت سنة ميلاده ، ولكن هذه الحادثة من الشهرة والتواتر بحيث أن العلم بها علم يقيني وأن الكثيرين ممن مع الرسول الأعظم (ص) ومن حوله قد عاصروا هذه الواقعة ورأوها بأم أعينهم ، وبالتالي فالعلم بهذه الواقعة هو علم يقيني يصل إلى درجة العلم الحسي ، أضف إلى ذلك أن ذكر القرآن لهذه الحادثة هو تأكيد لحدوثها لذا يجب أن نتعامل معها كأمر واقع فعلا ، ومن ثم دراستها دراسة واعية جدا لأنها حادثة فعلية.

(ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) (فعل ربك)، (بأصحاب الفيل). كل من هاتين العبارتين لهما دلالة عميقة، فذكره لأصحاب الفيل وعدم ذكره لجيش أبرهة أو جيش اليمن فيه إشارة إلى أن هذا الجيش مسلح بأحدث الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتطورة وأنه الأكثر فتكا آنذاك، وأنه جيش جرار لا طاقة لأهل مكة ولا لغيرهم من أهل الجزيرة على مواجهته، وذكر (ربك) فيه خطاب للنبي محمد (ص) أن ربك العظيم الواحد القهار الذي بعثك برسالته، وأنزل عليك كتابه، وأمرك بدعوة الناس لهذا الدين قادر على أن يفعل بأعدائك كما فعل بأصحاب الفيل. فاطمئن. ففي الآية تسلية للنبي محمد (ص)، وطمأنة للمؤمنين وتحذير لأعداء الدين بأن الله سوف يتدخل، وبأن يده ليست مغلولة.

(ألم يجعل كيدهم في تضليل). بلا. ما معني الكيد: والكيد والمكر بمعنى واحد وهو تدبير السوء في الخفاء، والمقصود بالكيد هنا هو كيد إبرهة ومقاصده السيئة لهدم بيت الله الحرام ليتحول الناس من الزيارة والحج للبيت الحرام إلى زيارة الكنيسة التي بناها إبرهة في صنعاء. والتضليل: بمعنى التضييع، وضل الطريق: بمعنى ضيعها، ومعنى ذلك: أن إبرهة كان له كيد سيئ ولكن الله تدخل وحال بينه وبين تحقيق أهدافه فضيعه عن تحقيق هدفه وأفشل كيده، وهذه الآية فيها دلالات كبيرة جدا: –

الدلالة الأولى: ونبدأها بإبرهة، فإبرهة هذا لم ينظر إلى الله -عز وجل -وإنما نظر إلى نفسه، بل لجهله وحماقته أصر على مبارزة الله. هكذا يصل غرور الإنسان أن يبارز الله ، وفي ذهن إبرهة هذا أن القدسية هي قدسية حسية ، فهو قد بنى كنيسة ضخمة جدا فيها أبهة وترف ، ونظر إلى أن قدسية الشيء هو في هذه المظاهر المادية ، بينما البيت الحرام متواضع جدا في بنائه و مبني من الأحجار ، ولكن قدسية الشيء وقيمته ليست بهذه القدسية الحسية ، فقدسية البيت الحرام ليست في هذا البناء المتواضع من الأحجار وإنما علاقته بالله والدور الذي يلعبه في حياة ومسيرة الإنسان ، ولهذا نجد بأن الله – جل جلاله – تدخل لحماية هذا البيت المتواضع ، لأن هذا البيت عظيم ليس ببنائه وإنما في نفسه وفي علاقة بالله وعلاقته بمسيرة الإنسان ، وهنا يجب أن نلتفت إلى درس مهم هو : أن قيمة الشيء وقدسيته ليس في المظاهر المادية وإنما في القيمة المعنوية للشيء ، فالمسجد قيمته ليس في بنائه المتواضع وإنما في علاقته بالله وفي الدور الذي يلعبه ، لذا ينبغي أن نتغلب على النظرة الحسية للأشياء فلا نقيم الأشياء بقيمتها المادية ، وكذلك فيما يتعلق بالقيادات يجب أن لا ننظر لها من جوانبها الحسية كما فعل بنو إسرائيل حينما سألوا نبيا لهم بأن يبعث لهم ملكا ليقاتلوا في سبيل الله ، وقد بعث الله لهم طالوت ، فاحتجوا لماذا يعطيه الله الملك وليس له سعة في المال ، وقد وصفه الله بأنه يملك بسطة في العلم والجسم ، وبالتالي فهو يملك مؤهلات قيادية ، وأن الفقر والغنى ليس من المؤهلات القيادية ، لذا عليكم أن تنظروا نظرة واقعية لطبيعة هذه المؤهلات .

الدلالة الثانية : أن القرآن يريد أن يعلمنا كيفية التفكير وكيفية التعامل مع الأشخاص ، فهو يقول لنا : بأن هناك كيد ومكر سيئ يوجد على الأرض ، وأن ليس كل الموجودين على الأرض أصحاب نوايا حسنة ، فعليكم أن تلتفتوا إلى وجود هذا المكر السيئ ، وأن تكونوا معه على حذر ، فلا تتعاملوا بحسن النوايا دائما مع كل الأشخاص ومع كل المواقف ، وإذا تعاملتم بسذاجة مع المواقف سوف تكونوا ضحية لهذا المكر السيئ ، فإبرهة مثلا حينما أراد أن يهدم الكعبة أرسل رسوله إلى عبد المطلب وقال له : أنه لا يريد أن يقتلهم ويسفك دماءهم .. فقط. يريد أن يهدم البيت الحرام، فإذا لم يحولوا بينه وبين هدم البيت الحرام فلن يتعرض لهم بسوء وقد يثيبهم ويعطيهم من ماله الكثير، والبيت الحرام سر عزتهم قوتهم ووحدتهم وهو دينهم أيضا، لكن أبرهة عبَّر عن نواياه الحسنة. إذا تركتموني أهدم هذا البيت فلن أتعرض لأحد منكم بسوء وقد أجازيكم وأعطيكم أموال الكثيرة !!!، والقرآن هنا يوضح لنا كيفية التفكير والتعامل مع المواقف ويحذرنا من النظرة الساذجة للشعارات والأطروحات، ويقول لنا: يجب أن تتعاملوا معها بوعي وكما تجري على الأرض.

الدلالة الثالثة: هو التدخل الإلهي. الله -جل جلاله -لا ينزل علينا الدين فقط ويعطينا منهج شامل للحياة وإنما يتدخل لحمايتنا وحماية أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما أن له صفة المحارب عنها، وعلينا أن نلتفت إلى هذه الصفة ونتمعن فيها، ومعناها أن الله يتدخل ويحارب عنا على كل صعيد. على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره. وفي هذه الآية بعد أن ذكر لنا كيف فعل الله بأصحاب الفيل. قال: ” لإيلاف قريش ” أي من أجل أمن قريش ومن أجل تجارتهم، ثم ” فليعبدوا رب هذا البيت “.

الدلالة الرابعة : أن الله حمى البيت وهو تحت ولاية المشركين ، والأصنام تحيط بالبيت من كل جانب ، فالله – عز وجل – لم ينظر في حمايته للبيت إلى هذا الوضع وإنما نظر إلى البيت في نفسه وقد جعله الله – عز وجل – مثابة للناس ، ونظر إلى الدور الذي يقوم به هذا البيت ، وأن وجود هذا البيت تحت ولاية المشركين ووجود الأصنام شيء عرضي يمكن أن يزول في أي وقت ويتحمل مسئوليته الإنسان ، وجاء ذلك لأنه نظر إلى أن دور البيت ليس لزمن واحد وإنما لكل زمان ، وبالتالي فحماية البيت ليس متعلقا بظاهره وإنما يتعلق بدوره الذي يمتد بامتداد التاريخ ، وعلينا أن نأخذ درسا ، فإذا نظرنا إلى بيت المقدس فلا ينبغي أن ننظر إليه على أنه تحت يد السلطة الفلسطينية أو أنه سابقا تحت يد الحكومة الأردنية ، أو أن البيت الحرام مثلا تحت يد السلطة السعودية لتحديد مواقفنا من هذه الأماكن ، وإنما يجب أن ننظر لها لنفسها ولدورها بعيدا عن هذه الظواهر التي لا علاقة لها بجوهر البيت.

الدلالة الخامسة: أن القرآن الكريم ينبه قريشا ويلفت نظرها إلى نقطتين مهمتين: –

النقطة الأولى: أن البيت الحرام سر عزتهم وشرفهم ومكانتهم وأمنهم ورخائهم، وأن أبرهة جاءهم بجيش جرار لا طاقة لهم به ولكن الله تدخل وحماهم، فكيف يقابلون الله ؟!! بالشكر والطاعة أم بالمحاربة ؟!!، والقرآن يقول لقريش: استحوا، وبدل أن تحاربوا الرسول ودينه، أطيعوا هذا الرسول المبعوث من الله، وتذكروا نعمة الله عليكم بحمايته لهذا البيت الذي هو سر عزتكم وقوتكم ورخائكم ومكانتكم، وقد كان من المفروض عليكم أن تكونوا عونا لرسول الله، ولكن بدل أن تستحوا من الله وتشكروا نعمه تحاربون الله ورسوله، وهذا الموقف من قريش هو ذات الموقف الذي تتخذه الأنظمة العربية في موقفها من الإسلام بعدائها له.

النقطة الثانية: أنكم حينما تحاربون محمدا ودينه فإن الله قادر على أن يفعل بكم كما فعل بأصحاب الفيل.

الدلالة السادسة : أن هذه الآية تحمل دلالة كبيرة وفضلا خاصا لعبدالمطلب ، فقد قال عبدالمطلب لرسل أبرهة : إن لهذا البيت رب يحميه ، وهذا القول يكشف لنا عن حالة عرفانية عميقة جدا جـدا جــدا ، فعبدالمطلب ليس مؤمنا بالله فقط وإنما عنده ثقة بالله – عز وجل – ، ويدرك دور هذا البيت ، ويعلم بأنه حينما يصبح هو وقريش عاجزون عن حماية هذا البيت فإن الله سوف يتدخل ويحمي هذا البيت ، وهذه حالة عرفانية ويقينية بالله – عز وجل – يقل نظيرها عند الصفوة من المؤمنين ، وهكذا حال آباء الرسول الأعظم (ص) ، وهكذا حال المظلوم أبو طالب ، فعبد المطلب كانت لديه معرفة خاصة بالنبي محمد (ص) وكان دفاعه عن النبي محمد (ص) على هذا الأساس ، وكذلك كان أبو طالب في موقفه النبي محمد حيث كان يمتلك نفس النظرة العرفانية في نظرته للنبي محمد ولدين الله الذي جاء به ، وبدلا أن يثنى على أبي طالب يكفر لا لشيء سوى أنه أب لعلي بن أبي طالب (ع) .

(وأرسل عليهم طير أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل) بين لنا الموضوع، وبين لنا النتيجة، وبعد ذلك بين لنا الوسيلة التي ضيعت كيد أبرهة ومكره.

(فأرسل عليهم طيرا أبابيل) طيور صغيرة كالخطاطيف كما يقول بعض المفسرين، وأبابيل: بمعنى أفواج منتظمة يأتي فوج ليؤدي دوره ويذهب ليأتي بعده فوج آخر، إذن. فهي طيور صغيرة تأتي أفواجا. أفواجا.

(ترميهم بحجارة من سجيل) بمعنى الطين المتحجر، والبعض يقول: بأنه الحجارة الملوثة بالطين، وكل طير عنده ثلاث حجرات صغيرات، واحدة في المنقار، واثنتين في الرجلين، كل رجل فيها واحدة وهي ترمي هذا الجيش، فقد واجه الله -عز وجل -هذا الجيش الجرار بطيور صغيرة وقضى عليه دون ضجيج ولا عجيج. هذا المتكبر الذي جاء على رأس جيش جرار ولديه أحدث الأسلحة. الله واجهه بطيور صغيرة، وهذه هي الوسيلة، والنتيجة ما هي؟

(فجعلهم كعصف مأكول) العصف: هو ورق الشجر اليابس، وسمي بذلك كما يقول بعض المفسرين بالعصف: لأن الريح تعصف وتلعب به، ومأكول: لها أكثر من معنى، فمأكول بمعنى: ممضوغ لأن الحيوان يمضغه فيتحول إن عجين، ولا أدري هل لأن الورق اليابس أسهل في المضغ أو ألذ. لا أدري !!. وقيل إن العصف المأكول هو: البذر أو الحبوب بعد أن يفقد اللب ويصبح قشرا، ولهذا الوصف دلالتين: إما أنه تركهم أجساد بلا أرواح بالنظر إلى أن الجسد هو القشر، والروح هي اللب، أو أن هناك دلالة ثانية تتناسب مع معنيي العصف المأكول: وهو أن الطير كان يرمي أحدهم بالحجر فتحرق جوفه، والنتيجة (عصف مأكول) أي إبادة كاملة، وليس فقط إبادة وإنما أبادهم وهشمهم تهشيما، وفي ذلك دلالة على إهانتهم وحقارتهم وضعفهم، بمعنى أن هؤلاء المتجبرين والمتكبرين حقراء أمام الله مهما أعطاهم الله من قوة.

وهناك دلالة كبيرة أريد أن أشير إليها: وهي أن أعداء الإسلام وأعداء الدين سواء كانت أمريكا أو إسرائيل وغيرهم قد لا يستمعون هذا القول تماما كما أن قريش لم تسمع هذا القول ويدخل هذا القول إلى وعي قريش، كما أن قوم عاد وثمود لم يسمعوا هذا القول، ولكنكم أنتم تسمعون قولي هذا. فلا تخافوهم وخافوا الله واطمئنوا، ولا يرهبوكم بقواتهم وضجيجهم. فللدين رب يحميه، وسوف ترون النتيجة التي تحل على القوات الأمريكية وغيرها، ونحن لدينا إيمان بظهور القائم (عج).

الآية القرآنية لها علاقة بحديثنا في الأسبوع الماضي ، فقد أشرنا في الأسبوع الماضي إلى ثلاثة عناصر في المشروع الإسلامي ، حيث أشرنا إلى الهوية ، وأشرنا إلى القيادة ، وأشرنا إلى الجماعة المسلمة الذين أمرهم الله أن يعتصموا بحبل الله فيكونوا أخوة أو كالجسد الواحد ، أو كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وفي القرآن الكريم أن الله – عز وجل – يحمي دينه ، ويحمي القيادة ، ويحمي الجماعة المسلمة ، وفيما يتعلق بحماية الدين قال تعالى : ” فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا إليها قوما ليسوا بها بكافرين ” وقال – جل جلاله – : ” فإن تتولوا نستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” وقال – عز من قائل – ” من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ” .. إلخ من الآيات ، فقد أشار الله إلى أن هذا الدين محفوظ كما في قوله تعالى : ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” ، وفي أكثر من موقع توجد إشارة إلى أن الله يحفظ القيادة كما حفظ موسى (ع) من فرعون ، وكما حفظ الرسول الأعظم (ص) من كيد اليهود في طفولته ، وكما حفظ علي بن أبي طالب (ع) في زحمة الحروب ، وكما حفظ الإمام السجاد (ع) ، وكما يحفظ الإمام المهدي (عج) الآن ، كما أن الله يحفظ الجماعة المسلمة كما قول الرسول الأعظم (ص) في غزوة بدر ” لأن تهلك هذه العصبة لا تعبد بعدها أبدا ” ولهذا فقد نصرهم الله بعد أن كانوا أذلة لأن بقاء الدين يتوقف على بقائهم . وهذه السورة تشير إلى عنصر رابع في المشروع الإسلامي وهو الشعائر والمؤسسات الدينية، وأن الله -عز وجل -يحمي الشعائر والمؤسسات الدينية كما يحمي الهوية والقيادة والجماعة المسلمة، فحماية الكعبة هو حماية للشعائر الدينية وحماية للمؤسسات الدينية، ولأن الشعائر جزء من المشروع الإسلامي فيجب علينا أن نحمي الشعائر والمؤسسات الدينية كالمساجد والمآتم وغيرها كما تنبهنا لذلك الآية.

الخطبة السياسية: الشعائر الحسينية خط أحمر

بعد هذه الوقفة مع هذه السورة الشريفة أقف عند قضايا الساحة الوطنية، وأشير إلى السابقة الخطيرة جدا جـدا في ظل الإصلاحات، والمتمثلة في الحد من ممارسة الشعائر الدينية بمحاولة منع خروج المسيرات العزائية ليلة البارحة في العاصمة المنامة، وأقول بأن هذه سابقة خطيرة جدا جـدا ولا مثيل لها في ظل الإصلاحات وأعلق على هذه الحادثة في عدة نقاط: –

النقطة الأولى: أن المجلس الإسلامي الأعلى هو ثمرة من ثمار قانون أمن الدولة، وأنه وليد عقلية وأفكار وحسابات ومخططات تلك المرحلة، وهذه مرحلة قد انتهت ودخلنا في مرحلة جديدة بفكر جديد وعقلية جديدة وحسابات جديدة، فأرجو ألا يفكر البعض في عودته للماضي.

النقطة الثانية: أن هناك فتاوى صريحة جدا بحرمة التعامل مع هذا المجلس، وهذه فتاوى يستحيل علينا تجاوزها، وربما يهرج البعض ويقول: بأن هذا تدخل خارجي في الشان الداخلي. فهذا تهريج ودون تفاصيل، نعم. هناك تفكير صحيح يقول بأن البحرين لها كأي دولة خصوصياتها، ونحن بحاجة إلى مرجعية فقهية لمعالجة قضايا الساحة المحلية تأخذ بعين الاعتبار هذه الخصوصيات، وينبغي للحكومة أن تفكر بهذه التفكير ونفكر نحن أيضا بهذا التفكير، ولكن. ينبغي على القيادة السياسية أن تعرف مع من تتعامل، وليس من الصحيح والمنطقي أن تحاول فرض بعض الأشخاص على الناس بالقوة، هذه قضية في غاية الأهمية، والتفكير المنطقي الواقعي هو وحده الكفيل بحل هذه المشكلة، وكل المحاولات الملتوية محكوم عليها بالفشل والشعب واع لها تماما، وهو قادر على كشف كل الألاعيب وقادر على مواجهتها أيضا.

النقطة الثالثة: هل. هذا سؤال. هل هناك من يفكر بان يحقق في ظل الإصلاحات ما عجز عن تحقيقه في ظل قانون أمن الدولة ؟!!!! وهل نخسر نحن في ظل الإصلاحات ما لم نخسره في ظل قانون أمن الدولة ؟!!!!. هيهات والله. وأقول أيضا: هل هناك حمقى يريدون أن يفتحوا أبواب المواجهة التي تتعلق بالشعائر في هذه المرحلة من الإصلاحات ؟!!!!. الشعائر الدينية خط أحمر، وهناك فرق كبير جدا بين الترهات التي تذكرها الصحافة وبين التعرض للشعائر الدينية، فقد تعاملنا بكل تسامح مع ترهات وإثارات الصحافة، ولكن الموقف فيما يتعلق بالشعائر مختلف جدا، لأنه يتعلق بكرامة الإنسان، والمصير الوجودي للإنسان في علاقته مع الله، ولا يجوز لأحد أن يناقش في هذا الموضوع، كما أن الدستور وميثاق العمل الوطني كفلا حرية الشعائر، والبحرين تفتخر في المحافل الدولية بأنها تعطي لكل الأديان حريتها في إقامة الشعائر. اليهودي يقيم شعائره بحرية، والنصراني يقيم شعائره بحرية، والبوذي يقيم شعائره بحرية، فهل نحرم من حقنا في إقامة شعائرنا ؟!!! وبدل أن نحصل على حماية لإقامة شعائرنا تتدخل بعض القوى لحرماننا من هذا الحق وفي ظل الإصلاحات، وهي ما عجزت عن تحقيقه في ظل قانون أمن الدولة، ما يعني هذا ؟!!!

نحن لا نتوقع من سمو الأمير -حفظه الله -أن يقدر ويحترم حرية الشعائر وإنما نتوقع منه أن يتدخل لتقييد وتكبيل تلك الأيدي التي تحاول أن تمس بحرية إقامة الشعائر، وأن هذه محاولات عابثة لا طائل منها وأنها مضرة تماما بالإصلاحات، وسمو الأمير على رأس الدولة، وهو مسئول عن حماية كافة أبناء شعبه، وأن يحصل كافة أبناء شعبه على حقوقهم وفي مقدمتها حرية إقامة الشعائر.

قد تكون هناك حسابات خاطئة ، ولكن الذين خرجوا البارحة كلهم يرفضون المجلس الإسلامي الأعلى ، ولا أظن بأن هناك عاقلا يجامل أقلية معزولة على حساب الأكثرية ويراهن عليها إذا نظرنا إلى الحسابات الحسية وكان ذلك بحسن ظن ، أما إذا كانت هناك ألاعيب ، فهي ألاعيب مكشوفة ولن نسمح لها بالمرور فيما يتعلق بحرية الشعائر ، وإذا كان الكلام في هذا المجال عن الديمقراطية ، فالديمقراطية تعني التنوع واحترام الخصوصيات للجماعات المختلفة ، لأن الديمقراطية لا تعني تحت أي عنوان وأي شعار تضييق وإلغاء خصوصيات الجماعة ، ويجب على كل جماعة أن تحتفظ بخصوصياتها وتـُحترم هذه الخصوصيات .

وأرجو ألا يأتي أحمق ويقول: بأن كلام عبد الوهاب كلام طائفي، وأنتم توقعوا ذلك، لأن احتفاظكم بهويتكم ودفاعكم عن حقوقكم هو الطائفية. هكذا يقال، وأنتم بين خيارين. إما أن تتخلوا عن هويتكم ولا تطالبوا بحقوقكم فتكونوا مواطنين صالحين، أو أن تحتفظوا بهويتكم وتدافعوا عن حقوقكم وتكونوا طائفيين، وعليكم بالاختيار. إما أن تختاروا ما اختاره الله لكم أو تختاروا ما اختاره الناس لكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 21 رمضان 1422هـ الموافق 2001/12/7 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى