خطبة الجمعة | 23-11-2001

الخطبة الدينية: الوحدة من مفهوم قرآني -دروس من سيرة الإمام الحسن عليه السلام

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا * وذاكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا * وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) صدق الله العلي العظيم.

(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) الآية الشريفة المباركة تخاطب الجماعة المسلمة وتأمرهم بشيء وتنهاهم عن شيء آخر. تأمرهم بالاتحاد وتنهاهم عن التفرق والتمزق والاختلاف.

الاعتصام: يعني التمسك بالشيء مخافة الوقوع فيما يحذر منه ويخاف.

والحبل: هو الحبل المعروف لديكم، ويستخدم كما في هذه الآية كناية عن الوسيلة التي يُتوصل من خلالها إلى المطلوب.

فإذا كنت تطلب غاية وتتوسل لها بوسيلة فيعبر عن هذه الوسيلة بالحبل، وحبل الله هو الذي يربط بين الإنسان وبين الله، والذي يوصل الإنسان إلى رضا الله وجنته، ويوصله إلى سعادة الدنيا والآخرة، ولعلماء التفسير واستنادا للروايات الواردة عن الرسول الأعظم (ص) وآل بيته الطيبين الطاهرين ثلاثة أقوال: –

القول الأول: أن حبل الله هو الإسلام.

القول الثاني: أن حبل الله هو القرآن.

القول الثالث: أن حبل الله هم أهل البيت (ع).

ولكن يمكن الجمع بين هذه الأقوال في معنى واحد، فنستطيع أن نقول: بأن حبل الله هو دينه وصراطه المستقيم الذي يتمثل إجمالا في الإسلام، والتمسك بالإسلام يكون من طرفين:

الطرف الأول: التمسك بالإسلام كمشروع إلهي وكمنهج شامل في الحياة، وأن الذي يعبر عن هذا المشروع وهذا المنهج، والذي يرسم ويصور هذا المشروع هو القرآن بتعاليمه، وسنة الرسول الأعظم (ص)، وأهل البيت (ع)، فيكون التمسك بالإسلام من خلال القرآن ومن خلال السنة.

الطرف الثاني: التمسك بالإسلام من طرف القيادة التي تحمل هذا المشروع وتعبر عنه وتعكس المشروع في حياتها وتخطط له التخطيط الواعي لتطبيقه وتنفيذه على الأرض وقيادة المؤمنين، فإنه لا قيمة للمشروع بغير قيادة، فالقرآن لوحده غير قادر على إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإنما القرآن مع الرسول الأعظم (ص)، وبعد الرسول القرآن مع أهل البيت (ع). فهناك علاقة وثيقة بين المشروع والقيادة ، فقيمة المشروع وتنفيذ المشروع على أرض الواقع يحتاج إلى القيادة الواعية القوية التي تفهم المشروع فهما جيدا وصحيحا ، وتؤمن بالمشروع وتعمل من أجله ، فإذا كانت القيادة لا تفهم المشروع فهما جيدا ، فلا قيمة عملية – بقياس المشروع – إلى هذه القيادة ، وإذا كانت القيادة تفهم المشروع ولكنها لا تؤمن إيمانا فعليا بهذا المشروع ، فأيضا لا قيمة لهذه القيادة وهذه القيادة جديرة بالسقوط ، وإذا كان هناك قيادة تفهم المشروع فهما جيدا ، وتؤمن به إيمانا نظريا ، ولكنها لا تعمل من أجله وإنما تعمل من منطلقات المصالح الخاصة أو منطلقات عصبية أو عرقية فهذه القيادة يجب أن تسقط أيضا لأنها لا تنتمي للمشروع ، فالقيادة ذات القيمة – بالنظر إلى المشروع – هي القيادة التي تفهم المشروع فهما جيدا ، وتؤمن به إيمانا عمليا ، وتعمل من أجله لا من أجل مصالح خاصة ، وتنطلق منه في حياتها العملية ولا تنطلق من أي منطلق آخر .

(واعتصموا بحبل الله جميعا) أي مجتمعين على الاعتصام (ولا تفرقوا) فالآية أمرتنا بأن نتحد ونهتنا عن التفرق، والتفرق يكون بحالتين: –

الحالة الأولى: هي الاختلاف في الدين نفسه، بأن تفترق الآمة إلى مذاهب وفرق، (تفترق أمتي إلى اثنين وسبعين فرقة).

الحالة الثانية: أن نتفرق إلى جماعات وأحزاب و (كل حزب بما لديهم فرحون).

والقرآن الكريم ينهانا عن ذلك، فيأمرنا بالاتحاد وينهانا عن الاختلاف في الدين والتفرق إلى جماعات وأحزاب وشيع، وكل جماعة أو حزب فرحون بما عندهم ويظنون أنهم على كل شيء والآخرون ليسوا على شيء.

الآية الكريمة أمرتنا بالاعتصام والاتحاد ونهتنا عن التفرق، ووضحت لنا الأداة والوسيلة التي يتحقق بها الاعتصام والاتحاد وعدم التفرق، وعبرت عن هذه الأداة بـ (حبل الله)، ولهذه العبارة دلالات أذكر منها دلالتين مهمتين: –

الدلالة الأولى: أن حبل الله هو دين الله، وبمعنى آخر: أن الاتحاد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التمسك بحبل الله، فإذا تخلينا عن حبل الله وهو الإسلام فلا يمكن أن يوجد إطار أو أداة يمكنها أن تحفظ وحدتنا وتمنعنا من التمزق، فالأداة الوحيدة للاتحاد وعدم التفرق هو التمسك والاعتصام بحبل الله، ولا توجد وسيلة أخرى غيرها. لا العلمانية ولا غيرها.

ومن خلال الآية يتبين لنا كيف تقلب المقاييس والمعايير، فالآية توضح في البداية مشروعية التكتل الديني أي أن نتكتل ونتجمع على أساس الدين والهوية الدينية، وأن الهوية الدينية هي أشرف وأفضل وسيلة للتكتل أو التجمع، والمطروح الآن أن التكتل على أساس الدين هو أساس للتفرق وضرب الوحدة الوطنية. لاحظوا كيف انقلب المقياس ؟!!! فالآية تقول لنا : أن التكتل على أساس الدين تكتل مشروع وأنه أشرف وأفضل إطار لذلك ، وهو الذي يحمينا من التفرق كما أنه الإطار الوحيد القادر على جمعنا ، غير أن المطروح في الساحة هو أن نتخلى عن الهوية الدينية لكي نحافظ على الوحدة الوطنية ، ومع كل توضيح إلى أن التمسك بالهوية الدينية ما هو إلا مرجعية فكرية وسياسية ، ومن خلاله نحفظ الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية لكل الناس ولكل الأطراف ، وهو لا يعني ظلم أي طرف وإنما هو حفظ لهم ولحقوقهم فأن هذه المرجعية الدينية والسياسية تحملنا على العدالة الاجتماعية وحفظ الحقوق وإقامة العلاقات الاجتماعية والإنسانية الصحيحة والإيجابية مع الآخرين والتخلص من النوازع النفسية السلبية والمصالح الشخصية .. إلخ، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، ومع كل ذلك يقولون: بأن التمسك بالهوية الدينية مضر بالوحدة الوطنية.

هم يعلمون بأن هذا كذب ومخالف للحقيقية، ولكنهم ولأنهم يعلمون بأن هذه الهوية هي سر القوة، وتحفظ وحدة وتماسك الجماعة المسلمة، فإنهم يهاجمون الهوية لكي تضرب هذه القوة، ولكي تفل هذه الوحدة. إنهم لا يجهلون حقيقة قولنا بأن التمسك بالهوية ما هو إلا مرجعية فكرية وسياسية، وليس فيه أي ظلم لأي طرف أو لأي إنسان، وأنه يمثل إطارا إنسانيا حضاريا راقيا للعلاقة مع الغير، إنهم يعلمون ذلك ويعلمون صدقه ولكنهم ولأنهم يعلمون بأن هذه الهوية هي سر القوة ووحدة الصف، ولأنهم يريدون أن يضربوا هذه القوة ويفلوا هذا الصف، لهذا فهم يريدون أن يضربوا هذه الهوية.

والتخلي عن الهوية لا يعني بالنسبة لنا وعلى أرض الواقع والحقيقة، لا يعني فقط الضعف والفشل والتفرق وإنما يعني إلغاء الوجود أيضا. هذه هي الحقيقة الناصعة التي لا يجهلها عاقل أو مجرب (الذي ليس له هوية ليس له وجود)، فأرجو أن ندرك من خلال هذه الآية الشريفة أن الانتماء والتكتل على أساس الهوية الدينية شيء مشروع، وأنه أشرف إطار ورابطة للانتماء، وأنه الأقدر على تحقيق العدالة الاجتماعية لكل الأطراف. الآية تقول ذلك، وتقول: أنه لا يمكن أن نحفظ وحدتنا ونأمن من الفرقة إلا من خلال الارتباط بهذه الهوية وهي (حبل الله المتين).

الدلالة الثانية: أن الإنسان بما هو إنسان في خطر، وأن الشيء الوحيد الذي ينجيه من الخطر في الدنيا والآخرة هو التمسك بحبل الله، فكأنما الإنسان في تصوير الآية معلق في مكان رفيع والخطر يتهدده في كل حين، وأن حبل الله المتين هو وسيلة النجاة الوحيدة له. فالآية تقول لك: يا أيها الإنسان. أنت في خطر، وأن هذا الخطر يتهددك في الدنيا والآخرة، وأن الذي ينجيك من هذا الخطر هو التمسك بحبل الله، فإذا تخليت عن هذا الحبل سقطت وهويت وتعرضت لأخطار الدنيا والآخرة، والآية هنا لا تتكلم عن الأفراد فقط وإنما تتكلم عن الجماعات أيضا.

(واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) الآية تقول: بأن الاتحاد نعمة، وذكرت لفظ النعمة مرتين في دلالة إلى أن هذه النعمة نعمة عظيمة وجديرة بأن تحصل على اهتمامنا وألا نفرط فيها. ( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء ) وهنا الآية تريد إقناعنا بأهمية الاتحاد وتحذرنا من الفرقة من خلال تجربة حية وعملية عشناها في حياتنا – وهذا الخطاب موجه للمسلمين في عهدهم الأول – فالآية تقول : بأنه قبل أن يأتيكم محمد كنتم أعداء تخافون أن يختطفكم الطير من كل جانب ، كنتم تعيشون الصراعات والنزاعات والاختلافات ، وتعيشون من أجل مصالحكم الخاصة وشهواتكم ، ولكن الله – عز وجل – أنقذكم من هذه العداوات بالقرآن وبمحمد (ص) ، فنعمة الاتحاد والخروج من العداوات والمنازعات والحروب لم تكن بالقرآن فقط وإنما بالقرآن والنبي (ص) ، فلو أن الله أنزل القرآن لوحده ولم يبعث محمدا (ص) ما كانوا ليخرجوا من هذه الصراعات والمنازعات وإنما خرجوا منها بنعمة القرآن وقيادة النبي محمد (ص) ، وهذا ما أوضحته الزهراء في خطبتها في المسجد بعد وفاة أبيها (ص) ( فأنقذكم الله بأبي محمد ) تأكيدا على دور القيادة وإثباتا لحق أهل البيت (ع) بعد الرسول (ص). فالنعمة هنا هي القرآن والقيادة. القرآن يبين لنا النهج والتعاليم الصحيحة في الحياة، والقيادة هي التي تجمع صفوفنا وتوحد كلمتنا على هذه التعاليم. فوجود التعاليم لوحدها، أو وجود المشروع لوحده غير كاف، ولكن يجب أن تكون هناك قيادة تؤمن بالمشروع وتعمل من أجله، وتنطلق من المشروع وليس من عصبياتها القبلية أو العرقية أو مصالحها الخاصة أو شهواتها ورغباتها، وإنما تعيش من أجل المشروع والناس وليس من أجل نفسها، وهذا ما يخرجنا من الظلمات إلى النور ومن العداوة إلى الاتحاد.

( فألف بين قلوبكم ) القرآن بذلك يريد أن يبعدنا عن هذه الصورة ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) يقول بأننا كمسلمين ومؤمنين لسنا على هذه الصورة الشوهاء ، حيث يرانا الناس مجتمعين ولسنا في الحقيقة كذلك ، فقد ألف بين قلوبنا والقلوب : هي مكمن الشعور وحلقة الربط بين الناس ، مما يعني أن وحدتنا صورة وحقيقة ، فإن الله – عز وجل – شرع الوحدة ، وأوجد التعاليم التي تربط بين القلوب ، وأوجد التشريعات التي تحفظ هذه الوحدة ، وأوجد القيادة التي تحفظها ، فالنعمة إذن تتمثل في تشريع الوحدة وإيجاد التعاليم والتشريعات التي تحفظها ، وإيجاد القيادة الحريصة عليها ، والتي تمثلها ، وتعيش من أجلها وليس من أجل نفسها .

(فأصبحتم بنعمته إخوانا) بعد كل هذه الأمور، ومن خلال التجربة، هل تتخلون عن هويتكم ؟!! هل تتخلون عن قيادتكم تحت أي عنوان ؟!! فالآية تبين لنا كيف نفكر؟ الآية تقول: حدقوا في الأرض ولا تنخدعوا بالكلمات الزائفة ولا تنخدعوا بالشعارات وإنما فكروا في الواقع، واستفيدوا من التجارب الحية العملية، فهذه التجارب قد مررتم بها، وعشتم العداوة والبغضاء والخصومة في كنفها، وعلمتم كيف أنجاكم الله وأخرجكم منها. ليس بالعلمانية وليس بغيرها من الأطروحات الأرضية، وليس بالقيادات الزائفة التي تعمل من أجل مصالحها وتعيش لشهواتها، وإنما بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وقيادة محمد (ص). فتعلموا كيف تفكرون وكيف تديرون أوضاعكم. هذه الآية تعلمنا الدرس، وأتت لنا بالتجربة لتعلمنا كيف نفكر، وكيف نحدد مواقفنا على أساس الحقيقة والواقع وليس على أساس التخيلات والشعارات والأقوال الزائفة.

(وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) شفا بمعنى: طرف أو حافة الحفرة بحيث من يقف عليها يكاد يسقط في الحفرة، وهنا الآية تقول: بأنكم (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) بالقرآن ومحمد (ص)، ولكن ما هي هذه النار؟ هل نار الدنيا أم نار الآخرة؟ فإذا قلنا بأن النار هي نار الآخرة، فالله -عز وجل -يحذرنا من الكفر والعصيان لله، لأن الله يقول لنا: بأنكم بسبب كفركم فإنكم على حافة السقوط في جهنم، وليس بينكم وبين جهنم إلا الموت. أن تموتوا فتعقوا في جهنم، فأنقذكم الله منها بالإسلام.

ونستطيع أن نفهم المسألة بصورة أخرى ، فلأن الآية تتكلم عن الاتحاد والتفرق ، فمرة يكون التفرق نتيجة ومرة أخرى يكون سببا ، فالتفرق كنتيجة معناه أنكم لن تتفرقوا إلا إذا تخليتم عن حبل الله المتين ، والتخلي عن حبل الله المتين نتيجته جهنم ، وقد ننظر للتفرق كسبب – وفي ذلك تحذير – وكأن الآية تقول لنا : إذا عشتم التفرق فإن ظروف التفرق لا تجعلكم تعيشون الإخلاص ولا تعيشون قضيتكم والمصلحة العامة ، وإنما تعيشون من أجل مصالحكم الخاصة ، وتنطلقون من منطلقات غير شرعية ، والتفرقة بهذا تخلق لكم ظروفا غير صحية فتجعل من تفكيركم تفكيرا غير صحي وسلوككم سلوكا غير صحي ، والنتيجة أن هذه التفرقة تؤدي بكم في محصلتها النهائية إلى نار جهنم ، فحذروا من التفرق حذركم من النار.

وقد تكون النار هي نار الدنيا وهذه أيضا لها دلالتها، فالآية تقول لنا: على أن المنازعات والخصومات والصراعات والحروب حينما تشب بين الناس فكأن الدنيا تتحول إلى جهنم، لا أمن ولا استقرار ولا راحة بال ولا سعادة فيها، وإنما فيها العناء والشقاء والتعب، فالآية تبين لنا أهمية نعمة السلامة والأمن والاستقرار في حياة الإنسان وخطر الاضطرابات والصراعات عليه، فالإنسان الذي يعيش في ظل الصراعات والاضطرابات فكأنما حياته جهنم مهما كان عنده من مال وجاه.

(كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) الآيات بمعنى: الدلائل البينة الواضحة، ومعنى ذلك: أن الله يريد أن يبين لنا طريق السلامة والأمن والسعادة والتقدم والرخاء في الحياة الدنيا والآخرة كما يبين لنا بالدلائل الواضحة طريق الهلاك والخوف والشقاء والتخلف في الدنيا والآخرة، وأن الطريق الأول هو طريق الاتحاد والطريق الثاني هو طريق الاختلاف، والسر في ذلك كله والأداة لتحقيقه هو التمسك بحبل الله أو التخلي عنه.

(لعلكم تهتدون) إلى الحق والصواب، وتستفيدون من التجارب، فقد بين الله لكم من خلال آياته الطريقين وبين لكم الأداة الموصلة لطريق النجاة، وأعطاكم التجارب، فهل تستفيدون من كلام الله وتستفيدون من التجارب أو تتبعون أقوال الناس. اختاروا لأنفسكم (فما على الرسول إلا البلاغ المبين).

ونحن في هذه الأيام نعيش الذكرى السنوية لمولد الإمام الحسن (ع)، وبهذه المناسبة أشير إلى ثلاثة دروس من حياة الإمام الحسن (ع):

الدرس الأول: شرعية وأصالة وقدسية مدرسة أهل البيت (ع). فالحسن هو ثاني أئمة أهل البيت (ع)، وهو آية من آيات شرعيتها وأصالتها وقدسيتها، وفي المفهوم الذي يحمله الإمام الحسن ونحمله نحن، بأنها (أي مدرسة أهل البيت (ع)) هي حبل الله المتين وصراطه المستقيم، ولأنها كذلك فقد دفعنا فيها ثمنا عظيما. دفعنا في هذه المدرسة ومن أجلها دم أمير المؤمنين (ع) ودم الزهراء (ع) ودم الحسن ودم الحسين ودماء الأئمة (ع)، ودماء ما لا يحصى من الشهداء، وما لا يحصى من السجناء والمشردين، وما لا يحصى من البؤس والحرمان، فقد عظم الثمن. والسؤال: هل رخص المُثــَّمَن ؟!!!! بعد هذا الثمن العظيم هل أصبحت هذه المدرسة والانتماء لهذه المدرسة رخيص ؟!!!!. لا والله. ما رخص المثمن، ولن يرخص إلى يوم القيامة، وسوف ندفع الثمن العظيم من أجل هذه المدرسة إلى يوم القيامة.

الدرس الثاني: وهو مرتبط بالإمام الحسن في قول الرسول: (الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا) فلما أن نهض الإمام الحسن بالإمامة، وكانت إمامة الحسين منصوص عليها، ومن قبل الرسول الأعظم (ص)، هل كان الإمام الحسين ينافس الإمام الحسن في إمامته أم أن الإمام الحسين كان يخضع لإمامة وقيادة الإمام الحسن؟ وهذا هو الدرس. كل كيان يريد أن يحافظ على قوته ووحدته ونجاحه فعليه أن يتخذ لنفسه قيادة واحدة، فإذا حصل التنافس بين القيادات فلن يفلح هذا الكيان.

الدرس الثالث : ونستقيده من خلال صلحه ، فالإمام الحسن صالح معاوية ، والإمام الحسين ثار ، فالدرس الذي نستفيده ، والرسالة التي نستلمها من الإمام الحسن (ع) : أننا نريد التعايش مع الآخرين ، وأن نعيش معهم بسلام ما كان إلى ذلك سبيل ، وأننا لن نخرج عن هذا الإطار وهذا النهج إلا إذا اضطررنا كما اضطر الإمام الحسين (ع) لذلك ، فإذا كان هناك سبيل للتعايش السلمي مع الأطراف الأخرى ، فنحن حريصين كل الحرص على هذا النهج ولن نخرج عنه إلا إذا اضطررنا إليه كما أضطر الإمام الحسين (ع) .الامام الحسن (ع) كان له سبيل لأن يصالح ، ورغم كل المنغصات وكل الألم وكل التنازلات خضع لهذا السبيل ، أما لما أغلقت كل السبل أمام الإمام الحسين (ع) فلجأ إلى الثورة ، وحدد الإمام الحسين (ع) نهج يزيد ” إنه ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ” فوضع الإمام الحسين بين خيارين إما أن يسل السيوف للمواجهة والحرب أو أن يعيش ذليلا ، ويقول الإمام الحسين ” وهيهات منا الذلة ” فقد علمتنا مدرسة أهل البيت (ع) أن نقبل التعايش السلمي مع جميع الأطراف ما كان إلى ذلك سبيلا ونحن ملتزمون بذلك تمام الالتزام. فنسأل الله أن يوفقنا للعيش في سلام، ويحفظنا في أمن وإيمان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 14 رمضان 1422هـ الموافق 2001/11/30 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى