خطبة الجمعة | 5-10-2001

الخطبة الدينية: دراسة لنموذج المنافق والمؤمن في ضوء الآيات

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له: اتق الله. أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد * ومن الناس يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) صدق الله العلي العظيم.

الآيات الشريفة تقدم صورة حية لنموذجين بشريين من الناس لهما حضورهما وفاعليتهما في الساحة، لنحدد في النهاية موقفنا من كلا النموذجين.

النموذج الأول: ” ومن الناس من يعجبك قوله ” يروق إليك ويسرك قوله، لماذا؟ لأنه يتكلم عن الخير والحب والعدل والإصلاح وتقدم الدين وتطور البلاد. يتكلم الكلام الذي يعجب العقلاء بحسب فطرتهم، ” يعجبك قوله في الحياة الدنيا “. لعلماء التفسير قولين في قوله ” الحياة الدنيا “: –

القول الأول: بمعنى وصفه للحياة الدنيا. فهو يذم الحياة الدنيا ويزهد فيها، ويتكلم الكلام الذي يناقض حبه للدنيا ويثبت زهده فيها، ليدلل على إخلاصه وزهده في الحياة، فليست له رغبة في الحياة وليست له مصلحة خاصة فيها، وهو حريص على المصلحة العامة. حريص على تقدم الدين وتطور البلاد -حسب ادعائه -.

القول الثاني: بمعنى أن قوله يعجب الناس في الحياة الدنيا، ويكون له تأثير في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فليس له حقيقة، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. هذا الإنسان المنافق يستطيع أن يكذب على الناس، ويستطيع من خلال قوله إن يحقق مصالحه في الحياة الدنيا، ولكنه لا يستطيع أن يخدع الله.

” ويشهد الله على ما في قلبه ” يحلف بالله. يقسم بالله على أنه صادق، وإنما في باطنه يطابق ما في ظاهره، ليوحي للناس بأنه أكثر صدقا وهو يتكلم الكلام الجميل. الكلام الذي يصدقه العقلاء بحسب فطرتهم، ولكن الحقيقة. ” وهو ألد الخصام ” أشد الناس خصومة وعداوة للدين والمسلمين، فهو يحسن صناعة القول ولكنه منافق، وضد الحب لأنه يحمل الكراهية في نفسه، ويحمل الظلم والعدوان أيضا، وهو يسعى ضد كل تقدم للدين وضد مصلحة للعباد والبلاد، وفعله يخالف قوله. ولهذا جاء قوله تعالى: ” وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد “. وإذا تولى. لهذا اللفظ ثلاث معان: –

المعنى الأول: بمعنى ذهب وانصرف. فهو يتكلم الكلام الجميل ولكن إذا انصرف عنك كان له قول آخر. يتكلم أمامك بكلام وقد يتكلم أمام أعدائك بكلام آخر.

المعنى الثاني: إذا تولى وانصرف إلى العمل، فعمله يخالف قوله. يقول عدلا ويفعل ظالما. يقول حقا ويفعل باطلا.

المعنى الثالث: وإذا تولى بمعنى ملك الحكم والسلطة.

” سعي في الأرض ليفسد فيها “. وهذا القول مثلما ينطبق على المعارضة في مرحلة معارضتها السياسية، حيث تقوم المعارضة السياسية بانتقاد الحكومة وتعد بالإصلاح، وبمجرد أن تصل إلى السلطة. تهلك الحرث والنسل، وتفعل ما كانت تنتقده في الحكومة قبل ذلك. كذلك قد ينطبق على الإنسان العابد. زيد من الناس. عمر الناس يتكلم الكلام الجميل، من أجل أن تكون له وجاهة. تكون له رمزية سياسية أو دينية أو اجتماعية، أي يتحول إلى رمز. فإذا حصل على هذه الرمزية، وحصل على المكانة الاجتماعية الرفيعة فإن عمله يخالف قوله السابق، فيعمل من أجل مصلحته وضد المصلحة العامة.

” فإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ” وهنا السعي بمعنى العمل ، والإفساد في الأرض له أكثر من شكل وأكثر من أسلوب ، فالإفساد في الأرض قد يكون عن طريق إثارة المشاكل والنزاعات بين الناس ، والتمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس الدين أو المذهب أو العرق ، وقد يكون الإفساد عن طريق الحروب ، واستخدام الأساليب البشعة وأساليب الدمار الشامل في الحرب ، مثل الأسلحة الكيميائية ، والأسلحة البيولوجية ، والأسلحة الذرية ، التي تفسد الأرض بمعنى الكلمة وتفسد البيئة ، وقد يكون الإفساد عن طريق تحريف الدين ، والتحريف الذي يفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، كما يفسد الجانب الأمني ، ويفسد كل جوانب الحياة ، فهناك تشريعات تؤدي إلى فساد الأخلاق ، وتشريعات تؤدي إلى فساد الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية .

” ليفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل ” بعض علماء التفسير ومنهم صاحب الميزان يقول في: ” ويهلك الحرث والنسل ” هو تفسير إلى الإفساد في الأرض، بمعنى أنه يفسد في الأرض عن طريق إهلاك الحرث والنسل، والحرث معناه الزرع، والنسل معناه التناسل، فهو هنا يهلك الحياة الإنسانية والحيوانية، وهذه العبارة تستخدم في حياتنا كناية عن إفساد الواقع كله. الإفساد الشامل للحياة عبر إضراره بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإضراره بالمصالح الحيوية للإنسان، وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى خطورة الإفساد والإضرار بالمصالح الحيوية للمجتمع، وكأن الآية تقول لنا: أن إنسانية الإنسان وحياته وكرامته لا يمكن أن تحفظ في ظل هذا الفساد، وينبغي أن تأخذ قضية الإفساد بكل اهتمام.

” والله لا يحب الفساد ” ولا يرضاه بل يبغضه ويعاقب عليه، فهو لا يحب الفساد ولا يحب المفسدين لأن الله يريد الحب والخير والصلاح للإنسان. فهو لا يحب الفساد عن طريق خلق المشاكل والنزاعات والفتن والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، ولا يحب الفساد عن طريق الحروب واستخدام الأسلحة المدمرة للبشرية والمجتمعات، ولا يحب الفساد عن طريق الإضرار بالمصالح الاقتصادية والحيوية للمجتمعات، ولا يجب الفساد الناتج عن تحريف الدين والتشريعات التي تؤدي إلى فساد الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكما أشرت قبل قليل. ففي الآية إشارة واضحة إلى خطوة الفساد لأنه يمس القيمة الإنسانية والكرامة الإنسانية، ولذا يجب مواجهة الفساد والوقوف في وجهه أيا كان مصدره.

” وإذا قيل له: اتق الله. أخذته العزة بالإثم ” في البداية يقول الكلام الجميل الذي يقبله العقلاء بفطرتهم، ويشهد على أنه صادق، ولكن حينما ينصح ويرشد تأخذه العزة والإثم لأنه لا يقبل النصيحة والإرشاد والتوجيه، ويعتبر نفسه فوق القانون وفوق المحاسبة وفوق النصح، وأنه سيد العقلاء جميعا ويجب أن يطاع، وأن على الناس جميعا أن يتبعوه. هكذا يفكر. ” وإذا قيل له: اتق الله. أخذته العزة بالإثم ” لم تأخذه العزة بالله، ولم تأخذه العزة بالخير، ولم تأخذه العزة بالحق والعدل، وإنما أخذته العزة بالإثم والعدوان والظلم، ولعلماء التفسير قولين في تفسير هذه الآية: –

القول الأول: أن هذا الإنسان له عزة ظاهرة. له سلطة وقوة وجاه ومال، وأن هذه العزة الظاهرة. هذه القوة: هي التي شجعته وحملته على ارتكاب الإثم والعدوان والظلم، وهي التي حرمته من أن يستفيد من النصح والإرشاد والتوجيه.

المعنى الثاني: أن الإثم والخبث اللذان في قلبه لم يسمحا له بأن يتعظ فيسمع للإرشاد والتوجيه، بل هما اللذان حملاه على الظلم والعدوان -وحسب تعبيرينا -” وكل إناء بالذي فيه ينضح “، ” والذي خبث لا يخرج إلا نكدا “.

ومن الناحية السياسية. هذه الآية تدلنا على عدة نقاط: –

1. لا يوجد إنسان -غير المعصوم -فوق النقد والمحاسبة، وفوق التعاون، لأن كل إنسان يحتاج إلى الآخرين.

2. أنها تسلط الضوء على أهمية المعارضة. فهي حينما استنكرت على الحاكم أن تأخذه العزة بالإثم لرفضه النقد والمحاسبة، فمعنى ذلك أنه يجب أن تكون هناك محاسبة ومعارضة، ويجب أن يكون هناك برنامج لهذه المعارضة يماثل البرنامج الحكومي.

” فحسبه جهنم ولبئس المهاد “. هذا الإنسان الذي يفسد في الأرض. الذي يقول حقا ويفعل ظلما. الذي يقول عدلا ويفعل باطلا. ما هو مصيره؟ ” فحسبه جهنم ” أي جهنم تكفيه عقوبة. ” ولبئس المهاد ” والمهاد بمعنى الفراش، وهذا القول في قمة السخرية من هؤلاء. فبعد التاج والفراش المخملي في الدنيا، وإذا هو يفترش ويطأ جهنم.

النموذج الثاني: ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد ” مقارنة بين صنفين:

الصنف الأول: منافق. يجيد صناعة الكلام. أناني. يعمل من أجل مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة. ظالم. خائن للأمانة. وغيرها من الصفات التي نستنتجها من الآية.

الصنف الثاني: ” من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله “. الشراء هنا بمعنى البيع، أي يبيع نفسه ويبذلها في سبيل مرضاة الله، فهو يبيع نفسه من خلال الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى درجة الموت. فهؤلاء يحبون الموت في سبيل الله كما يحب غيرهم الحياة تماما ويحرص عليها، ونستنتج من الآية بأن هؤلاء لهم عدة صفات في حركتهم وعملهم: –

الصفة الأولى: أنهم يتحركون بالدين كله وفي جميع مجالات الحياة.

الصفة الثانية: أنه يتحركون على خط الاستقامة وليس على خط الانحراف في أي جانب من جوانب الدعوة والعمل.

الصفة الثالثة: أنهم يتحركون بالعمل والسعي الدؤوب المستمر في سبيل الله، وليس بالنوم والدعة والسكون حتى آخر لحظة في حياتهم.

” والله رؤوف بالعباد ” لعلماء التفسير قولين في تفسير هذه الآية: –

القول الأول: أن الله فرض على الناس الإيمان والتقوى والجهاد ليثيبهم رحمة منه ولطف بهم.

القول الثاني وهو القول الأقوى: أن وجود هؤلاء الذين يحملون هذه الصفات في الحياة رحمة ولطف من الله بالعباد لأنه بهم يدفع الفساد في الأرض، فالنموذج الأول يفسد في الأرض وبالنموذج الثاني يدفع الفساد الأول ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض “، وبالتالي فهذه الآية تحدد موقفنا من النموذجين. فالنموذج الأول يجب معارضته ومواجهته والنموذج الثاني يجب طاعته واتباعه ومساندته، لأن الأول يفسد والثاني يصلح ” والله لا يحب الفساد.

من كل الآيات الأربع نخلص إلى درس مهم جدا في الحياة وهو: ألا نغتر بمن يجيد صناعة الكلام، ولا تغرنا البرامج التي تطرح، لأن الإنسان العاقل لا ينخدع بالكلام، فالكلام سهل، وكل إنسان يستطيع قول الكلام الجميل، ولكن يجب أن نحدد مواقفنا بناء على فعل الآخر من خلال تجربته. كيف يتصرف؟ كيف يعمل؟ كيف يتحرك؟ هكذا نحكم عليه وليس من خلال أي شيء آخر، وهذا يتعلق بالحاكم الذي يتم اختياره وانتخابه، حيث لا يتم اختياره وانتخابه من خلال أقواله وإنما من خلال أفعاله، كما أن اختيارنا لعضو البرلمان وعضو المجلس البلدي يتم بنفس المعيار الأول، وهذا يتعلق أيضا باختيارنا للرموز القيادية سواء كانت الاجتماعية أو الدينية والسياسية، ولكن وأنا أقف عند هذه الآية أتعجب كثيرا إذا وجدت من خلال التجربة أن هناك عدو. فهل يسمح العقلاء لأنفسهم بعد أن تثبت التجارب بأن جهة من الجهات عدوة أن يحالفوها ويتخذوها صديقا ويثقوا به، فكيف وثق العرب والمسلمون بأمريكا وتحالفوا معها بعد أن أثبتت كل التجارب أنها عدوة للعرب والمسلمين.

أما أسباب نزول الآيات ، فالعديد من الروايات عن مدرسة أهل البيت ومدرسة الخلفاء تقول : بأن الآية الخيرة ” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ” قد نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) حينما نام في فراش النبي ليلة الهجرة ، وهناك روايات لمدرسة الخلفاء تقول : بأنها نزلت في صهيب بن سنان حينما أراد الهجرة من مكة للمدينة ، وكان ذو مال كثير ، فقالت له قريش : لقد جئتنا ولا مال لك فكيف تخرج بمالك ، فتفاوض معهم وقال لهم : إذا هو تخلى عن ماله فهل يسمحون له بالهجرة إلى رسول الله .. قالوا : نعم ، فترك له ماله وهاجر إلى رسول الله فلما لاقاه الرسول قال له : ربح البيع يا صهيب .. ربح البيع يا صهيب، إلا أن صاحب الميزان يقول: بأن المعنى الذي ذكره علماء التفسير للفظ ” ومن الناس من يشري نفسه ” والشراء هنا ليس بمعنى الشراء وإنما معناه البيع، يدلل على أن هذه الآية أكثر مناسبة لعلي أمير المؤمنين (ع) منها إلى صهيب، وحينما نستعرض حياة أمير المؤمنين (ع) نجد أنها مصداق كامل لهذه الآية الشريفة.

الخطبة السياسية: إسقاطات من حياة أمير المؤمنين على الواقع السياسي

ونحن في مناسبة الذكرى السنوية لأمير المؤمنين، نقف على بعض الجوانب المضيئة من حياته وكل حياته مضيئة، بداية نقول: أن أسباب نزول الآية نتيجة مبيت الإمام علي (ع) في فراش النبي ليلة الهجرة، ونجد فيها درسا كبيرا للتضحية والفداء في سبيل الدين والقيادة الشرعية.

كما أن جهاد الإمام علي (ع) في عهد رسول الله (ص) لا يوجد له مثيل أو نظير من الصحابة. لا يوجد أحد يجاري عليا أمير المؤمنين (ع) في جهاده وحروبه مع رسول الله (ص)، وبعد أن انتقلت الخلافة إلى أبي بكر (رض) صار أمير المؤمنين في صفوف المعارضة، وتبين لنا سيرة أمير المؤمنين بأن للمعارضة موازين ومعايير، وليس للمعارض أن يفعل ما يشاء تحت عنوان المعارضة، وأذكر هنا نقطتان: –

النقطة الأولى : حينما جاءه أبو سفيان وعرض عليه أن يجمع له الجيوش لينقلب على الخليفة الأول ، استنكر منه أمير المؤمنين علي ابن طالب ذلك ، وبين له أن هذا الموقف ليس حرصا منه على الإسلام ، أو أن تكون القيادة الشرعية في مكانها ، وإنما هو موقف عدائي من أبي سفيان للإسلام ، وهنا نستفيد درسا بليغا : بأن المعارضة لا تعمل تحت عنوان المعارضة من أجل مصلحتها الشخصية والخاصة بما يضر الوطن والدين ، ولا تجعل الوصول إلى الحكم وسيلة على حساب مصلحة الوطن والدين ،،، ونحن نحتاج هذا الدرس في الوقت الحاضر ، لأن عنوان المعارضة لا يجب استخدامه مبررا للتعاون مع الأعداء بما يضر مصلحة الدين والوطن ، أو لنتعاون مع الأعداء في سبيل الوصول للحكومة والسلطة ، ونحن نقول : أن الإنسان المؤمن لا يفعل ذلك.

النقطة الثانية : أن الإمام علي (ع) كان يرى نفسه وأولاده امتدادا لرسول الله (ص) ، وأعرب بصراحة وبوضوح عن رأيه وموقفه المعارض للخلفاء ، ولكن مع ذلك وقف إلى صف الخلفاء وساندهم ليعطينا درسا : بأن أي مذهب من المذاهب الإسلامية لا يستطيع أن يحافظ على نفسه إلا من خلال المحافظة على الحالة الإسلامية العامة ، فإذا وقع الضرر على الحالة الإسلامية العامة فقد وقع الضرر على ذات المذهب ، وكوننا نختلف مذهبيا مع أي مذهب من المذاهب فذلك لا يسمح أن نقف ضده ، وأن نتعامل مع الأعداء ونسمح لهم بالإضرار بمسلم لأننا نختلف معه مذهبيا ، وعليه فيجب علينا أن نحافظ على الحالة الإسلامية العامة وعلى قوة المسلمين كمسلمين بغض النظر الاختلافات المذهبية ، لأنه إذا وقع الضعف في الحالة الإسلامية فتدهورت فسوف يقع الضعف على كل المذاهب بدون استثناء ، وللأسف .. فإن الكثير من المسلمين وقعوا في هذا الفخ وهذا المستنقع النتن، ويجب علينا في الوقت الحاضر أن نستوعب هذا الدرس فلا يقول قائل: أن طالبان وقفت ضد الشيعة وكفرتهم وقتلتهم فدعونا نسمح لأمريكا أن تضرب طالبان. هذا رأي غير صائب، وعلينا أن نحافظ على الأمة الإسلامية ككل ولا نسمح للأعداء بأن يضرب أي مذهب من المذاهب مهما كان الخلاف معه،

ومن النقاط المضيئة للإمام (ع): أنه حينما تولى الحكم سمح للمعارضة أن تمارس دورها بكل حرية، وأنه لم يستخدم القوة مع المعارضة إلا حينما أجبرته المعارضة على مواجهتها بالقوة نتيجة عدائها للإسلام وممارستها الخاطئة والخطيرة في العالم الإسلامي، كما فعل مع الخوارج ومعاوية وغيرهم، وهذا درس يجب الاستفادة منه، فقد مارس الإمام علي (ع) العدل مع كل المواطنين حتى اليهودي والمسيحي والذين خالفوه ” ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى ” ولأن الإمام علي بذل نفسه كلها لله، فقد قال حينما ضربه ابن ملجم: فزت ورب الكعبة، فهنيئا لمن يقول هذه المقولة في آخر لحظة من حياته

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بتاريخ 16 رجب 1422هـ الموافق 2001/10/5 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى