خطبة الجمعة | 6-7-2001
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، ومن اتبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي و سيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن و الحسين ، السلام على علي بن الحسين و أصحاب الحسين ، السلام على جميع الأوصياء و مصابيح الدجى و أعلام الهدى و منار التقى و العروة الوثقى و الحبل المتين و الصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي و أرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء .السلام على العلماء و الشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الأخوة ، و الأخوات في الله و رحمة الله و بركاته .
قال تعالى: ((قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)) صدق الله العلي العظيم. (87) سورة هود.
في الأسبوع الماضي تناولنا الآيات التي تشير إلى دعوة شعيب لقومه ، و ذكرنا بأنه (ع) دعاهم إلى التوحيد ، و ترك عبادة الأصنام ، كما أنه دعاهم إلى الوفاء بحقوق الناس كل الناس ، على اختلاف انتم آتهم الدينية و السياسية ، و دعاهم إلى الوفاء بحقوق الناس جميعا المادية و المعنوية ، و نهاهم عن النقص في الكيل و الوزن ، و حذرهم من العواقب الوخيمة للإفساد في الأرض في الدنيا و الآخرة ، و في هذا اليوم المبارك سنتناول الآية التي تشير إلى رد أهل مدين على دعوة نبيهم و ما قالوا له ؟،، و نلاحظ هنا و من خلال هذه الآية أمرين في رد أهل مدين على دعوة شعيب (ع) :
الأمر الأول : الابتعاد عن الأسلوب العلمي في المناقشة و في تقرير المصلحة الوطنية لقوم شعيب (ع) ، فنجد بأنهم لم يناقشوا الأفكار مناقشة علمية ، و لم يتناولوا تأثير الأفكار في أوضاع المجتمع تناولا علميا ، و إنما لجئوا إلى السخرية كأسلوب للضغط النفسي على شعيب (ع) ليتخلى عن موقفه ، كما لجئوا إلى محاولة التطويق العاطفي من خلال إثارة المكانة الاجتماعية لشعيب (ع) و كأنهم يريدون أن يقولوا لشعيب بأن هذه المكانة الرفيعة يجب أن تحافظ عليها و أن لا تفقدها في المجتمع ، و ذلك محاولة منهم لتنازل شعيب (ع) عن موقفه و دعوته تحت هذا التطويق العاطفي .
الأمر الثاني: نجد بأن رد أهل مدين على شعيب كان ينطلق من منطلق فصل الدين عن الحياة العامة في المجتمع، والتأكيد على الحريات الشخصية المطلقة التي لا يجوز للدين أن يقيدها أو أن يحد منها، وسوف نجد ذلك بالتفصيل في أثناء الحديث.
قوله تعالى على لسان أهل مدين ((قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ)) (87) سورة هود، هذا سؤال فأهل مدين يسألون شعيب (ع) ((أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ)) وإن هذا السؤال يسمى في اللغة العربية بالسؤال الاستنكاري، كما فيه استهزاء وسخرية بشعيب (ع)، ونجد من خلال هذا السؤال الاستنكاري عدة نقاط وهي:
النقطة الأولى: إنهم يعتبرون دعوة شعيب (ع) لقومه إنما هي من إيحاءات الصلاة، وإن صلاة شعيب (ع) هي التي أوحت إليه بما دعاهم إليه من التوحيد وترك عبادة الأصنام وعدم نقص الكيل والوزن وعدم الإفساد في الأرض، وكل هذه الدعوات هي من إيحاءات الصلاة.
النقطة الثانية: إنهم يرفضون هذه الدعوة وهذه الإيحاءات المتولدة من الصلاة، لماذا؟ لأنهم يرون ما يراه العلمانيون في الوقت الحاضر تماما، وهو فصل الدين عن الحياة العامة، فليس للدين الحق أن يتدخل في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وإن القضايا العامة في المجتمع يجب أن تعالج بعيدا عن الرؤية الدينية، كما ينطلقون مما تنادي به العلمانية في الوقت الحاضر وهو أن لا دخل للدين في الحريات الشخصية، فلا دخل للدين في مأكل الناس وملبسهم ومسكنهم، ولا دخل للدين في عقيدة الناس. العلمانية في الوقت الحاضر تقول بأن العقيدة و الشعائر الدينية هي لله ، و هي من الشؤون الشخصية ، أما التشريعات و المعاملات فهي للناس ، و إنه ليس للدين الحق في التدخل في الشئون العامة و الاقتصادية و الاجتماعية ، و إن هذه الشؤون يجب أن تعالج بعيدا عن الرؤية الدينية ، كما أنه ليس للدين الحق في أن يتدخل في القضايا الشخصية و الحياة الشخصية أو أن يحد منها ، فمثلا : ليس له الحق في أن يتدخل في مسألة اللباس كحجاب المرأة مثلا ، و ليس له الحق في أن يتدخل في المأكل و المشرب كحرمة الخمر مثلا ، و ليس له الحق في أن يتدخل في المسكن …الخ .
فهذه النظرة تختلف تماما عن النظرة التي يراها فقهاء الإسلام وهي إن الإسلام منهج شامل للحياة، كما نلاحظ أيضا بأن العلمانية الحديثة لم تأتِ بشيء جديد، حيث نجد من خلال هذه الآية بأن أهل مدين ينطلقون من نفس المنطلقات التي تنطلق منها العلمانية في الوقت الحاضر وبدقة فائقة، فأهل مدين كما ذكرت يرون بأن دعوة شعيب هي من إيحاءات صلاته وإنهم يرفضون هذه الدعوة من منطلق فصل الدين عن الحياة العامة، وعدم أحقية الدين في التدخل في الشؤون الخاصة أو الحد من الحريات الخاصة.
النقطة الثالثة: نجد أن أهل مدين يجهلون ويرفضون -في الوقت نفسه -المعاني والأبعاد العميقة الواقعية للصلاة، فمن الأبعاد والمعاني العميقة الواقعية للصلاة ما يلي:
1) رفض أو نبذ كل ما يعبد من دون الله -عز وجل.
2) تنفيذ شرائع الله في جميع مجالات الحياة، ومعنى ذلك إن العقيدة ترتبط بالشرائع كما ترتبط بالشعائر، وإن الدين بعقائده وأحكامه وشعائره يرتبط بأوضاع المجتمع.
3) من الأبعاد العميقة الواقعية للصلاة ((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)) (45) سورة العنكبوت، أي أن الصلاة تعمل على تزكية وتطهير نفس المصلي وتوقظ في نفس المصلي الإحساس بالمسؤولية الدنيوية والأخروية.
4) إن الصلاة تحصن المصلي من التقليد الأعمى للآباء والأجداد، كما تحصنه من الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين.
5) إن الصلاة تقوي الإنسان في إرادته ومواقفه.
و نجد إن أهل مدين يجهلون هذه الأبعاد و يرفضونها ، كما يلاحظ ذلك من أقوالهم ، (( أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )) قوله تعالى (( أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا )) فأهل مدين كانوا يعبدون الأصنام و هي عبادة آباءهم و أجدادهم ، كما كانت الدعارة و الرذائل منتشرة بينهم ، و السبب في ذلك توفر الثروة الواسعة و غياب الرادع الديني ، كما نجد من جوابهم لشعيب (ع) إنهم لا يريدون أن يتركوا عبادة ما كان يعبده آباءهم و أجدادهم ، كما رفضوا دعوة شعيب (ع) لهم بالتوحيد ، توحيد الله في العبادة ، و ذلك لثلاثة أسباب كما نفهمها من خلال التأمل من الآية الشريفة و هي :
1) إن قوم شعيب (ع) ينظرون إلى الدين وإلى العقيدة والعبادة أنها من الشؤون الشخصية ومن الحريات الفردية التي لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها.
2) إن قوم شعيب (ع) ينظرون لعبادة الأصنام بأنها جزء من التراث القومي أو الوطني الذي يجب الوفاء له والمحافظة عليه وإنه من الأصالة الثقافية للمجتمع.
3) إنهم يرون بأن هذا الوضع أي اعتبار الدين من الشؤون الخاصة التي لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها واعتبار عبادة الأصنام جزءا من التراث القومي والوطني، يرون هذا هو ما تقرره سيرة العقلاء، وخلاف ذلك سنفهمه في آخر الآية بأنه سفهٌ في الرأي.
((أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء)) وهنا يستنكرون على شعيب (ع) كما استنكروا عليه دعوته إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام، استنكروا عليه أيضا دعوته لهم الوفاء بالكيل والوزن، وعدم بخس الناس حقوقهم. لماذا؟
أولا: لأنهم يرون ما تراه العلمانية في الوقت الحاضر وهو الحرية المطلقة في التصرفات المالية بعيدا عن الجوانب الأخلاقية والإنسانية.
ثانيا: إنهم يرون ما تراه العلمانية في الوقت الحاضر بمقولتها: (دعهُ يعمل دعهُ يمر) مما يعني الحماية القانونية لعمليات الإفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تحت عنوان الاقتصاد الحر، الذي يقوم على أساس الربح والخسارة أو على السوق -كما يقولون -بعيدا عن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية. وكما ذكرت في أول الحديث بأنهم يستنكرون تدخل الدين في الشؤون الاقتصادية لأن هذا شأن عام وليس للدين الحق في أن يتدخل في الشؤون العامة، ولا يمكن أن تعالج هذه الشؤون العامة وفق الرؤية الدينية، لأن الدين يجب أن يكون مفصولا عن الشئون العامة، ولهذا استنكروا على شعيب (ع) بأن يأمرهم بالوفاء وعدم نقص الكيل والوزن وإن هذا تدخل وحد من الحرية المطلقة في المعاملات المالية، كما إنه تدخل في الشأن الاقتصادي وهذا ما لا يجوز.
ومن خلال هذه النظرة يرى قوم شعيب (ع) بأن أوضاعهم الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي كانوا عليها هي ما تقره السيرة العقلائية، وإنما ما يدعوهم إليه شعيب (ع) من وحي صلاته هو سفهٌ في الرأي، كما أنه عبارة عن وسوسة وجنون، فالعلمانية هي الأصل في تفكير أهل مدين.
((قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)) صدق الله العلي العظيم. (87) سورة هود ، (الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هو الإنسان المتعقل الذي يتروى في إصدار الأحكام و لا يتعجل القول أو الرأي في قضية من القضايا قبل أن يدرسها ، الدراسة الوافية ، هو الهادئ واسع الصدر الذي يمتلك نظرة عميقة و بعيدة للأمور ، و يزن الأمور بميزان دقيق ، و يأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد في معالجة القضايا ، و مثل هذا الإنسان الحليم الرشيد لا يجوز له أن يسفه عقيدة قومه أو أن يهين التراث القومي أو الوطني ، كما أنه لا يتوقع منه أن يعمل على الحد من الحريات الشخصية لأبناء قومه في عقيدتهم و معاملاتهم الاقتصادية أو غيرها ، و لهذا فهم يستنكرون على شعيب (ع) و هو الحليم الرشيد هذه التصرفات و هذه الدعوة ، و للمفسرين قولان في تفسير قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) :
القول الأول: إن هذا القول محمول على السخرية والاستهزاء بشعيب (ع) يقولون بـ (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) ويقصدون عكس ذلك، ويقصدون بأن شعيب إنسان سفيه وضال، وقالوا إنك لأنت الحليم الرشيد من باب السخرية والاستهزاء، وهذا يدخل في إطار الضغط النفسي من أجل تحطيم الغير المخالف له في الرأي أو الموقف.
القول الثاني: القول الآخر للمفسرين في قوله تعالى (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) قالوا على نحو الحقيقة، ويقصدون فعلا بأنه حليم رشيد، وبما أنك حليم رشيد فلا ينبغي لك أن تدعو لما دعوت إليه، لأن ذلك خلاف السيرة العقلائية، كما أنك لك المكانة الرفيعة في المجتمع وعليك أن تحافظ على هذه المكانة، وهذا يدخل فيما أسميناه بالتطويق العاطفي، حيث مخاطبة الفرد من خلال مكانته الاجتماعية الرفيعة وعليه أن يحافظ على هذه المكانة، لأن من شأن هذه الدعوة أن تبعده عن مكانته المرموقة أو الرفيعة. و في الحقيقة فإن هذه الأساليب لا تجدي نفعا مع الأنبياء و مع الدعاة المخلصين ، لأنهم لا ينطلقون من ذواتهم و إنما ينطلقون من خط الرسالة ، و ينطلقون من المصلحة الوطنية أو القومية لمجتمعاتهم بعيدا عن مصالحهم الخاصة و الذاتية ، و إن الأنبياء أو الدعاة إذا أرادوا أن يعززوا مكانتهم في المجتمع أو أن يكسبوا ثقة المجتمع فيهم فإنهم لا يحاولون أن يفعلوا ذلك انطلاقا من ذواتهم و إنما انطلاقا من رسالتهم ، و أن يعززوا ثقة الأمة في الرسالة ، و أن يجمعوا صفوف الأمة حول المصالح القومية أو الوطنية ، و بالتالي فإن هذه الأساليب سوف تكون فاشلة مع الأنبياء و الدعاة المخلصين .
بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة التي رد فيها أهل مدين على دعوة نبيهم نأتي إلى بعض القضايا المهمة على ساحتنا الوطنية.
القضية الأولى: أول هذه القضايا العلاقة مع غير الإسلاميين وموقف آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم منها، تحدثت كثيرا حول هذا الموضوع ومازال هذا الموضوع حتى اليوم.
ذكرت في الأسبوع الماضي أننا ندعو للوحدة الوطنية على أساس التنوع والاختلاف ومعنى ذلك أن كل تيار من حقه أن يحتفظ بهويته الدينية والسياسية ، فالعلماني يحتفظ بهويته ، والإسلامي السني يحتفظ بهويته ، والإسلامي الشيعي يحتفظ بهويته ، وكل تيار وتجمع يحتفظ بهويته ، وأن الوحدة الوطنية تقوم على هذا الأساس ، وبالتالي فإننا نتعاون في المشترك ، والمشترك إما أن يتعلق بالمصالح الوطنية العليا ، أو يتعلق بالمصالح المشتركة بين التيارات المختلفة ، أما في المسائل الفكرية والسياسية والاقتصادية أو أي مسألة أخرى من مسائل الشأن العام فإننا نتحاور على أساس قواعد وآلية وآداب الحوار ، وإن هذا الموضوع – أعني آلية وآداب الحوار – فقد تحدث فيه الكثير ، وفيما يتعلق بالمصالح المتعارضة بين التيارات نحتكم فيها إلى آلية اللعبة الديمقراطية ، وذكرت في أحاديث سابقة بأن آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم لا يرفض التنسيق مع غير الإسلاميين ، ولا يرفض التحاور معهم ، ولا يدعو إلى نقص حقوقهم المادية أو المعنوية كمواطنين ، كما أن آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم إذا انتفض على بعض دعوات التنسيق فذلك لأنه يلمس أو يخشى أن تكون الدعوة أو فكرة التنسيق قائمة على أساس النيل من الهوية أو الثوابت الإسلامية ، وإذا اطمأن آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بأن التنسيق ليس على حساب الهوية أو الثوابت الإسلامية فإنه لا يرفض ذلك ، وإن هذه المسألة أشرت إليها في الأسابيع الأولى بعد خروجي من السجن .
أما المسألة الثانية والتي تتعلق بالتنسيق فهي ما تسمى بـ (التمكين)، ما هو التمكين؟ حيث يقال بأن هذه المسألة غامضة وغير واضحة ومن واجبي أن أوضحها الآن : العلمانية مدرسة فكرية تختلف مع الإسلام ، حيث تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة ، وفصل الدين عن الشئون العامة ، وهذا يتعارض مع المشهور بين علماء وفقهاء وعموم المسلمين ، حيث أن الإسلام عندهم منهج شامل في الحياة ، والعلمانية تتعارض مع هذا المبدأ ، وبالتالي فإن التمكين يعني فيما يعني أن نترك العلمانية تتحرك كفكر على حساب الفكر الإسلامي وهذا مرفوض ، فيجب علينا مناهضة العلمانية كفكر ، ولا نسمح للعلمانية أن تنتشر على حساب الفكر الإسلامي ، هذا من معاني التمكين ، والتمكين من ناحية أخرى تتعلق بالوجود السياسي ، فالعلمانية مرة تكون فكرة في أذهان العلمانيين أو في كتبهم ، ومرة تكون وجودا سياسيا في قبال الوجود السياسي الإسلامي ، فهل نسمح لهذا الوجود السياسي أن يتمكن ويتأصل ويقوى على الأرض على حساب الوجود الإسلامي السياسي ؟! طبعا لا نسمح. فلا أحد يختلف حول هذه المسألة، ولا أتوقع بأن العلمانيين لا يتفهمون ذلك لأن ذلك منهج العقلاء، كما أن العلمانيين ومن خلال الصحافة وغيرها لا يريدون للوجود السياسي الإسلامي أن يكون على حساب الوجود السياسي العلماني، ومن حقهم أن يدافعوا ويعملوا في سبيل ذلك، كما أن هذا جانب من جوانب تعارض المصالح.
أما فيما يتعلق بمشاركة العلمانيين في المحافل العامة، فليس هناك اعتراض حول قيام الندوات التي يشترك فيها جميع ألوان الطيف السياسي والفكري في البلد فيها وهذا وجد. ولم نسمع بأن هناك من عارضها ، حيث أقيمت الكثير من هذه الندوات والمحاضرات في النوادي والجمعيات وغيرها ،،، وإنما هناك اختلاف حول رأي سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي (حفظه الله) وآية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم حينما سألوا واستفتوا حول مسألة السماح للعلمانيين بالتحدث من خلال منبر المسجد والمأتم فرفضوا ذلك ، لأن هذه المنابر إسلامية ، أما بالنسبة لنا فنحن لا نستفتي العلمانيين في المسائل الدينية ، كما أنهم لا ينبغي لهم الإفتاء في المسائل الدينية الخاصة ،،، أما فيما يتعلق بالشئون العامة كالتجنيس والبطالة وحقوق الإنسان والقضايا القومية والإسلامية كالقضية الفلسطينية فالكل يشترك فيها ،،، أما بالنسبة لي أنا شخصيا أرى بأن مصلحة الإسلام أن يشترك العلمانيون حتى في المساجد والمآتم على اعتبار إسلامهم ولكن أقول بصراحة ووضوح : على أرض الواقع لن أخالف ولن أكسر قرارات آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم أو قرارات سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي ، لأن هؤلاء في موقع أكبر من عبدالوهاب وأن أهمية هؤلاء للناس أكبر بكثير من أهمية عبدالوهاب ، وأن المصلحة الإسلامية والوطنية تقتضي أن نحافظ على هؤلاء أكثر من محافظتنا على عبدالوهاب ، ولكن لا يمنع هذا أن يذهب عبدالوهاب إلى آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم أو سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي ويناقشهما في ذلك ويمكن أن تكون هناك قناعة مشتركة في النهاية ،،، ومن ناحية أخرى ينبغي على الرموز العلمانية أن تتفهم ذلك ، ويمكننا أن نقيم حوارات ومنتديات مشتركة في غير المساجد والمآتم لأنها ليست موضوع اختلاف .
القضية الثانية: ظهرت في الصحف المحلية اتهامات لعبد الوهاب حسين إما باسمه الصريح أو بالإشارات الواضحة، وأذكر من هذه الاتهامات أربع وهي:
1-التهمة الأولى: تشويه سياسة البلد العامة، والتشكيك في مصداقية التجربة البرلمانية القادمة ومصداقية الإصلاحات.
2-التهمة الثانية: أنه ينطلق في فكره وعمله من منطلقات طائفية بحتة، وأن ذلك على حساب المواطنة وعلى حساب الحس الوطني والمصلحة والوحدة الوطنية.
3-التهمة الثالثة إن صح بأن يقال بأنها تهمة: فإن عبد الوهاب لا يملك رشدا فكريا وسياسيا، وخبرته وتجاربه في المجال السياسي محدودة للغاية.
4-التهمة الرابعة: أن أفكاره وأطروحاته في الندوات والمحاضرات ومنتدياته الخاصة وجلساته المفتوحة وحركته في المجتمع إنما هي جزء من حملته الانتخابية للفوز بمقعد في البرلمان.
أما بالنسبة لقولهم بأنني لا أمتلك رشدا فكريا وسياسيا فقد سمعتم قبل قليل في أثناء الحديث عن الآية بأن أهل مدين قالوا لشعيب ذلك فلا ضير . ،، وأما عن قولهم ( بأن عبدالوهاب لا يمتلك خبرة وتجارب في المجال السياسي و أن خبرته محدودة في هذا المجال ) فأقول : بأنني أعمل حسب علمي وأتحمل مسئولية ما أقول وأفعل ، ولا ألقي بمسئولية ذلك على أحد ، وأقول بأنه لا أحد ولدته أمه عبقريا وكلنا نتعلم من التجارب وإن العاقبة من نصيب المصلحين الذين يعملون بأساليب علمية صحيحة ، أما فيما يخص (التهمة الرابعة) بأن عبدالوهاب يمارس ذلك كجزء من الحلمة الانتخابية ومن أجل الفوز بمقعد في البرلمان فأقول : والله يعلم ما أقول ، بأنه لا فرق عندي بأن أكون داخل البرلمان أو في خارجه ، ولا فرق عندي بأن أكون داخل البرلمان في زنزانة السجن الانفرادي ، ولا فرق عندي أن أكون في داخل البرلمان أو في داخل القبر ،،، المهم عندي أن يحصل كل مواطن على حقوقه كاملة بغير استثناء وبغير تمييز بين المواطنين .
أما بالنسبة (للتهمة الأولى) حيث تشويه السياسة العامة والتشكيك في مصداقية التجربة البرلمانية القادمة والحركة الإصلاحية فسوف أترك الحديث في هذا الموضوع للأسبوع القادم.
أما بالنسبة (للتهمة الثانية) وهي أن عبد الوهاب ينطلق في فكره وعمله من منطلقات طائفية بحتة، وأن ذلك على حساب الحس الوطني والمصلحة الوطنية والوحدة الوطنية. أقول في ذلك:
أولا: بأنني دعوت إلى الوحدة الوطنية على أساس التنوع والاختلاف كما دعوت أيضا إلى الحوار والتنسيق الشامل ويشمل ذلك الحكومة وقوى المعارضة، كما دعوت أيضا إلى دولة الإنسان والقانون والمؤسسات، الدولة التي يتساوى فيها المواطنون كل المواطنين بغير استثناء في الحقوق والواجبات.
ثانيا: أنني فكرا وعملا أتجاوز المذهبية للإسلامية والوطنية، وقد مارست ذلك على الأرض، وإنني أدعو وأمارس إيجاد الرؤية والمشروعات المشتركة إسلاميا ووطنيا وما زلت ملتزما بذلك.
ثالثا: يوجد. يوجد. يوجد على الأرض تمييز طائفي وأنا أدعو إلى رفع هذا التمييز ، وإن هذا التمييز معلوم وملموس لدى كل المواطنين ويتكلم فيه كل المواطنين ، ودعوتي ليست من منطلق طائفي وإنما من منطلق إنساني وإسلامي ووطني ، لأن هذا التمييز مخالف لمبادئ الدستور وميثاق العمل الوطني ، ومبدأ وشعار البحرين للجميع ، فإذا انطلقنا من منطلق تفعيل مبادئ الدستور والميثاق ، وإذا انطلقنا من منطلقات إنسانية وإسلامية ووطنية ، وإذا انطلقنا من منطلق مصلحة الوطن الذي يتساوى فيه الجميع ويتعاون فيه الجميع ، الوطن الذي يخلو من الأحقاد والأضغان ، يجب أن ندعو إلى رفع التمييز بين المواطنين ، وإذا كنا نريد حقا أن نحافظ على الوحدة الوطنية فيجب أن ندعو إلى رفع التمييز الطائفي بين المواطنين ، الذين يتهمون عبدالوهاب بأنه ينطلق من منطلقات طائفية بحتة أقول بأن هؤلاء غير ديمقراطيين ، وأنهم لا يؤمنون إيمانا عمليا صادقا بمبادئ الميثاق والدستور ، وأنهم ليسوا حريصين حرصا حقيقيا وعمليا بمبادئ الميثاق والدستور ، وأنهم ينطلقون حقيقة وكأنهم يرون الواقع الحالي القائم على التمييز .. يرونه طبيعيا يجب أن يقر ونحافظ عليه، وأن الدعوة إلى تغيير هذا الوضع هو الطائفية، وأنا أسأل من هو الطائفي؟ الذي يوجد التمييز بين الطوائف على الأرض، والذي يرسخ التمييز على الأرض، والذي يدافع عن هذا التمييز على الأرض. أم الذي يدعو إلى رفعه ويطالب برفعه. الذي يوجده ويرسخه ليس طائفيا، والذي يدعو إلى رفع هذا التمييز من منطلقات إنسانية وإسلامية ووطنية، والذي ينادي بتفعيل مبادئ الدستور والميثاق في هذا المجال هو طائفي؟ ما هذا المنطق المعكوس ؟!. هو طائفي لأنه ينادي بشيء على حساب الوضع القائم الذي يخدم مصالح البعض، والذين يحاولون أن يطروا لمصلحة طائفة على حساب طائفة أخرى، ولا يأطرون إلى المصلحة الوطنية العامة، ولا يدعون إلى السلم العادل بين أبناء الوطن الواحد ليسوا طائفيين! أليس هذا منطقا معكوسا تماما، كمنطق الإسرائيليين تماما. أقول هذا لا من باب التشهير، فإسرائيل ودول الاستكبار العالمي تسمي المجاهدين في فلسطين الذين يدافعون عن حقوقهم بالإرهابيين، بينما تحمي رموز إسرائيل، فهذا نفس المنطق وليس من باب التشهير وإنما هذا هو المنطق المعكوس، الذي يواجه الحقائق بالمغالطات، والذي يواجه الحقائق بالحرب الإعلامية، وأنا أدعو من خلال هذا المنبر إلى أربعة أمور وهي: –
الأمر الأول: إدانة التمييز الطائفي واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون.
الأمر الثاني: أن يقوم ديوان المراقبة الإدارية بالتفتيش في الدوائر والوزارات الحكومية وفي كل المواقع على أرض البحرين للتحقق من عدم وجود تمييز، ومحاسبة ومعاقبة من يمارس التمييز على أرض الواقع.
الأمر الثالث: أن يقوم كل مواطن بالإبلاغ عن كل ممارسة تمييز يجدها في أي موقع من المواقع، كما أدعو الأشخاص الذين يقع عليهم التمييز ويتضررون من ذلك بالتظلم إلى المسئولين والقيادة السياسية.
الأمر الرابع: أدعو إلى إيجاد آلية لتفعيل مبادئ الدستور وميثاق العمل الوطني المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص، وذلك من خلال التالي:
أولا: الإعلان عن الوظائف الشاغرة والترقيات في الإعلام المحلي: الإذاعة والتلفزيون والصحافة.
ثانيا: إخضاع كل من يتقدم لطلب الوظائف العامة والترقيات للاختبار على أن تشرف لجنة محايدة على الاختبارات وتصحيحها، وهذه اللجنة تخضع بدورها للرقابة الإدارية.
ثالثا: أن يحصل المواطنون الذي يتقدمون للامتحانات على الوظيفة بحسب درجات نجاحهم، وفي الختام أقول وبكل إخلاص بعد هذا التوضيح: بأن الاتهامات لن تقدم ولن تأخر شيئا، وأنه ما دام هناك حق مهدور فسوف أدافع عن هذا الحق أيا كان صاحبه، ولن تردعني الاتهامات مهما كانت. وأن باب الحوار العلمي مفتوح للجميع، والحمد لله رب العالمين.
بتاريخ 14 ربيع الثاني 1422هـ الموافق 2001/7/6 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات