خطبة الجمعة | 18-5-2001

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من شر نفسي ومن شر الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين، السلام على علي بن الحسين وأصحاب الحسين، السلام على جميع الأوصياء ومصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء. السلام على العلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة -المرحومين إن شاء الله -، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الأخوة، والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى: ” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ” (9) سورة الزمر صدق الله العلي العظيم
(أفمن هو قانت آناء الليل) القانت: هو المداوم على طاعة الله والقنوت بمعنى الطاعة الدائمة والخضوع لله عز وجل (آناء الليل) بمعنى: ساعات الليل، أوقات الليل، فالآية الشريفة تعقد مقارنة بين صنفين من الناس.
الصنف الأول: هو الصنف الذي يداوم على طاعة الله في جميع الأحوال.
الصنف الثاني: هو الصنف الذي يطيع الله في حالات ويعصيه في حالات أخرى، وهذا بدوره ينقسم إلى قسمين:
هناك صنف من الناس يغفلون في حياتهم عن طاعة الله (فإذا مسهم الضر دعوا الله منيبين) وإذا كشف الله عنهم الضر عادوا ثانية إلى الغفلة والمعصية.
والصنف الثاني: هم الذين يعبدون الله ويطيعونه في حالة الرخاء، أما في حالة البلاء فيميلون عن طاعة الله فهم يعبدون الله على حرف كما قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ “(10) سورة العنكبوت أو كما يقول الإمام الحسين (ع): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم. فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) وأسوء من ذلك هو الذي ينقطع تماما عن طاعة الله في العسر واليسر، والآية “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا” تسأل هل يستوي هذا الصنف من الناس الذين يستمرون على طاعة الله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء وأولئك الصنف المنقطع كليا عن طاعة الله عز وجل أم الذين يعبدون الله في حالات وينقطعون عن عبادته في حالات أخرى؟
فالآية تعقد مقارنة بين الصنفين وتقول عند الله وعند العقلاء لا يستوون، فالذي هو خير عند الله وعند العقلاء هم الذين يداومون على طاعة الله في جميع الأحوال.
(أفمن هو قانت آناء الليل) ساعات الليل، وذكر ساعات الليل لأن العبادة والطاعة في أوقات اليل لها ميزتان:
1. الميزة الأولى: بأن الإنسان في ساعات الليل يكون أكثر توجها وانقطاعا إلى الله عز وجل وإن القلب أكثر حضورا في ساعات الليل منه في ساعات النهار.
2. الميزة الثانية: إن الطاعة لله عز وجل في ساعات الليل تكون أكثر صفاء ونقاء من شوائب ووباء الرياء والسمعة ونستفيد من ذلك درسا مهما وهو:
الاهتمام بإتقان العمل واستكمال صورة الأحكام فحينما تصلي صلاة صحيحة وفق الأحكام الشرعية ومستوفية لها وكذلك حينما تصوم وتحج وتزكي وتخمس… إلى آخره فيجب عليك أن تؤدي هذه الأعمال بالصورة الصحيحة بالإضافة إلى ذلك:
الاهتمام بإخلاص النية لله عز وجل حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وحينما تجاهد وتصلي وتصوم، فعليك أن تجعل عملك خالصا لوجه الله عز وجل (أفمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) قدم السجود على القيام. فالصلاة فيها السجود والركوع والقيام،،، السجود والركوع والقيام قد يكون لها دلالات أخرى كما يشير إلى ذلك العرفاء غير أننا نشير فقط إلى تقديم السجود على القيام لأنه أقرب ما يكون العبد إلى الله – عز و جل – في حالة السجود، و قد ذكر إن من مستحبا ت السجود الدعاء، و الصلاة على محمد و آل محمد (ص) من أفضل الأدعية و في الحديث بما معناه أن رجلا من الصحابة مر على رسول الله (ص) و هو يصلح حائطا فعرض الصحابي على الرسول (ص) أن يعينه على إصلاح الحائط، فسمح الرسول له بذلك، فأخذ الصحابي يصلح الحائط، و الرسول الأعظم (ص) جالسٌ في الظل، و بعد أن فرغ الصحابي من إصلاح الحائط جاء فجلس إلى جانب الرسول (ص) فقال له الرسول (ص) ما حاجتك ؟ فقال له: الجنة. فأطرق الرسول (ص) برأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه وقال: أعنا على ذلك بطول السجود… فهذا الصحابي ذكي جدا، حيث استطاع أن يستثمر الفرصة ويشتري أغلى الأشياء بأقل ثمن.
فحينما سأله الرسول الأعظم (ص) عن حاجته لم يطلب شيئا من الدنيا بل طلب أغلى شيء ألا وهو (الجنة) فقد عرف الصحابي من الرسول (ص) وما هي مكانته عند الله؟ أن الرسول باستطاعته أن يعينه على تحقيق طلبه هذا فمعرفة الصحابي لمكانة الرسول (ص) جعلته يستثمرها أحسن استثمار.(يحذر الآخرة) يخاف الآخرة يخاف من عقاب الله قس اليوم الآخر (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )(88، 89) سورة الشعراء (ويرجو رحمة ربه) لم يقل الله عز وجل يرجو رحمة الآخرة لأن رحمة الله تشمل الدنيا والآخرة،،، فهذه الآية الكريمة تبين لنا أهمية الثواب والعقاب في العمل وإن كل إنسان يعمل بدوافع، فلا يوجد سلوك إنساني بغير دافع و الآية القرآنية تبين لنا بأن هناك ثمة دوافع لكل إنسان مع وجود فوارق أساسية بين دوافع السلوك عند الإنسان المؤمن وعند غيره فالإنسان غير المؤمن في الوقت الذي يحذر مرارة الحياة الدنيا وألمها ويرجو منافعها بينما الإنسان المؤمن في الوقت الذي يحذر مرارة الحياة الدنيا وألمها ويرجو خيرها يحذر أكثر ما يحذر من عذاب الآخرة ويرجو أكثر ما يرجوه رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة، كما إن الإنسان المؤمن يقف بين الحذر والرجاء وبين الخوف والعشق إلى الله عز وجل فالإنسان المؤمن عاشق لله خائف من نقمته وإن هذا الخوف و هذا العشق يؤثر في سلوكه و حياته و استقامته مع الله – عز و جل – ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) قل يا محمد، قل للناس مستنكرا عليهم و منبها إياهم (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الذين يعلمون الحقائق السابقة و الذين لديهم علم بحقائق الأمور، العلم الذي يؤثر في حياتهم و يُكمل ذواتهم و يجنبهم مرارة الحياة الدنيا و مرارة الحياة الآخرة،،، و هنا تنبيه إلى الأمور الآتية :
1) أهمية وشرف العلم والعلماء، على أن يرتبط هذا العلم بحياة الناس في المحافل، ولا بأس أن يكون علما دنيويا نافعا، وليس ضارا كمثل الذي يصنع القنبلة الذرية لتدمير الناس، وكذلك العلماء الذين ينفعون الناس بعلمهم وليس العلماء الذين يراءون بعلمهم أو يتقربون إلى الحكام وما شابه ذلك بعلمهم، فالآية تنبه إلى شرف العلم النافع والعلماء الذين ينفعون الناس.
2) كما تبين العلاقة بين الحالة الأولى (أ فمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) وهي حالة الصفاء والتوجه إلى الله -عز وجل -وعلاقتها بالعلم، فكلما كان الإنسان في حالة صفاء وتوجه كان أقدر على تحصيل العلم الحقيقي والنافع وأقدر على توجيه علمه وتوظيفه لخدمة الناس ومنافعهم.
3) تبين بأن هناك تفاوت بين درجة وقيمة العلوم، فالعلوم الدنيوية نافعة من أجل النهوض بحياة الإنسان في هذه الحياة، ويجب الاهتمام بها بمقدار الكفاية، إلا أن قيمة هذه العلوم تفنى بفناء الدنيا، إلا إذا كان الاهتمام بها من أجل المنافع العامة للناس قربة لله تعالى، فإنها مثل النفقة الجارية. بينما علم العقائد والأحكام التي ترتبط بكمال الإنسان الوجودي، فإن منفعتها للإنسان تكون في الدنيا والآخرة، وهذا يعني أن يلتفت الإنسان إلى قيمة هذه العلوم، وأن يعطيها ما تستحق وألا تشغله الحياة الدنيا عن آخرته.
فالإنسان العالم يعيش النور ويعرف طريقه في الحياة، والإنسان الجاهل يعيش الظلام ولا يعرف طريقه فيتخبط في الحياة، فإذا ضرَّ فبغير قصد وإذا نفع فبغير قصد أيضا. والعلماء العاملون بعلمهم أفضل عند الله والعقلاء من الجهَّال الذين يتخبطون في الحياة.
وفي الآية الشريفة بعض الدروس التي نستفيد منها في برنامجنا السياسي:
1) تشير الآية لأهمية العلم وبالتالي توفير فرص التعليم لجميع أبناء الشعب بغير استثناء.
2) الاهتمام بمراكز البحوث والدراسات.
3) عدم التمييز بين المواطنين في التعليم على أي أساس كان، فالعلم قوة وبالخصوص في الوقت الحاضر والتمييز فيه خطران:
الخطر الأول: إنه جريمة يعاقب عليها القانون.
الخطر الثاني: إنه سبب من أسباب تخلف المجتمع، فتوفير العلم لطائفة وحرمانه من طائفة أخرى مثلا لا يمكَّن المجتمع من النهوض.
4) كما إننا نحتاج إلى مجانية التعليم الجامعي والعالي للفئات المحدودة الدخل، حيث إن هناك الكثير من الفقراء يوجد لديهم التأهيل الذهني للتعليم الجامعي ولكن ليس باستطاعتهم أو مقدورهم توفير الأموال اللازمة لذلك فيجب علينا توفير التعليم الجامعي المجاني لمثل هؤلاء، فإذا لم نتبنى توفير التعليم الجامعي والعالي لكافة أبناء الشعب فيجب علينا توفيره مجانا للمؤهلين من أبناء ذوي الدخل المحدود.
5) كما يجب علينا أن نربط التعليم في المرحلة الثانوية والمعاهد والجامعات بسوق العمل وتلبية حاجاته من الأيدي العاملة المدربة والمؤهلة تأهيلا قويا فتصبح البحرين قادرة على المنافسة في السوق العالمي المفتوح.
6) كما يجب علينا الاهتمام بالتعليم الديني، فالعلم في ذاته شريف سواء كان دينيا أم دنيويا، من أجل منفعة الإنسان في دنياه وآخرته، حيث إن الإنسان لا يعيش الحياة الدنيا بمعزل عن الآخرة، ولا الآخرة بمعزل عن الدنيا، فكل العلوم في نفسها تفنى بفناء الإنسان وتبقى قيمتها إذا ارتبطت بالمنافع العامة والآخرة، أي عملها الإنسان قربة إلى الله تعالى، والعلم الذي ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة هو العلم الذي يرتبط ببناء ذاته وإكمال ذاته وربطه بالله -عز وجل -وربطه بالآخرة. مما يدفعنا للاهتمام بالعلوم الدنيوية والمعاهد الدينية لكل أبناء الشعب بغير استثناء.
(إنما يتذكر أولوا الألباب) الذين يميزون بين القانتين على غيرهم والعلماء على الجهَّال هم أصحاب العقول الراجحة وهم العقلاء حقيقة.
وبعد هذه الوقفة مع الآيات الشريفة نشير إلى نقطتين مهمتين في الساحة الوطنية المحلية:
1) أهمية المذاكرة و الدراسة لأبنائنا الطلاب في المرحلة الجامعية و المراحل الأخرى الثانوية و الإعدادية و الابتدائية فالامتحانات على الأبواب و قد تعرفنا من خلال الآيات السابقة على أهمية العلم و أن العلم نور و العلم مهم لتطوير حياتنا لهذا النور و النهوض بمجتمعنا لتطوير حياتنا من خلال العلم، كما إننا محتاجون للتنافس في الساحة الدولية العلم، فليس بمقدورنا تطوير أنفسنا و إثبات وجودنا و رفع مستوانا المعاشي إلا بالعلم، فكم من إنسان فقير من خلال اهتمامه بالتعليم وصل إلى أفضل الدرجات، و العكس صحيح، فكم من إنسان غني تدهورت حياته المعيشية لأنه لم يهتم بالتعليم فالاهتمام بالتعليم خاصة مسؤولية عامة، و على الآباء أن يحثوا أبناءهم على الدراسة كما أن على الأبناء أن يهتموا من تلقاء أنفسهم بالتعليم و التحصيل العلمي و الحصول على أعلى الدرجات بعيدا عن التكاسل و التسويف، و عليهم البدء بالمراجعة في أقرب فرصة ممكنة، و هذا أملنا فيهم.
2) القضية الأخرى: إنني أشكر الأخوة في قرية القدم القائمين على المهرجان في الليلة الماضية لما بذلوه من جهود كبيرة، وإني في غاية السرور حيث لا أعتقد بأني أكثر سرورا من غيري الذين حضروا المهرجان، وإن قيام هذا المهرجان له عدة دلالات:
· الاهتمام الشعبي والالتفات للقضايا المصيرية كقضية فلسطين وربط مناسباتنا الدينية بقضايانا المصيرية.
· إن قيام مثل هذه المهرجانات يدل على وعي القائمين بصفة خاصة والشعب عموما بطبيعة المرحلة وما تحتاجه.
· بروز الإبداع في الإعداد والتحضير والتقديم في هذا المهرجان.
· كما يدل هذا المهرجان على أهمية المبادرة الشعبية في إحياء المناسبات الدينية والمصيرية فبادروا ثم بادروا.
· يلاحظ غياب التغطية الإعلامية للمهرجان، وهذا يثير ما أثرناه في مناسبات سابقة من غياب الإعلام وعدم ارتباطه بهاجس الشارع العام، مما يتنافى مع حاجة وطبيعة الحركة الإصلاحية التي تمر بها البلاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
بتاريخ 24 صفر 1422هـ الموافق 2001/5/18 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات