خطبة الجمعة | 3-8-2001
أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي ومن سوء عملي ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .
قال تعالى: ” نون والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن لك لأجرا غير منون، وإنك لعلى خلق عظيم ” صدق الله العلي العظيم.
في الحديث السابق تناولنا الآية الأولى، ” نون والقلم وما يسطرون ” وقلنا بأن الله جل جلاله يقسم في هذه الآية بالقلم والكتابة تنبيها لثلاثة أمور: –
الأمر الأول: أن القلم والكتابة نعمتان عظيمتان من الله جل جلاله على عباده.
الأمر الثاني: التأكيد على أهمية هاتين النعمتين في حياة الإنسان.
الأمر الثالث: التوجيه لهاتين النعمتين والاستفادة منهما في تطوير الحياة ونشر الدعوة الإسلامية.
قوله تعالى: ” ما أنت بنعمة ربك بمجنون ” وهو جواب للقسم، وخطاب للنبي الأعظم (ص)، حيث وصفه أعداؤه بالجنون، والآية الشريفة فيها إثبات، وفيها نفي، وفيها للعلاقة بين النفي والإثبات. الإثبات للنعمة ” ما أنت بنعمة ربك … ” الآية تثبت أن الله جل جلاله أنعم على نبيه محمد (ص) بنعم كثيرة وكبيرة ، من هذه النعم كما يقول علماء التفسير العقل الواسع الكبير ، ومن هذه النعم النبوة العظيمة ، ومن هذه النعم العصمة ، أما النفي فهو نفي صفة الجنون عنه كما وصفه به أعداؤه ، وتبين العلاقة بين النفي والإثبات ” ما أنت بنعمة ربك ” وهنا الباء تسمى بباء السببية أو المصاحبة ومعناها : ما أنت بسبب نعمة ربك أو ما أنت مع نعمة ربك بمجنون ، فالعقل الكبير والعلم الواسع الذي يملكه النبي محمد (ص) ، والذي اعترف به أعداؤه ، هل يكون معه النبي محمد (ص) مجنونا ، هل يشك أحد في عظمة عقل محمد ، هل يشك أحد في علم محمد على اختلافه معه ، السيرة التي عليها النبي محمد في الدعوة إلى الله ، هذه السيرة الطاهرة التي كان عليها النبي محمد في الدعوة إلى الله ، في تعامله مع أصحابه وأعدائه .. هل يمكن أن يكون النبي محمد مع هذه السيرة مجنونا، لا يقول بذلك إلا مجنون،
بعد ذلك، هناك لطائف ونكات فكرية جميلة جدا في الآية، فيها دروس ينبغي أن نقف عندها. ” ما أنت بنعمة ربك ” الله جل جلاله ينسب نبيه إليه ، ” نعمة ربك ” الكاف للنبي محمد ، وكما يقول علماء التفسير أن في هذا التعبير في هذه الآية فيه تلطف من الله إلى نبيه ، وتودد من الله جل جلاله إلى نبيه ، وتكرم من الله عز وجل على نبيه ، في هذه الآية تسلية ومواساة من الله لنبيه العظيم ، وهذا يكشف لنا أهمية الدعم والمساندة للدعاة لأن الداعية في حياته يحتاج إلى الدعم والمساندة ، وأن أول من يأمله لدعمه ومساعدته قبل كل شيء هو الله ، ثم الملائكة ، ثم صالح المؤمنين قوله تعالى ” فإن تظاهر عليك فإن الله هو مولاك وجبريل صالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرا ” وهذا الدعم له أهمية كبيرة جدا في تثبيت الداعية ، وفي صمود الداعية ، وفي تقدم الداعية ، وفي إبداع الداعية ، فالرسول الأعظم (ص) رغم عظمته ومدح الله جل جلاله له يقول عنه ” لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ” حينما يتعرض الإنسان المؤمن الداعية إلى الحرب المعنوية فإن هذه الحرب تهدد هذا الإنسان المؤمن بالتراجع والضعف أمام هذه الحرب المعنوية ، فإذا لم يحصل على الدعم فقد يحصل له التراجع ، فهذه الآية تشير إلى أن النبي رغم عظمته فهو تحت وطأة الحرب المعنوية كاد أن يركن إليهم ، وهو لم يركن إليهم ولن يركن إليهم لسببين أساسيين :-
السبب الأول: أنه مع الصدق والإخلاص في الدعوة والمواقف، فإن الدعم الإلهي، ودعم الملائكة، ودعم المؤمنين ونصرتهم جميعا متحقق لا محالة.
السبب الثاني: أن تراجع الإنسان المؤمن عن دعوته يعد خلافا لقناعاته الراسخة، وبالتالي حصول الخذلان والخسارة في الدنيا والآخرة ” لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ” وبالتالي فإن الإنسان المؤمن الصادق المخلص لن يتراجع عن مواقفه، ولكن ليس معنى ذلك أنه لا يحتاج إلى الدعم والمساندة.
النكتة الثانية التي تشير إليها الآية الشريفة: وصف أعداء النبي للنبي بالجنون ” ما أنت بنعمة ربك بمجنون “، وقلنا بأن رجاحة عقل النبي وعلمه الواسع وسيرته الطاهرة لا يمكن أن يختلف فيها، حيث لا يمكن أن يختلف اثنان من العقلاء في ذلك إذن لماذا تجرأ أعداؤه على وصفه بالجنون ؟! هذه الجرأة وهذه الوقاحة لماذا؟! … النبي (ص) يحمل مشروعا إصلاحيا وهو قوي في مواقفه، وأعداؤه يحملون مشروعا مضادا، وقد فشلوا في احتوائه واستمالته ” ودوا لو تدهن فيدهنون “، ولكنهم ضعفاء في أطروحاتهم ضعفاء في مواقفهم تجاه النبي، فكيف يعالجون هذا الضعف تجاه النبي (ص). يعالجونه بالكذب في الأطروحات والظلم في المواقف ، كما قال الإمام السجاد (ع) : ” إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ” فالقوي في أطروحاته ومواقفه لا يحتاج إلى الكذب في أطروحاته والظلم في المواقف ، فهذه الآية تبين لنا بأن المشروع المضاد حينما يكون ضعيفا في الأطروحات ضعيفا في المواقف فهو يضطر إلى الكذب وإلى الوقاحة في الكذب ، أي أن يتجرأ على وصف (ص) بالجنون ، وهنا يأتي السؤال : كيف نتعامل مع المشروع الإعلامي المضاد ؟ ، وقبل الإجابة على هذا السؤال نطرح سؤالا آخرا : هل كان هناك خطأ في خطاب النبي (ص) ، وهل وصفه بالجنون نتيجة لخطأ في خطابه وأطروحاته ؟ أم أن الأمر يتعلق بحقيقة وأبعاد المشروع المضاد؟ لا يوجد خطأ في أطروحات وخطاب النبي ، ولكن حقيقة وأبعاد المشروع المضاد ، والضعف الموجود حملت أصحاب هذا المشروع على الكذب والافتراء ، لهذا حينما نتعامل مع المشروع المضاد يجب أن نتعامل معه بوعي وأن نتفاعل معه إيجابياً ، فالله جل جلاله لم يلم النبي محمد ولم يقل له أنك أخطأت في خطابك ، وإنما كشف حقيقة وأبعاد الخطاب المضاد ، أتباع النبي محمد (ص) لم يتفاعلوا إيجابيا مع المشروع المضاد ، لم يلوموا النبي لأنهم يعلمون الصدق وصحة المشروع الذي يحمله النبي محمد (ص) ، وهم يعلمون تماما حقيقة وأبعاد وكذب المشروع المضاد ، ولهذا لم يتفاعلوا إيجابيا مع المشروع المضاد .
أيضا في خطاب الآية الشريفة يبين الله لنبيه أن أبعاد المشروع المضاد حينما وصفه بالجنون لم يكن يستهدف النبي (ص) شخصا وإنما استهدفه بوصفه حاملا للرسالة ، فأصحاب المشروع المضاد يعترفون للنبي محمد بالكفاءة العالية ، ولديهم كل الاستعداد لتمكين النبي محمد (ص) لو أنه مال معهم في مشروعهم ، ولكن لأنه رفض أن يتخلى عن مشروعه وأصر على مواقفه … حاربوه ، فهنا لم يكن النبي محمدا مستهدفا في نفسه لأنهم يشهدون له برجاحة العقل وسعة العلم والسيرة الطاهرة ، ولكن هذه التهمة وهذا الوصف جاءا ضمن الحرب المضادة للنبي محمد لإسقاطه بوصفه صاحب مشروع نتيجة لإصراره على مشروعه ، ولو أنه لاين لما اضطر أعدائه لحربه .
” ما أنت بنعمة ربك بمجنون ، وإن لك لأجرا غير منون ” الأجر بمعنى الثواب ، وهو ثواب يوم القيامة ، وغير منون بمعنى دائم وغير منقطع ، وفي هذه الآية تبيان لأهمية الأجر والثواب ، وأهمية اتباع مبدأ الدعم في المواقف ، وفي الآية إشارة إلى أن النبي سوف يكون سعيدا في الآخرة ، وأنه سيحظى بالأجر العظيم من الله يوم القيامة ، وكان الخطاب موجه من الله للنبي : ماذا يضرك من مواقف أعدائك وظلمهم لك وأنت تأمل وترجو الزلفى والقرب من الله يوم القيامة ” إن لك مقعد صدق عند مليك مقتدر ” وفي ذلك تسلية للنبي محمد (ص) ، إلا أن التأمل الدقيق في الآية يعطينا أن الإنسان المؤمن ليس سعيدا في الآخرة فقط وإنما في الدنيا أيضا .. الإنسان المؤمن سعيد في الدنيا وهو بين قضبان الحديد ، الإنسان المؤمن سعيد في الدنيا والسياط تأكل وتنهش في جسده ، الإنسان المؤمن سعيد وهو يقترب من المشنقة ، لماذا؟! ، لأن الإنسان المؤمن يشعر دائما بأنه يعمل الخير ، ويدعو إلى الحق ويمارس العدل بين الناس ، وهذه الدعوة تشعره بأنه مرتاح الضمير ، كما تشعره بالقرب من الله عز وجل ، وبالتالي فهو يعيش الفرح الروح والسعادة النفسية ، فالآية الأولى تبين حجم السعادة التي يشعر بها النبي (ص) في الدنيا وهو يقاسي الآلام في دعوته ، وهو أيضا سعيد في الآخرة بالثواب العظيم الذي يمنحه له الله عز وجل على دعوته ، وإن لك أجرا أي ثوابا على دعوتك وصبرك ، كما أن لك أجر وثواب الذين اتبعوك إلى يوم القيامة ، وبهذا الدعم فالنبي قوي في مواقفه قوي في دعوته ، وبالتالي فهذه السعادة ، وهذا الفرح المعنوي الذي يعيش الإنسان المؤمن في الدنيا ، والثواب الذي يرجوه في الآخرة هو ما يمتاز به الإنسان عن غيره وبالذات أصحاب الدعوات المادية ، لأن مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تولد قيما معنوية صحيحة ومنطقية حين تعرضها لأي شدة في الحياة وذلك أن أصحابها يعيشون جفافا روحيا ، فهم لا يعيشون السعادة كما أنهم لا يجدون شيئا بعد الموت ، وحينما نرى في أصحاب الاتجاهات المادية مواقفا من هذا القبيل ، فهي ليست نابعة من اتجاهاتهم المادية لأن اتجاهاتهم المادية لا يمكن أن تولد مواقفا معنوية ، وإنما تنبع من الفطرة .. ما تبقى من فطرتهم الصافية التي فطرهم الله عليها، وإلا فإن هذه المواقف تتناقض تناقضا منطقيا مع أفكارهم، فالإنسان المؤمن يعيش الانسجام مع فكره ويعيش الانسجام مع روحه ويرجو الثواب العظيم من الله عز وجل، فبالتالي فهو يعيش السعادة في الدنيا ويرجو السعادة في الآخرة وهو بذلك قوي في مواقفه.
” وإنك لعلى خلق عظيم “، الخلق: الملكة النفسانية التي تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، فإذا كان هناك شخص يحمل صفة الجود كخلق فهو يمارس الجود بتلقائية ودون تكلف، وإذا كان خلقه الشجاعة فهو يمارس الشجاعة في المواقف التي تتطلب الشجاعة بدون تكلف أي بسهولة، واختصارا نشير إلى أن الخلق يجب أن يتصف بثلاث نقاط: –
النقطة الأولى: أنه مكتسب، أي ليس شيئا غريزيا، فهناك فرق بين عاطفة الأمومة وبين الشجاعة، فعاطفة الأمومة رغم أنها شيء مقدس وعظيم إلا أنها لا تعد خلقا لأنها غريزة فطرية، بينما الشجاعة خلق لأنها مكتسبة.
النقطة الثانية: الثبات، لأن الخلق لا يزول، وبالتالي لا يمكن للإنسان أن يكون شجاعا في وقت وجبانا في وقت آخر، كما لا يمكن أن يكون الكريم كريما في وقت وبخيلا في وقت أخر، لأن الأخلاق شيء راسخ وثابت.
والنقطة الثالثة: أنه يصدر بسهولة ويسر وبدون تكلف، وسهولة الخلق ويسره لأن مستوى الثبات والرسوخ في الأخلاق يدل على أنه شيء يشبه الخلقة، وتنقسم الأخلاق إلى قسمين: –
الفضائل: وهي الأخلاق الحسنة مثل الجود والشجاعة والعفة وهي أخلاق ممدوحة.
الرذائل: وهي الأخلاق المذمومة، مثل البخل، والجبن والظلم.
” وإنك لعلى خلق عظيم ” هذه الآية تمجد شيئين : تمجد الأخلاق الحسنة ، ونمجد النبي (ص) ، فهي تمجد الأخلاق لأن الأخلاق الحسنة شيء عظيم يستحق الثناء كقوله (ص) : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” وكقوله : : ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ” وقوله : ” إن الإنسان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ” وقولة : ” عليكم بحسن الخلق ، فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة ، وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة ” فهذه الآية تمجد حسن الخلق وتمجد النبي (ص) أيضا ” وإنك لعلى خلق عظيم ” ، ” أدبني ربي فأحسن تأديبي ” ، ” كان خلقه القرآن ” ويقول علماء التفسير بأن الله عز وجل لم يخاطب أحدا غير النبي محمد بهذا الخطاب ، ولم يصف أحدا غير النبي محمد بهذا الوصف ، وهذا يبين لنا عظمة النبي محمد لأنه يمثل الأنموذج الكامل للإنسان ، ويحمل الأنموذج الكامل للدين ، والأنموذج الكامل للكتاب ، ولا يمكن لغير النبي محمد أن يحمل الإسلام والقرآن ، كما أن حقيقة النبي محمد مساوية لحقيقة القرآن والإسلام ، ولهذا اعتبر خاتم الأنبياء ، لأنه ليس هناك إنسان كامل أكمل من النبي محمد يأتي بعده ، وليس هناك كتاب أكمل من القرآن ولا شريعة أو دين أكمل من الإسلام …
بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة، نأتي إلى قضية من قضايا الساحة الوطنية، وأكتفي بقضية واحدة، وهي تصريح سعادة وزير الإعلام ونفيه بأنه لا توجد معارضة لا شيعية ولا سنية في البحرين، وقبل التعليق على التصريح توجد الحاجة إلى توضيح بعض النقاط:
النقطة الأولى: بأن سعادة الوزير لم يرد على من أجريت له المقابلة وإنما رد على جريدة الحياة.
النقطة الثانية: بأن جريدة الحياة لا تحتاج لدفاع عبد الوهاب عنها، لأنها تمتلك القدرة للدفاع عن نفسها، وهي مسئولة عن ذلك.
النقطة الثالثة: أن الهدف من هذا التعليق هو توضيح مبدأ مهم في العمل الوطني، ولتحقيق المصلحة الوطنية، أيضا قبل أن أدخل في التعليق توجد حاجة لتوضيح مبدأين مهمين يتعلقان بالمعارضة.
المبدأ الأول: يتعلق بالعلاقة بين المعارضة والحركة الإصلاحية، الله جل جلاله يقول: ” لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ” بمعنى أن الحركة الإصلاحية في لغتنا السياسية وحسب حديثنا مثل حاجتها للحكومة فهي تحتاج للمعارضة، ولا يمكن أن تكون هناك حركة إصلاحية ناضجة ومتطورة بغير وجود المعارضة، وقد شبهت في أحاديث سابقة العلاقة بين الحكومة والمعارضة بالعلاقة بين الأديب أو الفنان والناقد، وهنا نستنتج نتيجتين أساسيتين:
– أن الفن أو الأدب لا يمكن أن يتطور إلا بوجود الناقد، فوجود الفنان ووجود الأديب لوحدهما لا يضمن لنا التقدم في مجال الأدب والفن، وإنما الذي يضمن لنا التقدم في مجال الأدب والفن هو وجود الأديب إلى جانب وجود الناقد، كذلك في الفكر السياسية والممارسة السياسة، لا يمكن أن يتطور الفكر السياسي والممارسة السياسية إلا إذا وجدت الحكومة ووجد إلا صفها المعارضة، ووجود الحكومة لوحدها لا يمكن أن يضمن لنا تطور الفكر السياسي والممارسة السياسية، ولا يضمن لنا تطور الحركة السياسية.
– إن العلاقة بين الأديب والناقد هي علاقة تعاون وتكامل وليست علاقة عداء ، بل من الممكن أن يكون الناقد والأديب أو الناقد والفنان أخوين أو صديقين ، كذلك العلاقة بين الحكومة أو المعارضة في مفهومنا هي علاقة تعاون وتكامل ، ولا تعني بأي حال من الأحوال العداء والخصومة ، ويمكن أن يكونوا أصدقاء ، فحينما تطرح الحكومة مشروعا بناء يجب على المعارضة أن تدعم هذا المشروع ، وتسعى لإنجاح هذا المشروع ، لأن الحكومة والمعارضة يجب أن يتفقوا على المصلحة الوطنية وتأمين المصالح العليا للوطن ولا يختلفوا من أجل الاختلاف .
النقطة الثانية التي أريد توضيحها في مبدأ المعارضة : أن المعارضة ترتبط ارتباط جذري وعضوي بمبدأ حرية الرأي والتعبير ، لإنه من الطبيعي جدا أن يختلف بنو الإنسان في فهم وتفسير القضايا ، مع الاختلاف في الرأي نضمن حرية الرأي والتعبير ، وإذا تمت إدارة الاختلاف في الرأي مع ضمان حرية التعبير فسوف يؤدي إلى تقدم الحياة ، وبالتالي حينما تكون المعارضة تمثل الرأي المختلف اختلافا علميا وموضوعيا مع الحكومة بضمان حرية التعبير لها ، ثم إدارة هذا الاختلاف وهذه الحرية إدارة حسنة فسوف يؤدي هذا الاختلاف إلى تقدم وتطور الحياة ، وأن أي مجتمع أو أي دولة توجد فيها المعارضة وتمتلك العارضة حرية التعبير فذلك يعد فخرا لهذه الدولة ، فليس شيئا إيجابيا أن لا تكون معارضة وهذا بالطبع شيء سلبي حينما نقول بعدم وجود معارضة ، وأن هناك خطأ في الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي في البلد .
فإذا جئنا إلى تصريح سعادة وزير الإعلام: بأنه لا توجد معارضة لا سنية ولا شيعية، فإذا كان هذا التصريح المراد منه نفي مبدأ المعارضة فهذا لا يعد مفخرة للبحرين. لا يعد شيئا مشرفا للبحرين ، الذي يشرف البحرين أن تصرح القيادة السياسية ويصرح المسئولون في الدولة بأنه يوجد معارضة في البحرين وأن هذه المعارضة تمتلك حرية التعبير عن نفسها ، وأن العلاقة بين الحكومة والمعارضة تدار بأسلوب جيد وبإدارة حسنة لجل المحافظة على المصالح العليا للبلد تطوير جميع جوانب الحياة ، وهذا الطرح هو الطرح العقلائي والحضاري الذي يتناسب مع القرن الذي نعيش فيه ، أما نفي وجود المعارضة فهذا شيء سلبي وغير حضاري ، هذا إذا كان النفي لمبدأ المعارضة ، أما وجود المعارضة الشيعية والسنية لهما جانبان من الفهم حسب التصريح ، جانب إيجابي وجانب سلبي .
الفهم الإيجابي : إذا كانت المعارضة السنية والمعارضة الشيعية يعبران عن مجرد الهوية ، وواقع الحال في البحرين يوجد تيار إسلامي يعمل وفق مدرسة أهل البيت ، وهناك تيار إسلامي يعمل وفق مدرسة الخلفاء ، وهناك تيارات علمانية يسارية وتيارات علمانية ليبرالية ، فإذا كان التعبير يعبر عن الهوية فهذا شيء إيجابي لإن هناك هويات متعددة وهذا أمر واقع ، ولا يمكن لإنسان أن ينفي عدم وجود هذه التيارات ، فالتيار الإسلامي الشيعي موجود ، والتيار الإسلامي السني موجود ، والتيارات العلمانية بأجمعها موجودة ، ومن حق كل تيار أن تعبر عن نفسها ، فإذا كان هذا النفي له علاقة بعدم وجود هذا التيارات فهو نفي للواقع لأن هذه التيارات موجودة ومن حقها أن تعبر عن نفسها ، كما لا يمكننا القول أن التيارات الليبرالية هي التي لها الحق في التعبير عن نفسها ولا نعطي للإسلاميين حق التعبير عن أنفسهم ، فهل المشروعية فقط للتيارات الليبرالية للتعبير عن نفسها وليس للتيارات الإسلامية حق ذاته !!! ، فإذا قلنا بأن لا وجود للتيارات الإسلامية الشيعية والسنية على أرض الواقع وأن الموجود فقط هو التيارات العلمانية فهذا أمر مخالف للواقع ، وبالتالي فإذا كان وجود الشيعي والسني للتعبير عن الهوية فهذا شيء إيجابي ولا يختلف فيه الإسلامي والعلماني ، أما إذا كان التعبير هو نفي الطائفة السياسية في هذه الاتجاهات فهذا صحيح ، فإذا كان هناك تيار إسلامي شيعي يدافع عن حقوق الشيعة فقط أو تيار إسلامي سني يدافع عن حقوق السنة ، أو يطالب بامتيازات للشيعة على حساب السنة أو العكس فهذا مرفوض ، ونحن نرفضه رفضا قاطعا ، فهو خلاف الوحدة الوطنية والمصالح الوطنية كما أنه خلاف مبادئ الدستور والميثاق ، فإذا كانت هناك تيارات إسلامية شيعية أم سنية تمارس الطائفية السياسية فهذا مرفوض ، وندعو إلى إدانته بل وتجريمه ، وقد ذكرت في أحاديث سابقة بأنه يجب أن يعتبر التمييز الطائفي جريمة يعاقب عليها القانون ، فإذا وجد هناك تيار أو فئة سياسية تمارس الطائفة السياسية فيجب أن تدان وتعاقب وتعد ممارستها جريمة يعاقب عليها القانون لأنها تضر فعليا بالمصلحة والوحدة الوطنية ، ونحن نتفق مع سعادة وزير الإعلام بأن هذه التيارات غير موجودة في البحرين ، وندعو إلى وجود قوانين تجرم هذه الممارسات إن وجدت مع التأكيد أن لا اختلاف في هذه الممارسات بين الإسلامي والعلماني ، حيث نجد في بعض الدول العربية والإسلامية أن الحكومات لا تسمح للتيارات الإسلامية بالتعبير عن نفسها في حين تعطى الحق للعلمانيين فقط بالتعبير عن أنفسهم .. أليست هذه الممارسة طائفية سياسية ؟!، وإلا ما معنى أن يعطى الحق للتعبير عن نفسه ولا يعطى الحق للإسلامي للتعبير عن نفسه، فنفي الطائفية لا يتعلق بالسني أو الشيعي وإنما يشمل حتى العلماني. العلماني إذا كان يدعو إلى أن ينصف العلماني ويظلم الإسلامي فهذه طائفية سياسية يجب أن يعاقب عليها القانون.
أسأل الله لي ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بتاريخ 13 جمادى الأولى 1422هـ الموافق 2001/8/3 م
في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات