خطبة الجمعة | 20-4-2001

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين، السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين، السلام على علي بن الحسين وأصحاب الحسين، السلام على جميع الأوصياء ومصابيح الدجى وأعلام الهدى ومنار التقى والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء. السلام على العلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الأخوة، والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى: ” وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون َ ” (105) سورة التوبة.

الآية الشريفة المباركة تشير إلى ثلاثة أمور أساسية:

الأمر الأول: هو الأمر بالعمل.

الأمر الثاني: هو رؤية العمل من الله (عز) ورسوله والمؤمنين.

الأمر الثالث: هو الجزاء على العمل في يوم القيامة.

(وَقُلِ اعْمَلُواْ) الله (عز) في هذه الآية يخاطب الرسول الأعظم (ص) بأن يأمر الناس بالعمل حيث قال (وَقُلِ اعْمَلُواْ)، ويرى صاحب الميزان (ره) بأن الأمر هنا يشمل كل ذي عمل، الكفار والمنافقين والمؤمنين، ويرى بأنه لا أقل من أن يشمل المنافقين والمؤمنين، ومن المعلوم بأن العمل لا ينفصل عن الحياة، إن لم نقل بأن العمل هو الحياة، والحياة هي العمل. فالكل يعمل في هذه الحياة ويتنافس في العمل، الكافر والمنافق والمؤمن. ومن هنا تأتي الحاجة للتمييز بين عمل الكفار والمنافقين والمؤمنين، فالكفار والماديين بوجه خاص يعملون في الظاهر والباطن من أجل الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، فالعمل عندهم من أجل الدنيا، وقيمة العمل قيمة دُنيوية، فتقييمهم للعمل بحسب مردوده المادي في الحياة، وحتى الأعمال ذات البعد المعنوي مثل: الذكر الحسن فهي أيضاً في حدود الدنيا.

والسؤال هنا ما قيمة أن يُذكر الإنسان ذكراً حسناً بعد موته وهو فاقد للشعور؟ فهذا الإنسان المادي الذي لا يؤمن إلا بالدنيا وعمل عملاً حسناً من أجل أن يُذكر بين الناس ذكراً حسناً. ماذا يستفيد هذا الإنسان من الذكر الحسن بعد موته وهو فاقد للشعور؟ ما الفرق عنده بأن يذكر ذكراً حسناً أو ذكراً سيئاً؟ ماذا يستفيد؟ لا يستفيد شيئاً بعد موته لأنه في الواقع فاقد للشعور ولا يؤمن بالآخرة بل نستطيع أن نتقدم أكثر من ذلك بأن الذكر الحسن في الدنيا ينبغي أن يكون في دائرة ما يشعر بأن يكون له مردود يستفيد منه أبعد من إدراكه في الحياة الدنيا؟ فمثلاً: هو يعيش في البحرين وعمل عملاً في منطقة بعيدة كالصين، وهو لا يعلم بهذا الذكر الحسن لعمله، هل يستفيد من هذا العمل؟ لا يستفيد من ذلك، فهو عندما يعمل في الحياة الدنيا من أجل أن يكون ذكره حسناً فيكون ذلك في مساحة ما يشعر به، لأن كل عمل خارج شعوره لا قيمة له عنده في الحياة الدنيا، وهناك ملاحظة أكثر أهمية ينبغي الوقوف عندها، وتتمثل في السؤال التالي: ما مصدر القيم والمعايير المعنوية في الحياة الدنيا؟ بمعنى آخر إذا الإنسان فكر تفكيراً مادياً في الحياة الدنيا فمن أين جاء بالقيم والمعايير المعنوية في الحياة؟ وإذا كانت الحياة كلها مادية، فهل هذه الحياة تعطي قيماً معنوية للإنسان أو تولد فيه قيماً معنوية؟ فكل أبعاد الحياة مادية، فمن أين جئنا؟ وفق التفكير المادي في الحياة بمعايير وقيم معنوية وبالتالي فإن التفكير المنطقي للنظرة المادية بأن كل المعايير يجب أن تكون معايير مادية. فالذكر الحسن لهذا الإنسان المادي الذي يفكر تفكيراً منطقياً حسب رؤيته يجب أن تكون القيم المعنوية والذكر الحسن لهما مردوداً مادياً وإلا فلا قيمة لهما، فالحياة المادية لا تولد شيئاً معنوياً فنظرة الحياة قائمة على النظرة المادية، فمن أين لي أن آتي بقيم ومعايير معنوية؟

ومن هنا تأتي قيمة الآية الشريفة في مجرى تناولها للموضوع (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون َ)، فهذه الآية فيها تنبيه وتحذير كبير جداً لهؤلاء الناس خاصة، وتحذير لعموم الناس بصفة عامة، فالتحذير لعموم الناس بأن هذا الإنسان إذا فكر تفكيراً منطقياً مع نفسه وكانت حياته مرتبطة ارتباطاً منطقياً مع تفكيره فهذا الإنسان لا بد أن يكون إنساناً سيئاً، وغير مأمون؛ لأنه لا يفكر إلا في مصالحه الخاصة والمادية، أما ذلك الإنسان الطيب الذي ينظر إلى الحياة نظرة مادية ويتبنى هذه النظرة فهو إنسان كافر حسب المصطلح الإسلامي، والآية الشريفة تريد أن تنبهه بأنك تعمل في الحياة عملاً طيباً وهذا العمل لا يتناسب مع المنطق المادي في الحياة، و إنما هو عمل نابع من الفطرة الإنسانية الصافية، فالإنسان بفطرته يجب ألا تكون أعماله وتوجهاته توجهات مادية، و إنما بالإضافة إلى الجانب المادي تكون هناك توجهات معنوية، وهذه التوجهات المعنوية لا تتناسب مع المنطق المادي والنظرة المادية للحياة الدنيا، و إنما هي من أجل الدنيا والآخرة، وإن الإنسان يمارس هذا العمل انطلاقاً من فطرته، وتنبيهه ليفكر في حقيقة العمل وحقيقة الحياة، وإن الحياة في منطق نفسها لا تتسع للأعمال الطيبة والخيَّرة والأبعاد المعنوية، و من ثم نستطيع أن نعتبر أن في الآية ترهيباً وتحذيراً وتنبيهاً لهؤلاء كي يفكروا في الآخرة بمنطق البرهان والفطرة والوجدان، أما الإنسان المنافق – والعياذ بالله – فهو يعمل على حسب الظاهر من أجل الله، ولكن في الحقيقة والباطن يعمل من أجل نفسه ومن أجل الحياة الدنيا، فإذا كان في نفسه شيء من الإيمان بالرسالة واليوم الآخر فعليه أن يصحح هذا العمل وأن يجعل عمله خالصاً لوجه الله (عز) وإذا لم يكن كذلك فيشمله التحذير الموجه للكفار.

ويبقى الصنف الثالث وهم المؤمنون، فالمؤمن مطالب بالإيمان والعمل، فالإيمان في نفسه لا يكفي، وإنما يجب أن يصدقه العمل، فالإنسان إلى جانب إيمانه يجب أن يعمل، وقد طالبت سورة العصر المؤمنين بالعمل حيث قال تعالى (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[1]، فالمؤمن إلى جانب إيمانه يعمل الصالحات ولا يكتفي بمجرد الإيمان.

وقوله تعالى (فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) الآية تنبه الإنسان المؤمن إلى أن الله (عز) مطّلع على عمله، وتنبه الكافر والمنافق إلى أن الله مطّلع على حقيقة الأعمال، أي أن الله ليس مطّلع على صورة العمل فحسب و إنما يعلم حقيقة العمل أيضاً، فالإنسان الذي يصلي قربة إلى الله (عز)؛ الله يرى و يعلم حقيقة الصلاة التي يتقرب بها العبد إليه، و الإنسان الذي يصلي رياء؛ الله يرى ويعلم حقيقة هذه الصلاة، فالمعلوم عند الله ليس فقط صورة العمل وإنما حقيقة العمل، و من ثمَّ يجب على الإنسان أن يخلص في عمله وأن يكون عمله مخلصاً لله (عز) و هذا المقدار يتفق عليه المسلمون كافة.

(فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) في هذه الآية يختلف علماء مدرسة الخلفاء عن رأي علماء مدرسة أهل البيت (عهم)، حيث إن علماء مدرسة الخلفاء يرون أن رؤية العمل والعلم به يكون بالشكل الطبيعي، وركيزتهم في ذلك أن كل عمل مهما حاول الإنسان أن يخفيه فهو لا بد وأن يظهر بين الناس فيعلمه الرسول ويعلمه المؤمنون بالشكل الطبيعي ويعطون من ذلك درساً بأن الإنسان يجب أن يبتعد عن المعاصي في السر والعلانية، لأن عمله السيِّئ مهما حاول أن يخفيه لا بد و أن يظهر وينتشر بين الناس فيعلموه، فهذا هو رأي علماء مدرسة الخلفاء أما علماء مدرسة أهل البيت (عهم) فلهم رأي آخر، فهم يقولون بأن علم الرسول (ص) وعلم المؤمنين ليس بالشكل الطبيعي، وإنما بتعليم من الله (عز) و إن المؤمنين المذكورين في الآية ليس عموم المؤمنين وإنما هم الشهداء أي الأئمة (عهم) ويستدلون على ذلك بعدة أمور من الآية نفسها وهي:

الأمر الأول: (وَقُلِ اعْمَلُواْ) يشمل كل العمل، وإن هناك الكثير من الأعمال الحسنة والكثير من الأعمال السيئة سرية وصاحبها لا يجهر بها وليس من الضروري أن كل عمل يخفيه صاحبه يظهر إلى الناس، فلا أحد باستطاعته أن يقطع بأن كل الأعمال التي يخفيها صاحبها من الطاعات والمعاصي تظهر للناس، فمنطق الحياة لا يفرض أن تظهر كل هذه الأعمال إلى الناس وإنما يظهر بعضها، وبالتالي رؤية الرسول ورؤية المؤمنين لهذه الأعمال هي بعلم إلهي وليس بأمر طبيعي.

الأمر الثاني: إذا كان النظر للعمل في نفسه مثل الصلاة، والصيام، والحج، والصدقة وما شابه ذلك، والنظر إلى آثار هذه الأعمال في المجتمع كتقوية الروابط الاجتماعية والمحبة وإلى غيره من الأمور، وكذلك الأعمال السيئة كشرب الخمر والزنى وآثار هذه الأعمال في المجتمع، فإن هذه النظرة تجعلنا نسأل: أيختص المؤمنون برؤية هذا العمل دون الكافرين والمنافقين؟ لا سيما إذا عاش المؤمنون وغيرهم في مجتمع واحد؟ أم أن كل أفراد المجتمع يرون هذا العمل ويرون آثاره؟ حتماً سيكون الجواب: كل أفراد المجتمع من الكفار والمنافقين والمؤمنين يرون ذلك ولا توجد خاصية للمؤمنين دون غيرهم في هذا الأمر.

الأمر الثالث: إن الآية ربطت بين العمل والجزاء يوم القيامة فقال تعالى :(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون) فالعمل في الدنيا هو نفس العمل الذي يجازي به الله الإنسان يوم القيامة، والسؤال هل الجزاء أمر مرتبط بصورة العمل أم بحقيقته؟ أيجازي الله (عز) على الصلاة أم يجازي على الصلاة التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى؟ فالكل يصلي، المؤمن يصلي والمنافق يصلي والمخلص يصلي والمرائي يصلي والمخلص يتصدق والمرائي يتصدق، فإذا كان الجزاء على جسم العمل، فلا فرق بين المخلص والمرائي، ولكن الجزاء على حقيقته ليس على صورة العمل وإنما على حقيقة العمل، فالمرائي الذي يصلي جزاؤه العقاب والمخلص الذي يصلي جزاؤه الثواب، فهنا الجزاء على حقيقة العمل ومن ثمَّ يكون السؤال عن رؤية العمل، أهي صورة العمل أو حقيقته؟ فبالطبع تكون لحقيقة العمل. ومن يستطع أن يعلم حقيقة العمل غير الله (عز)؟ وبالتالي فإن علم الرسول (ص) وعلم المؤمنين الذين هم الأئمة (عهم) يعلمون حقيقة العمل بتعليم من الله (عز).

السيد الطبطبائي (ره) بعد أن يؤكد هذا المعنى أن المؤمنين هم الأئمة (عهم) وهم الذين يشهدون على عمل الإنسان يوم القيامة، لقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا)[2]، فبعد أن يؤكد على هذا المعنى وعلى أن المقصود بالمؤمنين هم الأئمة (عهم) يقول لو إننا تخلينا عن هذا الطرح وعن معنى الآية الحقيقي، وأخذنا بالآية حسب ظاهرها إذ هي تحث المؤمنين على العمل الصالح في الملأ الصالح أي الناس الصالحين، وأن لا يكترثوا بالكفار والمنافقين، وهذا المعنى فيه درس كبير، أولاً: أن الإنسان ينبغي أن يتجنب التجاهر بالمعاصي، وأن يعمل الصالحات فالعمل الصالح بين المؤمنين فيه تشجيع على العمل الصالح، أما لماذا لا نكترث بالمنافقين والكفار فهو لسببين:

السبب الأول: إن المؤمن مرآة أخيه المؤمن، فالإنسان المؤمن إذا عمل عملاً بين إخوانه المؤمنين فعليهم مراقبة هذا العمل والاستفادة منه، وإذا أخطأ فعليهم تصحيح الخطأ، والقيام بتوجيهه، وبالتالي يستفيد هذا المؤمن ويستفيد الآخرون، أما الكافر أو المنافق فلا يستفيد شيئاً ولا يمكن أن يكون مرآة للمؤمن، فهذا حينما ينقد لا ينقد نقداً موضوعياً، وحينما يوجه لا يوجه توجيهاً صحيحاً إلى الخير.

السبب الثاني: إذا عملت العمل الصالح بين المؤمنين، فإن هذا العمل تستفيد منه في الآخرة ولهذا جاء في الصلاة على الميت “لا نعلم من ظاهره إلا خيرا”، والأحاديث تحث المؤمنين على الشهادة لأخيه المؤمن بالإيمان، فالإنسان حينما يعمل العمل الصالح في الملأ الصالح يستفيد منه في الدنيا والآخرة، وهناك جانب آخر في الآية الشريفة حيث تضع قاعدة لكل الناس ألا وهي: إن صلاح العمل وقبوله لا يكون إلا بالإيمان بالله والرسول والأئمة وباليوم الآخر. لأن رؤية العمل ليست خاصة بالرسول وحده بل يشاركه في ذلك المؤمنون وكذلك الشهادة، فهذه الآية تشير إلى ولاية أهل البيت (عهم)، وتضع الأساس لقبول العمل. ونستفيد من الآية الشريفة أنها حثت على العمل وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله.

بعد هذا ننتقل إلى الساحة الوطنية ونتناول بعض المائل المهمة فيها،

إن الساحة البحرينية في الوقت الحاضر تحتاج إلى الكثير من العمل، أعملوا، ثم أعملوا، ثم أعملوا و في كل اتجاه، فالساحة تحتاج إلى العمل، فعليكم أن تفكروا و أن تملئوا الفراغ و لا تنتظروا الأوامر من أصحاب المبادرة أو غيرهم، و عليكم كذلك أن تتعرفوا احتياجات الساحة ثم تبادروا و تنطلقوا إلى العمل في كل اتجاه، على أن يكون العمل في ضوء الخطوط العامة التي تطلبها المرحلة، و الملاحظ أن هناك وعيا عاما لمتطلبات المرحلة أما الأمور التي يصعب تشخيصها من حيث مناسبتها مع المرحلة أو عدم مناسبتها يجب الرجوع و الاستفسار عنها، كي لا يكون هناك إرباكا للساحة و من المفترض أن أصحاب المبادرة أو غيرهم على علم بما يجري في الساحة و إخبارهم بذلك، و لكن لا تنتظروا منهم أن يأمروكم بالعمل، فلا تجعلوا منهم مفكرين نيابة عنكم، فيجب على الكل أن يفكر و أن يعمل في كل اتجاه،،، فهناك فراغ في الساحة و يجب أن يملا هذا الفراغ من خلال العمل الدؤوب و في ضوء متطلبات الساحة، و في ضوء الخطوط العريضة و المبادئ العامة. والأمور التي لا يستطيع صاحب العمل تشخيصها من حيث مناسبتها أو عدمها يجب الرجوع إلى من يستطيعون تشخيص ذلك، وينبغي إطلاع الرموز القيادية على ما يجري في الساحة وعدم انتظار الأوامر منهم. وهناك مسألة ثانية أرى أن من الواجب التنبيه إليها. نحن لا ننكر أي جهد أو أي عمل طيب، و لا نجحد حق أحد، فنعترف بكل جهد طيب قبل الانتفاضة و في أثناء الانتفاضة و بعد الانتفاضة، و لكن من الحق أن نقول : بأن التيار الذي أوصل البلاد إلى الإصلاحات هو التيار الإسلامي بالدرجة الأولى و بدون أن ننكر جهود الأطراف الأخرى، و هذا ليس من الغرور السياسي و إنما هو من منطق السياسة الواقعي، و كذلك هذا التيار هو الذي لديه القدرة على المحافظة على الإصلاحات و تعميقها و ترسيخها، و بالتالي فإن أي محاولة لتفتيت هذا التيار و إضعافه أو فقده لمصداقيته فتأثيره سوف يكون سلبيا و خطيرا على الإصلاحات، و لا يمكن لإنسان أن يدعي الوطنية أو يدعي الحرص على مصالح الوطن و يعمل من أجل تفتيت هذا التيار أو إضعافه أو فقده لمصداقيته، فلا بأس أن نختلف مع التيار في التفكير و التوجهات، و لكن إذا كنا حريصين على مستقبل الإصلاحات و تعميقها و ترسيخها فيجب أن نقوي هذا التيار و نحافظ عليه، فضعف هذا التيار و فقده لمصداقيته، لن يكون في خدمة المصلحة الوطنية المشتركة، لأنه لن يكون هناك تيارا بديلا له باستطاعته المحافظة على الإصلاحات، و بالتالي فلا يصح لأي إنسان من منطلق المصلحة الوطنية و لا من منطلق إسلامي ديني تقربا إلى الله تعالى أن يعمل على إضعاف هذا التيار، و توجد اختلافات فكرية أو سياسية بين هذا التيار الشعبي العام و بين الأطراف الأخرى الدينية، حيث إن الكلام السابق يخص الأطراف السياسية المختلفة التي تنطلق من منطلقات وطنية، أما الأطراف الإسلامية التي تختلف مع هذا التيار، فنقول لها : من الناحية الدينية مهما اختلفنا مع هذا التيار، فإن لهذا التيار الدور الكبير في ترسيخ ملكة التقوى لدى المؤمنين، و بسبب هذا التيار امتلأت المساجد و المآتم و المواكب الحسينية،،، و لما كان رموز هذا التيار في السجن رأينا التأثير السلبي على تقوى الشباب و حضورهم و تواجدهم في المساجد و المآتم الحسينية،،، فإذا كنا نختلف مع هذا التيار في بعض الجزئيات الفكرية أو السياسية فلا يعني ذلك أن نحاربه و نحاول إضعافه أو أن نفقده مصداقيته، و بما أن ذلك له تأثير على الجانب السياسي الوطني فيما يتعلق بالإصلاحات، فكذلك له تأثير أيضا على الجانب الديني، فإذا اختلفنا مع هذا التيار فعلينا أن نوجهه و ننصحه لا أن نعمل على إضعافه و تفتيته و فقده لمصداقيته حيث لا يمكن أن نمارس هذا الدور من منطلق ديني صحيح و إن اختلفنا معه، و ذلك للآثار الخطيرة السلبية على الجانب الديني و الوضعية الدينية للوقوف ضد هذا التيار و محاولة تفتيته أو إضعافه أو فقده لمصداقيته و هذا يشمل الحكومة أيضا.

المسألة الثالثة والأخيرة: وهي تتعلق بالتشكيلة الوزارية الجديدة: بوجه عام لم يقابل الشارع البحريني التشكيلة الجديدة بالارتياح، والكل تقريبا نظر إليها بأنها دون الطموح كماً ونوعاً، فمن ناحية الكم: كان الشارع البحريني يتوقع تغييرا وزاريا أشمل وأوسع، ومن الناحية النوعية: فالتشكيلة الجديدة لم تغيَّر شيئا، حيث لم تفتح بابا يخدم الإصلاحات، ولم تفتح أفقا جديدا ولا أرضية جديدة لخدمة الإصلاحات، فهذا هو التقييم العام للشارع البحريني للتشكيلة الوزارية الجديدة. بل أكثر من لك هناك تخوف و قلق شديد لبعض التعيينات، و إني شخصيا تلقيت أكثر من مكالمة هاتفية و استمعت لأكثر من حديث مباشر من قبل طلاب و أساتذة الجامعة عبَّروا فيها عن مخاوفهم و قلقهم من تعيين الدكتور محمد جاسم الغتم في منصب وزير التربية و التعليم، و يؤكدون أنه أثناء وجوده في الجامعة كانت له أدوار سلبية مع الطلاب و الأساتذة، و بدلا من أن يحاسب يُرقى في منصب أكثر أهمية و حساسية،،، فأنا لا أعرف هذا الرجل و لم أتعامل معه من قبل و لكني أنقل ما يقوله الشارع البحريني، و أرجو أن يؤخذ هذا الكلام بعين الاعتبار و لا أرغب في مد مساحة الحديث لأكثر من هذا رغم وجودها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

بتاريخ 26 محرم 1422 هـ الموافق 20 / 4 / 2001 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات


[1]– سورة العصر

[2]– النساء: 41

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى