خطبة الجمعة | 2-3-2001
الحمد لله رب العالمين، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين. السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين، السلام على الأئمة من أولاد الحسين، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري، روحي وأرواح المؤمنين والمؤمنات لتراب مقدمه الفداء. السلام على العلماء والشهداء، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الاخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.
بعد أن بويع الخليفة الأول أبو بكر البيعة العامة في اليوم الثاني من بعد البيعة الأولى في السقيفة، صعد المنبر وقال “إني وليت عليكم، ولست بخيركم، فان أحسنت، فأعينوني، وان أسأت، فقوموني” يعد هذا القول من أقدم النصوص التي أسست لوجود دور المعارضة في الحياة السياسية في الاسلام بعد الرسول، والذي هو موضوع البحث الرئيسي لهذه الجمعة.
أستهلُّ الحديث برفع أحر وأصدق التعازي لمولانا صاحب العصر والزمان روحي وأرواح المؤمنين والمؤمنات لتراب مقدمه الفداء، والى فقهاء الامة وعلمائها، والى كافة المؤمنين واليكم، بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الإمام الباقر عليه السلام، الذي نجد في حياته الشريفة الثرية، ما يثري موضوع البحث لهذا اليوم.
فحينما بدأت الأزمة النقدية بين الدولة الإسلامية في عهد عبدالملك بن مروان والدولة الرومانية، التي هي أزمة اقتصادية وسياسية في نفس الوقت، نجد أن الخليفة عبدالملك بن مروان لجأ الى الإمام الباقر عليه السلام وستشاره في هذه المسألة، والمعروف أن الإمام الباقر عليه السلام كآبائه عليهم السلام قد مارس المعارضة السياسية، وتعرض إلى الأذى ولكن حينما شاوره عبدالملك بن مروان في مسألة أزمة النقد، التي نشأت بين الدولة الاسلامية والدولة الرومانية، نجد أن الإمام عليه السلام تغلب على آلامه وأحزانه ومصالحه الشخصية وقدم المشورة الصادقة إلى الخليفة، تلك المشورة التي أخرجت الدولة من أزمتها الاقتصادية والسياسية، والمستفاد من هذا الدرس، أنه من الصحيح جدا أن تلجأ الحكومة إلى استشارة المعارضة، والتعاون معها من أجل مصلحة البلد، أو من أجل المصلحة الوطنية، ويجب على المعارضة أن تستجيب للواجب، وتقدم المشورة الصادقة التي تخدم المصلحة الوطنية، وان لا تقف عند حدود مصالحها الخاصة.
بعد هذا الاستهلال المبارك، المستفاد من سيرة الإمام الباقر عليه السلام، أعود إلى أصل البحث، فكما قلت بأن النص الذي قاله الخليفة الأول رضي الله عنه، مؤسس لوجود المعارضة والى دورها في الحياة السياسية الإسلامية بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وأرى بأن وجود المعارضة يرتبط ارتباطا جوهريا ومنطقيا بحرية الرأي والتعبير، وهذا الحق قد أكده القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأهل البيت عليهم السلام، كما أكدته المواثيق الدولية، فالمعلوم انه اذا وجد حق الرأي والتعبير و مورس هذا لحق، يكون وجود المعارضة شكلا طبيعيا، أي، اذا كان هناك وجود للرأي الشعبي فطبيعة الحال يكون هناك وجود للمعارضة، واذا لم توجد المعارضة، فمعنى ذلك انه لا يوجد حق للرأي الآخر، بل يوجد الاستبداد والكبت، وكما أن المعارضة يرتبط بوجودها هذا الحق فأيضا التعددية ترتبط ارتباطا جوهريا ومنطقيا بهذا الحق، لماذا ؟ لتعدد الآراء، فمن الطبيعي أن توجد آراء مختلفة في الشأن الواحد، والمسألة الواحدة، فبتالي، تعددية الآراء ترتبط بهذا الحق أيضا، كما يرتبط هذا الحق بحرية الصحافة والاعلام، وسوف نتناول هذا الموضوع في نهاية البحث، والذي لابد أن نلاحظه بصورة دقيقة وموضوعية، هو العلاقة بين الحكومة والمعارضة.
أنا أشبه العلاقة بين الحكومة والمعارضة بالعلاقة بين الأديب والناقد، أو بين الفنان والناقد، فكما أنه لا يمكن أن يتطور الأدب أو الفن بغير وجود الناقد، فكذلك لا يمكن أن يتطور الفكر السياسي والممارسة السياسية بغير وجود المعارضة، وهذا التشبيه للعلاقة بين الحكومة والمعارضة، بالعلاقة بين الاديب أو الفنان بالناقد، يعني لنا بأن العلاقة بين الحكومة والمعارضة ليست بالضرورة علاقة عداء، وانما يمكن أن تكون علاقة تعاون وتكامل فيما يخدم المصلحة الوطنية العامة التي هي المشترك والمتفق عليه بين الحكومة والمعارضة.
ومن وجهة ثانية: فان وجود المعارضة والمراقبة القانونية من قبلها لمؤسسات الدولة وسياستها، والمحاسبة الدستورية عند الضرورة، من شأنه أن يؤدي الى دقة الممارسة لهذه المؤسسات، أي تؤدي عملها بدقة، وأن تلتزم بالعدالة، ومن شأن هذه المراقبة والمحاسبة أيضا ان ترفع من مستوى الكفاءة مما يخدم المصلحة الوطنية العامة
نخلص من هذا المختصر، الى أن وجود المعارضة في الحياة السياسية ضرورة ملحة وعليه يجب على الحكومة أن تعترف بوجود المعارضة، وأن تهيئ لها الظروف المناسبة لأداء دورها في الحياة العامة، وهذا لا يتعارض مع ما يذكر عن دولة الاسرة الواحدة، فالأسرة الواحدة ليس معناها رفض اختلاف الآراء، ورفض التعبير عن الرأي، ونما الاجماع على المصلحة الوطنية، والاعتراف بحقوق الأخرين، والدفاع عنها، وكما كان ذلك من جانب الحكومة. ومن جانب المعارضة، يجب عليها الالتزام بعدة نقاط.
أول هذه النقاط: هي الانتماء الصادق للوطن، والدفاع عنه، وحماية مصالحه، وهذا يرتبط ارتباطا جوهريا ومنطقيا أيضا بالاستقلال عن الاجنبي، ولهذا فأنا أوافق سمو رئيس الوزراء بقوله “دعونا نحل مشاكلنا بأنفسنا، ولندع للأخرين فرصة التدخل بيننا” نوافقه هذا الرأي تمام الموافقة.
النقطة الثانية: يجب على المعارضة أن تلتزم بظروف ومتطلبات المرحلة، وأن تلاحظ وتحافظ على المصلحة الوطنية، وان تحترم اختيار الشعب، وفيما يتعلق بحالة البحرين احترام خيار الشعب الذي صوَّتَ بـ”نعم” للميثاق، كما يجب علينا كمواطنين أن نعي متطلبات المرحلة، وأهم هذه المتطلبات هي الالتزام بالعقلانية والواقعية في معالجة المشاكل التي تطفو على السطح، والابتعاد عن الخطاب الحماسي الذي يؤجج الناس، ويعطل عقولهم عن العمل، يجب أن نبتعد عن الخطاب الذي من شأنه أن يؤزم الحالة السياسية في البلد، ويعيق حركة الاصلاحات، لقد ضحينا من أجل هذه الإصلاحات، فلا يجوز أن نُضحِّي بها، يجب أن نعزِّز هذه الإصلاحات، وأن ندفعها الى الأمام، ويتطلّبُ منا ذلك أن نتعامل بعقلانية وواقعية مع المشاكل التي تظهر على الساحة.
كما أحذِّر الجميع من خلط الأوراق وتضييع الخطوط في محاولات السرقات السياسية للمصالح والمكاسب العامة وتوظيفها من أجل مصالح شخصية أو فردية، وهناك بعض الممارسات أثرت تأثيرا سلبيا في مرحلة المبادرة، والآن توجد ممارسات مماثلة، هناك من يحاول أن يقوم بممارسة وسرقات سياسية للمصالح العامة وتوظيفها من أجل مصالحه الخاصة، أو مصالحه الشخصية، فيجب أن نلتفت إلى ذلك وإلى تأثيرها السلبي على الساحة. وأؤكد في نفس الوقت على انه مع تأكيدنا على المحافظة على حقوق كافة المواطنين والدفاع عنها بغير استثناء، فيجب ألا نغفل عن انتمائنا الديني، ان التعاون والتنسيق يجب أن يكون في ضوء الرؤية الدينية والحكم الشرعي، وليس على حسابهما، وهذا الموضوع يحتاج الى كثير من التفصيل، سوف أتحدث عنه في مرة قادمة انشاء الله.
النقطة الثالثة: كما يجب على المعارضة أن تقبل النقد وان لا تضفي على نفسها صفة القدسية، وتدعي العصمة، فمن حقها أن تراقب الحكومة، وتحاسب الحكومة، ولكن عليها أن تعترف أنها هي أيضا قد تقع في الخطأ، وان تجعل اطروحتها وموافقتها قابلة للنقد والمناقشة والتصحيح، وان تبتعد عن الاستبداد فاذا كنا ننكر على الحكومة الاستبداد فيجب على المعارضة أيضا الابتعاد عن الاستبداد.
النقطة الرابعة: المعارضة الناضجة التي تريد أن تثري الحياة السياسية وتخدم المصلحة العامة للبلد يجب أن يكون لها برنامجها السياسي الواقعي الواضح المحدد، بمعنى آخر يجب على المعارضة ومن موقعها أن تكون لها قراءتها الدقيقة العملية للساحة والواقع، وان تقوم بتحليل المعطيات وان تتعرف بدقة على حاجات المواطنين ثم تترجم هذه الحاجات الى برامج سياسية قابلة للتنفيذ، وهذه هي المعارضة السياسية الناضجة، وليست المعارضة هي الخطاب الحماسي الغائم الغير واضح، فاذا كنا نريد معارضة ناضجة تخدم المصلحة الوطنية يجب علينا أن نقوم بوضع البرنامج السياسي الذي يخدم المصلحة العامة، ويلبي الحاجات الملحة للمواطنين من خلال القراءة والتحليل لمعطيات الساحة.
النقطة الخامسة والأخيرة: والتي يجب على المعارضة أن تلتزم بها هي مراعاة الحالة السياسية والقانونية للبلد وان تحرص على الوصول الى الحالة المناسبة لكل مرحلة، وأشير هنا بالتحديد الى أن الساحة توجد فيها منظمات سياسية كانت تعمل في المرحلة الماضية ومازالت موجودة حتى الآن، كما يوجد توجه صادق يقول ان اثراء الحياة البرلمانية يتوقف على وجود المنابر السياسية والكثير من القوى تريد ان تستبق الاحداث، أقول بأن هدف التوجه صادق و صحيح ونريد أن نثري ونعمق تجربتنا البرلمانية ولكن يجب أن لا نصطدم بالقانون، لان الاصطدام بالقانون في هذه المرحلة من شأنه ان يربك الناس والحالة السياسية والقانونية وهذه حالة معقدة تحتاج الى حكمة وتوازن دقيق و واقعي في المعالجة ولا يمكن ذلك الا من خلال التنسيق مع مختلف القوى والتيارات السياسية في البلد ومع الحكومة.
وقد أبلغت سمو الأمير حفظه الله شفويا بهذا الامر بواسطة أحد مستشاريه وأعربت عن استعدادي لان أتصدى لهذه المسألة وأتمنى أن أحصل على الضوء الأخضر لحمل هذا الملف والتعاطي من اجل خدمة المصلحة الوطنية.
بعد هذا الكلام، توجد بعض النقاط وجوانب سلبية تحتاج الى بحث ولدينا نقطتين:
النقطة الأولى: كما أشرت في أول الحديث هي مسألة الصحافة والإعلام في البحرين.
النقطة الثانية: اللجنة المكلفة بإعداد مشروع تعديل بعض مواد الدستور كما أشار إليها الميثاق.
وأحبُّ قبل أن أبدأ بحث هاتين النقطتين أن أشير الى نقطة تتعلق بالبحث السابق وهي مراعاة الحالة السياسية والقانونية في البلد، فمن المعروف ان الحكومة قد أخلت السجون من المعتقلين السياسيين الى درجة الصفر وألغت قانون أمن الدولة وحلت محكمة أمن الدولة وهذه نعمة نسأل الله أن تدوم علينا، كما سمحت للمبعدين والممنوعين من العودة الى الوطن بالعودة الى الوطن، نحن نرحب بكافة العائدين الى الوطن بغير استثناء ونؤكد ما أكدناه في الأحاديث السابقة على التزامنا بالمحافظة على الوحدة الوطنية، والتنسيق مع كافة القوى الفكرية والسياسية، ومع الحكومة أيضا من أجل خدمة الوطن، ونؤكد أيضا على التزامنا بالحوار الشامل في كافة قضايا الشأن العام، فأهلا ومرحبا بكل المبعدين ونرجو أن تأخذ هذه الأطروحات وهذه الالتزامات طريقها الى التطبيق، لتقدم فعلا تجربة متميزة من البحرين الطيبة العزيزة المعروفة بوعي شعبها، أعود الى المسألتين السابقتين:
أولاً: مسألة الصحافة لا يمكن أن تتأصل المرحلة الجديدة وتتعمق وتأخذ وضعها الطبيعي بدون أن يكون هناك حرية للصحافة، ففي صحافتنا كوادر كفؤة على مستوى التحرير و الإدارة و الإعداد الى آخره…، وحينما نقارن صحافتنا اليوم بها قبل شهور قليلة نجد أن هناك فروقات كبيرة ولكن مع ذلك لازالت صحافتنا متخلفة عن مواكبة التطورات الجديدة ومتطلباتها، فالملاحظ على أن الصحافة المحلية حينما تجري مقابلة مع أحد رموز المعارضة تلغي أحيانا أكثر من نصف المقابلة وتتصرف في الجمل والألفاظ وتغير الصيغ وهذا شيء غير محمود وغير مرغوب للصحافة وللعلم فإن نفس المسائل التي تثار في الصحافة المحلية تثار في الصحافة الأجنبية وتنقل هناك بدقة، فلماذا لا تفعل هذا الصحافة المحلية ولا شيء يخفى فكل ما ينقل في الصحف الأجنبية و وسائل الإعلام الأجنبية يصل المواطنين، فما هي الحاجة إلى هذا الشطب وهذا التغيير؟! نحن نريد أن نتعامل مع الصحافة المحلية لأننا كما قلت في أحاديث سابقة نريد أن نفعل مؤسساتنا الوطنية، وبتالي فأننا نريد أن نفعل دور صحافتنا المحلية، ونريدها أن تواكب تطورات المرحلة وتطورات المسيرة الوطنية وأملنا أن تصل في يوم من الأيام الى خصخصة أو استقلال كل المؤسسات الإعلامية الوطنية، فهذا هو الطموح. الآن يعتبر هذا الطموح غير واقعي لكن المطلوب في الحد الأدنى أن تعطى مساحة أكبر من الحرية للصحافة لتعكس الهاجس، هاجس الشارع العام البحريني.
وهناك ملاحظة يثيرها البعض على دور الصحافة قبل التصويت على الميثاق، ودورها بعد التصويت على الميثاق حيث نجد بأن الصحافة قبل التصويت على الميثاق انفتحت انفتاحا كبيرا على رموز المعارضة وعلى الشارع حتى أنها نقلت صلوات الجمعة والجماعة من المساجد ونقلت الخطب بعد الاستفتاء، ونجد ان هناك حالة انكماش هذا الانكماش بعد الانفتاح أثار الكثير من المخاوف والقلق فكما يقال
صلى المصلي لأمر كان يطلبه…….. ولما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما.
يعني أن هذه الصحافة لا تنقل هاجس الشارع من الالتزام بمبدأ ثابت وانما لأغراض محددة، وهذه حالة خطرة مثيرة للقلق، فالواجب ان توظف طاقاتها لخدمة المصلحة الوطنية، ولن تتحقق المصلحة الوطنية إلا بالانفتاح على الشارع وعلى الخصوص المعارضة تماما كانفتاحها على المؤسسات الحكومية والقيادات السياسية
ثانيا: كلمة أخيرة عن مسألة اللجنة التي كُلفت بإعداد مشروع تعديل بعض مواد الدستور، هذه المسألة ذُكِرَت في ندوة سترة مساء الإثنين وللأهميّة أعيدها.
سمو الأمير في المرسوم الصادر بخصوص اللجنة لم يخرج عن حدود الصلاحيات الدستورية الممنوحة له، ولكن هناك تحفظات تصل الى درجة القلق الشديد حول التشكيلة نفسها حيث عبر الناس عنها بأنها وزارة مصغرة، حيث أنها لا تضم إلا وزراء وآخر حتى إلى درجة أن سمو ولي العهد عبر أيضا عن عدم ثقته بالوجوه المتكررة لان الوجوه عندما تتكرر تفقد قدرتها على العطاء والتجديد، كما وهي وجوه متكررة فقدت الثقة ولم تضم وجوه جديدة، كما أن هذه اللجنة خالية من رموز المعارضة والرموز الفكرية والسياسية والشعبية في البلد وخالية من التمثيل لبعض المؤسسات الوطنية ذات الشأن كجمعية المحامين، واستدل البعض من هذه التشكيلة على أن الحكومة مازالت واقفة عند حدود المرحلة السابقة و لم تفكر بعقلية المرحلة الجديدة.
وإنّ هذا القلق يبقى حتى مع الإعلان الذي صدر في برقية وزير العدل المرفوعة الى سمو الأمير، مع الإعلان بأن اللجنة ستضم وجوه جديدة في اللجان الفرعية حتى مع هذا الإعلان يبقى التحفظ قائما والقلق مستمرًا.
ورجاؤنا ألا تتكرر هذه المعضلة في لجنة تفعيل الميثاق، وفي الحقيقة فإنّ تضمُّن إعلان سمو ولي العهد عن تشكيل اللجنة وحديثه الذي ذكره في جمعية المحامين ونادي العروبة، يدعو الى التفاؤل. وأكتفي بهذا المقدار، والحمد لله رب العالمين.