خطبة الجمعة | 24-5-2002

الخطبة الدينية : التقوى : مظهر كرامة الإنسان

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( يا أيها الناس : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير ) صدق الله العلي العظيم .

هذه الآية الشريفة المباركة تقرر ثلاث حقائق أساسية :

الحقيقة الأولى : أن الناس بما هم بشر ، متساوون في أنفسهم ، لا فضل لأحد في نفسه على الآخر ، لا فضل لرجل على امرأة ، ولا فضل لعربي على أعجمي ، ولا فضل لأبيض على أسود ، ولا فضل لغني على فقير ، ولا فضل لحاكم على محكوم ، ولا فضل لسيد على عبد ، فهم جميعا متساوون في حقيقتهم وقيمتهم الإنسانية .

الحقيقة الثانية : أن للإنسان بما هو إنسان كرامة ، وأن هذه الكرامة بين بني الإنسان كافة ، فهي تشمل المؤمن والكافر ، قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) أي كرمناهم جميعا ، مؤمنهم وكافرهم ، أيا كان انتماؤهم الفكري أو السياسي ، وهذه الحقيقة يتفق عليها جميع المفسرين.

الحقيقة الثالثة : أن الكرامة الإنسانية نسبية .. صحيح أنها مشتركة بين بني الإنسان قاطبة ، إلا أنها ليست واحدة عند الجميع ، فإن معدلها ومستواها ليس واحدا عندهم جميعا ، فالكرامة الإنسانية تختلف من إنسان لآخر . قال تعالى : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) فهنا ، فضل الله العلماء على غيرهم ، وفي الآية التي نحن بصددها يقول الله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وفي ذلك تفضيل للأتقياء على غيرهم .

هذه الآية كانت مدار أحد الأحاديث السابقة ، وفي هذا اليوم أتحدث فقط حول الفقرة قبل الأخيرة ، قوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

( إن أكرمكم ) أولا : ما هو مفهوم الكرامة ؟ . يتكون مفهوم الكرامة من عنصرين أساسيين ، هما :

العنصر الأول : أن كرامة الإنسان تعني ، بأن له شرفا ذاتيا ، وأن له مكانة عالية ، وله عناية خاصة من قبل الله جل جلاله ، وبهذه الأمور تكون للإنسان حقوق معينة ، لا يجوز انتهاكها ، وأن انتهاكها يعد انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية .

العنصر الثاني : أن الشرف المذكور ، والمكانة المذكورة ، والعناية المذكورة ، تقوم على أساس ما منحه الله للإنسان من مواهب وخصائص ذاتية في نفسه ، أي أن الله منح الإنسان مواهب وخصائص في ذاته وخلقته وتكوينه ، وأنه بهذه المواهب والخصائص صار شريفا ، وله مكانة عالية ، وعناية خاصة من قبل الله ، وأنه بهذه المواهب والخصائص يتميز عن غيره من الكائنات والموجودات ، وتنشأ عليه واجبات ، لا يجوز له أن يتخلى عنها بإي حال من الأحوال ، منها : مراعاة الأحكام ، أو القوانين التي تنظم حياة الإنسان ، ومراعاة القيم والآداب العامة ، التي تميز حياة الإنسان .

القرآن الكريم أشار إلى الكثير من هذه المواهب ، والخصائص ، والامتيازات ، منها على سبيل المثال : حسن الصورة ، واستواء الخلقة ، ومنها أيضا : الخلقة التي يمتزج فيها الطين بالنفخة الإلهية ( وإذ قال ربك للملائكة : إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته ، ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين ) ومنها أيضا : الاستعدادات والقدرات التي استحق بها الإنسان أن يكون خليفة الله في أرضه ، وأسجد له – بسببها – ملا ئكته ، وبها يسير في طريق الكمال ، ومنها : أن الله – جل جلاله – سخر له القوى والظواهر الكونية ، كالشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار ، والبحار … إلخ . غير أن هذه الكرامة تقوم على ركيزتين أساسيتين ، لا تتحقق الكرامة إلا بهما ، وهما :

الركيزة الأولى : العقل ، وهو ينمو بالعلم والمعرفة .

الركيزة الثانية : الإرادة والاختيار ( وهديناه النجدين : إما شاكرا ، وإما كفورا ) .

ويترتب على ذلك ، أن النيل أو المس بهاتين الركيزتين ، معناه النيل والانتقاص من كرامة الإنسان ، ومن إنسانيته ، فلا يصح بأي حال من الأحوال استغفال الإنسان وخداعه ، وقيادته كالبهائم في أي أمر من الأمور ، لأنه مساس بالركيزة الأولى ، وهي العقل . ولا يصح أيضا .. أن يجبر الإنسان على اختيار طريق معين بغير إرادته ، لأنه مساس بالركيزة الثانية ، وهي الإرادة والاختيار .

ولهذه الكرامة مظاهر ؛ تناولتها الأحدايث الشريفة منها : حسن الخـُـلق ، أو جمال الخـُـلق ، فلا كرامة للإنسان بدون الخـُـلق الجميل أو الحسن . ومن مظاهر الكرامة: التصرف المسئول في الحياة ، ومنها : رفض الذل والهوان ، فمن قبل الذل والهوان ، فقد قبل أن تنتهك كرامته وإنسانيته ، ومن مظاهرها أيضا : الرادع الذاتي عن الشر ، فالإنسان – صاحب الكرامة – يوجد لديه رادع ذاتي داخل نفسه يردعه عن فعل الشر ، كما يوجد في داخل نفسه دافع ذاتي لفعل الخير ، فالإنسان – صاحب الكرامة – لا يحتاج لمن يحثه على فعل الخير ، إنما يندفع بنفسه لفعل الخير ، والإنسان – صاحب الكرامة – لا يحتاج لمن ينهاه عن فعل الشر ، وإنما هو بنفسه يكف ويرتدع عن فعل الشر .

( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الآية هنا تقرر أيضا عدة حقائق :

الحقيقة الأولى : كما ذكرت في بداية الحديث ، أن للإنسان كرامة تشمل المؤمن والكافر ، إلا أن الآية تؤكد على أن هذه الكرامة نسبية ، فالعلماء أكثر كرامة من غير العلماء ، والاتقياء أكثر كرامة من غير الاتقياء ، وفي القرآن الكريم نجد بأن الإنسان قد يفقد كرامته ، حينما يختار خطا منحرفا في تفكيره ، يفتحه على الأفق المظلم ، وحينما تتحرك نوازع الشر في نفسه ، وتتجسد أو تتجلى في فعل الظلم للناس ، أو انتهاك حقوقهم وكرامتهم الإنسانية . والآيات تؤكد بأن الإنسان قد ينسلخ من إنسانيته ، ويفقد كرامته ، كما في قوله تعالى : ( إن هم كالأنعام ، بل هم أظل سبيلا ) .

الحقيقة الثانية : أن الإنسان بفطرته يسعى في تطوير نفسه ، وأن يكون له امتيازا على الآخرين ، وبالتالي نجد بأن الآية الشريفة ، تضع الميزان الحقيقي أو الواقعي لتميـُّز الإنسان ، فهي أولا تسقط القيم الزائفة أو الباطلة ، التي قد يتخيلها بعض الناس ، أنها قيم حقيقية ، يمتازون بها على غيرهم ، فتقرر – كما في بداية الآية – أنْ لا فضل لرجل على امرأة ، فكون الإنسان رجلا أو امرأة ليس امتيازا ، وكونه عربيا أو أعجميا ينطق بأي لغة أخرى ليس امتيازا ، وكونه في بلد معين كأمريكا أو أفغانستان ليس امتيازا ، وكونه أبيضا أو أسودا ليس امتيازا ، وكونه غنيا أو فقيرا ليس امتيازا ، وكونه حاكما أو محكوما ليس امتيازا حقيقيا ، وكونه عبدا أو سيدا ليس امتيازا حقيقيا ، بمعنى أن كل ذلك ليس امتيازا يثري إنسانيته ، ويجعله متميزا في إنسانيته على غيره ، فهي كلها قيم زائفة ، وإذا تمسك بها الإنسان وأصر عليها ، ثم مات ، فسوف يجد نفسه مفلسا ، فقيرا في إنسانيته ، فإذا وقف للحساب بين يدي الله – عز وجل – سوف يجد نفسه ناقصا فقيرا في إنسانيته ، ليسكنه الله هناك بعيدا عن رحمته ، وبعيدا عن رضوانه .. بعيدا عن الله في كماله ، يسكنه بعيدا بفقره وإفلاسه في جهنم . وتؤكد الآية الامتياز الحقيقي ، الذي يتميز به الإنسان في إنسانيته ، الميزان الذي يثري ويغني إنسانية الإنسان ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فإذا كان الإنسان تقيا ، ومات على التقوى ، يجد الإنسان نفسه ، إذا وقف بين يدي الله غنيا في إنسانيته ، فيسكنه هناك قريبا منه ، قريبا من رحمته ورضوانه ، يسكنه هناك في جنته في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

وللتقوى معان عديدة في حياة الإنسان ، فمن معاني التقوى في حياة الإنسان : أن يكون الإنسان مستقيما في فكره ، منفتحا على الله – جل جلاله – ، قريبا منه ، ومن معاني التقوى في حياة الإنسان : الالتزام الفعلي بأوامر الله ونواهيه ، ومن معاني التقوى في حياة الإنسان : أن يصون الإنسان نفسه ، وأن يعيش المسئولية تجاه الآخرين ، فيأمر بالمعروف وينهى المنكر ، ومن معاني التقوى في حياة الإنسان : الثبات والصمود والصبر أمام المغريات ، والإرهاصات ، والإرهاب ، والتحديات الكبيرة ، ومن معاني التقوى في حياة الإنسان : أن يعيش الإنسان الرادع الذاتي عن الشر ، والدافع الذاتي لفعل الخير … إلخ من المعاني ، التي نجدها في معنى التقوى في حياة الإنسان ، وقد تناولتها الآيات القرآنية ، والأحدايث الشريفة ، بالتفصيل والبيان .

بعد هذه الوقفة القصيرة ، مع الآية الشريفة المباركة ، نأتي إلى الحديث عن ساحتنا الوطنية ، العزيزة علينا جميعا ، والتي نتحمل مسئولية إصلاحها وتطويرها متضامنين ، قيادة ، وحكومة ، وشعبا .

الخطبة السياسية : الانتخابات البرلمانية ( رأي معارض ) – إطلالة على الدستور الشرعي ، ووقفة مع الدستور المنحة

وحديث هذا الأسبوع ، هو استمرار للحديث في الأسبوع الماضي ، وسوف أذكر بعض الملاحظات المثيرة حول الدستور الجديد ، دستور المنحة ، وتعد هذه الملاحظات من الأسس التي تقوم عليها وجهة نظري في معارضة المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة ، ما لم يستجاب للمطالب الواقعية والمشروعة التي ذكرت .

وذكر هذه الملاحظات لا يعني عدم وجود نقاط إيجابية في الدستور الجديد ، إلا أني لم أذكرها ، لأنني لست بصدد ذكر محاسن ومساوئ الدستور الجديد ، وإنما بصدد ذكر الأسس التي تقوم عليها معارضتي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة .

وسوف أقرأ عليكم الملاحظات من الورق ، وذلك لزخم الأرقام التي يصعب حفظها بدقة . الجدير بالذكر : أنني استفدت كثيرا في هذه الملاحظات من البحث القيم للأستاذ المحترم / محمد الفيلي ، الذي نشره في جريدة القبس الكويتية في أربع حلقات بتاريخ ( 10 – 13 / مارس / 2002م ) ( 26 – 29 / ذي الحجة / 1422هـ ) تحت عنوان : ( قراءة أولية في الدستور البحريني الجديد ) .

الملاحظة الأولى : يعد الدستور الذي قدمه الملك لشعبه ، بتاريخ : 14 / 2 / 2002م دستورا جديدا ، وليس مجرد تعديل لدستور ( 73 ) الشرعي ، وذلك للسببين التاليين :

السبب الأول : أن التعديل مس جوهر النظام الدستوري ، وشمل تقريبا معظم مواد الدستور ، وفي ذلك مخالفة لـ [ المادة (1) ، الفقرة ( و ) ] من دستور ( 73 ) الشرعي ، التي تنص على أن التعديل لا يكون إلا جزئيا .

السبب الثاني : عدم الالتزام بالآلية الدستورية أو الطريقة الدستورية في التعديل ، وهي الآلية أو الطريقة التي نصت عليها ( المادة 104 ) من دستور ( 73 ) الشرعي ، وهي موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني ، وأن يصدق الأمير على التعديل . فلو كان تعديلا شرعيا للدستور الشرعي ، لالتزم بالآلية أو الطريقة الدستورية التي ينص عليها الدستور . لا سيما وأن [ المادة (1) الفقرة (و) ] نصت على أن التعديل لا يكون إلا بالطريقة المنصوص عليها فيه ، وبذلك فالدستور الجديد مخالف لدستور ( 73 ) الشرعي ، والدستور لا يخالف نفسه.

سؤال : هل خوَّل الميثاق الملك تعديل الدستور الشرعي ؟

الجواب : الميثاق لم يخول الملك تعديل الدستور الشرعي ، ولا يجوز أن يخوله ذلك. فالميثاق نص على إجراء تعديل في الدستور في موردين ، هما : اسم الدولة ، ونظام المجلسين ، ولم يحدد آلية التعديل ، مما يـُـلزم بالرجوع إلى الآلية الدستورية المنصوص عليها في [ المادة ( 104 ) ] من الدستور الشرعي ، فهي الآلية المعروفة لدينا ، لاسيما أن [ المادة (1) الفقرة (و) ] تنص على أن التعديل لا يكون إلا بالطريقة المنصوص عليها في الدستور ، مما يجعل التخويل غير دستوري .

والنتيجة : أن الميثاق لم يخول الملك تعديل الدستور الشرعي ، ولا يجوز أن يخوله ذلك ، وأن الدستور المطروح بتاريخ : 14 / 2 / 2002م هو دستور جديد ، جاء مخالفا للدستور الشرعي ، وميثاق العمل الوطني . أضف لذلك : أنه دستور منحة ، لأنه أخذ صفة الدستور بسبب إقرار الملك فقط ، بينما كان دستور (73) ، دستور عقد ، لأنه أخذ صفة الدستور ، من خلال التقاء إرادة الحاكم مع إرادة الشعب من خلال ممثليه .

الملاحظة الثانية : ينص دستور (73) الشرعي ، [ المادة (1) الفقرة (د) ] ، ودستور المنحة الجديد ، [ المادة (1) الفقرة (د) ] أيضا ، على أن نظام الحكم في البحرين ديمقراطي ، والسيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا . والسيادة تعني في النظام الديمقراطي النيابي : أن يمارس الشعب عملية التشريع ، والمراقبة على التنفيذ ، بواسطة ممثليه ، وباسمه ، ولحسابه . ويشترط في الديمقراطية النيابية شرطين ، هما :

الشرط الأول : أن يكون المجلس منتخبا من قبل الشعب ، انتخابا حرا مباشرا ، وإذا ضم المجلس أعضاء معينين ، فيجب أن تكون الغلبة عدديا للأعضاء المنتخبين ، إذ لا يصح أن نعتبر الأعضاء المعينين ممثلين عن الشعب .

الشرط الثاني : أن يمارس المجلس اختصاص التشريع والرقابة على التنفيذ ، وهو جوهر السيادة .

وبدون هذين الشرطين ، لا يتحقق مبدأ السيادة للشعب . وقد انتقص الدستور الجديد هذين الشرطين . أما انتقاص الانتخاب ، فذلك واضح ، لأن عدد الأعضاء المعينين ، يساوى عدد الأعضاء المنتخبين ، بل إن الدستور الجديد فضل المجلس المعين على المجلس المنتخب ، وذلك حينما جعل رئاسة المجلس الوطني الذي يمثل المجلسين ، في يد رئيس المجلس المعين ( المادة : 85 ) ، وهذا تفضيل معنوي ، ويعادل صوت الرئيس صوتين ، في حال تعادل الأصوات في التصويت ( المادة : 80 ) وهذا تفضيل مادي .

وأما الانتقاص في التشريع ، فذلك بما يلي :

أولا : مشاركة المجلس المعين للمجلس المنتخب في اختصاص التشريع ، مع ترجيح كفة المعين لسببين ، هما :

السبب الأول : أن الرئاسة في المجلس الوطني ، هي لرئيس المجلس المعين ، وفي ذلك تفضيل معنوي ، وتفضيل مادي يتمثل في قيمة صوت الرئيس الذي يعادل صوتين ، حال تعادلت الأصوات .

السبب الثاني : أن حالة التضامن بين أعضاء المجلس المعين ، أثبت منها بين أعضاء المنتخب ، وذلك لأن الأعضاء المعينين يعملون لحساب من عينهم ، وهي جهة واحدة ، بينما الأعضاء المنتخبون يأتون من مشارب شتى ، ومدارس مختلفة ، ويعملون لغايات متباينة ، مما يجعل حالة تضامنهم أقل .

ثانيا : الصلاحيات التشريعية للملك ، وهي كالتالي :

1. الدستور الجديد أعطى للملك ، حق طرح المواضيع العامة أمام الاستفتاء الشعبي ( المادة : 43 ) ، وهذا – وإن لم ينقص من سيادة الشعب – إلا أنه يزيل الصفة النيابية للنظام ، وهو غير موجود في دستور (73) .

2. الدستور الجديد أعطى الملك ، حق الاعتراض على قرار المجلس ، وذلك بمرسوم مسبب ، يحدد فيه ميعادا يستطيع فيه المجلس الوطني ، الذي يضم (النواب والشورى) تجاوز اعتراض الملك بأغلبية الأعضاء المكونين للمجلس . وتجاوز اعتراض الملك غير ممكن عمليا ، بسبب رجحان كفة المجلس المعين كما أوضحت قبل قليل .

3. يلزم أن يصدق الملك على قرار المجلس الوطني ، إما تصديقا حقيقيا ، أو تصديقا حُكميا ، وذلك بعدم الاعتراض عليه خلال ستة أشهر [ المادة (35) الفقرة (ب) ] من الدستور الجديد ، بينما في دستور 73 ( ثلاثون يوما ) ، وأعتقد أن الشهور الستة فيها تعطيل كبير ، بدون مبرر معقول ، لا سيما أن الدستور الجديد أضاف إجراءات جديدة ، لم تكن موجودة في دستور (73) منها : عرض القرار على الحكومة قبل المناقشة ، ولا يناقش إلا إذا أحالته الحكومة بنفسها إلا المجلس ، ومنها : أن القرار يناقش أمام المجلسين المنتخب والمعين . وهذا كله يعطي فرصة كافية للملك لدراسة القرار وتقييمه ، مما يجعل زمن الشهر كافيا ، كما في دستور (73) .

ثالثا : الصلاحيات التشريعية لمجلس الوزراء : أعطى الدستور الجديد مجلس الوزراء ، صلاحيات تشريعية ، من شأنها أن تحجم الدور التشريعي للمجلس الوطني ، وهي كالتالي :

1. أعطى الدستور الجديد للحكومة حق اقتراح القوانين ، وأعطى اقتراحاتها الأولوية في المناقشة في المجلسين ( المادة : 81 ) .

2. اقتراحات أعضاء المجلس الوطني بشقيه : المنتخب والمعين ، غير قابلة للمناقشة إلا إذا قدمت عن طريق الحكومة ، أي تقدم أولا للحكومة ، ثم تحيلها الحكومة للمجلس لمناقشتها . وتملك حق إحالتها في نفس دورة الانعقاد ، أو تأجيلها إلى دور الانعقاد اللاحق .

3. تستطيع الحكومة استعجال المجلس في بعض الموضوعات ( إقتصادية أو مالية ) ، فإن لم يُبَتْ فيها خلال المدة المطلوبة ، تصدر بمرسوم ، له قوة القانون ( المادة : 87 ) ، وفي تقديري ، فإن عملية تعطيل البت ، واردة ، لاسيما من خلال المجلس المعين .

وأما انتقاص حق الرقابة : فقد أعطى الدستور الجديد لمجلس النواب حق الرقابة ( المواد 65- 69 ) ، ولكنه حق منقوص ، وأن ما جاء في دستور ( 73 ) أكمل منه ( المواد 66 – 69 ) ، وذلك كالتالي :

1. أن مجلس النواب لا يستطيع أن يثير مسئولية رئيس الوزراء بالطريقة التي يثير بها مسئولية الوزراء ، بينما له ذلك في دستور (73) [ المادة : 66 ] .

2. ليس للمجلس طرح عدم الثقة في رئيس الوزراء ، ولكن له أن يعلن عدم إمكان التعاون معه ، وهنا يتفق الدستور الجديد مع دستور (73) ، وفي هذه الحالة للملك الخيارين التاليين :

v الخيار الأول : إقالة رئيس الوزراء .

v الخيار الثاني : حل البرلمان .

ويختلف الدستور الجديد عن دستور (73) ، أن إقرار عدم التعاون ، يجب أن يكون محل إقرار من المجلس المعين أيضا بثلثي أعضاء المجلس الوطني ، الذي يضم النواب والشورى ، ونحن نقدر صعوبة إقرار المجلس المعين بعدم التعاون مع رئيس الوزراء ، مما يجعل مسألة إقرار عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، مسألة في غاية الصعوبة ، بل بعيدة المنال .

ونتساءل في هذا الصدد : إذا كان ثلثي الأعضاء من المجلس الوطني ، الذي يضم ( المنتخبين والمعينين ) يرون عدم إمكان التعاون مع رئيس الوزراء ، مع أن تحصيل هذا الإقرار في غاية الصعوبة ، إذا كان الأمر كذلك .. نتساءل : ما هو المبرر للاحتفاظ برئيس الوزراء ، وحل مجلس النواب ؟!! . هذا وقد نص دستور (73) بالقول : ( فإن حل المجلس ، وتجددت توليه رئيس مجلس الوزراء المذكور ، ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، اعتبر معتزلا منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة ) [ المادة : 69 ] ، بينما سكت الدستور الجديد عن ذلك .

3. يختلف الدستور الجديد عن دستور (73) ، بإن إجراء الانتخابات الجديدة بعد حل المجلس ، يكون في موعد لا يتجاوز الأربعة أشهر ، بينما في دستور (73) شهرين فقط ، ويجيز الدستور الجديد للملك أن يؤجل الانتخابات ، ويعيد المجلس القديم لمدة جديد !! نعم يحل المجلس ، ثم للملك ، بناء على رأي مجلس الوزراء ، إعادة المجلس المنحل ، ودعوته إلى الانعقاد ، لا ليستكمل دورته السابقة ، وإنما ليبدأ دورة جديدة كما لو كان مجلسا منتخبا جديدا .. نعم هكذا ( المادة : 64 ) .

4. أن العضو ، لا يستطيع أن يستخدم حق المساءلة والاستجواب ، إذا كان في ذلك مصلحة للعضو نفسه ، أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة ، أو لأحد موكليه ( المادة : 65 ، والمادة : 91 ) . ونرى بأن ذلك يتعارض مع طبيعة النظام النيابي ، ومع ( المادة 89 ) ، التي تنص على أن العضو يمثل الأمة بأسرها .

الملاحظة الرابعة : تنص [ المادة (33) الفقرة (أ) ] من الدستور الجديد ، و [ المادة (33) الفقرة (أ) ] من دستور (73) أيضا ، على أن الملك غير مسئول وذاته مصونة لا تمس . بينما تنص [ المادة (33) الفقرة (ج) ] من الدستور الجديد ، على أن الملك يمارس سلطاته مباشرة ، وبواسطة وزرائه .

ونحن نرى : بأن الملك رمز للدولة ، وظل لجميع أبنائها ، وسبيل لوحدتها وقوتها ، ويجب أن يؤمن له الاحترام الواجب ، وأن يكون بعيدا عن النقد والتجريح ، وهذا يتطلب أن يكون الملك بعيدا عن الاختصاصات التنفيذية ، لأنها محل اختلاف ونقد ، فقد تحظى بالقبول أو المعارضة ، والصحيح أن يمارس الملك سلطاته بواسطة وزرائه فقط ، كما جاء في دستور (73) ، فتكون الحكومة ، هي المسئولة ، وتتحمل التبعات ، حتى إذا تتطلب الأمر استقالتها تستقيل ، إما لعدم الثقة أو لعدم التعاون معها ، فتقال ، وتصان ذات الملك .

أما إذا مارس الملك سلطاته مباشرة ، كما جاء في الدستور الجديد ، فإن هذا يجعلنا كشعب ، بين خيارين غير مطلوبين ، وغير مرغوبين ، وهما :

الخيار الأول : عدم الرقابة على التنفيذ ، وفيه تنازل عن السيادة ، وذلك لا يخدم المصلحة الوطنية .

الخيار الثاني : نقد الملك ، وهو خلاف الدستور ، ولا يخدم المصلحة الوطنية العليا أيضا .

وهناك إشكالية أخرى : تدور حول الحصانة البرلمانية للأعضاء ، فمن جهة : يجب عليهم أن يمارسوا الرقابة على التنفيذ ، ومن جهة أخرى : يحظر عليهم المس بذات الملك ، فإذا فعلوا تسقط عنهم الحصانة البرلمانية !! فكيف يستطيعوا إذن : أن يوفقوا بين حقهم في الرقابة على التنفيذ ، وواجب صيانة ذات الملك ؟!! . فالملك يقوم باختصاصات تنفيذية متعددة ، هي عرضة للقبول أو المعارضة ، وتدخل في اختصاص الرقابة ، وفي نفس الوقت ذاته مصونة !! ويجب أن تحظى بالاحترام الواجب !! .

والنتيجة التي نخلص إليها : أن ممارسة الملك سلطاته مباشرة – كما جاء في الدستور الجديد – لا يخدم المصلحة الوطنية ، ويحد من سيادة الشعب وحقه في ممارسة الرقابة على التنفيذ .

الملاحظة الخامسة والأخيرة : كي يقوم أعضاء المجلس التشريعي بدورهم في عملية التشريع والمراقبة ، فإنهم يحتاجون إلى ضمانات تقيهم شر الخوف والقلق والمساءلة ، وهذا ما يعرف بالحصانة البرلمانية . وتعني الحصانة البرلمانية : أن العضو لا يسأل عما يبديه من آراء وأقوال أثناء الجلسة العامة ، أو في اللجان .

وقد نصت ( المادة : 89 ) من الدستور الجديد على ذلك ، غير أنها انتقصتها حينما أضافت جملة تملصية تقول : ” إلا إذا كان الرأي المعبر عنه ، فيه مساس بأسس العقيدة ، أو وحدة الأمة ، أو بالاحترام الواجب للملك ، أو فيه قذف في الحياة الخاصة لأي شخص كان ” . ويؤخذ على ذلك ما يلي :

1. أن العبارات المستخدمة ، غير دقيقة ، وتقبل التفسير والتأويل ، بأكثر من وجه ، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار : أن البرلمان مؤسسة سياسية ، تتعدد فيها وجهات النظر ، والمشارب السياسية والأيدلوجية ، ويصدر أحكامه على اعتبارات سياسية بحتة . والأدهى من ذلك ، أن ( المادة : 99 ) من الدستور الجديد أجازت إسقاط العضوية ، إذا فقد أحد الأعضاء – حسب نصها – الثقة والاعتبار ، أو أخل بواجبات عضويته ، وهي عبارات مماثلة في عدم الدقة والتحديد .

2. أن المادة المذكورة ، تسقط من العضو الحصانة البرلمانية ، إذا مس بالاحترام الواجب للملك ، في الوقت الذي أعطت ( المادة : 33 ) اختصاصات تنفيذية عديدة للملك ، وفي ذلك انتقاص واضح لحق الشعب في مراقبة التنفيذ عن طريق ممثليه كما أوضحناه بالتفصيل في الملاحظة السابقة.

وفي الختام : وبعد ذلك كله .. أليست الحقيقة ، هي : أن المجلس الوطني ليس إلا مجرد مجلس شورى مضخم ؟!! وأن مطلبي تفعيل الدستور ، وعودة الحياة البرلمانية ، الذين طالب بهما الشعب ، لم يتحققا بعد ؟! الجواب متروك لتقديراتكم ، وسوف نواصل الحديث في الأسبوع القادم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 11 ربيع الأول 1423 هـ الموافق 24 / 5 / 2002 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى