خطبة الجمعة | 18-1-2002

الخطبة الدينية: القيادة والأمة .. علاقة مصيرية

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الأنبياء: 87 – 88) صدق الله العلي العظيم .

هاتين الآيتين الشريفتين المباركتين تمثلان كتلة مكثفة لرؤية نقدية حول القيادة وفكرها وتصرفاتها . هاتين الآيتين المباركتين تقرآن في الركعة الأولى من صلاة الغفيلة التي يؤتى بها بين صلاة المغرب وصلاة العشاء ، وفي الروايات أن هذه الساعة يبث فيها إبليس – عدو الله وعدو الإنسان – جنوده لإضلال الإنسان وغوايته ، ويبدو أن القراءة الواعية المتأملة لهاتين الآيتين لا تحصن المؤمن فقط من الغفلة الروحية وإنما تحصنه أيضا من الغفلة السياسية والسقوط السياسي .

( وذا النون ) ذا بمعنى صاحب ، والنون هو السمك الكبير وهو الحوت ، والمعنى هنا صاحب الحوت ؛ وهو النبي العظيم يونس بن متــَّى (ع) إذ التقمه الحوت ، ومفاد هذا الخطاب أن يا محمد اذكر قضية صاحب الحوت النبي العظيم يونس بن متى وخذ منها العبر والدروس ، ويا أيها القادة ويا أيها الرموز ويا أيها المؤمنون ويا أيها الروحانيون اذكروا قضية صاحب الحوت النبي العظيم يونس بن متـَّى وخذوا منها الدروس والعبر ، وقد خاطب الله – جل جلاله – النبي محمد (ص) بقوله : ( واصبر لحكم ربك ) ولا تكن كصاحب الحوت ؛ ولكن .. في أي شي ( إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ) . لقد بعث الله – جل جلاله – يونس (ع) رسولا في أهل نينوى في العراق ، فدعاهم إلى الله سنين طويلة فلم يستجيبوا له وعاندوه وخالفوه حتى أدخلوا اليأس إلى قلبه ، فدعا الله عليهم ، واستجاب الله دعوته ، وقرب نزول العقاب ، فخرج يونس من نينوى غاضبا على قومه قبل أن ينزل العقاب وقبل أن يؤمر بالخروج .

( فظن أن لن نقدر عليه ) حينما خرج ؛ تصور حسب علمه وتقديره بأن الله – جل جلاله – لن يضيق عليه رزقه وحياته وحركته ، وقد يبعثه في أمة أخرى بعد أن يأس من هذه الأمة ، هذا الظن في ظاهره كان في محله ، لأن الغضب في مثل هذه الحالة أمر طبيعي جدا ، فمكوثه لسنين طويلة يدعوهم إلى الله والحق والخير وهم لا يستجيبون ولا يصغون لكلامه ويكابرون فوق كل ذلك يجعل غضبه أمرا طبيعيا ، كما أن الأمة هنا مخطئة بعدم استجابتها لدعوته ، ويونس (ع) كان مصيبا إذ استفرغ ما في وسعه واتبع كل الأساليب واستخدم كل التجارب ولكنها لم تجد نفعا مع قومه ، فهو لم يكن يريد التهرب من المسئولية وإنما أراد أن ينقل ساحة العمل من نينوى إلى مكان آخر يبعثه الله إليه ، ولكن جاءت النتيجة بخلاف ما كان يظن ، إذ التقمه الحوت عقوبة له ، فما هو الخطأ الذي أخطئه يونس (ع) ؟ ، يوجد خطأ وحيد أساسي وهو أنه خرج من نينوى قبل أن يؤمر بذلك وقبل أن ينتظر نتائج التجربة الجديدة وهي ظهور ملامح العقاب على قومه وردة فعل القوم تجاهها ، حيث أن قومه بمجرد أن ظهرت ملامح وبوادر العقاب الإلهي آبوا إلى الله ورجعوا إليه وتابوا وقبل الله توبتهم ، وهي الأمة الوحيدة التي استفادت من نتائج هذه التجربة بعد أن رأت مظاهر العذاب حيث رجعت إلى الله وتابت وقبل توبتها ، ولكن يونس لم ينتظر هذه التجربة ونتائجها ، فعاقبه الله ولم يكن يظن بأن الله يضيق عليه ويعاقبه فيحبسه في بطن الحوت أو في غيره .

في هذه الفقرة من الآية – حسب الشرح الذي أوضحت – عدة دروس :-

الدرس الأول : يتعلق بالقيادة ، وبصورة خاصة نقد وتقييم فكر وعمل القيادة . يونس (ع) نبي عظيم بعثه الله رحمة للعالمين ، وكان مخلصا غاية الإخلاص ومجدا غاية الجد في دعوته ، ولكن الله – عز وجل – هنا آخذه وقيم عمله وعاقبه ، وفي الأساس أن الله – عز وجل – لا يهين ولا يصغر ولا يحقر نبيا من أنبيائه أو وليا من أوليائه أو عبدا من عباده المؤمنين مما يدل على أن النقد والتقييم لا يعنيان أبدا التحقير أو التسقيط ، وإنما النقد والتقييم يؤديان إلى تقويم القيادة وتحسين أدائها بحيث تفكر وتتكلم وتتصرف بصورة أفضل من ذي قبل مما يعود بالمصلحة على الأمة والوطن .

وبالتالي ينبغي على كل القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية أن تتواضع وتقبل النقد لأن النقد أولا وأخيرا يعود عليها بالمصلحة ثم يعود بالمصلحة على الأمة ، ومن جهة ثانية تبين لنا هذه الآية بأن سلوك القيادة والمهتمين بالشأن العام ليس سلوكا خاصا وإنما هو سلوك عام ، وأن عمل وفكر وسلطة القيادة يجب أن تخضع للنقد والتقييم ، ويفترض في القيادة أن تكون من أكثر الناس وعيا وأحسنهم أداء ، كما ينبغي عليها أن تملك حسا مرهفا ، وأن تكون قادرة على تحمل المسئوليات ، وتزن الأمور بميزان دقيق ، وتنظر للأمور في حاضرها وماضيها ومستقبلها ، وإلا فلا تكون قيادة ولا تكون جديرة بها ما لم تتميز بهذه الصفات ، وهنا عاقب الله – عز وجل – نبيه يونس لأنه أهمل الأولى ، وكلما كبر القائد وعظم كلما كانت المحاسبة عليه أدق ، وهي قاعدة يجب أن نلتفت إليها .

الدرس الثاني : ويتعلق بالأمة ، الأمة يجب عليها أن تحذر من إدخال اليأس في نفوس القادة ؛ وذلك بعدم التجاوب والاستماع والإصغاء إلى إرشادات وتوجيهات القيادة ، فهما كان القائد عظيما وكبيرا وقويا فيمكن أن يدخل اليأس إلى قلبه كما دخل اليأس إلى قلب يونس (ع) ، وبالتالي يمكن أن يتصرف القائد تصرفا قد يعود بنتائج خطيرة تضر بالأمة . الآية هنا تبين لنا أهمية الصدمة في تنبيه الأمة وفتح عقول وقلوب أبنائها لنتائج هذه الصدمة ، فقد كان أهل نينوى قوم يونس (ع) في غفلة ، وكانوا معاندين ومكابرين ، فلما أن ظهرت بوادر العقاب آبوا ورجعوا واستيقظوا وانتبهوا لغفلتهم ، وبالتالي قد تحدث صدمات للأمة ، والأمة أحيانا تحتاج لبعض الصدمات من أجل تنبيهها ، وعلى القيادة والمعنيين بالأمر أن لا يستعجلوا وينتظروا نتائج هذه الصدمة لتفعل فعلها ، حيث أن العتاب والمأخذ الأساسي على يونس (ع) النبي العظيم في هذه الآية أنه لم ينتظر نتائج الصدمة ، وقبل أن ينزل العذاب وقبل أن يؤمر خرج من نينوى ، وكان ينبغي له أن يبقى في الساحة ويراقب الوضع وينتظر نتائج الصدمة .

الدرس الثالث : أن هذه الآية تبين مدى مساحة الاهتمام التي يجب أن تحظى به الأمة حيث ينبغي أن تحظى الأمة والجمهور باهتمام كبير وعناية فائقة من القيادة . الله – عز وجل – أرسل الأنبياء رحمة للعالمين ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وهداية الناس هي غاية الخلق لأن من لطف الله بعباده هدايته لهم للصواب وما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء والقادة الروحانيون والكتب السماوية أداة لهذه الرحمة واللطف الإلهيين ، فيجب على الأنبياء والقادة الروحانيون أن يصبروا على الأمة ويعتنوا بها ويلتفتوا إليها ولا يتجاهلوا مشاعرها وتوجهاتها ، وهذه الآية تبين لنا مساحة الاهتمام بالأمة والالتفات إلى مشاعرها وعدم التقصير في حقها .

( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) الظلمات هنا هي ظلمات بطن الحوت والبحر والليل والهم والغم الذي دخل إلى قلب يونس (ع) ، إلا أننا نجد بأن هذا النبي العظيم لم يكابر ولم يعاند ، فقد اعترف بخطئه وعاد إلى ربه يناجيه ويستغفره ، وهكذا ينبغي بأن تكون القيادة ، بحيث لا تصر على الخطأ ، فلا تكابر ولا تعاند وتعود عن خطئها بمجرد أن يتضح لها وجه الخطأ في الموقف والتصرف ، وهنا يكمن الفرق أيضا بين تجربة يونس وتجربة إبليس عليه اللعنة ، فإبليس حينما أصر واستكبر كان من المطرودين ، بينما النتيجة تختلف مع يونس كما سيتضح في مستقبل الحديث .

( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت ) لا معبود ولا مطاع إلا أنت ، وكأن يونس (ع) يقول : ربي ، ربما اتبعت هواي ، ربما اتبعت شهواتي ، ربما ركنت إلى الراحة ففضلتها على العمل والتعب ، ربما خضعت إلى الضغوطات والمغريات ، وهذا يتنافى مع تأليهك وتوحيدك في الألوهية إذ ينبغي عليَّ أن أخضع لك وحدك ، وأطيعك وحدك ، فلا أخضع للشهوات والمغريات والضغوطات ، ولا أسكن ولا أركن للراحة ، ولكنني ربما فعلت خلاف ذلك .

( سبحانك ) تنزيها لك ، وفيها بعد آخر ، وكأنه يقول : يا رب ربما اعتقدت أو ظننت أن هناك ملجأ غيرك ، أو أن هناك مصدرا للقوة والسلطة غيرك ، وربما اعتقدت أن هناك مصدرا للمال والجاه غيرك ، سبحانك ، لا ملجأ إلا أنت ، الحياة والموت بيدك ، الغنى والفقر والصحة والمال بيدك ، الجاه والرئاسة والرمزية بيدك وكل الأمور بيدك ، فأنا لا اطلبها من عند غيرك ، فإذا كنت أعتقد بأن هناك ملجأ وملاذا غيرك ، فسبحانك لا ملاذ ولا ملجأ غيرك ، ولا مصدر للقوة أو المال أو الجاه غيرك .

( إني كنت من الظالمين ) بهذا التصرف ، حينما خرجت قبل أن ينزل العذاب ، وقبل أن تأمرني وتحت أي تأثير إن كان اتباعا للهوى أو بحثا عن ملاذ غير ملاذك ، بهذا التصرف كنت من الظالمين لنفسي وقومي ولدعوتي فاغفر لي ، والنتيجة : ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) فيونس (ع) أوخذ في التجربة الأولى ، ولكنه أثني عليه في التجربة الثانية حينما أخلص إلى الله وآب ورجع إليه ، واعترف بذنبه وتقصيره ، وأصر على تحمل المسئولية ، وقد استجاب الله – عز وجل – له ، ونجاه من غم الحبس في بطن الحوت ، ونجاه من غم الخطيئة والشعور بالذنب والتقصير ، وبعثه نبيا إلى قومه مرة أخرى ، وهنا الفرق بين يونس وإبليس ، فيونس اعترف بذنبه وأخلص إلى ربه وأصر على تحمل المسئولية ، في حين أن إبليس أصر واستكبر وتمادى في عناده فكانت النتيجة أن الله قبل يونس وطرد إبليس ( وكذلك ننجي المؤمنين ) وهذه القاعدة ليست قاعدة تخص يونس لوحده ، وإنما هي قاعدة تعم المؤمنين أجمعهم في الابتلاء والنجاة ، فأي مؤمن يقصر في المسئوليات المناطة به قد يبتلى كما ابتلي يونس (ع) ، فإذا أخلص لله واعترف بذنبه وتقصيره ، ورجع إلى الله وأصر على تحمل المسئولية ينجيه الله من كل هم وغم ، وفي الحديث عن الرسول (ص) أنه ( ما من مكروب يدعو بدعاء يونس إلا استجاب الله له ونجاه من كربه ) وهذا معنى الحديث وليس نصه .

بعد هذه الوقفة مع هاتين الآيتين الشريفتين ، نأتي بعض القضايا المثارة على الساحة الوطنية.

الخطبة السياسية : العلاقة بين التيار والمؤسسات – أهداف الحملة الإعلامية على التيار

القضية الأولى : ( العلاقة بين التيار والمؤسسات ) كما ذكرت سابقا وفي أكثر من مناسبة بأننا ننظر للتيار ككيان معنوي واحد يجمع كل الخطوط ، وأن لهذا التيار هويته وثوابته ورموزه أيضا ، وله مؤسساته التي تمثله وتعبر عنه في المواقف المختلفة ، فهناك مؤسسات تحمل الملف السياسي ، ومؤسسات تحمل الملف الثقافي والاجتماعي ، ومؤسسات تحمل ملف المرأة ، وهكذا ، وبالتالي فالتيار سابق على المؤسسات ، والتيار هو الذي يحدد هوية وثوابت التيار وليس العكس ، فليس من شأن المؤسسة أن تحدد هوية التيار وثوابته ورموزه وإنما العكس هو الصحيح .

المؤسسات تلعب دورا مهما جدا في التيار ، ويتمل هذا الدور في نقطتين أساسيتين :

النقطة الأولى : تقنين عمل التيار وحرفيته ، فحينما تكون هناك مؤسسة تحمل الملف السياسي فمعنى ذلك أن التيار يعمل في الحقل السياسي بصورة حرفية مقننة ومنظمة ، ومثل ذلك في الشأن الثقافي والاجتماعي والإعلامي وغيره . هذا العمل وهذا التوجه يخدم المصلحة الوطنية والإسلامية من وجهين .

الوجه الأول : لأن العمل المؤسساتي عمل نوعي ، فتوجه التيار للعمل المؤسساتي والحرفي من شأنه أن يشارك في ازدهار وتطور البلد .

الوجه الثاني : أن العمل المؤسساتي كعمل منظم منضبط يخدم الدين والوطن من خلال المحافظة على الهدوء والاستقرار في البلد .

توجه المؤسسات إلى العمل المنظم والمرن الذي ينظر بموضوعية إلى القضايا يخدم الهدوء والاستقرار في البلد، فإذا أفسح المجال للمؤسسات في العمل فسوف يشارك ذلك في تطور وازدهار البلد والمحافظة على الأمن والاستقرار فيه ، ولكن إذا تم التضييق على هذه المؤسسات فليس من شأن هذا التضييق أن يضعف التيار أو يقضي عليه وإنما هناك كفتي ميزان ، إذا فسح المجال للمؤسسات فسوف يكون هناك ازدهار واستقرار أكثر ، وإذا ضيق على المؤسسات فسوف تتصاعد الحالة الشعبية ، وتصاعد الحالة الشعبية على حساب العمل المؤسساتي لا يخدم تنمية البلد والأمن والاستقرار فيه ، ومن مصلحة البلد إفساح المجال للمؤسسات لكي تعمل بحرية وفي ظل القانون .

النقطة الثانية : الدخول في التفاصيل . على القيادات والرموز أن تحدد الخطوط العامة والتوجهات العريضة للتيار ثم تفسح المجال للمؤسسات لاتخاذ القرارات في أجواء مريحة ، فتتنفس براحة وهي تتخذ القرارات دون تضييق وقرارات فوقية ، وعليه فالتيار يفوض المؤسسات لاتخاذ القرارات الميدانية والدخول في التفاصيل وينبغي على الرموز أن تحترم هذا التفويض ، ومن جهتنا يجب أن نقدم الدعم والمساندة لهذه المؤسسات حيث يقع هذا الواجب على الجميع سواء كانوا أكاديميين أو عمال أو تجار لأنها في النهاية تصب في خدمتهم كمواطنين ، وخدمة الوطن بوجه عام ، ولكن ينبغي التنبيه إلى أن هذا الدعم يجب ألا يكون كالتوقيع على بياض كون هذه المؤسسة تنتمي للتيار فحسب ، وإنما المطلوب من المؤسسات أن تثبت قيمتها وجدواها من خلال المشاريع والبرامج وحرصها على خدمة المواطنين ، لأن خلاف ذلك لا يخدم المصلحة الوطنية .

نحن لا نريد للجمعيات أن تركن للراحة وإنما نريد منها العمل والجد ، ولا نريد للجمعيات أن تتهاون بشأن الأخطاء وإنما نريد لها أن تنقد نفسها نقدا ذاتيا وتسمح للآخرين بأن ينتقدوها وتعطي كل خطأ قيمته وتكون حريصة على تطوير عملها واستقامتها في مجال العمل ، كما لا نريد للمؤسسات أن تركن وتستسلم للآخرين وإنما تناضل وتجاهد من أجل مصلحة الوطن والمواطن ، لهذا فنحن نريد ونطالب الجميع بتقديم الدعم للمؤسسات على ألا يكون ذلك بمثابة التوقيع على بياض وإنما من خلال إثبات المؤسسات إلى قيمتها ودورها وجدواها ؛ لذا نحن نطالبها بالعمل ، فكما أن نسبتها للتيار تتوقف على مدى التزامها بهوية وثوابت ورموز التيار ، فكذلك الدعم لهذه المؤسسات يتوقف على دورها الفعلي في الساحة .

القضية الثانية : وتتعلق بالحملة الإعلامية على التيار ووصفه بالطائفية ، ونحن نسأل ما هي أبعاد هذه الحملة الإعلامية على التيار ووصفه بالطائفية ؟ .

أولا : نحن أوضحنا بجلاء الفرق بين الهوية والدور ، وقلنا بأن هوية التيار هوية إسلامية شيعية تعمل وفق مدرسة أهل البيت (ع) ، ولكن دور التيار والمؤسسات التي تنتمي إليه دورا وطنيا يشمل كل الوطن والمواطنين ولا يفرق بين مواطن وآخر ، فهو يدافع عن جميع المواطنين بدون استثناء ، وهو لا يعمل من أجل أبناء طائفة على حساب أبناء طائفة أخرى ، وإنما يطالب بالمساواة وتكافؤ الفرص للجميع ، وهذه مسألة واضحة ، والذين يتهمون التيار بالطائفية يعملون هذه الحقيقة ولا يجهلونها لأنها واضحة ، وقد أبلغناها بوضوح على نطاق واسع جدا ولكل المهتمين ، ولكن في واقع الأمر أن هناك خوف وتوجس غير موضوعي وغير واقعي من التيار من جهتين :

الجهة الأولى : هوية التيار ، حيث أن هذه الهوية تمثل عمقا تاريخيا يمتد إلى آلاف السنين ، وهي بذلك تمثل أصالة تؤكد على هوية أصيلة وتيار أصيل يمتد إلى أعماق التاريخ ، فيمتد إلى القرآن والرسول وأهل البيت (ع) ، فهذا الانتماء الفكري والروحي للتيار ولمؤسساته تعطيه حجما كبيرا وعظمة وهيبة ، كما أن هذه الهوية لعبت دورا كبيرا جدا من حيث عمق القناعة والأصالة في تماسك أبناء التيار طوال التاريخ بمقاومتهم للتحديات التي نجحوا في مقاومتهم لها ، كما أن هذه القناعة الفكرية بالانتماء لهذا التيار أعطت الفاعلية لأبنائه ، فكانت فاعليتهم فاعلية مميزة بحيث لعبوا دورا فاعلا في الساحة ، ورغم كل التحديات والتضييق والقتل والتشريد والسجن إلا أنهم بقوا صامدين وفاعلين فيها ، إذن .. فالهوية التي تتميز بهذه الأصالة التاريخية والفكرية والروحية ، وبهذه القناعة العميقة جدا التي تستطيع أن تربط أبناء التيار ببعضهم البعض بحيث يكونون قادرين على مواجهة التحديات طوال التاريخ ، وأن يكون لهم دور فاعل في أحلك الظروف .. هذه هوية مهابة .

وبالتالي فهناك محاولة إلى ضرب الهوية والنيل منها وفصل الناس عنها لكي يفصلوهم عن البعد التاريخي لهذه الهوية ، والأصالة الفكرية والروحية ، والقوة التي تمنحهم روح التحدي والروح القتالية في مواجهة كل التحديات ، وتعطيهم القدرة على الفعل القوي المؤثر في الساحة ، وبالتالي فهناك خوف من الهوية من خلال تأثير الهوية في المنتمين للتيار ، وعليه فيجب أن يضعفوا هذه الهوية .

الجهة الثانية : الكادر البشري ، التيار – رغم احترامنا وتقديرنا واعترافنا بدور كل التيارات – كان هو التيار – ولا سيما في السنوات الأخيرة – الأكثر فاعلية في الساحة رغم التضييق على التيار وأبنائه ، ورغم التشتيت الذي لعبه قانون أمن الدولة في أبناء هذا التيار ، فبين قتيل وسجين ومشرد ، وبين شخص مخمود الأنفاس ممن يخاف على وظيفته وعائلته ، وفي ظل هذا التضييق والتشتيت كان التيار هو الأكثر فاعلية ، وفي مرحلة الإصلاحات حصل التيار على متنفس للتعبير عن نفسه ، وأتيحت له الفرصة لتجميع فصائله وخطوطه وكفاءاته ، فإذا كان التيار في تلك الظروف الصعبة والخانقة هو الأكثر فاعلية ، فكيف سيكون حاله اليوم حينما يعطى الفرصة في التعبير عن نفسه ، وينجح في تجميع كل الخطوط والفصائل في إطار واحد ، ويستقطب الكفاءات من أكاديميين وعمال وتجار .. هذا بالنسبة لهم شيء خطير ، ولهذا هناك مقولات تقول : بأن التيار أو جمعية الوفاق مثلا سوف تقلب ميزان القوى في البلد ، وهناك من يبالغ ويقول : بأن هذه الجمعية سوف تقلب موازين القوى على مستوى الخليج .

نحن قد بينا اتجاهنا بأنه ينبغي أن يسمح للتيارات جميعها بالعمل في ظل المساواة وتكافؤ الفرص ، وأشير إلى أن هذه المواجهة ليست للتيار الإسلامي الشيعي فحسب وإنما هي للتيار الإسلامي بشقيه الشيعي والسني ، في البداية ، علقوا على جمعية الوفاق واتهموها بالطائفية ، ولما انبرت جمعية الإصلاح حينما رأت بأن التيار الإسلامي الشيعي يفصل بين المؤسسات بحيث تكون مؤسسة تحمل الملف السياسي ، ومؤسسة تحمل الملف الثقافي والاجتماعي ، ورأت بأنه توجه صحيح ، أنشئت المنبر الوطني الإسلامي واتهمت بالطائفية هي أيضا ، وكأن لسان حال هؤلاء يقول : تريدون أن تهتمون بالدين والأيتام والأرامل والمساجد فلن يعترض عليكم أحد ، ولكن أن تهتموا بالسياسة والشأن العام مع التزامكم بالهوية الإسلامية فهذا ما لن نسمح به ، وفي ذلك تأكيد للنظرة العلمانية للدين التي تشير إلى أن الدين مجرد مآتم ومساجد وقضايا ثقافية واجتماعية ولكن الدخول في السياسة والشأن العام غير مسموح به ، ونجد بأن هذه الدعاوى فيها محاولة لإقصاء التيار الإسلامي بشقيه الشيعي والسني من الساحة ، ونحن أكدنا بأن التيار الإسلامي سوف يبقى ولا توجد أي قوة في التاريخ تستطيع إبعاده عن الساحة ، وأكدنا وما زلنا نؤكد على ضرورة التنسيق مع كافة القوى السياسية ، وكذلك التنسيق الإسلامي الإسلامي ، وأؤكد أن التيار الإسلامي بشقيه هو الأقوى والأكثر فعالية في الساحة ، والتنسيق بين هذين التيارين له مردودات إيجابية كبيرة ومهمة على الساحة ، وعدم التنسيق له مردودات سلبية خطيرة على الساحة ، ونحن مع التنسيق الإسلامي الإسلامي كما أننا مع التنسيق مع كافة القوى الوطنية ، والتيار الإسلامي بشقيه سوف يكون حاضرا ومتواجدا في الساحة ، وسوف يتحمل مسئولياته الدينية والوطنية .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 4 ذي القعدة 1422 هـ الموافق 18 / 1 / 2002 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى