خطبة الجمعة | 9-5-2003

الخطبة الدينية : أيها الإسلاميون احذروا البرجماتية السياسية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي على محمد وأهل بيته الطيبين، وأصحابه المنتجبين، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين. السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أمير المؤمنين، السلام عليك يا فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين, السلام على خديجة الكبرى، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين، السلام على جميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم. السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء، السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ…) آل عمران- الجزء الرابع

هذا هو الجزء الأول من الآية الشريفة المباركة (154) من سورة آل عمران، الآية الشريفة المباركة تتكلم عن طائفتين من الناس وإرادة الحديث هي الطائفة الثانية، وفي هذا الحديث أردت أن أركز على الطائفة الثانية من الناس، هذه الطائفة التي تعرف اليوم بالبرجماتية أنها تفكر تفكيرا برجماتيا وأنها تتصرف تصرفا برجماتيا، وفي سبيل إيضاح الفكرة أعطي صورة مختصرة جدا عن البرجماتية ولا أقصد بهذا العرض الجانب العلمي ولا حتى المناقشة العلمية للنظرية وإنما العرض الذي يفيدنا في حياتنا العملية، البرجماتية لها جانبان.

الجانب الأول: هو الأقرب إلى الجانب العلمي، أو الفهم الفلسفي لهذه النظرية، ويتمثل في النظر إلى الأفكار أو النظريات بنتائجها العملية أو بما تحقق من نجاح، أن قيمة أي نظرية، قيمة أي فكرة تتمثل في نتائجها العملية وما تحققه هذه الفكرة وهذه النظرية من نجاح هذا هو الجانب الإيجابي.

الجانب الثاني: وهو الجانب السلبي والذي يمثل الشق السياسي ، أو التعامل السياسي أو الفهم السياسي للنظرية وهذا الجانب يتمثل في النظر إلى الأمور من خلال المنفعة بعيدا عن الحلال والحرام والقيم والمبادئ وما إلى ذلك ، كل الحلال والحرام والقيم المبادئ كل هذه الأمور لا ينظر إليها وإنما ينظر إلى المنفعة وما نحصل عليه من منافع ومكاسب بغض النظر عنها.

ومن الناحية العملية توجد برجماتيتين:

أولا – برجماتية الأقوياء: برجماتية الدول الكبرى في علاقتها مع الدول الأخرى، وبرجماتية الحكومات المستبدة في علاقتها بالشعوب المستضعفة، هذه البرجماتية تركز على الحصول على المزيد من القوة، والمزيد من السلطة والهيمنة، والمزيد من المكاسب والمنافع على حساب الآخرين. فحكومات الدول الكبرى لا تفكر في المصلحة العالمية ولا في مصلحة الدول الأخرى وإنما تفكر في مصلحتها وكذلك الحكومات المستبدة في علاقتها مع الشعوب فهي لا تفكر في مصلحة الشعوب وإنما تفكر في كيف تحافظ على كرسي الحكم.

ثانيا – برجماتية الضعفاء: وتتمثل في التفكير في الحصول على المصالح الشخصية أو المصالح الحزبية، بغض النظر عن المصالح العامة، وبغض النظر عن القيم والمبادئ، وتؤدي إلي المزيد من الضعف، والمزيد من التشتت وضياع الحقوق وضياع المصالح العامة، لأن هؤلاء البرجماتين يفكرون في مصالحهم الخاصة: الحزبية أو الشخصية، وللأسف فإن هذا التفكير البرجماتي تسرب إلى عقلية بعض الإسلاميين.

أعود إلى الآية الشريفة المباركة.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ …) هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد، نحن نعلم بأن المسلمين خالفوا أوامر الرسول الأعظم (ص)، بسب الضعف النفسي والميل إلى الدنيا والحرص على الغنائم، وكانت النتيجة هزيمة كبيرة للمسلمين، قتل عدد كبير من المسلمين وجرحت أعداد أخرى، وأصيب الرسول (ص) وقد حوصر في هذه المعركة وجرح جرحا بليغا في جبهته، هذه النتيجة خلقت غما وحزنا لدى المسلمين، بسب مخالفتهم أوامر الرسول (ص)، وبسب ما أصابهم من القتل والجرح والهزيمة وخسارة الغنائم…الخ

بعد هذه الحالة الآية تشير إلى طائفتين من المقاتلين مع رسول الله (ص):

الطائفة الأولى: والتي قالت فيهم الآية الشريفة ( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ…) ليس كل الجيش وليس كل المقاتلين ولكن طائفة منكم – بعضهم – هذه الطائفة هي التي ندمت على فعلت، فعاد أفرادها إلى الرسول (ص)، وأحاطوا به، ودافعوا عنه، هؤلاء تاب الله عنهم ونزلت رحمته عليهم، أما الأشخاص الذين هربوا فهم في حالة معصية لأن التولي عن الزحف معصية ولا يمكن أن تنزل الرحمة من الله عز وجل على قوم هم في حالة معصية، فالرحمة نزلت على أؤلئك القوم أو الطائفة التي عادت والتفت حول الرسول (ص) ودافعت عنه.

بعد أن توقفت المعركة هذه الطائفة كانت تعاني من ثلاثة أشياء، كانت تعاني من تعب المعركة، و تعاني من الخوف، وتعاني من الندم على ما فعلت، رحمة من الله تعالى أنزل عليهم النعاس والمقصود من النعاس – هو الذي يسبق النوم، أو النوم الخفيف، أو الحالة التي تسبق النوم، حتى كان السيف يسقط من يد أحدهم فيأخذه، وكان النعاس رحمة ونعمة كبيرة جدا على هؤلاء لأن نتيجة هذا النعاس: أعطاهم قوة ونشاط إلى أجسادهم بعد التعب، ونقلهم من حالة الخوف إلى حالة الطمأنينة، وأتاح لهم فرصة أو هيئهم للتفكير بتركيز أكثر، وتدبر الأمر مع الرسول (ص) حيث كانوا قبل هذا النعاس في حالة اضطراب ولم يكونوا مهيئين للتفكير وتدبر الأمور بصورة جيدة، ولكن بعد هذا النعاس وبعد هذه الراحة أصبحوا مهيئين بصورة أفضل لأن يتدبروا الأمر مع الرسول الأعظم (ص).

الطائفة الثانية: الذين ذهبوا بعيدا ولم يعودوا إلى الرسول الأعظم (ص)، والذين حرموا من الرحمة التي نزلت على المؤمنين الصادقين، لماذا حرموا من هذه النعمة ؟

قال تعالى: ( وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ…)

أهمتهم أنفسهم لها معنيان:

المعنى الأول: أنهم أصابهم الخوف والقلق والرعب والحزن وأصابهم الهم فلهذا ذهبوا بعيدا ولم يعودوا.

المعنى الثاني: ( أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ …) – أي أهمتهم سلامة أنفسهم، أهمتهم مصالحهم الخاصة أو مصالحهم الحزبية, بعيدا عن أغراض الدين، لم يفكروا في الله عز وجل، ولم يفكروا في الرسول (ص)، ولم يفكروا في الدين والدفاع عن الدين، ولم يفكروا في مصالح الأمة والمصلحة العامة، وإنما فكروا في مصلحتهم الخاصة، الشخصية والحزبية وسلامتهم.

ونستفيد من هذه الفقرة في الآية الشريفة بأن الإيمان الحقيقي يستدعي ويفرض على الإنسان المؤمن أن يفكر في المصلحة العامة وأن يفكر في أمور المسلمين ولا يفكر ولا يركز على نفسه فحسب، ففي الحديث:( من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ). وأيضا تدل هذه الفقرة على أن الإيمان الحقيقي يعصم الإنسان من أن يتخذ مواقفه أو يقدم اطروحاته من منطلق الخوف والهلع الذي يعاني منه بعض الناس.

قوله تعالى: ( يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ إِنَّ…) من الظن غير الحق:

أولا: أنهم يظنون بأن الله أوقعهم في معركة خاسرة.

ثانيا: أنهم يظنون بأن الله جل جلاله أسلمهم لأعدائهم. فهؤلاء يقدرون أو ينظرون أو يظنون حسب تعبير القرآن بأن الله جل جلاله ينصر المؤمنين بدون قيد وبدون شرط وأنه لا علاقة للنصر بسلوكهم ومواقفهم، وهذا تصور خاطئ، فالنصر للمؤمنين أو للكافرين يتوقف على توفيرهم لأسباب أو شروط النجاح وكسب المعركة، سواء أكانت المعركة عسكرية أو معركة سياسية أو أي معركة أخرى، وأن الله جل جلاله يتدخل في حالات محدودة حينما يكون الدين نفسه في خطر، الله عز وجل كتب على نفسه أن يحفظ الدين ولكن نصرة الدين ونصرة المؤمنين تتوقف على ما يثيرونه هم من شروط كسب المعركة السياسية أو العسكرية، لكن هؤلاء يريدون أن ينصرهم الله بعيدا عن سلوكهم وبعيدا عن مواقفهم واطروحاتهم، وهذا ظن خاطئ.

وقد وصف ظنهم بأنه ظن الجاهلية ،فهولا ينطلق من تصورات إيمانية، وإنما من تصورات جاهلية ومن منطلق التفكير المادي .

وتدلنا هذه الآية بأن هؤلاء يعانون من ثلاث مشاكل:

المشكلة الأولى: أنهم ليست لديهم رؤية واضحة ، لا رؤية عقائدية واضحة، ولا حتى رؤية سياسية أو رؤية حياتية واضحة، فرؤيتهم العقائدية، ورؤيتهم السياسية، ورؤيتهم للحياة غير واضحة.

المشكلة الثانية: أنهم ذو نفوس خبيثة أو نفوس مريضة.

المشكلة الثالثة: أنهم متخلفين أخلاقيا.

قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ…).

هذا السؤال ليس سؤالا بريئا ،حتى الإنسان المؤمن يمكن أن يسأل مثل هذا السؤال – هل لنا من الأمر من شيء ؟ لكن هؤلاء يسألون باستنكار،مما يعني أن عندهم نظرة سيئة إلى الله عز وجل ،ونظرة سيئة إلى الرسول (ص) ،ونظرة سيئة إلى الدين!!

قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ…) له معنيان:

المعنى الأول : يعني هل لنا نصيب من النصر، يقولون : بعد أن تعرضنا للهزيمة النكراء ، هل لنا نصيب أو فرصة لننتصر من جديد ، فهم لديهم سوء ظن بالله عز وجل، بأن الله غير قادر على نصرهم، ولديهم سوء ظن بالرسول (ص) فليست لديه الكفاءة – حسب ظنهم – في أن يحول الهزيمة إلى نصر.

المعنى الثاني: هل لنا نصيب في الوظائف والمناصب العامة وإدارة الدولة، فالأمر هنا بمعنى الحكم والإدارة والتدبير، فإن هم قتلوا أو هزموا فما هو نصيبهم من الوظائف أو المناصب العامة في إدارة الدولة. فتفكيرهم في المناصب والوظائف وليس تفكيرهم في الله أو الرسول أو الدين ، تفكيرهم في المصالح الخاصة ،الشخصية والحزبية ، والحصول على الوظائف والمناصب ، كم يحصلون من مقاعد في البرلمان والبلديات والنقابات وما شابه ذلك وليس التفكير في المصلحة العامة للأمة والوطن .

قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ…)

الدين كله لله عز وجل، والنصر بيد الله جل جلاله، فإن الله كتب على نفسه لأغلبن أنا ورسلي ، وإن جند الله هم الغالبين ، وأن العاقبة للمتقين ، وأيضا يقول لهم إذا خرجتم إلى الجهاد فاخرجوا في سبيل الله ، ولا تخرجوا من أجل المصالح الخاصة الشخصية والحزبية ، وإذا توليتم المناصب العامة فليكن همكم رضا لله عز جل، والمصلحة العامة ، وليست مصالحكم الخاصة الشخصية والحزبية ، وإذا دخلتم البرلمان أو دخلتم البلديات أو دخلتم إدارة النقابات أو الجمعيات ، فليكن همكم رضا لله عز وجل والمصلحة العامة وليس مصالحكم الخاصة .

وبهذه المناسبة أحذر من تسرب هذا التفكير البرجماتي إلى تفكير بعض الإسلاميين ، ومما يثير العجب كل العجب أن تجد لدى البعض الأصالة في التفكير العقائدي ، وحينما تأتي إلى تفكيرهم السياسي ومواقفهم السياسية ، تجد برجماتية محضة ، وتجد تميعا وضعفا ، فهذان شيئان – الأصالة في التفكير العقائدي والبرجماتية في التفكير والمواقف السياسية – غير متناسبان ، ولهذا فأحذر من تسرب هذه العقلية البرجماتية المتخلفة المفضوحة إلى تفكير الإسلاميين ، فالبرجماتيون يعتبرون أنفسهم أذكياء وحاذقين وواقعيين وموضوعيين وفي الواقع هم ليسوا كذلك كما كشفت عنهم الآية الشريفة المباركة ….

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة أأتي إلى الحديث السياسي.

الحديث السياسي: المعارضة وتفعيل دور الجماهير

وسوف أتناول مسألتين:

المسألة الأولى: تتعلق بالمعارضة في البحرين، وأبدؤها بقول إلى سمو رئيس الوزراء بعد الاجتماع ألألوفي الذي دعت له المعارضة في نادي العروبة قبيل الانتخابات البرلمانية، بعد هذا الاجتماع صرح رئيس الوزراء في مجلسه الخاص، وأنا أعتمد في نقل ذلك على الذاكرة، وهذا للأمانة، فلم تتح لي الفرصة لمراجعة النص ولا التاريخ حيث قال: أن المعارضة سوف تفقد جمهورها وقاعدتها، واعتماده في ذلك على أن الحكومة سوف تطور أداءها وتحل المشاكل الأساسية، وبالتالي الجمهور لا يجد أهمية للمعارضة، ولا يهتم بالمعارضة. وإذا جئنا إلى الواقع العملي أو الفعلي، نجد أن الحكومة لم تطور أداءها ولم تحل المشاكل الأساسية، بل على العكس فالملفات الساخنة زادت تعقيدا ولم تحل ، ولكن في نفس الوقت المعارضة فعلا فقدت الكثير من قواعدها ، وهذا بسبب ضعف الأداء ، والخطأ في منهجية العمل فلأن أداء المعارضة ضعيف ، وأن منهجها في العمل خاطئ ، فقدت الكثير من قواعدها ، من دون أن تقوم الحكومة بتطوير أدائها ، أوحل المشاكل الأساسية ، أي أن المشاكل تزداد وتتفاقم والمعارضة عاجزة عن تقديم الحل أو تقديم أي شيء نافع أو مفيد يلجيء الحكومة لحل هذه الملفات الساخنة .

وبهذه المناسبة أشير إلى ثلاث حالات خطرة يجب أن تلتفت لها الحكومة والمعارضة:

الحالة الأولى: أن تداعيات ضعف الأداء لدى المعارضة والأخطاء المنهجية التي وقعت فيها ، أدى إلى تشكيك الجمهور في مصداقية المعارضة ، وهذه حالة خطيرة جدا يجب أن تلتفت لها المعارضة ‘ ففي الاعتصام أو الاجتماع الذي دعت له المعارضة يوم الأحد الماضي أمام دار الحكومة، حيث كان الحضور ضعيفا وهذا يدل على أن المعارضة فقدت الكثير من قواعدها ، والأمر الآخر كشف لنا أن هناك تشكيك في مصداقية المعارضة لدى الجمهور ‘ ينقل عن بعض الذين لم يحضروا هذا الاعتصام ، أنه سؤل أحدهم : لماذا لم تحضر هذا الاعتصام ؟ فأجاب كنت حريصا على حضور كل المسيرات وكل التجمعات والاعتصامات، ولكن لا أعلم ماذا تريد المعارضة أن تحققه على ظهورنا من وراء هذه المسيرة ؟! وجدت في المعارضة بأن لها غرضا معينا وتريد أن تستغلنا، وتركب على ظهورنا في تحقيق أهدافها الخاصة بها، وهذا تشكيك في مصداقية المعارضة. أنا تقديري الشخصي بأن المعارضة ولا سيما رموزها لديهم مصداقية وحسن نوايا ، ولكن فليحذروا فإن من تداعيات أخطاءهم المنهجية ، وضعف أدائهم التشكيك في مصداقيتهم ، فقد أنتقل الجمهور من تقييم الأداء ومنهجية العمل إلى التشكيك في المصداقية ، وهذه حالة خطيرة جدا ، وعليهم أن يتداركوا الأمر ،فهم أمام حالة خطرة حقيقية لا تهددهم كأشخاص ، وإنما تهدد مستقبل العمل الوطني والمسيرة الوطنية .

الحالة الثانية : هذه تهم الحكومة وتهم المعارضة في نفس الوقت ،وهي أن ابتعاد الجماهير أو ضعف العلاقة بين الجمهور وبين المعارضة لا يعني أبدا أن الجمهور تنازل عن مطالبه الأساسية ،فالجمهور مازال متشبثا بمطالبه الأساسية ، وأن ضعف أداء المعارضة ، وتلكأ الحكومة وعدم جديتها في حل الملفات والمشاكل الساخنة ، دفع الجمهور إلى مزيد من التصعيد ، فإن ضعف ارتباطهم بالمعارضة ، ليس رفضا منهم للمعارضة ،وإنما لأن المعارضة لم تصل إلى مستوى طموحاتهم ، ولأن المعارضة وقعت في أخطاء منهجية في علاقتها مع الجمهور، فالجمهور مازال متشبثا بمطالبه ، ويريد أن يحققها ، فلا المعارضة حققت له ما يريد ، ولا الحكومة حققت له ما يريد ، وهو يصعَد ، وهذا ينذر بحالة انفلات .

هناك تصوران :-

التصور الأول : بأن الجمهور ييأس ويشعر بالإحباط ويفقد الاهتمام بالأمور أو الشؤون العامة ، وينكب على شؤونه الخاصة وهذه حالة خاسرة للوطن ، والحكومة والمعارضة في نفس الوقت ،،فالكل يخسر إذا الجمهور فقد حماسه وفقد طموحه ويأس ولم يعد يبالي بالأمور، فهذه خسارة حقيقية ، ولكن الأخطر من ذلك هو :

التصور الثاني: أن زمام الأمر يفلت فيكون الجمهور كالخيل الجموح ولا يجد من يمسك بزمامه، لا الحكومة ماسكة بالزمام ولا المعارضة تستطيع أن تمسك بالزمام، فإذا عدنا بالذاكرة إلى الحالة قبل الإنتفاضة المباركة ، فإننا كنا نتصور بان الشعب كان يائسا ومحبطا وفاقدا للاهتمام بالشأن العام ، ولكن الكل فوجئ بأن الشعب كان يعاني من حالة كبت وحالة غضب ، وانفجر بصورة مفاجئة ، وأصبح خارج السيطرة . فيا أيها الحكومة ويا أيها المعارضة ، لا تقولوا بأن الشعب سوف يقل اهتمامهم ، وعليكم أن تخافوا بأن الكبت والغضب قد ينفجران في أي وقت، وأن يكون الشعب أو الجمهور كالخيل الجموح الذي لا أحد يمسك بزمامه أنظروا إلى النتائج الوخيمة التي حدثت أثناء الإنتفاضة ، وإذا حدث الإنفجار مرة أخرى ، فسوف تكون النتائج أكثر فداحة ، ومن الأمور التي ينبغي تنبيه الحكومة إليها ، بكل وضوح وبكل صراحة ، بيان حركة أحرار البحرين الأخير، هذا البيان قيمته ليس في نفسه ، لكونه فيه حقائق أو مغالطات ،وإنما قيمة البيان بتفاعل الناس معه ، فقد تكون قيمته صفر، وقد تكون قيمته مئة على مئة ، وعلى الحكومة أن تنظر هل أن الناس تفاعلوا ايجابيا مع هذا البيان ، أم أنهم تجاهلوه ، لتدرك خطورة المنحنى ، وما يمكن أن يوصلنا إليه ، فأنا أنصح حكومة البحرين بأن تتدارك الأمر وأنصح المعارضة أيضا بأن تتدارك الأمر .

الحالة الثالثة : التي تتعلق بالمعارضة أن المعارضة بدأت تصاب بحالة من التفتت ، سواء كان في العلاقات داخل التيار الواحد ، أوفي العلاقة بين التيارات مع بعضها البعض ، وهذا له علاقة بالأداء وآليات العمل ، فالمعارضة فشلت على مستوى التيار الواحد في تجميع الجهود وتجميع الآراء المختلفة بآليات عمل صحيحة ، وفشلت أيضا في تطوير العلاقة التنسيقية بين مختلف التيارات ، وأنا أنصح بشيء واحد وباختصار شديد ، على كل الرموز وعلى كل القيادات أن تفيق من سكرت المواقع أو المناصب والعناوين ، وأن تفكر بعقول منفتحة وقلوب منفتحة وترى بعيون مفتوحة ما يجري على الأرض ، وأن يتجاوزوا ذواتهم ،وأن يفكروا فيما تقتضيه المصلحة العامة من تطوير ، وأن يفكروا في أدوات وآليات عملهم ، وقدراتهم وكفاءاتهم في إدارة الوضع ككل .

المسألة الثانية : تتعلق بالتقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بحقوق الإنسان في البحرين ، الذين أطلعوا على التقرير يدركون بأن هناك مراعاة قوية جدا من وزارة الخارجية الأمريكية إلى الحكومة ، وهذا شيء طبيعي لأنه يصدر من مؤسسة سياسية تحتفظ بعلاقات جيدة مع حكومة البحرين ، ولكن في نفس الوقت يعتبر التقرير إيجابيا فيما يتعلق بمطالب المعارضة ، فجميع مطالب العارضة تجد دعما قويا أو دعما مناسبا في هذا التقرير، سواء فيما يتعلق بالمسألة الدستورية ، أو فيما يتعلق بالبرلمان، أو الطائفية ،أو التجنيس العشوائي ، أو وضع القضاء ، أو الفساد الإداري والمالي ….الخ ،فكل المطالب الأساسية أو الملفات الأساسية التي تهتم بها العارضة ، تجد لها دعما مناسبا في هذا التقرير، والمطلوب من المعارضة أن توظف هذا التقرير، وتوجد الأساليب والأدوات المناسبة للاستفادة من هذا التقرير .

هناك سؤال مهم جدا ، وهو : لماذا هذه الحالة الإيجابية التي تخدم مطالب المعارضة في هذا التقرير؟

لهذا التقرير دلالتان أساسيتان هما :

الدلالة الأولى:بأن الإدارة الأمريكية حريصة على كسب ثقة الشعب البحريني وتغيير وجهة نظره .

الدلالة الثانية : أن الحكومة أو الإدارة الأمريكية تدرك بأن الإصلاح والديمقراطية في البحرين مازال دون مستوى الحاجة التي تخدم المصالح الأمريكية في البحرين والمنطقة ، فأمريكا لها مصالح في البحرين ، وهذه المصالح تتطلب أن يكون هناك نظاما ديمقراطيا بشكل معين في البحرين !! صحيح أن بعض المسئولين الأمريكيين روجوا للديمقراطية في البحرين ، ولكن الحكومة الأمريكية وهي لها مصالح في البحرين ، تدرك بأن المستوى الديمقراطي الموجود حاليا في البحرين ، ليس بإمكانه أن يحافظ على مصالحها ، فهو – أي التقرير- خطاب إلى المعارضة أنكم تستطيعون أن تصعدوا في مطالبكم إلى مستوى معين أكبر ، وخطاب إلى الحكومة ، أن يا حكومة استجيبي !! فعلى المعارضة أن تدرك مسئوليتها، وعلى الحكومة أن تعرف واجبها اتجاه نفسها.

وهنا أنبه إلى موضوع مهم جدا، وهو أن الحكومة سوف تلجأ إلى تفكيك المطالب أو تفكيك الملفات، وأن تهتم بالملفات أو المسائل الأقل أهمية في سبيل تخفيف الضغط عليها في المسألة الأكثر أهمية وهي المسالة الدستورية والبرلمان ، فالموضوع الأهم لدى المعارضة هو المسألة الدستورية والبرلمان ، والحكومة قد لا تكون لها الآن رغبة في أن تحقق مطالب المعارضة فيما يتعلق بالمسألة الدستورية والبرلمان ، ولكنها تريد تخفيف الضغط القادم عليها من الخارج، فاليوم قد جاء تقرير من وزارة الخارجية الأمريكية ، ومن المتوقع أن تأتي تقارير أفضل من مؤسسات سياسية وحقوقية دولية أخرى ، وهذا يمثل ضغطا على الحكومة ، في الوقت الذي لا تريد أن تستجيب فيه إلى المطالب الأساسية ، فتلجأ إلى تفكيك العلاقة بين الملفات والمطالب الأساسية ، وتستجيب إلى الملفات والمطالب الأقل أهمية أو غير رئيسية ،وبالتالي تظهر للمراقبين الخارجيين ، بأنها أنجزت العديد من المطالب أو الملفات ،فيقل الضغط عليها في الملفات الأساسية أو المطالب الأساسية ، وهنا ينبغي على المعارضة أن تعرف دورها في التعامل مع هذه الملفات وكيف تطرحها . وهنا أذكر بعض النقاط بصورة أولية، وهي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والمزيد من الناقشة .

النقطة الأولى : على المعارضة أن تطرح كل الملفات وكل المطالب الرئيسية كرزمة واحدة ، وأن لا تسمح بتفكيكها ، نعم قد تقوم بتقسيم العمل – وهو المطلوب – فتسند بعض الملفات إلى بعض المؤسسات ، فمثلا تسند ملف المسألة الدستورية والمسائل السياسية الرئيسية إلى جمعيات معينة ، وتسند ملف العمال والفساد الإداري والمالي إلى مؤسسات أخرى ، وتسند ملف المرأة والصحة إلى مؤسسات ثالثة ، وهكذا ، وأن يكون هناك تنسيق كامل بين هذه الجمعيات ، أيضا ينبغي على المؤسسات وجميع الرموز والقيادات أن يعيدوا اللحمة مع الجمهور ، وأن يعيدوا الثقة مع الجمهور ، وذلك من خلال توحيد الحركة ، بحيث تكون حركة الرموز ، وحركة المؤسسات ، وحركة الجمهور حركة واحدة ، مثلا حينما يتم التحرك من خلال المؤسسة على موضوع البطالة ، فإنه ينبغي على المؤسسة أن تجمع العاطلين عن العمل ، وتحاورهم وتتفق معهم على رؤية واحدة وبرنامج عمل واحد ، وأن تكون حركة المؤسسة ، وحركة العاطلين عن العمل حركة واحدة ، وليس كما نجده حاليا ، حيث يتحرك الرموز في طرف ، وتتحرك المؤسسات في طرف آخر ، ويتحرك العاطلون في طرف ثالث ، وهذا من شأنه أن يضعف حركة الرموز ، ومن شأنه أن يضعف حركة المؤسسات ، ومن شأنه أن يضعف حركة العاطلين عن العمل ، وبالتالي يمثل قدرا كبيرا من الفشل ، فيجب على الجميع أن يوحدوا حركتهم ، وأيضا يجب على الرموز وعلى المؤسسات أن يراجعوا خطابهم الموجه إلى الجمهور ، هناك خطأ أو هناك خلل في الخطاب الموجه للجمهور ويجب تصحيح ذلك ، وأيضا تنظيم العلاقة وتبادل الأدوار بين الرموز والمؤسسات والجمهور ، فيجب مراجعة ذلك .وأيضا يجب على الرموز والمؤسسات والجمهور ملاحقة الأهداف وبنفس طويل ، لا تيأسوا لا تكلوا ، لاحقوا أهدافكم بروح قتالية وبنفس طويل ، وحينما نتحدث عن الروح القتالية ، فذلك لا يعني العنف ، وإنما الروح القتالية التي تحرص على تحقيق النصر ، أو تحقيق الأهداف كما نجده لدى ألاعبين في ساحة الكرة حيث يكونون حريصين على تحقيق النصر أو الفوز بروح رياضية ، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الاعبون في الساحة السياسية ، عليهم أن يتمتعوا بروح قتالية ونفس طويل في تحقيق النصر وإنجاز أهدافهم ، وعليهم أن يبحثوا عن الأدوات والوسائل والأساليب الفاعلة ، فإنه لا توجد مجاملة في العمل السياسي الناجح ، والعمل السياسي الجاد لا تحكمه المجاملات والعوامل النفسية ، وإنما تحكمه الأهداف والأغراض والإنجازات ، فعلى كل طرف أن يضغط على الطرف الآخر ، بكل الأساليب والوسائل المشروعة ، الجأ إلى العرائض الشعبية ، فإذا لم تجدي العرائض … فعليك أن تلجأ إلى المسيرات والتجمعات والاعتصامات السلمية، فإذا لم تنجح فعليك أن تلجا إلى العصيان المدني، فلديك أهداف مشروعة، ولديك وسائل وأساليب وأدوات مشروعة وعليك أن تلجا إليها، فعلى المعارضة أن تفكر بأن تكون أدواتها وأساليبها فاعلة ‘ وإلا فإنه لا قيمة لعملها، فالحكومة لن تستجيب لمطالب المعارضة الرئيسية، ما لم تكن أدوات وأساليب المعارضة فاعلة،ولا مجاملات ولا تأثيرات نفسية في العمل السياسي ، وإنما اللجوء إلى الأساليب والوسائل التي تحقق النجاح في الأهداف المشرعة .

اكتفي بهذا المقدار واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 7 / ربيع الأول /1424هـ – الموافق 9 / 5 / 2003 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى