خطبة الجمعة | 7-3-2003

الخطبة الدينية: النفس المطمئنة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الغوي الرجيم

والحمد الله رب العالمين اللهم صلى على محمد واله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين

السلام عليك يا رسول الله , السلام عليك يا أمير المؤمنين , السلام على خديجة الكبرى السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين , السلام على جميع الأوصياء , مصابيح الدجى , وأعلام الهدى , ومنار التقى , والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأروح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء , السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء , السلام على شهداء الانتفاضة، السلام عليكم أيها الأحبة أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته.

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) الفجر- الجزء الثلاثون

في البداية ارفع أحر التعازي إلى مقام سيدي ومولاي وشفيعي يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لترب مقدمه الفداء , وإلى مقام مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها والى كافة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها , وإليكم بمناسبة ( فاجعة كربلاء )

الآية تسمى بأية الحسين (ع) – لأنه يمثل مظهرا كاملا أو مصداقا ظاهر الكمال لهذه الآية . الأمام الحسين يمثل مظهرا كاملا أو مصداقا ظاهر الكمال لهذه الآية الشريفة المباركة .

وقبل أن ادخل في مضامين الآية اذكر ما ذكره العلماء لمراتب النفس البشرية في سيرتها التكاملية وهي ثلاث مراتب لنفس البشرية في مسيريها التكاملية :

الأولى: هي النفس الأمارة بالسوء، وهي النفس المستقرة على معصية الله.

الثانية: هي النفس المطمئنة، وهي النفس المستقرة على طاعة الله.

الثالثة: هي النفس اللوامة، وهي النفس التي تخلط الطاعة بالمعصية.

والحديث يدور حول النفس المطمئنة والتي تحتاج إلى ثلاثة أشياء , في سبيل الوصول إلى حالة الاطمئنان:

أولاً: اليقين والرؤيا اليقينية الواضحة.

ثانياً: الهدف المعنوي الضخم.

ثالثاً: الإرادة الفولاذية القوية.

الزاد الأساسي لهذه النفس والوقود التي تعمل به هذه النفس هو الذكر.

قال الله تعالى: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30))

فالزاد التي تتزود به هذه النفس هو الذكر المستمر لله عز وجل والعمل الصالح.

مسارات الإنسان بعد الموت في البرزخ ثلاثة :

المسار الأول : هو سجين – وهو نار البرزخ وهو الطريق الذي تسلكه النفس الأمارة بعد الموت مباشرة , النفس الأمارة بالسوء بعد الموت تدخل إلى نار برزخ.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) المطففين- الجزء الثلاثون ، فالنفس الأمارة بالسوء المستقرة على المعصية تدخل مباشرة بعد الموت إلى نار البرزخ وتعذب في نار البرزخ.

النفس المطمئنة : تسلك طريق عليين – وهو جنة البرزخ وتنعم في جنة البرزخ مباشرة بعد الموت ( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) كتاب سجين كتاب مرقوم بان هناك استقرار المعصية وكتاب عليين أيضا كتاب مرقوم , لأنه مستقر على طاعة النفس الأمارة بالسوء , تدخل بعد الموت إلى نار البرزخ , والنفس المطمئنة تدخل بعد الموت إلى جنة البرزخ .

النفس اللوامة : تسلك طريق ثالث يعبر عن القرآن ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة- الجزء الحادي عشر ) هؤلاء يهملون في البرزخ لا يعذبون ولا ينعمون , وقيل حتى لا يحاسبون في القبر في عالم البرزخ وهم أصحاب النفس اللوامة التي تخلط الطاعة بالمعصية , في يوم القيامة أصحاب النفس الأمارة بالسوء المستقربين على المعصية يدخلون إلى جهنم بغير حساب , لا يحاسبون في يوم القيامة.

الأبرار أصحاب النفس المطمئنة , يدخلون الجنة أيضا بغير حساب لديهم كتاب مرقوم , مصيرهم منتهي و طبعا هم درجات.

أصحاب النفس اللوامة: الذين سلكوا الطريق الثالث القرآن ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ ) هؤلاء هم الذين يحاسبون يوم القيامة , وينقسمون إلى أهل اليمين , وأهل الشمال , أهل اليمين يدخلون الجنة , وأهل الشمال يدخلون إلى النار.

بعد هذه المقدمة المهمة: نأتي إلى الآية الشريفة المباركة قوله تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (هذا خطاب من رب الأرباب من الله الواحد القهار, يخاطب فيه النفوس المطمئنة لو تلاحظون , بأن هذا الخطاب فيه لين , فيه رأفة , فيه رحمة , فيه ود , فيه محبة , فيه تكريم فيه رضا , فيه يطمئن أصحاب هده النفوس , وفيه تامين لأصحاب هده النفوس.

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) المطمئنة إلى بارئها إلى خالقها إلى مالكها إلى مربيها إلى الله جل جلاله، المطمئنة إلى الحق المطمئنة إلى الهدف الكبير المطمئنة إلى الطريق والى الصراط المستقيم، المطمئنة بلا شك ولا ريب هذه النفوس لا تعاني من مرض الشك ولا الريب، المطمئنة بلا خوف ولا حزن , المطمئنة التي لا تهتز ولا تسقط في المواقف المختلفة , المطمئنة في الدنيا في اغتراب هذه الحياة توجد نفوس مطمئنة بين تجاذبات التحديات , والمغريات , رغم كل التحديات فهي , مطمئنة رغم كل العقبات فهي مطمئنة , رغم كل المغريات فهي مطمئنة تطمئن و التحديات والمغريات تتجاذبها. ولكنها مطمئنة. وهي مطمئنة يوم القيامة. في جميع أهوال القيامة في القبر، في ساعة البعث والنشور، في الحساب،حتى تدخل إلى الجنة، فهي مطمئنة في الدنيا وهي مطمئنة في الآخرة , .هذا خطاب للنفوس المطمئنة في الدنيا وخطاب لها في جميع ساعات الآخرة،وجميع أحوال الآخرة، من ساعة الاحتضار حتى دخول الجنة.

أهم ما ينبغي أن نلتفت له ونحن نتحدث عن النفوس المطمئنة ,بأنه يجب أن نعلم بأن حالة الاطمئنان الروحي يجب أن تتحول إلى اطمئنان في الموقف , لا قيمة للاطمئنان الروحي بدون أن يكون هناك اطمئنان في الموقف , الموقف الهادئ . الموقف القوي. الموقف الصلب هو وحده الذي يعبر عن حالة الاطمئنان الروحي.

يقول الرواة عن الإمام الحسين (ع) بأنه كلما اشتد وطيس المعركة كلما اشتد وجه الحسين إشراقاً. اشتداد المعركة اشتداد في إشراقة وجه الحسين (ع). (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك) ارجعي إلى مصدرك، ارجعي إلى خالقك، ارجعي إلى مالكك، ارجعي إلى ربك مدبر شؤونك ومربيك. ارجعي له في كل شيء، ارجعي إلى أمره ونهيه ارجعي إلى طاعته في الدنيا.وارجعي إلى قربه وارجعي إلى رضاه. وارجعي إلى ثوابه ونعيمه في الآخرة. الرجوع في الدنيا إلى الله.إلى ذكر الله إلى طاعته. والرجوع في الآخرة إلى قربه والى رضاه والى ثوابه.

هذه الآية أو هذه الفقرة من الآية الشريفة تظهر الشوق إلى الله عز وجل , لدى النفوس المطمئنة.وتبين حالة الغربة التي يعيشها أصحاب النفوس المطمئنة في عالم الدنيا , .فهم في شوق إلى لقاء الله عز وجل.وهذه الآية تدل على أن لأصحاب النفوس المطمئنة رعاية خاصة من الله عز وجل , وعناية خ صة بهم من الله عز وجل في الدنيا والآخرة.

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة ) راضية بإيمانها راضية بطريقها. راضية بعملها راضية بقضاء الله وقدره. فهي تشكره على النعمة وتصبر على البلاء. لا تخاف ولا ترتعد ولا تهتز ولا تسقط. لأنها راضية بقضاء الله وقدره , وراضية بأمره ونهيه , فلا تخالف له أمر ولا تخالف له نهي. هذا في الدنيا.. وفي الآخرة راضية بمقامها وقربها من الله وراضية برضا الله عنها وراضية بثوابه ونعيمه إليها وهي مرضية في الدنيا بإيمانها مرضية من قبل الله. رضا الله عنها بإيمانها. بإطاعتها ومرضية في الآخرة.

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ادخلي المقربين. الله سبحانه وتعالى يتوج أصحاب النفوس المطمئنة بتاج العبودية الذي هو أعظم تاج. نحن حينما نتكلم حينما نشهد بالنبي محمد ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) قدم مقام العبودية على مقام الرسالة فمقام العبودية مقام رفيع. هو سر كمال الإنسان وسر رقي الإنسان وسعادته. أصحاب النفوس المطمئنة يعيشون التسليم المطلق لله. التسليم التام بالله التسليم بقضائه وقدره. لا ينزعجون من الفقر, ولا ينزعجون من الغنى, لا ينزعجون من الصحة ولا ينزعجون من المرض, لا ينزعجون من الضيق , ولا ينزعجون من السعة, في كل الحالات هم مسلمين لله. وينفذون أوامر الله ونواهيه, هؤلاء أصحاب النفوس المطمئنة الذين توجهم الله بتاج العبودية , هؤلاء الذين يسلمون إلى الله تسليماً تاماً كاملاً لا يشعرون باستقلاليتهم عن الله.

هناك سر الشقاء .. أن يشعر الإنسان بأن له ذات مستقلة عن الله.انظروا إلى إبليس. إبليس لا تنقصه المعرفة بالله فهو لا يجهل الله ، خاطبه الله مباشرة وجرى بينه وبين الله خطاب , ولكن ما الذي أشقى إبليس؟ ما الذي أبعد إبليس، ذاته لأنه جعل لنفسه ذات وجعل ذاته مستقلة عن الله في قبل الله عز وجل فقط رغم معرفته بالله. ورغم كل العمل الذي قام به، الدرس الذي نستفيده أن الإنسان المؤمن يجب أن تنبع أطروحاته وأقواله من انتمائه لله وليس من انتمائه لذاته , لا تنبع أطروحاته ومواقفه من ذاته وإنما من انتمائه لله. فإذا صدرت الأطروحات من الذات فما لهذه الأطروحات إلا السقوط والشقاء.

أما إذا صدرت الأطروحات والمواقف من الانتماء إلى الله من أجل رضا الله , فمصير هذه النفس السعادة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي ) ولم يقل ادخلي الجنة بل نسب الجنة إلى نفسه كقول آسيا بنت مزاحم: ( رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي ) – ( التحريم- الجزء الثامن والعشرون ) ولم تقل ابن لي بيتا في الجنة بل عندك وفي القرب منك بجوارك فجنة الأبرار جنة أصحاب النفوس المطمئنة عند الله.بيوت هؤلاء عند الله وان لهؤلاء نعيم أكثر وأعظم وأجل وأشرف وأسمى من نعيم أهل الجنة , انهم ينعمون بقرب الله وبمخاطبة الله لهم وبمخاطبتهم لله عز وجل

بعد هذه الوقفة القصيرة 000 نأتي إلى الحديث الثاني ، بمناسبة الذكرى نحن في هذه الأيام نعيش ذكرتين عظيمتين 00ذكرى السنة الهجرية وذكرى كربلاء 000 هاتين الذكرتين تكتظان بالعبر والدروس ، لا أقول بأنهما غنيتين بالعبرة و الدروس وإنما تكتظان بالعبر والدروس 000

الذكرى الأولى : هجرة الرسول (ص) :

كل حياة الرسول (ص) 000 حياة الهجرة ترتبط بحياة الرسول (ص) . فحياة الرسول (ص) وحياة الحسين هي مصاديق كاملة إلى الآية الشريفة المباركة الرسول الأعظم (ص) تلقى الوحي في غار حراء وكان فردا ، الله جل جلاله كلفه بالدعوة إلى توحيد الله وإلى التوحيد . إذا جئت لتقيم هذا التكليف 000 الدعوة إلى التوحيد في تلك البيئة حسب الأمور الاعتيادية وحسب الحالات الاعتيادية أنها تنتهي قبل أن تبدأ إذا نظرت إلى البيئة التي عاش فيه الرسول (ص) وتريد أن تحكم على الدعوة والتكليف الذي أصدره الله جل جلاله للنبي محمد (ص) حسب التقسيم الاعتيادي نقول بأن هذه الدعوة تنتهي قبل أن تبدأ 000 لأن التوحيد في عقائده والتوحيد في قيمه و التوحيد في أحكامه وفي قوانينه 000 غريب كل الغرابة وبعيد كل البعد عن البيئة التي يجب أن تتحرك فيها الدعوة . التفكير الوثني والعصبيات الجاهلية والعادات والتقاليد المختلفة ؟؟ كيف تتحرى الدعوة في هذه البيئة ولكن النبي محمد (ص) كانت له نفس مطمئنة ، كان له يقين ، وكان له هدف ضخم هدف معنوي ضخم عظيم وكانت لديه إرادة صلبة ، تحرك بهذه الركائز الثلاث في تلك البيئة الجاهلية ، التي تعرض وأصحابه إلى بلاء عظيم 000 إلى تحديات صعبة ، تعذيب قاسي، حوصروا في الُشُعب وأيضاً تعرضوا إلى المغريات كانت لديهم كل الاستعدادات أن يأمروا النبي محمد (ص) وأن يعطوه من المال الكثير وأن يزوجوه بأجمل الفتيات ، يجعلوا له الوجاهة. تحديات صعبة ومغريات كبيرة . تجاذبات بين هذه التحديات وهذه المغريات ، ولكن النفس التي يملكها النبي محمد كانت نفس مطمئنة لم تزعزعها المغريات ولم تزعزعها التحديات. كانت ثابتة بين هذه التجاذبات . تجاذبات التحديات وتجاذبات المغريات. بين هذه التجاذبات تجاذبات التحديات والمغريات . النبي محمد (ص) كان يتحرك وكان يبحث عن موطأ قدم لدعوة التوحيد لم يتجمد لم يتصلب على أسلوب معين , ولا على موقع معين , لهذا نجد بأنه أمر المؤمنين بالهجرة إلى الحبشة ليبحثوا عن موطأ قدم للدعوة .

بعد عام الحزن بعد أن فقد أعظم المناصرين أبو طالب وخديجة . ، هاجر إلى الطائف ، كان يبحث عن موطأ قدم لهذه الدعوة ، لم يجمد ولم يتصلب 000 لم يقف مكتوف اليدين أمام التحديات والمغريات , كان يحاول …. هجرته إلى الطائف فشلت . أقصد لم يتحقق له أي موطأ قدم في الطائف 000 فرجع وهاجر إلى المدينة ، وكان يحاول … لم يستسلم في مكة سالم وفي المدينة حارب وقاتل ، فهو لم يجمد على أسلوب واحد كانت تهمه القضية وفي النهاية أنتصر ، وأصبح عظيما وأصبح مخلدا و حسن الذكر في الدنيا و الآخرة.

الذكرى الثانية : ذكرى الإمام الحسين عليه السلام :

الإمام الحسين (ع) رأى حال الأمة وما آل إليه حال الأمة من الفساد ، شخص البلاء وشخص الدواء ، يحرك للإصلاح أيضا كان يمتلك اليقين ، وكان يمتلك الهدف الضخم العظيم وكان يمتلك الإرادة الفولاذية ، يتحرك من أجل الإصلاح ، لم يجد بأن المدينة مكان مناسب خرج من المدنية دخل إلى مكة يبحث عن موطأ قدم كان يبحث عن المكان المناسب لتحقيق أهدافه الإصلاحية في أمة جده.

في يوم الثامن من ذي الحجة لم يبقى على موسم الحج إلا أربعة أيام يبقى التاسع والعاشر (يوم العيد) ويبقى في منى يوم الحادي عشر ويوم الثاني عشر يخرج وتنتهي مناسك الحج 000 أربعة أيام 000 الإمام الحسين لم يصبر هذه الأيام الأربعة . لماذا ؟؟ لأنه كان يتحرك من موقع القضية ، فلما وجد بأن القضية التي يدافع عنها والتي يحميها تتطلب أن يخرج في يوم الثامن من ذي الحجة من مكة 000 خرج ولم يصبر حتى أربعة أيام ، لأن مصلحة القضية تتطلب ذلك ، فخرج من مكة في يوم الثامن من ذي الحجة .

الإمام الحسين (ع) يرى نفسه بأنه أحق الناس بالحكم ويرى وضعية الإطاحة بنظام يزيد الإمام الحسين (ع) ليس لديه مشكلة حول شرعية إقامة الدولة الإسلامية بقيادته ، ولكن الإمام الحسين (ع) لم يتحرك من أجل السيطرة على الحكم , لأنه كان يعلم بأنه سوف يقتل في كربلاء ويقتل أهل بيته ، ويقتل أصحابه ، وتسبى حريمه، كان يعلم بكل ذلك ، ولكن قضية إصلاح في أمة جده تتطلب هذه التضحية ، فضحى , أعطى كل شئ من نفسه كما انه كان لديه وضوح في الرؤية ، ولما أن كان لديه إيمان بالهدف العظيم 000 ضحى الإمام الحسين (ع) لم يبحث عن مكتسبات .

يقول الرسول (ص): ( لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) .

النبي لم يكن يبحث عن مكتسبات , ولم يكن يبحث عن مناصب , لم يكن مثل ما في زماننا الآن .. كم عضواً في البرلمان يحصل وكم عضواً في الحكومة يحصل . ” لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ” عبارة عن السلطة وعن المال وعن الوجاهة ، فالنبي يقول أنا لا أبحث عن الملك , ولا أبحث عن الوجاهة , ولا أبحث عن المناصب , أنا لي قضية أريد أن أخدم هذه الإنسانية و أضحي من أجل هذه الإنسانية , وأن لا أبحث عن الملك ولا أبحث عن المناصب ولا أبحث عن الوجاهة ، كذلك الإمام الحسين (ع) يقول أنا أحق الناس بالملك وأن يزيد يستحق الإطاحة بنظامه ولكني لا أبحث عن هذا الملك ، أنا تهمني قضيتي وإذا كانت هذه القضية تستحق أن أضحي بنفسي ، وبعيالي وأصحابي وبأهل بيتي أفعل ، هكذا يفعل أصحابه النفوس المطمئنة ، اطمئنان روحي واطمئنان في الموقف.

الحديث السياسي: مطالبنا المشروعة

( ونحن في البحرين لدينا مطالب مشروعة ونحن ندعي بأننا نقتدي برسول الله (ص) ونقتدي بالأئمة ونقتدي بالحسين (ع) ) .

أسأل : ولنسأل جميعا أنفسنا 000 بأننا في ضوء إقتدائنا بالرسول والأئمة و بالحسين 000 هل نعجز عن تحقيق مطالبنا العادلة المشروعة ؟000 هل نحن عاجزون ؟ التجربة أثبتت أننا قادرين على تحقيق هذه المطالب …. ولكن تحقيق هذه المطالب يحتاج إلى الإرادة ، فإذا توافرت لدينا الإرادة، فنحن قادرون على تحقيق هذه المطالب ، وقد أثبتت التجربة بأننا قادرين على تحقيق هذه المطالب ، أما إذا اهتزت إرادتنا …. فمصيرنا إلى الذل و الهوان ، هذه المطالب تتعلق وترتبط بكرامتنا … وإنسانيتنا … هذه المطالب تتعلق بأمننا المعيشي … وأمننا العقائدي وأمننا الاجتماعي … وهذه المطالب تتعلق بتقدمنا أو تخلفنا 000 فإذا عجزنا عن تحقيق هذه المطالب فنحن عن كل مطلب وعن كل هدف ذو قيمة سنعجز.

وأننا بدون تحقيق هذه المطالب … وبدون السعي لهذه المطالب فسوف نعيش الذل و الهوان وسوف نعيش العجز في الإنجاز لن نستطيع أن ننجز أي شئ ، لو شئت لأقسمت وبالقسم العظيم وبأغلظ قسم ( بأننا بدون هذه المطالب وبدون السعي لتحقيقها فإن باطن الأرض خير لنا من ظاهرها ).

وصدق الحسين (ع) الذي نحيي ذكراه حين قال: ” إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً “.

اكتفي بهذا المقدار واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بتاريخ 4 / محرم /1424هـ – الموافق 7 / 3 / 2003 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى