بيان أستاذ البصيرة .. خارطة طريق ورسم السياسات المستقبلية
المتأمل في الكلمات الخارجة من خلف قضبان السجن، يرى أن هذا الكاتب قد عاين أحداث الحاضر وعايش همومها، فيرسم بقلمه خارطة الطريق لما يدور من أحداث على الساحة السياسية، فكان البيان خليط من ذلك مع وصايا مهمة يجب التأمل فيها من قبل المتصدين قبل الإقدام على أي خطوة كانت، ولا أسترسل في المقدمة لأن الرسالة حبلى بالأفكار والسياسات المستقبلية.
يبدأ الأستاذ بالشجرة التي لا تموت وهي الثورة التي سقاها الشهداء بفيض دمائهم وعرق جبينهم، ويجب على إنسان الثورة أن يستمر على مبادئ وقيم هؤلاء الشهداء، ولا يمكن أن تذهب هذه الدماء في أي معترك سياسي قادم هباءً، وهي ليست محلاً للمساومة على أي طاولة من طاولات المفاوضات أو غيرها، وما فيه نحن من قوة وشرف وكرامة وقوة هو من بشرف دكاء الشهداء الأبرار.
ولحق هؤلاء الشهداء العظماء كان لهم حق الصدارة في هذا البيان.
ولم يبخس أستاذ البصيرة حق العلماء الذين عملوا في رفد الثورة بمدادهم وصوتهم ومجاهداتهم ضد الظلم والظالمين.
المبعدون والمهجرون رغم الألم الذي يواجهونه من فراق أهلهم وأموالهم كما في الجيل الأول من صدر الإسلام، ولكن يجب عليهم القيام بوظائفهم التي لا يستطيع أهل البلد القيام بها للظروف الموضوعية أو الأمنية القائمة في البلد، إنهم الصوت الهادر والحر، والذي لا يمكن أن يحاصر بحال، يختم مقالته لهم بتوصيات: المواصلة باقتدار والثبات وإبداء الرأي المستنير بشجاعة أدبية مسؤولة، فإن صوتكم يسمعه أهل الأرض وأهل السماء. وهذه الوظيفة تحتاج إلى العمل والمتابعة للمستجدات والتقييم والتوجيه والملاحظة بدقة للأحداث التي تدور خلف الأستار.
وأما المعارضة الشعبية بأوصافها المذكورة بالصبر والاحتساب والإستماتة يجب عليهم الاستمرار على مبادئهم، حيث أن الروح التي يجب الالتزام بها هي الإيمان، وما يحصل من خلافات بينية في صفوفها مع طول المدة يجب أن تتزود بالتقوى لتفادي أي تمزق أو تشرذم، وإن ميزانها في كل خطواتها النور والعدل فإن الغاية من كل هذا العمل هو الإصلاح.
فإن ما يصادف الثورات من التراجع والتقهقر لهو من عدم التوكل على السبب الحقيقي للنصر وهو الحق سبحانه وتعالى.
ومن حق الشعب على المعارضة الاحترام والتوقير والوفاء لأبنائه المضحين وأن يعشق أبناءه ويمجدهم ويرفع من ذكرهم ومقامهم لما قدموا من تضحيات في سبيل حقوق الناس ومطالبهم.
وينبه على الدفاع عن المعارضة في سبيل عملها المخلص، فإن النصر لهو الوعد الحق من الله تعالى ذكره ومجده، وأن النصر من الأمور المحتومة واللازمة لعباد الله الصالحين.
ثم يذكر توصيات للمعارضة بجميع أطيافها:
- التلاحم ورص الصفوف في هذه المرحلة بالخصوص، وفي المراحل الآتية، فالجميع في مركب واحد مهما اختلفت الأساليب والمناهج فهي تحت مظلة جامعة واحدة.
- القيام بالواجبات، فلا حتمية لنصر من دون القيام بالواجبات اللازمة التي بمثابة المقتضي للنصر المحتوم.
- رفع الموانع التي تمنع من الوصول للأهداف السامية من الثورة الشعبية، كالاستعجال في الخطوات وحرق المراحل، للحصول على ثمار لم تنضج بعد، وترك الاستبداد والاستفادة من الماضي القريب كدرس في التكامل والعمل تحت أفق واحد فإن الاختلاف عنصر قوة في المرحلة القادة لا عنصر ضعف، ونبذ الأنانية والتفرد بالآراء والعمل.
- ومن الشروط أن يكون هناك تكامل في الأدوار بين المعارضة، وأن لا يستفرد النظام بطيف من المعارضة بما يحقق مآربه، بل المرحلة تتطلب التكامل وكل يعمل وفق رؤيته وتكوين رؤية جامعة للتحرك ضد النظام الحاكم بما تهيئه الظروف الموضوعية الحالية والمستقبلية.
- البصيرة، والعمل على وفقها، لأن المرحلة تتطلب ذلك، لأن الخطأ في هذ المرحلة سينعكس على جميع الناس بحاضرها ومستقبلها، وأن لا ينظر لمطالب آنية التحقق ممكن أن يتملص النظام في المستقبل منها، بل لا بد من البصيرة باستشراف المستقبل.
- على جميع المعارضة العمل والاستجابة الحقة لكل وضع مستجد بما يحصد الخير الكثير ويدفع الشر الكثير، فالموازنة هي تحقيق أكبر قدر ممكن من إنجازات للناس، ودفع الشر عنهم بالمقدور والمستطاع.
- الحذر من التفكير باللحظة والمكاسب الآنية، فإن ذلك من ضيق الأفق والخطأ في الحسابات والتفريط في المكتسبات من دماء الشهداء ومتطلبات المستقبل لأولادنا، ويدخل هذا تحت تضييع الفرص.
- التعددية مع وضوح الرؤية وكسب التكليف لا تعني الفرقة أبداً، بل هي مكسب كبير لهذا الشعب إن قرن بالتكامل والتنسيق وتبادل الأدوار مع وحدة الهدف، وهذا يجعل من المعارضة الاستفادة من كل الفرص الممكنة في أي منحنى سياسي أو غيره.
- فإن المعارضة مع جميع اختلافاتها تظلها مظلة جامعة واحدة وهي مظلة الولاية، فالعمل تحتها يعطي قوة لا ضعفاً.
- أن الخيار يجب أن يكون بيد المتصدين الذين يسهرون ليل نهار ويقارعون الظالمين في كل الساحات، لما تتوفر لديهم من معرفة بالوقائع والأحداث، مع هذا يمكن التوجيه وإبداء النظر، حيث الحكم في النهاية للمتصدي القادر على الحكم على الموضوعات المختلفة.