عبدالوهّاب حسين .. أستاذ البصيرة الضليع في صناعة التاريخ
قبل أيام من ذكرى التاريخ الجديد الذي فتح أول صفحاته أستاذ البصيرة، نستذكر: عبدالوهّاب حسين.. أستاذ البصيرة الضليع في صناعة التاريخ.
يكنّى الأستاذ عبدالوهاب حسين (1954م)، في الأوساط الشبابيّة الثوريّة، بـ«أستاذ البصيرة»، وكان لهذه الكنية أثرها العميق في وجدان ثورة الرابع عشر من فبراير 2011، والتنقيب عن سببها يجرّ الباحث لمسح استقرائيّ لتاريخ الرجل، فالأستاذ عبدالوهاب تخرّج عام 1977م من جامعة الكويت في الفلسفة والاجتماع، عمل لمدّة خمسة عشر عاماً كمشرف اجتماعيّ في مدارس البحرين، أمّا مهمّاته الدينيّة التي آمن بها تكليفاً، فكانت التدريس في مساجد البحرين، وصقل الشباب بالوعي الدينيّ.
كانت فتوّة الرجل متزامنة مع وهج انتصار ثورة الخمينيّ، حيث تأثر عبدالوهاب حسين بالإمام المنتصر، وصار أحد المريدين له فكريّاً وفقهياً، لازمته القراءة عن كثب، لم يبارح الدرس والتدريس والمطالعة، اعتقل في سبتمبر 1995 بسبب نشاطه السياسيّ إبّان انتفاضة التسعينيّات، وأفرج عنه مع أصحاب المبادرة في ظلّ اتفاق مع الحكومة، بتحقيق مطالب الشارع وقتذاك، والتي تتمثّل في إعادة العمل بدستور 73، لكنّ الحكومة نكصت على عقبها، وتصرفت بديدن القبيلة الخليفيّة التي تعطي الوعود تخديراً ومناورة، ليعتقل مرة أخرى لمدّة خمسة أعوام قضاها في السجن الانفراديّ؛ من يوم الأحد 14 يناير 1996 حتى يوم الإثنين 5 فبراير 2001.
شارك الرمز عبدالوهاب في تأسيس جمعيّة الوفاق الوطنيّ الإسلاميّة في يوليو/حزيران 2001، وترّأس اللجنة التحضيريّة لـ«الوفاق» ما بين 25 سبتمبر/أيلول و7 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، عمل الرجل وفق الضابطة الممكنة للتغيير، لكنّه رأى أنّه لا فائدة تذكر مع نظام الحكم في البحرين، فخرج عبدالوهاب من الجمعيّة، وشكّل تحرّكاً جديداً في 2009، ليكون انبثاقاً للرؤى السياسيّة التي قال عنها أستاذ البصيرة أنّها مفقودة لدى قوى المعارضة.
فتح مجلسه على مساحة للتنظير والنقاش الشبابيّ، وبتواضع الأب، وحكمة القائد استطاع عبدالوهاب حسين أن يثري الساحة من خلال جلسته الأسبوعيّة؛ لم يكن حراكه خالياً من إثارة الجدل، لكنّه كان يراه نفضاً للغبار، والاختناق هنيهة بالصراحة ضريبة للتصحيح.
في أكثر من مرة حذّر «أبو حسين» من الوقوع في فخاخ السلطة بعد كلّ هذا الإرث من الخبرة التاريخيّة معها، ظلّ يحاول أن يؤسّس لله وللتاريخ حراكاً مغايراً كما عبّر أكثر من مرة، فزرع بذرة ثورة الرابع عشر من فبراير.
لم يكن النظام غافلاً عن تحرّك الأستاذ فهو يعلمه عن كثب، وهذا ليس بالغريب على مخابرات أمن الدولة التي عرفت الرجل جيداً، وهو كان يعرف أنّها تعرف، لذا كان لا بدّ من المواجهة العلنيّة.
ركب صهوة التاريخ، وأمسك بسرج منصّة الدوار، وقابل دول الخليج وأمريكا، لكنّ عينه الحانية ظلّت على شباب البحرين وشاباتها: «إنّي أقول لكم شهادة لله وللتاريخ، في الساحة مطلبان: إسقاط النظام ومملكة دستوريّة…».
في هذه الأثناء فتحت اللهفة فاهها: ماذا سيقول الرمز الممانع؟ هكذا ردّد البعض، فأضاف: «أقولها شهادة لله وللتاريخ، إذا تنازلتم عن مطلب إسقاط النظام فلن تحصلوا على المملكة الدستوريّة!…».
هذه الكلمات توّجت مسيرة النضال التي جذرها في تاريخه بالأوجاع والصبر على المرّ، استحقّ عليها لقب «أستاذ البصيرة»، ذلك لأنّ الشباب يرون فيه الحصيف الذي تصدق رؤاه وتحليلاته.
اعتقل عبد الوهاب حسين للمرة الثالثة في 17 مارس 2011 بعد قمع ثورة البحرين وحكم بالمؤبّد، بعد رفضه القاطع الظهور على شاشة التلفزيون، وامتناعه عن الاعتذار العلنيّ للملك ورئيس الوزراء.
لا زال الأستاذ عبدالوهاب في سجنه، لكنّه أسس «تيار الوفاء» الذي ظلّ ينتج نظرته الثوريّة المتأسسة على رؤى إسلاميّة، سيّما وأنّه تيار متنامٍ بات يؤمن بما أرساه الرجل في السنوات التي سبقت الثورة في فبراير/شباط من عام 2011، وهو بذلك الإرث صار ضليعا في كتابة التاريخ بأثره المعنويّ على الناس ووعيهم.