
أن حمل ثقافة الشهادة والمرابطة على طريقها، وتكريم الشهداء والحفاوة والاقتداء بهم، هو السبيل لعزة الأمم والشعوب وكرامتها وتقدمها ورخائها في الحياة، وأن الفقر في ثقافة الشهادة والتخلي عن المرابطة على طريقها، يورث الأمم والشعوب الوهن والضعف والتخلف والذل والصغار في الحياة.
جدول زمني
حيثما وجد شهيد: فهذا يعني وجود قتلة مجرمون ظلمة لا يعرفون الله تعالى ولا يعرفون القيم الإنسانية النبيلة، وحيثما وجد شهيد: فهذا يعني وجود قضية جوهرية عادلة تستحق التضحية والشهادة في سبيل نجاحها وانتصارها، ويعني وجود أناس شرفاء مضحون، تغلبوا على شهواتهم وجاذبية الدنيا وزخارفها الفانية، واشتغلوا بالهموم والقضايا الكبيرة للأمة، وزادهم في طريقهم التقوى، قد حلقت أرواحهم الزكية الطاهرة في سماء القيم والمبادئ السامية الرفيعة، وسمت لرؤية الملكوت الأعلى.
إن الشهادة الحقيقية ليست وليدة صدفة كأن يخر الشهيد صريعا بغير إرادته ضحية لموقف غادر لأحد المجرمين هنا أو هناك، وإنما هي اختيار أكيد ومنهج حياة مبنيين على فلسفة ويقين ورؤية محددة للأمور، فالشهيد قبل أن يُصرع هو مشروع شهادة حي يتحرك نحو مصرعه بصبر ومثابرة وحيوية وقوة وفاعلية وهو يحمل معه ناره ونوره وعطره وعبقه، ويسير نحو الشهادة بإرادة كاملة وبتنظيم دقيق وبخطى ثابتة لا تزحزحه الإغراءات ولا التهديدات، ولذلك فهو شهيد وإن مات على فراشه حتف أنفه.
تعتبر الشهادة دليلا على مدى إيمان الشهيد بعدالة قضيته التي استشهد من أجلها وعلى قيمتها الكبرى وأهميتها العظمى لديه، وهي شاهد إدانة لقوى الباطل والظلم والرذيلة والظلام والاستبداد والاستكبار والانحراف والتخلف أمام محكمة العدل الإلهي والتأريخ، وهي النور الكاشف عن جريمتها العظمى ضد الإنسانية، وهي العنصر من الكيمياء الإنسانية الذي يزيل مساحيق التجميل عن الوجه القبيح لتلك القوى الشيطانية وفضحها أمام التاريخ لتكون عبرة لكل معتبر من الحكام وأصحاب السلطة والنفوذ،، وهي الأداة الأقوى لهدم الكيان الشيطاني لتلك القوى والنار الأشد فتكا بجسدها الظلامي القبيح.
كل من لا يسير في خط الشهادة فهو لا يمتلك حقيقة الإيمان، ولم يشتعل قلبه بنار العشق الإلهي، فهو كيان مظلم لم تمسه نار العشق والمحبة، وهو معرض للانهيار الروحي والأخلاقي والتراجع في المواقف في أي وقت من الأوقات كلما تجدد الترهيب والترغيب وقوت سطوتهما على الإنسان، ومن الصعب على من لا يسير في خط الشهادة أن ينال شرف الدنو من الله العلي الأعلى والزلفى لديه، وذلك لضعف الجاذبية بينهما.
الشهداء قد أعطوا الدرس البليغ الصادق في الحياة، وأصبحوا القدوة الحسنة للأحياء والحجة عليهم أمام الله ذي الجلال والإكرام والتاريخ في الاقتدار على صناعة الحياة الكريمة. لقد علم الشهداء الأحياء كيف ينبغي أن يعيشوا في الحياة، وكيف عليهم أن يموتوا، وما هو السبيل إلى الرفعة والتقدم وصناعة الحياة الإنسانية الكريمة على الأرض، فعلى الأحياء أن يحملوا مشاعل النور التي أشعلها لهم الشهداء الأبرار، وأن يسيروا في طريقهم طريق الحق والعدل والحرية والعزة والكرامة والفضيلة والنور، وأن يقاوموا كل قوى الباطل والشر والظلم والظلام والانحراف والفساد والاستبداد والاستكبار والتخلف، وأن يحموا تراث الشهداء النوراني العظيم ومكتسباتهم وأهدافهم العظيمة، من أجل صناعة واقع أفضل للإنسان في الحياة
إن كل من يعيش التخاذل ويقبل بالإذلال والظلم والاضطهاد طلبا للعيش الرخيص في هذه الحياة، فهو ميت لا يعرف حقيقة الإيمان، وهو مظلم لم يشتعل قلبه بنار العشق الإلهي، فهو يعيش للغريزة والتراب، ولا يعرف حقيقة القيم والمبادئ السامية كالعشق والعزة والكرامة والإيثار على النفس والانتصار على الذات، وهو لا يعرف حقيقة الشهادة والشهداء، ويجهل قيمتهما بالتأكيد، وإن صام وصلى وحج وأقام احتفالات التأبين والتكريم للشهداء وأقام المآتم في الليل والنهار وبكى الدهر كله على سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) فالشهادة في القراءة الأولى لها تعني : اختيار الموت في عزة على حياة مهينة في ظل الإذلال والظلم والاضطهاد
أما الشهداء فهم أنوار العشق الإلهي المتوهجة بالمعرفة والمحبة والجمال، وهم الذين يرسخون دعائم الحق والخير والعدل والحرية والفضيلة في المجتمع والتاريخ، وهم إكسير الحياة الذين ينفخون روح الكرامة والحياة المعنوية في جسد الأمم والشعوب، وهم قلبها النابض بالحياة، وبدون الشهادة والشهداء، لا بقاء لعقيدة صالحة، ولا بقاء لقيم معنوية رفيعة، ولا أمل للإنسان في الحياة الكريمة.
علينا أن نعلم بأن الحياة الإنسانية الكريمة ليست إلا عقيدة صالحة وجهاد صادق، فعلينا أن نحسن استقبال رسائل الشهادة والشهداء، وأن نحسن التعاطي معها بجدية وإيجابية، فنعظمها ونجلها ونرفعها كالتيجان فوق رؤوسنا، وأن نحفظ تراث الشهداء، وأن نصون المبادئ والقيم والمكتسبات التي ضحوا من أجلها، وأن نجعل منها معالم رئيسية في طريقنا الصاعد في الحياة، وأن نواصل الطريق الذي سار فيه الشهداء حتى تتحقق الأهداف العظيمة التي سعوا وضحوا من أجل تحقيقها، ونالوا شرف الشهادة وحصلوا على وسامها الرباني الرفيع.
إن الشهيد الحقيقي هو الإنسان الذي يسير على منهج الخلافة الإلهية في جميع شؤون الحياة، ويتحلى بما تفرضه من الشروط والمبادئ والقيم، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يسلكه الإنسان من أجل عزته وكرامته وسعادته وكماله الأسمى في الحياة، والفوز برضا الرب جل جلاله والجنة، وهو مستعد للتضحية والفداء في هذا السبيل.