الاستدلال بالآيات الإلهية
<الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى>
ثم أعطى موسى الكليم (عليه السلام) تفصيلاً إضافياً للتعرف على رب العالمين؛ لكي يميز بين الرب الحقيقي الذي تقوم ربوبيته على أسس فعلية واقعية موافقة للعقل والمنطق، وتحفظ كرامة الإنسان، وبين الربوبية الوهمية المزعومة بغير حق ولا منطق، ولا تقوم على أسس واقعية، والأخذ بها فيه مخالفة للطبع الإنساني والفطرة السليمة وهدر لكرامة الإنسان، فقال: <الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى>[1]، أي:
أ. الذي جعل الأرض فراشاً ممهداً ومستقراً تحصنكم للعيش عليها والبناء والغرس في يسر وسهولة، وتتخذون من العيش عليها زاداً لحياتكم العلوية الخالدة الكريمة، كما يحتضن المهد الصبي ليربى فيه لحياة أكمل وأشرف، وقد تم تدبير أحوالها الطبيعية ومحيطها بحيث تكون صالحة لحياتكم عليها، وتوفر لكم فيها كل ما تحتاجونه من الوسائل والمرافق التي تمكنكم من العيش الكريم وتمنحه الحياة عليها وصناعة حضارة إنسانية راقية ومتميزة، ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم، وأن حركة الأرض حول نفسها التي تكون ظاهرة الليل والنهار، وحركة الأرض حول الشمس التي تكون ظاهرة الفصول الأربعة، وحركتها مع المجموعة الشمسية حول مركز المجرة، ونحو ذلك من الحركات الفلكية العديدة، كلها لا تضر بعيشكم بل تعود بالنفع عليكم، وسخرت لخدمة غاية وجودكم في الحياة.
ب. جعل لكم سبلاً «طرقاً» تسلكونها في البر والبحر والجو، وسهلها لكم؛ لكي تسيروا فيها؛ لتبلغوا مآربكم وتصلوا إلى مقاصدكم وتحصلوا على منافعكم في السفر التي لا تقل أهمية أو قيمة عن تلك التي تحصلون عليها في إقامتكم في أوطانكم، فرغم وجود الجبال العالية والبحار والعقار الواسعة والمسافات البعيدة جداً بين مناطق سكناكم إلا أن التواصل بين المناطق المتفرقة والبعيدة متاحة لكم براً وبحراً وجواً، فلا تنفصل مناطق الأرض والشعوب والأمم والحضارات عن بعضها البعض، بل تتصل وتتواصل، مما يتيح لكم فرصة السفر والتواصل؛ لما في ذلك من الأهمية والقيمة العالية في التقدم المعرفي والتربوي والحضاري، وإتاحة فرصة التواصل والتلاقي والتلاقح المعرفي والحضاري، وحصول التنمية المشتركة بين الشعوب والأمم والحضارات، وإتاحة الفرصة لقيام نظام عالمي ودولة عالمية واحدة في المستقبل، يقوم على المنهج الرباني العادل المنزل من عند الله سبحانه وتعالى، والذي يوافق العقل والمنطق والطبيعة والفطرة الإنسانية السليمة، ويقوم على التوازن والاعتدال، ويوصل الإنسان إلى كماله الإنساني، ويحقق له السعادة الحقيقية الأبدية الكاملة في جنة الخلد والفردوس الأعلى.
كما أتيحت لكم فرصة التواصل مع العالم الخارجي «غزو الفضاء»، مما يعطي الحضارة الإنسانية بعداً وميزةً إضافية معرفية وتربوية وحضارية، تختلف كثيراً عما لو كانت حركة الإنسان ونشاطه محصورين على وجه الأرض.
ج. الذي أنزل من السماء ماءً عذباً فراتاً، كثير الخير والبركة، ويعد بحق وحقيقة: أساس الحياة على وجه الأرض، إذ بدونه لا تكون الحياة ممكنة، فمنه تشربون وتشرب أنعامكم، وبه يُخرج الله (عز وجل) أصنافاً شتى من النباتات التي تختلف في الشكل واللون والطعم والمنافع، فبعضها يستخدم غذاء للإنسان والأنعام، وبعضها يستخدم للدواء، وبعضها يستخدم لصناعة الملابس والبيوت والسفن ونحوها، وغير ذلك من المنافع التي لا تعد ولا تحصى والمقومة لحياة الإنسان وتنميتها وازدهارها.
وكل هذه الظواهر الطبيعية: من تدبير الله رب العالمين، وتدل على عظيم علمه وحكمته وقدرته وحسن تدبيره ورحمته بعباده، وأنه جدير بالطاعة والعبادة، وليس بالكفر والمعصية.
كما يدل على عدم صحة ادعاء غيره للألوهية والربوبية، وعدم صحة مجاراة من يدعي ذلك والقبول منه؛ لأنه مخالف للعقل والمنطق والطبع السليم والفطرة، ويهدر الكرامة الإنسانية؛ لأن فيه طاعة وخضوع للمساوي بدون حق وعلى غير أساس سليم.
المصادر والمراجع
- [1]. طه: 53