التعريف بفرعون الطاغية

فرعون اسم أعجمي يطلق على ملوك مصر في تاريخ مصر القديم، ويطلق على كل عات متمرد ومتكبر، وعلى كل طاغية وحاكم متجبر، والجمع فراعنة.

وأصله في اللغة المصرية القديمة: يرعا، ومعناه: البيت العظيم، مما يدل على السلطة المركزية المطلقة لفرعون.

وتفرعن: تخلق بأخلاق الفراعنة وطغيانهم وتجبرهم وتعاطى فعلهم. وتفرعن النبات: طال وقوى. وذو فرعنة: ذو دهاء ومكر وخداع وطغيان وتجبر.

والفرعوني: المنسوب إلى فرعون.

وفرعون موسى (عليه السلام) اسمه في الروايات: الوليد بن مصعب وقيل: الريان. وقيل: قابوس. واسمه في كتب التاريخ منفتاح بن رعميس الثاني، ويلقب بسليل الإله، وكان من أكثر الفراعنة طغياناً وتجبراً ودهاءً. عاش في القرن الثامن عشر (13) قبل الميلاد ومات غرقاً مع جنوده حينما كان يسعى للحاق بموسى الكليم (عليه السلام) وبني إسرائيل للقضاء عليهم واستئصال شأفتهم قبل أن يتمكنوا من الخروج من الحدود المصرية والدخول في حدود فلسطين، وذلك لأنهم خرجوا من مصر هرباً من ظلمه وطغيانه وبدون علمه وعلى خلاف إرادته متحدين بذلك رغبته وسلطته. وحين أشرف فرعون على الغرق وانطبق عليه ماء البحر وأصبح كالقشة تتقاذفه الأمواج، وتيقن من الموت والهلاك، قال: <آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ>[1] وذلك بعد أن كان يدّعي ما ليس له بحق، ويقول كذباً وزوراً وبدون دليل: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[2] <مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي>[3] وهذا هو شأن اللئيم خسيس الطبع سيء الخلق الذي لا مصداقية له، يتعاظم عند النعماء، ويتصاغر عند البأساء ولا يفي بعهد أو وعد قطعه على نفسه. وقد أراد بإيمانه في هذا الوقت أن يظفر بما ظفر به موسى الكليم (عليه السلام) وبنو إسرائيل بإيمانهم، وهو مجاوزة البحر والأمان من الغرق.

وقوله: <آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ>[4] يدل على أمرين:

الأمر الأول: أن غرور الملك والسلطان والقوة والمال، وعقدة التميز الطائفي بين الأقباط والأسياد وبين بني إسرائيل المستعبدين، كانا يمثلان حجاباً يحيل بين فرعون ورؤية الحقيقة والإقرار بها والتسليم إليها، ولما سقط هذا الحجاب بالإشراف على الغرق، رأى الحقيقة كما هي عليه وسلم بها. ومثل هذا الحجاب يمكن أن يوجد عند الإنسان الذي هو في مثل حالة فرعون من الملوك والقادة المترفين ونحوهم، ويمكن أن يسقط هذا الحجاب بسببين:

  1. التربية: وهو سبب اختياري يحصل للإنسان بالمراجعة والمحاسبة والتصميم على العمل بمقتضى العلم والمنطق السليم.
  2. الاضطرار: وهو سبب يحصل للإنسان قسراً وخارج إرادته كما حصل لفرعون حين أشرف على الغرق.

الأمر الثاني: أن فرعون كان يعلم عن يقين صدق نبوة موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته قبل حادث الإغراق، وذلك من خلال ما جاء به موسى الكليم (عليه السلام) من المعجزات الباهرات والبينات الواضحات والأدلة العقلية القاطعة النيرة، ولكنه كان ينكر ذلك ولا يعترف به، تحت تأثير الغرور والتمييز، ولما أشرف على الغرق اضطر إلى الاعتراف بذلك وإظهاره، على أمل أن ينقذه هذا الاعتراف بذلك من الغرق، وعليه فالإشراف على الغرق لم يكن عن صدق نبوة موسى الكليم (عليه السلام) ورسالته، فقد كان ذلك منكشفاً له تماماً من قبل، وإنما اضطره إلى الاعتراف به على أمل أن ينجيه من الغرق.

إلا أن توبة فرعون وإيمانه لم يقبلا منه، وجاءه الجواب من الله  (جل جلاله): <آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ>[5] أي: لقد عاندت واستكبرت على الحق وأهله، وأصريت على الكفر، وبارزت الله  (جل جلاله) بالمعاصي والذنوب، وبغيت وأفسدت في الأرض، وأفنيت عمرك كله في ارتكاب الجرائم والجنايات العظيمة، مثل قتل المؤمنين الصالحين بغير ذنب، وذبح الأطفال الأبرياء، وانتهكت الحقوق، وشوهت سمعة المعارضين الشرفاء، ونحو ذلك، حين كان الخيار بيدك، وباب التوبة والرجوع إلى الحق مفتوح إليك، والآن قد أيست من نفسك، وعاينت الموت بأم عينيك، وأدركت العذاب الإلهي بذنبك، وتيقنت الهلاك وأيست من النجاة ولم يبقَ لك اختيار، تريد أن تتوب وتكون من المؤمنين، فلست صادقاً في هذه التوبة، وإنما أردت النجاة من الموت والهلاك كما نجى موسى الكليم (عليه السلام) وبنو إسرائيل، والإيمان والتوبة في مثل هذه الحالة الاضطرارية غير مقبولين ولا ينفعان بشيء. فلن تقبل توبتك ولن يقبل إيمانك، فقد فات وقت التوبة وانتهى وقت التكليف، إذ لا إيمان حقيقي ولا توبة مقبولة حين غشيان العذاب الإلهي ورؤية الموت وتيقن الهلاك؛ لأنه لا توجد طاعة ولا عصيان، أي: لا تكليف؛ لأنه لا توجد إرادة ولا يوجد اختيار، وهذه التوبة الكذوب، يلجأ إليها كل مجرم وجاني وعاصي اضطراراً، ولا مصداقية لهما ولا قيمة فعلية، ولا تعد دليلاً على حسن النية والتغيير الفعلي في النفس لما لبسها من الاضطرار والإلجاء، ولو كتبت لصاحبها النجاة لعاد إلى ما كان عليه من الكفر والجريمة والمعصية، قول الله تعالى: <بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ>[6] وعليه: ذق جزاء ذنوبك وعملك السيء، وهو الهلاك بالغرق وأن يلحقك الخزي والعار في الحياة الدنيا، وترد إلى أشد العذاب الأبدي الخالد في الآخرة.

وأخبر الله (عز وجل) فرعون في تلك اللحظات المأساوية المفجعة بأنه سوف ينجيه ببدنه لا بروحه التي هي علة الحياة الإنسانية، وبها يكون الإدراك وتكون الأفعال وتحقق للإنسان إنسانيته، قول الله تعالى: <فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً>[7] فهذه النجاة، هي التي تتناسب مع إيمانك الباهت الذي لا روح فيه، وتوبتك الظاهرة الباطلة التي لا حقيقة لها ولا قيمة فعلية، ويقول آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: «ومن الممكن أن يكون ذلك إشارة إلى أن إيمان فرعون الباهت في هذه اللحظة اليائسة وفي ساعة الاحتضار، كان كالجسد بدون روح، ولذلك أثر بالمقدار الذي أنجى الله جسد فرعون من الماء بعد أن فارقته الروح حتى لا يكون طعمة للأسماك، وليكون عبرة للأجيال القادمة».[8] وعليه: قدر الله (عز وجل) أن يهلكه غرقاً، وتنفصل روحه عن جسده، فتذهب روحه إلى العذاب الإلهي الشديد في نار البرزخ ثم إلى العذاب الإلهي الأشد في نار جهنم في الآخرة، وأن يبقى جسده محفوظاً ليراه الناس بعد هلاكه، لا سيما الذين كانوا يعظمون شأنه وشأن الملك والسلطة والقوة والمال ونحوها، ويرون فيه أنه إله لا يفنى، بيده القوة كلها وأنه فوق أن يغرق ويهلك، حيث قذفته أمواج البحر ميتاً على نجوة (مكان مرتفع) من الشاطئ، فشاهده الناس جثة هامدة مطروحة بالعراء لا روح فيه ولا حراك. ولكن بدنه كان كاملاً سوياً لم ينقص منه شيء ولم يتغير، فعرفوه وتيقنوا أنه هو فرعون بدون شك أو ريب أو تردد، وتيقنوا أنه هلك بالغرق مع الهالكين، ليعلموا ويتيقنوا أنه بشر كسائر الناس، ضعيف مقهور مغلوب على أمره، لا يستطيع أن يدفع الموت والهلاك عن نفسه وعن أتباعه، فهو ليس بإله كما يدّعي ويقول: <أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ>[9] ولولا هذه المعجزة الإلهية، لنسجت المخيلة الشعبية وعقلية الانتهازيين حول نجاته الخرافات الكاذبة والأساطير ولم يصدقوا غرقه وهلاكه لما كانوا يعتقدونه فيه من الألوهية والعظمة. وليكون عبرة وآية يتعظ بها من تحدثه نفسه ممن سيأتي بعده من الأمم بأن يفعل مثل فعله، ويسير على طريق الفساد والطغيان والتجبر والتكبر على الحق وأهله والتمرد على الله رب العالمين وأمره ونهيه مثله، فلا يتجرأ أحد على ما اجترأ عليه، ولا يتجاوز حده ويدّعي ما ليس له بحق، مثل: الألوهية والربوبية والمالكية ونحوها.

هذا وقد عثر علماء الآثار والتنقيب على جثة فرعون هذا، وهو منفتاح بن رعميس الثاني في العام (1900م) في الحفريات في الأقصر في قبر (امنحتب الثاني) وجثته اليوم محفوظة بالمتحف المصري، وقد ظهر من آثار قبره أنه لم يكن مهيأ كما ينبغي لدفن فرعون عظيم مثله، وذلك لأن موته كان مفاجئاً فلم يهيأ له قبر خاص يليق به.

ويعتبر هلاك فرعون وجنوده عن طريق الغرق وهم يلاحقون ولي الله الأعظم موسى بن عمران الكليم (عليه السلام) وبني اسرائيل المستضعفين بهدف القضاء عليهم واستئصال شأفتهم، رسالة واضحة وبليغة للغاية من رب العالمين يتبين فيها للناس جميعاً:

أ.   أن عاقبة الكفر والظلم والطغيان والفساد، والإعراض عن دين الله الحق وشريعته المقدسة وحدوده، واقتراف الذنوب والمعاصي والآثام، عاقبة وخيمة جداً على النوع البشري، حيث الهلاك والخراب والتدمير لكل ما أفنى الإنسان عمره في تشييده، والمآسي والآلام والشرور التي تفقد الإنسان هناء العيش وتعكر صفو الأمن والاستقرار وتعطل مسيرة تطوره وتقدمه الحضاري، قوله تعالى: <وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا>[10]، قوله تعالى: <وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ 39 فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ>[11] فهذه سنة إلهية ثابته في الظالمين عبر التاريخ، ولكن ما أكثر العبر وأقل الاعتبار من أناس ساهين عن الآيات والبينات والدلائل التي توجب التفكر والتأمل والاعتبار إذا ضاعت عقولهم في ظلمات ومتاهات الجهل واتباع الأهواء الشيطانية والشهوات الحيوانية والاستغراق في عالم الدنيا والمادة والمصالح الأنانية الدنيوية العاجلة، فتمر عليهم الآيات والبينات والدلائل وتتكرر، لكنهم لا ينتفعون بها، لعدم إقبالهم عليها وعدم أهليتهم الروحية واستعدادهم للاستفادة منها، فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها ويكونون الأخسرون أعمالاً.

ب. حق الشعوب قاطبة في الحرية والحياة الطيبة الكريمة والتخلص من الأنظمة الدكتاتورية والحكومات المستبدة، وأن الله (عز وجل) يقف إلى صف المستضعفين المناضلين لينصرهم في نضالهم المشروع لنيل حقوقهم ضد المستكبرين المتجبرين الذين يفرضون على الناس إرادتهم وحكم الأمر الواقع بالحديد والنار.

ج. أن الباطل مهما استعلى ووجد له من أنصار وأعوان وجنود وأتباع، فإنه مغلوب ومهزوم أمام جنود الحق والعدل والخير والفضيلة في نهاية المطاف، وهذا من شأنه أن يشحذ همم المناضلين ويقوي عزائمهم ويزيل الوهن والضعف والشك والتردد من نفوسهم، ويبعد عنهم اليأس والقنوط ويحملهم على الصمود والاستمرار في النضال والفداء وتقديم التضحيات النفيسة اللازمة؛ لأنهم على الحق والله (عز وجل) ناصرهم والنصر حليفهم في نهاية المطاف.

المصادر والمراجع

  • [1]. يونس: 90
  • [2]. النازعات: 24
  • [3]. القصص: 38
  • [4]. يونس: 90
  • [5]. يونس: 91
  • [6]. الأنعام: 28
  • [7]. يونس: 92
  • [8]. تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازي، جزء 6، صفحة 264
  • [9]. النازعات: 24
  • [10]. الكهف: 59
  • [11]. القصص: 39-40
المصدر
كتاب اللامنطق في الفكر والسلوك - الجزء الأول | أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى