بيان حول ندوة العلماء الجماهيرية

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتزم العلماء الأجلاء إقامة ندوة جماهيرية للتعبير عن تصميمهم الأكيد على مطالبهم المشروعة حول قانون الأحوال الشخصية والمضي في المطالبة قدما حتى النفس الأخير . ومن المتوقع أن يكون هناك حضور جماهيري واسع جدا يتناسب مع الغيرة الدينية لأبناء الشعب الأوفياء على دينهم الحنيف ووطنهم الغالي البحرين .

وبهذه المناسبة أرغب في التنبيه إلى بعض النقاط التي أرى أهميتها:

النقطة الأولى ـ تتعلق بمعيار الحكم على نجاح الندوة التاريخية : ينبغي التنبه إلى أن النجاح الحقيقي للندوة وقيمتها لن يكون بالحضور الجماهيري الواسع فيها ، لأن السلطة علمتنا بأنها لا تقيم وزنا للإرادة الشعبية للمواطنين مهما كان وزنها ، فهي لم تلتفت إلى المسيرة الجماهيرية التي بلغ عدد المشاركين فيها ( 000 ، 150 : مشارك ) ولم تبني عليها شيئا ، ولم تتسلم العريضة الدستورية التي قامت عليها الجمعيات السياسية ووقع عليها ما يقارب ( 000 ، 70 : مواطن ) ولن تكون قيمة الندوة ونجاحها بقوة الخطاب وأهمية وخطورة القضايا التي يتناولها كالمسألة الدستورية والتجنيس وسائر الملفات الساخنة ، لأننا لا نعاني من نقص أو ضعف في الخطاب الفكري والسياسي ، فلدينا على لسان رموزنا الدينية وقياداتنا السياسية ( والحمد لله رب العباد ) خطابات قوية جدا في كافة الملفات الساخنة . إن قيمة الندوة ونجاحها سوف يتحددان بما يتم الإعلان عنه من خطوات عملية قوية مصحوبة بإرادة التصميم على تنفيذها ، وما لم يتم الإعلان عن هذه الخطوات ويعلم التصميم ، فإن الندوة سوف تفقد قيمتها الفعلية ولن يتحقق لها النجاح المنشود ، وربما تكون لها نتائج عكسية . مذكرا بأن العلماء الإجلاء في هذا الملف أمام امتحان تاريخي ومصيري يتعلق بمصداقيتهم وقدرتهم على الإدارة السياسية لهذا الملف الذي أعلنوا تصديهم المباشر له وأكتسب أهمية استثنائية خطيرة جدا ، نظرا لأهميته الدينية الذاتية والموضوعية المتميزة ، ولما أضفى عليه أصحاب السماحة العلماء من أهمية خاصة عالية جدا ، ولما حظي به من إجماع علمائي والتفاف جماهيري منقطع النظير .. وينتج عن ذلك : أن الفشل يعني كسر لب وجسد إرادة الطائفة ، وأن نتائجه سوف تكون وخيمة عليها في الحاضر والمستقبل .

النقطة الثانية ـ تتعلق بعلاقة الملف بالمسألة الدستورية : لقد كشف أصحاب السماحة العلماء عن الأهمية المتميزة والخطيرة للملف ، من جهة أنه يمس الحالة الدينية بصورة مباشرة ، وأن صدور القانون بصورة مخالفة للأحكام الشرعية ، يعني وقوع المكلفين في مخالفات شرعية وعدم قدرتهم على الفرار منها ، ويترتب على المخالفة للأحكام الشرعية في الأحوال الشرعية ، تـغير الصورة الإسلامية للمجتمع المسلم .. وقد قيل بحق : أن قانون الأحوال الشخصية هو آخر القلاع التي تقف في وجه العلمنة الكاملة للمجتمعات الإسلامية . ولكن رغم هذه الأهمية الدينية الواقعية التي نجح أصحاب السماحة العلماء في تبيانها ، فإن النجاح في الإدارة الصحيحة للملف بمعزل عن المسألة الدستورية غير ممكن من الناحية المنهجية عمليا . وهذا ما التفتت إليه المرجعية الدينية في التجربة العراقية الناشئة . فمن المعلوم أن سماحة السيد عبد العزيز الحكيم لما تولى رئاسة مجلس الحكم المؤقت في العراق الجديد ، جمد العمل بقانون الأحوال الشخصية هناك ، ولما جاء خلفه أعاد العمل به . إلا أن المرجعية الدينية الرشيدة هناك ، لم تركز على ملف قانون الأحوال الشخصية ، وإنما ركزت على المسألة الدستورية ، لأنها تعلم بأن المسألة الدستورية هي المسألة الأم التي تدار على ضوءها كافة الملفات ، ومع النجاح الذي حققته المرجعية في المسألة الدستورية ، لم يعد ملف الأحوال الشخصية ولا غيره من الملفات الدينية المتميزة يمثل مشكلة هناك . وهذا ما ينبغي أن ندركه ( منهجيا وعمليا ) نحن هنا في البحرين في العلاقة بين ملف الأحوال الشخصية والمسألة الدستورية ، فيكون تركيزنا على المسألة الدستورية ، لأننا إذا نجحنا فيها فلن تكون أمامنا مشكلات حقيقية في معالجة كافة الملفات بما فيها ملف الأحوال الشخصية وغيره مـن الملفات الدينية المتميزة الأخرى التي يمكن أن تظهر لنا في المستقبل ، وإذا فشلنا فيها فلن ينفعنا النجاح الآني في ملف الأحوال الشخصية إذا تحقق .

والخلاصة : أن أهمية المسألة الدستورية تكمن في كونها ( من الناحية الموضوعية ) المسألة الأم التي تدار على ضوءها كافة الملفات الساخنة في الساحة الوطنية في الحاضر والمستقبل ، وليس في ذاتها من الناحية الدينية ، وينبغي النظر إليها نظرة شمولية على هذا الأساس .

النقطة الثالثة ـ تتعلق بخصوص المسألة الدستورية : لا أحد يستطيع أن يتوقع بصورة علمية موقف السلطة من مطالب الطائفة الشيعية في ملف الأحوال الشخصية .. وذلك لعدة أسباب منها : أن السلطة تدير البلاد على أساس الاستبداد السياسي ومزاج الحكام ، وليس على أسس موضوعية يمكن اعتمادها في التوقع علميا بالموقف . وأنها لا تقيم وزنا للإرادة الشعبية .. لا سيما الشيعية منها . فمن الممكن أن تلجأ السلطة إلى تأجيل إصدار القانون ، ومن الممكن أن تمضي فيه قدما ، ومن الممكن أن تستجيب استجابة جزئية ، ومن المستبعد ( على ضوء المعطيات الحالية ) الاستجابة الكافية للمطالب .

إن السلطة تسعى ( بحسب المعطيات الحالية ) إلى إيجاد حالة جمود في دستور المنحة إلى أطول فترة ممكنة ، وأنها سوف تقف وتقاوم كل محاولات التغيير فيه ، وسوف تستخدم كافة الأدوات الدستورية والسياسية المتاحة لها لهذا الغرض ، وسوف تقف إلى صفها قوى الموالاة المستفيدة جدا من الوضع القائم .

وهنا ينبغي التنبيه إلى أمرين مهمين .. وهما :

الأمر الأول : إذا تأكدت السلطة من تصميم أصحاب السماحة العلماء على التصعيد من أجل تحقيق مطالبهم في ملف قانون الأحوال الشخصية ، وعلمت بأن الأوضاع لا تسير إلى صالحها ، فإنها قد تقبل بإدخال الضمانة الدستورية ، ولكنها سوف تبذل جهودها إلى التمييع وخلخلة الموقف وشق الصف قدر ما تستطيع . فمن المتوقع أن تمسك العصا من النصف من خلال الاستجابة الجزئية للمطالب ، فلا هي ترفض ، ولا هي تستجيب الاستجابة الكافية ، مما يؤدي إلى خلخلة الموقف ، وضرب الإجماع ، وشق الصف ، وهذا مما ينبغي أن يحسب له أصحاب السماحة العلماء حسابهم ، ويكونوا منه على حذر ، ويستخدموا الحزم الشديد في الموضوع .

الأمر الثاني : أننا ينبغي أن نلتفت إلى أن الضمانة على دستور المنحة لا قيمة لها في الإدارة الصحيحة للملف ولحاضر ومستقبل الساحة الوطنية . لأن هذا الدستور لا يمكن أبناء الشعب من المساهمة الفعلية في صناعة القرار ، ويجعل إرادة الشعب رهينة بيد السلطة التنفيذية التي تمتلك ( وحدها ) القدرة على الحل والربط ، والتقديم والتأخير ، وان تفعل في البلاد ما تشاء بغير حسيب ولا رقيب . مما يعني بقاء المشكلة قائمة حتى وإن حققنا فيها نجاحا آنيا ، حيث من الممكن أن تتكرر وتعود من جديد في نفس الملف بشكل ما أو في غيره من الملفات الدينية المتميزة الأخرى التي يمكن أن تظهر في المستقبل ، مما يؤدي إلى استنزاف طاقات الطائفة والقوى الإسلامية والوطنية بدون جدوى حقيقية . فينبغي الانتباه إلى هذا وأخذه بعين الاعتبار في إدارة الصراع ، والسعي بجد وتصميم من أجل الوصول إلى حل جذري في المسألة الدستورية .

أكتفي بهذا المقدار

والسلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته

صادر عن : عبد الوهاب حسين .

بتاريخ : 14 / صفر / 1427هـ .

الموافق : 14 / مارس ـ آذار / 2006 م .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى