القبول بالأمر الواقع .. دون إعطاء مبرر مقبول



بغض النظر عن المناقشة الفكرية لهذا الاتجاه ، فإنني سوف أشير إلى بعض أهم النتائج التي أفرزها هذا الاتجاه على أرض الواقع ، وما أوجده من إرباكات تحتاج إلى معالجات عاجلة ، وهي كالتالي:

أولاً – لقد فشل هذا الاتجاه في تحريك عوامل القوة والشعور بالمسؤولية لدى الإنسان المسلم ، وأدي إلى ترسيخ عوامل الضعف والانهزامية واللامبالاة تجاه القضايا المصيرية والأحداث المهمة في البلاد الإسلامية وخارجها ، وهذه الصورة غير مشرفة للإنسان المؤمن ، وهي خلاف الصورة المشرقة التي رسمها القرآن الكريم للمؤمنين وغايتهم ودورهم الإيجابي الفاعل في الحياة .

ثانياً – إن توهين المؤمنين وتخديرهم وحبسهم عن مقارعة الظلم والفساد والإذلال ، وتبرير قبولهم بالأمر الواقع تحت عنوان الزهد وعدم الدخول في الدنيا والتنافس على الحطام ، أو تحت عنوان التقية ووجوب الحذر ، أو تحت عنوان الحكمة والواقعية في التعامل والتورع عن سفك الدماء ، وغير ذلك من العناوين المثبطة التي تستخدم في غير مكانها ، أدى إلى أن يفرض الاستعمار سيطرته على البلاد الإسلامية ومقدراتها ونهب ثرواتها وإذلال أبنائها ، وقيام حكومات مستبدة ظالمة ، وحرمان الشعوب المسلمة من حقوقها الأساسية في الحياة ، ومحاربة الدين واتساع دائرة الباطل والفساد ..

كل ذلك ترسخ كأمر واقع في الساحات الإسلامية !! وهذا خلاف غاية الدين ودوره في الحياة ، وهو وضع ترفضه الفطرة والعقل والدين – حسب ما تعلمناه وقرأناه وأحسسناه بالوجدان – ولم نجد له قبولاً ولا قناعة في داخل أنفسنا ، غير أننا ملزمين في النهاية بالنزول على ما تربينا عليه من وجوب السمع والطاعة للعلماء والقيادات الدينية ، وإن لم نفهم ولم نعقل ما يقومون به ويدعوننا إليه .


ثالثاً – لقد خلق ذلك الاتجاه شعوراً بالحرج والإرباك لدى الكثير من المؤمنين ، لما يجدونه من المفارقة بين ما تعلموه وما تدعوهم إليه الفطرة من جهة ، وبين ما يجدونه من توجهات فعلية لدى بعض الرموز والقيادات الدينية المتقدمة والمهيمنة على أرض الواقع من جهة ثانية ، مما شكل لديهم أزمة فكرية وروحية وأخلاقية وسياسية وحركية ، وأوقعهم في فتنة حقيقية لم يتبينوا فيها الحق من الباطل .. والخطأ من الصواب ، فهم لم يقتنعوا بالحالة الاستثنائية ، وليس في وسعهم تنفيذ قناعاتهم الأصلية ، وبالتالي فهم لا يعرفون ما يجب عليهم اتخاذه من المواقف في قضاياهم الحيوية والمصيرية ، وفرضت عليهم السلبية رغم إرادتهم .

رابعاً – لقد حمل ذلك الأمر بحيثياته المختلفة .. لا سيما مع غياب الإقناع والتواصل ، حمل بعض المؤمنين على التشكيك في مصداقية تلك الرموز والقيادات الدينية وصحة مواقفهم ، واتهامهم بأن توجهاتهم ودعواتهم تلك وما يطرحونه ، ليس وليد قناعات علمية موضوعية صادقة عن الدين والواقع ، وإنما هو وليد الوقوع تحت تأثير عوامل الضعف البشري ، وبالتالي : فهؤلاء المؤمنون بين فكي : التأزم الفكري والروحي والأخلاقي من جهة ، أو التجاوز الذي قد يصل إلى درجة تحدي الرموز والقيادات الدينية من جهة ثانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى