خطبة الجمعة | 28-10-1994
الموضوع: المرأة المسلمة في ذكرى الزهراء (ع)
ابتدأ الأستاذ عبد الوهاب ـ حفظه الله ـ حديثه بقوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وقال موضوع الحديث في هذا اليوم المعظم يدور حول ” المرأة ” وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة بضعة الرسول الأعظم (ص) فاطمة الزهراء (ع).
وفي واقع الأمر فإن يوم الزهراء (ع) هو يوم المرأة عامة والمرأة المسلمة خاصة. وان الحديث عن خصائص وفضائل ومكانة ودور الزهراء يعكس بجلاء ووضوح الرؤية الإسلامية حول ” المرأة “. وقد جمعت الزهراء (ع) جميع الفضائل للنساء عامة وللمرأة التي ضرب الله بها مثلاً للمؤمنين في القرآن.
قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم). هذه الآية الشريفة تدل دلالة واضحة على أن النساء شقائق الرجال، وشركاء الرجال على قدم المساواة في حقيقة الإنسانية.
ولهذا فإنه لا فضل للرجال على النساء إلا بالتقوى كما لا فضل للنساء على الرجال إلا بالتقوى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم). وكما أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى فكذلك لا فضل لرجل على امرأة إلا بالتقوى.
ويدل على ذلك قوله تعالى (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) وبرر وعلل ذلك بقول (بعضكم من بعض). فالنساء من الرجال، والرجـال من النساء يدل على ذلك ـ أيضاً ـ قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا) فالرجال والنساء خلقوا من نفس واحدة.
فالمرأة التقية والمرآة العالمة والمرأة العابدة الصالحة والمرأة ذات مكارم الأخلاق، أفضل من الرجال الذين يقلون عنها في ذلك.
ولهذا ضرب الله مثلاً وأعطى قدوة حسنة طيبة للمؤمنين امرأة فرعون.
(ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون) حينما نأتي إلى هذه المرأة الصالحة. ونحلل شخصيتها نجد إنها أولاً تمتاز برجحان العقل. ونلحظ ذلك من خلال الأسلوب الذي تبنت به موسى بن عمران (ع)، والأسلوب الذي كتمت به إيمانها وحافظت عليه في بيت الطاغية فرعون. وتمتاز أيضاً بالكرامـة. فقد خصها الله (عز وجل) وأوكل إليها رعاية وتعهد النبي المعظم موسى بن عمران (ع) في بيت فرعون.
هذه المرأة برزت في شخصيتها الاستقلال الكامل لعقيدتها. فقد آمنت بربها مستقلة في ذلك عن زوجها فرعون الذي بارز الله (عز وجل) في مقامي الربوبية والإلوهية. فلم تكن تابعة له في ذلك.
وهذه فضيلة من فضائلها العظيمة. هذه المرأة صبرت على أذى فرعون في سبيل الله فقد عرضها الطاغية فرعون إلى العذاب فصبرت في جنب الله (عز وجل).
هذه المرأة ضربت مثلاً حسناً في إعراضها عن زخارف الحياة فكل الزخارف والبهارج التي كانت في قصر فرعون لم تغر هذه المرأة وأثبتت أن المرأة قادرة على أن تتغلب على زخارف الحياة وزبارجها وفضلت على ذلك وجه الله (عز وجل).
كل هذه الأمور كانت بمثابة سلوكاً عرفانياً من هذه المرأة وكانت كل هذه المواقف خطوات بقدم المعرفة في سبيل الله (عز وجل)، بذلك هذه المرأة بلغت مرتبة عالية جداً بنص القرآن الكريم (قالت ربي أبن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله).
(أبن لي عندك بيتاً) لم تقل ” أبن لي بيتاً عندك ” قريباً منك كانت هذه المواقف من أجل أن تبلغ مرتبة عالية وقريبة من الله في الجنة.
إن فضل الزهراء أعظم من آسية بنت مزاحم في هذه المراتب. فالزهراء (ع) حسب الحديث المروي عن الفريقين ” يغضب الله لغضبها، ويرضى لرضاها ” ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن إرادة الزهراء لا تخالف إرادة الله. وان إرادة الزهراء وإرادة الله في القول والفعل إرادة واحدة أن الزهراء لا تخالف الله في قول أو فعل. هذا المعنى يدل على العصمة. ويدل أيضاً على المنزلة الرفيعة التي سبقت بها ـ أن لم يكن كل الأنبياء الذين قبل محمد (ص) ـ فقد سبقت بها الكثير من الأنبياء.
بدليل نص القرآن: أن الله فضل الأنبياء بعضهم على بعض هذا جانب.
الجانب الآخر أن هذه الحالة أن تكون الإرادة واحدة هذه الحالة ليست موجودة عند كل الأنبياء.
بدليل قوله تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضباً، فظن أن لن نقدر عليه) هو معصوم لكن لا بمرتبة أن تكون إرادته وإرادة الله إرادة واحدة.
ففضل الزهراء ليس فقط أعلى من آسية بنت مزاحم إنما فضلها أعلى من كثير من الأنبياء الذين قبل محمد (ص).
ولا شك فان الزهراء بهذه المكانة. وآسية بنت مزاحم الذي ضرب الله بها مثلاً للمؤمنين دليل على أن المرأة والرجل على قدم المساواة في مقام الإنسانية وان المرأة التقية أفضل من الرجل غير التقي.
ما حقيقة قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا).
للأسف، أن الفهم الشائع بين الناس في هذه الآية أن الرجال أفضل من النساء. وواقع الأمر أن هذا الفهم بعيد تماماً عن منطوق الآية ومفهومها. ليس في الآية أي دلالة لا من قريب ولا من بعـيد على أن الرجال أفضل من النساء فأولاً (الرجال قوامون على النساء) ماذا يفهم من القوامة؟ .
خلاصة الموضوع: أن القوامة إشارة إلى مسؤولية الإدارة والقيادة للأسرة. والبعض يفهم منها إنها في عموم الحياة الاجتماعية (اختلاف الفقهاء في هذه المسألة).
فقد نظر القرآن الكريم إلى الأسرة كمؤسسة اجتماعية وان استقامة هذه المؤسسة ونجاحها في تحقيق أهدافها تحتاج أن يكون على رأسها قائد ومدير يدير شؤونها ويكون هو المرجع فيها.
الله (عز وجل) أسند مسؤولية قيادة الأسرة للرجال. وقال بأن هذا السناد ليس للرجال أمراً اعتباطياً وإنما هو قائم على أمور واقعية في خلقة وتكوين كل من الرجل والمرأة على حد سواء. فطبيعة المرأة وتكوينها وطبيعة تكوين الرجل تدعو إلى قوامة الرجال. هذه القوامة المستمدة إلى اختلاف طبيعة الرجال وطبيعة النساء. لا علاقة لها بالأفضلية وإنما قال (بما فضل الله بعضكم على بعض) الخطاب موجه للرجال والنساء.
القرآن الكريم في موضع آخر يبين هذا المعنى بوضوح يقزل بأن للرجال فضل على النساء وللنساء فضل على الرجال. هذا التفضيل هو أساس القوامة، قوله تعالى (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله، إن الله كان بكل شيء عليما).
(بما فضل الله به بعضكم على بعض). فهناك أمور يفضل فيها الرجال على النساء وأمور يفضل فيها النســاء على الرجال. فالمــرأة بطبيعة تكوينها (النعومة، الحنان) هذا الجانب جعلها مؤهلة للحمل ورضاعة الأطفال. فماذا يكون حالة الأسرة والمجتمع لو أنعدم حنان وودّ المرأة؟ والمرأة حينما تحبل وحينما تلد وحينما ترضع، تحتاج إلى من ينفق عليها.
ففي الوقت الذي تمتاز به المرأة بالرقة والحنان ومؤهلة للحمل والولادة والرضاعة. ميّز الرجال بقوى البطـش ومن ذلك بأهل للعمل في الخارج. هل نستطيع أن نغير هذه الحقيقة؟ وهل نستطيع أن نقول بأن قوة البطش والكسب أهم من العطف والحنان؟ .
في حياة مريم (ع) نجد إبرازاً وتجسيداً واضحاً إلى القيمة التي تفردت بها المرأة على الرجل مريم (ع) في حياتها نجد عدة عناصر حسب ما طرحه القرآن الكريم. من شأن مريم (ع) أن أمها لما كانت حاملة بها نذرتها محررة لخدمة المسجد الأقصى، فلما ولدتها وجدت إنها أنثى وقالت (ليس الذكر كالأنثى). الله (عز وجل) تقبل مريم قبلها قبولاً حسناً (وأنبتها نباتاً حسناً) بعد ذلك اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين.
معنى ذلك أن أنوثة مريم لم تمنع الله (عز وجل) من أن يقبلها بقبول حسن. وأن يصطفيها من بين نساء العالمين لأن تحمل بعيسى بن مريم. فحملت بعيسى بن مريم من غير أب. فاصطفاء الله (عز وجل) مريم لحمل عيسى (ع) من غير أب إبراز للأهمية التي تفردت بها المرأة وقيمة هذا الدور. فدور المرأة في الحمل والرضاعة له شأن عظيم عند الله (عز وجل). وتجسد ذلك من خلال أن الله (عز وجل) اصطفى مريم بنت عمران لأن تكون أماً من غير أب لعيسى بن مريم.
حينما نأتي إلى الزهراء (ع) نجد بأنها أفضل من مريم بنت عمران في ذلك. ففي سورة المباهلة (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم) فالزهراء (ع) هي عين النساء، هي لب النساء.
الزهراء (ع) من أهل البيت الذين اصطفاهم الله وطهرهم تطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). والزهراء (ع) من أهل البيت الذين أوجب الله محبتهم على الناس.
هناك جانب آخر: أن البعض فهم من القوامة وأن المرأة يجب أن تنعزل عن الحيــاة الاجتماعية. وهذا الفهــم غير صحيح أبـداً. بدليل قوله تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). فحينما يرتكب رجل منكراً وبحضور امرأة يجب على المرأة أن تأمره أمراً مولوياً وتنهاه نهياً مولياً يجب عليه أن يستجيب لها. وفي أي موقع من مواقع الحياة: السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي.
فهناك ولاية مشتركة بين النســـاء والرجال في الأمــر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي سرد قصة ملكة سبأ (بلقيس) القرآن الكريم كان في موقف المدح والثناء على هذه المرأة. فكانت ملكة (امرأة تملكهم) لها القيادة في مملكة سبأ.
هذه المرأة حسب المفهوم القرآني تمتاز برجحان العقل وحسن التدبير. حيث عالجت رسالة سليمان حكيمة. فقد استشارت قومها وبينت لهم الصواب في التعامل مع الرد على الرسالة. وبيّن القرآن بأنها تميز بوعي سياسي عميق قوله تعالى عن لسانه: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة). الآن كثير من المفسرين يقفون عند هذا القول ليكتشفوا أبعاده السياسية والاجتماعية.
وتمتاز ـ أيضاً ـ بتسليمها إلى الحق حينما عرفت أن الحق مع سليمان خضعت لهذا الحق. وتذكر بعض الروايات أن الله (عز وجل) صيرها زوجة لسليمان بعد ذلك.
فنجد بهذا المفهوم أن المرأة يمكن أن تتحمل الكثير من المسؤوليات الاجتماعية والسياسية.
ثم ذكر الأستاذ مثالين على قدرة المرأة على حمل المسؤوليات الاجتماعية والسياسية هما: موقف الزهراء (ع) حينما خرجت تطالب عند حقها. وحق الإمامة لعلي بن أبي طالب (ع).
وموقف الحسين: إخراجه زينب والنساء إلى كربلاء. لتلعب النساء دوراً بارزاً ومهماً ومحورياً في إنجاح ثورة الإمام الحسن (ع).
ثم قال:
وخلاصة القول إن هناك بعدين: البعد الأول هو البعد الإنساني المشترك بين الرجال والنساء، وتترتب عليه أحكام مشتركة من العلوم الإلهية والأحكام الشـرعية والعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكــر، والجهاد في سبيل الله. والدور في الحياة الاجتماعية عموماً.
البعد الثاني: خاص بالذكورة والأنوثة، فهذا البعد الخاص أوجب أن تكون هناك أحكاماً خاصة تتعلق بالذكور وتتعلق بالأنوثة (الحجاب، الإرث، النكاح، القيمومة على الحياة الزوجية).
وفيما يتعلق بطبيعة الرجال والنساء الفضل في هذه الطبيعة. وتبقى الحقيقة المشتركة بينهم ويبقى الفضل فيمن هو اتقى من الرجال والنساء.
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
أكتفي بهذا القدر. وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.