خطبة الجمعة | 6-12-2002

الخطبة الدينية : فلسفة العيد

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه المنتجبين ، ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة أجمعين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري ، روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على جميع الأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) صدق الله العلي العظيم.

في خطبة أول جمعة من شهر رمضان ، ذكرت خصائص الصيام ، وخصائص شهر رمضان ، وذكرت بأن شهر رمضان فرصة لا تقدر بثمن ، ولا توزن بالأموال ، لا توزن بالذهب والفضة ، ولا توزن بأي شيء من الدنيا ، وينبغي للإنسان المؤمن أن يستثمر تلك الفرصة في تزكية نفسه وتطهيرها ، وتحقيق سموه الروحي والأخلاقي ، وكسب رضا الله عز وجل ، وعتق رقبته من النار ، والفوز بالجنة ، لقد كانت هذه الفرصة متاحة للإنسان المؤمن في شهر رمضان ، أما اليوم فقد انقضى شهر رمضان ، ونحن نعيش اليوم أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك ، والعيد يمثل مناسبة حيوية ، حيث يشعر فيها الإنسان بالفرح الروحي ، لما حقق من مكتسبات وإنجازات مادية وروحية وسياسية واجتماعية .

يوم العيد يشبه إلى درجة كبيرة يوم القيامة ، وشهر رمضان يشبه الدنيا ، فالإنسان يعمل في الدنيا ليحاسب في الآخرة ، وشهر رمضان يمثل فرصة للعمل ، ويوم العيد هو يوم الحساب . يقول الإمام علي (ع) : ( أيها الناس : إن يومكم هذا هو يوم يثاب فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون ، هو يوم كيوم قيامكم ، فاذكروا فيه بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم ، خروجكم من الأجداث إلى ربكم ، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم ، وقوفكم بين يدي ربكم ، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم ، رجوعكم إلى منازلكم في الجنة . عباد الله : إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن ينادي ملك في آخر يوم من شهر رمضان ، ابشروا عباد الله ، فقد غفر لكم ما تقدم من ذنبوكم ، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون ) .

إن للعيد أبعاد ، منها بعدان :

البعد الأول : أن يوم العيد هو يوم التفكر والتأمل ، وهو يوم مراجعة النفس ومحاسبتها ، ليكون الإنسان أكثر وعيا بحقيقة نفسه وحقيقة وجوده ، وأكثر وعيا بربه ، وأكثر وعيا بطريقه ومنهجه في الحياة ، وأكثر وعيا بموقعه ومسئوليته في الحياة ، وأكثر وعيا بأهدافه ووسائل عمله .

البعد الثاني : أن يوم العيد هو اليوم الذي يعزم فيه الإنسان ، على ترسيخ وتقوية إرادته الواعية ، وأن يتحمل مسئولياته تجاه نفسه وقضاياه ، وقضايا الساحة الوطنية والإسلامية ، فأول ما ينبغي أن يحاسب الإنسان المؤمن الصائم نفسه في يوم العيد ، هو أن يحاسب نفسه عن خطه وطريقه في الحياة ، فالإنسان المؤمن حينما صام ، فقد صام قربة وطاعة لله عز وجل ، والصوم معناه أن ينتهج الإنسان المؤمن منهج الله في الحياة ، ليس فقط في الصلاة والصيام والحج والزكاة ، وغيرها من الفرائض ، وإنما في السياسة والاقتصاد والاجتماع ، وبمعنى آخر ، أن تكون كل حياة الإنسان طبقا لأمر الله ونهيه ، إذن ينبغي يحاسب الإنسان نفسه عن موقعه من خط الله ومنهجه ، وموقعه من طاعته لأوامر الله ونهيه .

ثم ينبغي أن يحاسب الإنسان نفسه ، عن السمو الروحي والأخلاقي للنفس ، بأن تكون له العزيمة القوية في أن يستمر في تطهير النفس وتزكيتها ، فقد كسب الشيء الكثير ، وينبغي أن يحافظ على موقعه الروحي والأخلاقي الذي اكتسبه في شهر رمضان ، ويعزم على اكتساب المزيد والمزيد من السمو الروحي والأخلاقي ، والتطهير والتزكية للنفس .

كما ينبغي للإنسان المؤمن أيضا ، وهو يعيش في أجواء العيد ، أن يراقب نفسه ويحاسبها ، فيهيمن ويسيطر على عوامل الضعف في نفسه ، فينبغي له أن يسيطر على الهوى ، وينبغي له أن يسيطر على الشهوات ووساوس الشيطان ، لأن الصيام قد أعطى الإنسان المؤمن دورة تدريبية في السيطرة على كل هذه العوامل السلبية ، وغيرها من عوامل الضعف داخل نفسه ، وينبغي للإنسان المؤمن أن يراقب نفسه ، كي يستمر في السيطرة على هذه العوامل السلبية ، وكي يسعى لتقوية العوامل الإيجابية ، فيجعل من سيطرة العقل حاكمة على جميع العوامل السلبية كالهوى والشهوات ، وأن يسلك الإنسان المؤمن طريق الله في الحياة ، وتكون له الإرادة الصلبة الواعية التي تمكنه من تحقيق أهدافه في الحياة ، وطاعة الله جل جلاله .

ومما ينبغي أن يراقب فيه الإنسان نفسه ، موقفه من قوى البغي والضلال في الواقع الخارجي ، فمن دروس الصيام ، أن الصوم يدفع الإنسان لمواجهة قوى البغي والضلال ، ومناصرة قوى الحق والعدل ، وعلى الإنسان المؤمن أن يتعلم هذا الدرس ، وفي أيام العيد ، يعزم على الاستمرار في هذا الطريق ، ما بقي على قيد الحياة .

الخطبة السياسية : التضامن مع الفلسطينيين – ملف التعذيب – المقاطعة مشروع مستمر

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهد قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرِّفْ بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا ، اللهم معهم معـهم ، لا مع أعدائهم .. السلام عليكم أيها الأحبة .. أيها الأخوة والأخوات في الله جميعا ورحمة الله وبركاته .

من أهم مكتسبات الصيام أمران :

الأمر الأول : أن الصوم يرسخ ويعمق لدى الإنسان المؤمن الإحساس بالمسئولية تجاه نفسه ، وتجاه الآخرين ، وتجاه قضاياه .

الأمر الثاني : أن الصوم يرسخ ويعمق في نفس الإنسان المؤمن المحبة والأخوة والتواصل والتراحم ، والإحساس بآلام الآخرين ومعاناتهم .

ومما ينبغي أن يلتفت الإنسان المؤمن إليه في يوم العيد ، أن يسأل نفسه عن موقفه تجاه قضاياه الأساسية ، سواء كانت قضايا وطنية أو قومية أو إسلامية ، وأن يشعر بمعاناة إخوانه المؤمنين ، سواء كان ذلك في بلده أو في العالم الإسلامي ، لهذا حق لفلسطين ، وللشعب الفلسطيني المظلوم ، أن نتذكرهما في يوم العيد ، يجب أن نتذكر بأن هناك أرضا إسلامية مقدسة اغتصبها الصهاينة ، بمساعدة الصليبيين ، وبقوة السلاح ، وأن التكليف الشرعي لكل المسلمين هو تحرير هذه الأرض ، وأن نتذكر أيضا ، بأن هناك شعب مسلم مظلوم ، يتعرض في كل يوم إلى المجازر ، وقد رأيتم في التلفاز الحالة المأساوية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني ، فإذا كنا مسلمين حقا ، وإذا كنا قد تعلمنا الدرس حقا من الصيام ، فهل نستطيع في هذا اليوم ، أن ننسى أو نتناسى مأساة هذا الشعب المسلم المظلوم ؟!!! أبدا والله .

لقد أحيى شعب البحرين ، يوم القدس العالمي بصورة جميلة ورائعة ، وقد جمع المساعدات المادية للشعب الفلسطيني ، فعلينا أن نتذكر أن قضية فلسطين لا تنتهي بيوم القدس ، وأن المساعدات للشعب الفلسطيني لا تنتهي بشهر رمضان ، وإنما ينبغي أن تستمر حتى تتحرر الأرض المقدسة ، وينتصر الشعب المظلوم .

على الصعيد المحلي ، علينا أن نكون حريصين يا شعب البحرين – وقد استفدنا من شهر رمضان الدرس – على وحدتنا الوطنية والإسلامية ، أن نكون حريصين على الوحدة والأخوة الإسلامية بين كافة المسلمين الشيعة والسنة ، وأن نكون حريصين على وحدتنا الوطنية ، نحن سعينا ولا زلنا نسعى إلى تحسين العلاقة مع الحكومة ، وحينما نطالب بحقوقنا ، فإننا لا نطالب لكي نضر بالحكومة ، وإنما نطالب بحقوق الجميع من أجل المصلحة الوطنية ، ومن أجل الإصلاح ، وتمنينا ولا زلنا نتمنى أن نكون في خندق واحد مع الحكومة ، في مواجهة التحديات الخارجية .

هناك الكثير من القضايا التي تثار على الساحة الوطنية ، منها المطالبة بالمحاسبة القانونية للمسئولين عن التعذيب ، وانتهاكات حقوق الإنسان ، ونحن نصر على هذا المطلب ، لا من أجل الانتقام ، وإنما من أجل ترسيخ الإصلاح ، وبعث الروح في الحركة الإصلاحية ، التي تعرضت إلى بعض المرض ، فالحركة الإصلاحية تعاني اليوم ، وفيها بعض السقم ، ونحن نريد أن ننفخ روح الحياة في الحركة الإصلاحية ، حيث لا وجود لإصلاحات بغير عدالة ، ولا يمكن أن يساوي المصلح بين الضحية والجلاد ، ونحن نريد بحق ، أن تغلق أبواب الماضي ، وأقول : يوجد قلق من العودة إلى الماضي ، حيث لازالت الأبواب مفتوحة للعودة إلى الماضي ، وهناك أكثر من مؤشر ، وأكثر من ناقوس خطر يجعل من العودة الماضي أمرا ممكنا ، ونحن نريد إغلاق أبواب العودة إلى الماضي ، وأحد الضمانات التي تدل على صدقية الإصلاحات ، وغلق هذه الأبواب ، هي المحاسبة القانونية للمسئولين عن التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان . نحن نريد أن تكون هناك مصالحة وطنية ، تشترك فيها الجهة المنتخبة من قبل الضحايا ، والقوى السياسية ، والجهة الحكومية ، التي ينبغي لها أن تدخل في حوار معهم ، من أجل المصالحة الوطنية وإغلاق هذا الملف .

المادة ( 56 ) تتنافى مع صدقية الإصلاحيات ، وتتنافى مع دستور مملكة البحرين ، سواء كان دستور 73 ، أو دستور 2002 ، وتتنافى مع المواثيق الدولية ، والجرائم التي ارتكبت في حق المواطنين لا تسقط بالتقادم ، وحتى بعد 50 أو 200 أو 1000 سنة ، يمكن للضحية أن يطالب بحقه ، وإذا أغلقت المحاكم داخل البحرين ، فالضحية الحق أن يتظلم ، ويرفع قضيته للمحاكم الدولية ، فهناك المحكمة الدولية الجنائية ، التي تسمح للضحية أن يرفع قضاياه في المحاكم الدولية ، إذن .. من أجل المصلحة الوطنية ، يجب إغلاق هذا الملف ، من خلال الحوار الوطني والمصالحة الوطنية ، وقبل كل هذا وبعده ، من أجل أن نثبت مصداقية الإصلاحات ، ونغلق أبواب العودة إلى الماضي .

من جانب آخر أشير إلى مسألة مقاطعة الانتخابات ، وأقول : أن مقاطعة الانتخابات قد انتهت ، ولكن استراتيجية المقاطعة لا زالت مستمرة ، فالمقاطعة تقوم كما ذكرت في أكثر من مرة ، على أساس حقوقي وسياسي ، الأساس الحقوقي يتمثل في الدستور الذي انتقص الحقوق المكتسبة للشعب ، والمؤسسة البرلمانية التي ترتهن من خلالها الحكومة إرادة الشعب ، الذي هو مصدر السلطات جميعا ، حسب نص دستور 73 ، ودستور 2002 ، وأما الأساس السياسي ، فيقوم على أساس أن المعارضة لا تريد أن تورط شعب البحرين لأجيال متعاقبة ، في وضع دستوري وسياسي خاطئ ، فقد كنا بين خيارين ، خيار المشاركة وخيار المقاطعة ، خيار المشاركة يعني إعطاء الشرعية للوضع السياسي والدستوري الخاطئ وترسيخه ، أما خيار المقاطعة فيعني فتح الباب للتصحيح ، بأن تبقى فرصة التصحيح قائمة ، لهذا اخترنا المقاطعة ، لأننا لا نريد أن نعطي الشرعية للوضع الدستوري والسياسي الخاطئ ، ونريد أن نفتح الباب للتصحيح ، ويكفينا ذلك ، والمطلوب أن نستمر ، لأن لنا حقوق ، وسوف نستمر في المطالبة بهذه الحقوق المشروعة ، من أجل مصلحة الوطن والمواطنين ، وسوف نبقى نطالب ونطالب ونطالـب ، لأنه لا خيار لنا إلا الاستمرار في المطالبة .

وفي الختام : أذكر إخواني المؤمنين بالدرس العظيم المستفاد من الصيام في شهر رمضان ، وهو وحدة الصف ، ووحدة الكلمة ، والتراحم بينهم ، والتواصل ، وأن يشعروا بآلام ومعاناة بعضهم البعض ، حتى يكونوا كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، أو كالبنيان يشد بعضه بعضا .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بتاريخ 1 شوال 1423 هـ الموافق 6 / 12 / 2002 م

في مسجد الشيخ خلف في قرية النويدرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى