ندوة الإصلاح السياسي والشراكة المجتمعية
الأحد 22 أبريل 2001م
المكان : نادي الخريجين
تنظيم : جمعية الاجتماعيين البحرينية
المحاضرون:
الدكتور يعقوب جناحي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
المهندس عبد الرحمن النعيمي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ايها الاخوة ورحمة الله وبركاته
في البداية اشكر جمعية الاجتماعيين بتصديها ودعوتها لهذه الندوة، كما اشكر نادي الخريجين لاحتضانه الندوة.
عنوان الندوة (الاصلاح السياسي والشراكة المجتمعية) حسب العنوان ينقسم البحث الى قسمين، القسم الاول يتعلق بالاصلاح السياسي، والقسم الثاني يتعلق بالمشاركة المجتمعية.
فيما يتعلق بالاصلاح السياسي، نحاول في البداية أن نتفهم معنى الاصلاح السياسي لغويا. الصالح ضد الفاسد، والاصلاح ضد الفساد، الصالح: كون الشيء وبمقتضى الطبع الاصلي الذي فيه الخير والنفع، والفساد: هو تغيير الشيء بحيث يخالف مقتضى الطبع الأصلي. فالاصلاح السياسي نستطيع أن نقول بأنه اصلاح الخلل المتعلق بالنظام العام في المجتمع. وإذا ربطنا بين المعنى اللغوي والمفهوم العام للاصلاح السياسي، نستطيع أن نتوصل الى النتيجة التالية وهي: أن المجتمع الانساني يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط التي تمثل الحالة الطبيعية للمجتمع الانساني، وإن غياب هذه الحالة تجعل المجتمع في وضع غير صحيح يتطلب الاصلاح، وهذا الكلام يقودنا بطبيعة الحال إلى البحث في هوية المجتمع، والنظريات تختلف حول هذا الموضوع، وهناك مثلا النظرية الماركسية، والنظرية الليبرالية والنظرية الاسلامية، وأرى بأننا لسنا في حاجة للدخول في هذه النظريات لأننا نستطيع أن نقف خارج هذه النظريات على الشروط المتفق عليها، فنستطيع أن نتفق على بغض الشروط خارج هذه النظريات تمثل الوضع الصحيح للمجتمع، ومن هذه الشروط مثلا: قيام دولة الدستور والقانون والمؤسسات، التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات، ومن هذه الشروط احترام ارادة الانسان وحقوقه وكرامته، بما في ذلك توفير الخدمات الأساسية والأمن الاقتصادي والاجتماعي، ومن هذه الشروط المشاركة الشعبية في صناعة القرار والرقابة الادارية والمالية ومن هذه الشروط قيام المجتمع على التسامح والتعاون والقبول بمبدأ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص وإلى آخره من الشروط.
فإذا توفرت هذه الشروط في المجتمع نستطيع ان نقول بأن هذا المجتمع صالح، وغياب هذه الشروط يعني وجود خلل أو فساد في المجتمع، والسؤال المهم هنا هل إن توفر هذه الشروط يغنينا عن البحث في الهوية ؟ هناك من يركز على مفهوم المواطنة والتي تعني تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، وتوفير الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لجميع المواطنين، فحتى التركيز على مفهوم المواطنة لا يغنينا عن البحث في الهوية حيث إنني لا ارغب في الدخول في التفاصيل ولكن أثير سؤالا يدور في عقول الكثير من المواطنين في البحرين، ونحتاج لمواجهة هذا السؤال بكل شجاعة وروح رياضية وهو:
هل يحق للاسلاميين في البحرين أن يطالبوا بتطبيق الشريعة الاسلامية أم لا ؟ في رأي نعم. وذلك للأسباب التالي:
أولا : لأن الدستور والميثاق يؤكدان على أن دين الدولة الاسلام وإن الاسلام مصدر رئيسي للتشريع، وقد قبلت جميع الاطراف بالميثاق والدستور.
ثانيا : إن الاغلبية الساحقة في المجتمع البحريني تنتمي للاسلام ومن حق هذه الاغلبية ان تطالب بتطبيق الشريعة، ولكن هذا لن يكون على حساب مفهوم المواطنة بالمعنى السابق.
بعد هذا انتقل الى القسم الثاني الذي يتعلق بالمشاركة المجتمعية. المشاركة المجتمعية تكون على ثلاث مستويات ؛ المستوى الفردي، مستوى التيارات السياسية، مستوى مؤسسات المجتمع المدني كالمؤسسات الثقافية والاجتماعية والمهنية.
على المستوى الفردي لا حاجة للتفاصيل، حيث نستطيع أن نقول بأن الانسان مفطور على العمل والحركة وتحمل المسؤولية، ايا كان انتمائه الفكري أو السياسي، ففي الحديث الشريف:( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وفي حديث آخر: ( من لم يهتم بامور المسلمين فليس منهم ).
أما المشاركة على مستوى التيارات السياسية : فهذه التيارات توفر آليات المشاركة السياسية المطلوبة في كل مجتمع، وإذا أعطيت المؤسسات السياسية الحق في العمل العلني تحت مظلة القانون فنستطيع أن نقول بإن هذه المؤسسات السياسية تستطيع أن تغني جميع الاطراف بالعمل في اطار القانون، وبالتالي تشارك في تحقيق الاستقرار السياسي والامني، وتمنع حدوث العنف والارهاب في المجتمع، ومن جهة ثانية فإن التيارات السياسية تشارك في تنمية الوعي العام والتعبير الصادق عن القضايا الرئيسة في المجتمع، ونستطيع أن نقول أيضا بأنها توفر قدرة أكبر لحل أزمات المجتمع، فالكل يجمع على أن التيارات السياسية وحتى في ظل قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة لعبت دورا كبيرا وبارزا في التغيير والاصلاح السياسي، وهنا وللأمانة التاريخية استطيع أن أقول بأن كل التيارات السياسية في البلد لعبت دورا كبيرا في وصول البلد الى الاصلاحات الحالية، ولكن هناك ميزة للتيار الاسلامي أو دور أكبر لهذا التيار، وإني لا أقول هذا من باب الغرور السياسي ولا النرجسية السياسية وإنما من باب الواقعية السياسية ليتحمل مسئولية معينة وهي : إن التيار الاسلامي هو الاقدر على المحافظة على الاصلاحات في الوقت الحاضر ويجب أن نعترف بدور كل التيارات، مما يحمل كل المواطنين المسئولية في المحافظة على وحدة وقوة هذا التيار من أجل المحافظة على الاصلاحات، فاذا ضعف التيار الاسلامي وفقد مصداقيته فلن تستطيع التيارات الاخرى بمفردها وبعيدا عن التيار الاسلامي ان تحافظ على هذه الاصلاحات، ومن منطق الأمانة والحرص على الاصلاحات يجب أن نعطي التيار الاسلامي عناية خاصة في المحافظة على وحدته وقوته ومصداقيته.
وانتقل بعد هذا الى المؤسسات الأخرى للمجتمع المدني الثقافية والاجتماعية والمهنية، وهناك قاعدة هامة وهي إن التنظيم والتعاون شرطان أساسيان للتقدم والاصلاح، وبعد هذا أقول
أولا: ان مؤسسلت المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لا تغني عن المؤسسات السياسية لأن مؤسسات المجتمع المدني ليست متوجهة ومهتمة بالدرجة الاولى للممارسة السياسية بشكل مباشر، وفي حال غياب المؤسسات السياسية تتعاظم مسئولية المؤسسات الاخرى.
والنقطة الثانية وحسب تعبير بعض الباحثين تعتبر مؤسسات المجتمع المدني بيت الخبرة الأول للمجتمع والدولة، وإن هذه المؤسسات تتجمع فيها الآراء والجهود لتحقيق الاصلاحات أو التغيرات المطلوبة، وإذا قسنا دور الموسسات بدور الشارع العام نستطيع أن نقول بأن المؤسسات تستطيع ان تدير حركة التغيير او الاصلاحات باسلوب اكثر مرونة من الشارع العام، ومن خلال هذه المرونة نتجنب التوتر والعنف في الشارع لحركتنا الاصلاحية.
ثالثا: إن مؤسسات المجتمع المدني تظم فصائل وقوى المجتمع بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية، وبالتالي فإن هذه المؤسسات تستطيع أن تلعب دورا في المحافظة على الوحدة الوطنية، ولهذا نجد بان بعض الباحثين يحذرون مؤسسات المجتمع المدني من التحزب، ويجب ان تركز هذه المؤسسات على القواسم المشتركة، وهناك جانب آخر وهو ان المؤسسات تستطيع ان تشارك في الرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية، والمشاركة في تحقيق الامن الاجتماعي والاقتصادي، ولاشك بان لهذه المهمة تأثير على المشاركة السياسية، وما لم يتوفر الحد الادنى من الامن الاجتماعي والاقتصادي فلن يستطيع افراد المجتمع المشاركة في الشأن السياسي.
اكتفي بهذا المقدار وأطرح التفاصيل في التساؤلات والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة والاستفسارات:
سؤال د. منيرة فخرو للأستاذ عبد الوهاب حسين حول المراد بتطبيق الشريعة وانعكاسات ذلك على اقتصاد البلاد.
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم. في البداية أشكر الاخت د.منيرة فخرو وأتذكر بحق الدور الايجابي الذي لعبته في المرحلة السابقة حيث أنها فقدت وظيفتها من أجل موقفها.. وكنت أتوقع مثل هذه الاسئلة، وأثرت هذا الموضوع لأنني وكل المراقبين للشأن البحريني يتوقعون بأن هذا الموضوع سوف يكون محل إثارة في الحياة البرلمانية، ومن المتوقع أن يكون النجاح لمثل هذا القرار كبير، فلهذا توجد الحاجة لإثارة هذا الموضوع من الآن وتهيئة الاذهان والنفوس لمثل هذا الموضوع، فالاسلام في البحرين ومن خلال التجربة السابقة يغلب عليه التسامح والاعتدال، وحينما اقول التسامح والاعتدال لا اعني بذلك ما قد يفهمه البعض بالتوفيقية، إن الاسلام يوفق، انما الاسلام المحمدي الاصيل الذي تزل على محمد (ص) هو دين متسامح، ولم نشعر في المرحلة السابقة بالتطرف والعزلة بين التيار الاسلامي والتيارات الاخرى، بل كان هناك اندماج وتنسيق في المواقف، وكان هذا الاندماج والتنسيق احد العوامل التي اوصلت البلاد الى الاصلاحات الحالية، وحتى فيما يتعلق بموضوع السياحة لا أرى من خلال الطرح ولا من خلال اللقاءات مع مختلف التيارات بان هناك اختلاف، الكل يرفض وضع السياحة الحالية في البلد ويدعون الى السياحة النظيفة الشريفة، وحتى الحكومة طرحت مثل ذلك.
سؤال للاستاذ عبد الوهاب حسين : انا في التيار الديمقراطي وأدعو الى تطبيق الشريعة الإسلامية ولكن ليست على طريقة التيار السني التقليدي أو التيار الشيعي التقليدي وإنما على طريقة الدعوة الإسلامية التحديثية التي دعا ويدعو إليها المفكر محمد عابد الجابري وما هو رأيك في ذلك.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. إنني وحتى الآن وبحكم غيابي في السجن لمدة ست سنوات ليس لدي إلمام بالكثير من الأطروحات الفكرية ولا سيما الأطروحات الجديدة، ولست ملما بأطروحات الجابري ولا أستطيع أن احكم على أطروحته، ولكن أطروحتنا الإسلامية في الساحة البحرينية واضحة ويمكن الرجوع لها حيث أنني أتابع ردود الفعل حول هذا التوجه واشعر بتقبل لهذا التوجه حيث يوصف بالاعتدال والعقلانية والتسامح، وانه يؤسس إلى تجربة جديدة، ونرجو ان يكون ذلك، ونحن ملتزمون تماما بالحوار الشامل مع كافة الأطراف والحمد لله.
سؤال موجه للمحاضرين حول التغييرات الوزارية الجديدة سيما تعيين د.محمد جاسم الغتم وزيرا للتربة والتعليم.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. نحن عبرنا عن رأي الشارع حول التشكيلة الوزارية الجديدة في خطبة الجمعة الماضية 26محرم 1422هـ الموافق 20/4/2001م وخلاصة ما طرح أن التغيير الوزارية الجديدة أقل من طموحات الشارع البحريني كماً ونوعاً، حيث كان الشارع يتوقع تعديلات أوسع وأن هذه التعديلات لم تصنف شيئاً جديداً بشأن الإصلاحات، حيث لم تفتح آفاقاً ولا باباً جديداً ولم تخلق أرضية جديدة للإصلاحات، وإن هناك قلق واسع النطاق، والتخوف لدى أساتذة الجامعة وطلابها بوجه خاص، وعموماً المثقفين بوجه عام حول تعيين الدكتور محمد جاسم الغتم وزيراً للتربية والتعليم، حيث تلقيت شخصياً عدة أساتذة جامعة والطلاب كلهم متخوفون من هذا التعيين، ويؤكدون بأن الدكتور الغتم كان له دور سلبي في الجامعة وانه بدلا من أن يحاسب تم ترقيته وأعطي منصباً أكثر خطورة، وقلت شخصياً أني لم أعرف هذا الرجل ولم ألتقي به من قبل ولكن هذا هو رأي الشارع.
إلى جانب ذلك أضيف إلى مداخلة الأخ علي صالح، بان لا يوجد جدار بين المرحلة السابقة والمرحلة الحالية، فهناك تداخل، وإن المرحلة السابقة تلقي بالكثير من الضلال على المرحلة الحالية. فسقف الإصلاحات قابل بأن يرتفع أو بأن يخفض وأن ذلك يتوقف على وعي وممارسة أبناء الشعب، ويمكن للإصلاحات أن تسطح ويمكن لها أن تعاق، ومن جهة ثانية يمكن تعميق هذه الإصلاحات ودفعها للأمام وكل ذلك يتوقف على وعي وممارسة أبناء الشعب.
ولي رجاء لسمو الأمير الذي حمل على عاتقه مسئولية الإصلاحات حيث كان شجاعاً غي اتخاذ الخطوات من أجل الإصلاحات أن يكون شجاعاً أيضاً لمعالجة أرث الماضي والحمد لله.
سؤال طرح على المهندس عبد الرحمان النعيمي وهو:
س: ما رأيكم في قول الأستاذ عبد الوهاب حسين بأن ضعف أو أضعاف التيار الإسلامي له تأثير كبير على الإصلاحات السياسية في البحرين.
أجاب : تقديري إن التيار الإسلامي وخاصة التيار الإسلامي الشيعي قد لعب دوراً مهماً وكبيراً في الفترة الماضية، وقدم الكثير من التضحيات الشهداء والمعتقلين والمبعدين، وبالتالي يجب الاعتراف بهذه الحقيقة الناصعة والكبيرة، وبطبيعة الحال لسنا من يريد أضعاف هذا التيار، بعكس ذلك نحن حريصون أن لا يخترق هذا التيار، وان لا تكون هموم هذا التيار هموم جانبية تتعلق بقضايا أيديولوجية، أو قضايا الخلاف على التعاون مع الوطنيين أو عدم التعاون معهم وبمقدار ما يستطيع التيار الإسلامي الشيعي أو السني أن يرص صفوفه وتوضيح برامجه وحتى نستطيع أن نعمل صفاً واحداً. لاسيما في الفترة القادمة نحن بحاجة إلى لقاء وطني واسع يشمل التيارات الوطنية الإسلامية والديموقراطية لتنسيق أعمالها وقطع الطريق على كل من يصطاد في الماء العكر.
تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين حول التنسيق:
التنسيق ضرورة لكل المراحل، ومن مظاهر التنسيق العريضة النخبوية عام 1992م، والعريضة الشعبية الثانية عام 1994م، ومن نتائج التنسيق التصويت على الميثاق الذي كان نتائجه 98,4%، حيث جاءت هذه النسبة نتيجة للتنسيق، فالتنسيق كان في المرحلة السابقة وقد أثبت أهميته ونجاحه في خدمة المصالح الوطنية المشتركة، وفي هذه المرحلة ومن الآن وحتى إعادة الحياة البرلمانية توجد حالة أيضاً إلى التنسيق حيث أن المطالب الأساسية المتمثلة في إعادة تفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية لم تتحقق حتى الآن، ومن المتوقع أن تظهر بعض المشاكل على السطح تتطلب موقف وطني مشترك من قبل كل الفصائل ومن ثم فالحاجة للتنسيق لا زالت قائمة في الوقت الحاضر، وبعد الحياة البرلمانية نتوقع بأن هناك حاجة للتنسيق بين كافة الفصائل على الأقل في ترتيب الأولويات التيار الإسلامي له أولوياته والتيارات العلمانية لها أولوياتها، وبدلا من أن نتضارب ونتصارع حول ترتيب الأولويات يمكن أن ننسق حول ترتيب هذه الأولويات، وكذلك نطرح التنسيق مع الحكومة الآن لتجنب المشاكل المتوقع ظهورها. وكذلك نطالب بالتنسيق مع الحكومة حتى بعد اعادة الحياة البرلمانية فيما يتعلق بترتيب الاولويات. اننا لا نريد تكرار التجربة السابقة كما نريد الاستفادة من تجربة الاخوة في الكويت، حيث ان اعاقة وتسطيح الحياة البرلمانية ناتجة عن سبب تعارض الاطروحات بين الفصائل المختلفة والمعارضة من جهة والحكومة من جهة أخرى.