حفل تأبين الشهيد الشاب علي الحايكي

8/ جمادى الثاني/ 1424هـ .
الموافق: 6/أغسطس/2003م.
الموضوع: كلمة الأستاذ عبد الوهاب حسين في الحفل ألتأبيني في ذكرى الأربعين لرحيل الشاب السعيد علي حسين محمد جاسم الحايكي .
المكان: مدينة المحرق – مأتم الحياك .
الزمان: مساء الأربعاء – ليلة الخميس .

أعوذ بالله السميع العليم
من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً . اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية: أعزي والدي الشاب السعيد : ( علي الحايكي ) وعائلته ، وفي نفس الوقت أهنأهم بما بشرهم به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين . قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: ( لان أقدم سقطاً أحب إلي من أن أخلف مئة فارس كلهم يقاتل في سبيل الله ) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : ( ولد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يخلفهم بعده كلهم قد ركبوا الخيل وجاهدوا في سبيل الله ) .

في هاتين الروايتين : دلالة على أن فقد الولد يخلق حرقة وألماً عظيماً في قلب الوالدين ، وأن الصبر على هذا الألم قربة لله تعالى وتسليماً بقضاء الله تعالى وقدره ، يفتح للإنسان المؤمن فرصة العروج في سلم الكمال الإنساني والدنو من الله رب العالمين ، وأن الثواب الذي يحصل عليه الإنسان المؤمن من ذلك الصبر والعروج ، أفضل من الثواب الذي يحصل عليه فيما لو كان عنده مئة من الأولاد كلهم يجاهد في سبيل الله تعالى . وسبب ذلك التفضيل على ما أرى : أن الثواب الذي يحصل عليه الإنسان المؤمن من جهاد أبنائه ، إنما هو ثواب عمل غيره يضاف إلى ثواب عمله ، بسبب فضله في إنجاب الأبناء وتربيتهم ، وذلك من فضل الله تعالى على المؤمنين ورحمته بهم وكرمه عليهم . ولنا في ذلك درس يتمثل في الاهتمام بإنجاب الأبناء والعناية بتربيتهم . قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : (الولد الصالح ريحانة من الله قسمها بين عباده ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من سعادة الرجل الولد الصالح ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (مر عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب !! فقال : يا رب مررت بهذا القبر عام أول وهو يعذب، ومررت به العام وهو ليس يعذب ؟ !

فأوحى الله جل جلاله إليه : يا روح الله قد أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه ) .
هذا عن ثواب عمل الأولاد . أما الصبر على الألم العظيم لفراق الأولاد قربة لله تعالى وتسليماً لقضاء الله وقدره ، فإنه من عمل الإنسان نفسه ، ويرفع من درجة الإنسان المؤمن ويعرج به في سلم الكمال الإنساني ويقربه إلى الله تعالى . قال الله تعالى عن ثواب الصابرين : ( إنما يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ) ( الزمر : 10 ) . هذا هو الفرق بين الثواب الذي يحصل عليه الإنسان المؤمن من عمل الأولاد ، وبين الصبر على الألم العظيم لفراق الأبناء – ساعد الله قلوبهم – وعلة التفضيل كما رأيتها .

بعد هذه المقدمة أو المدخل للحديث ، أنتقل إلى الموضوع الرئيسي في الحديث ، وهو عبارة عن استخلاص الدروس ، من رحيل هذا الشاب السعيد : ( علي محمد جاسم الحايكي ) رحمه الله تعالى وأسكنه الفسيح من جناته .

الدرس الأول : أن هذا الشاب السعيد رحل إلى ربه تعالى وهو يجاهد في سبيل العلم ، وقد ضحى من أجل العلم وتحمل مرارة الغربة من أجله . ولهذا الجانب أهمية بالغة في حياتنا ، لأننا أيها الأحبة : لن نستطيع أن نطور أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والأخلاقية ، ولن نستطيع أن نصين حقوقنا ونحافظ على مكتسباتنا على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي إلا بالعلم والمعرفة . خذوا هذا المثال من الواقع : ( جمهورية سنغافورة ) هذه الجزيرة الصغيرة التي تبلغ مساحتها حجم مساحة البحرين تقريباً ( 581 كيلو متر مربع ) وعدد سكانها أربع مليون نسمة تقريباً – من أشد الكثافات السكانية في العالم – ويسكنها العديد من الأجناس والقوميات ( 75% صينيون ) ، وهي فقيرة في الثروات الطبيعية ، ومحاطة بدول فقيرة . ومع ذلك فهي من أغنى دول العالم ومن أعلاها في مستوى الدخل !! ففي عام ( 1979 ) بدأت ما سمي ( بالثورة الصناعية الثانية ) وهدفها : التخلي عن الصناعات الخفيفة والتوجه نحو الصناعات المتطورة جداً ، مثل : الهندسة الدقيقة ، وكل ما يتعلق بالملاحة الجوية وبصناعة السيارات ، والصيدلة ، والتجهيزات النفطية ، والعقول الإلكترونية ، والبنوك ، والسياحة . والأجور في سنغافورة تزداد باطراد تحت شعار : ( أجور عالية أكثر فأكثر ، لعمل أكثر دقة وكفاءة ) . والفضل في هذا التطور وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، هو إخلاص القادة والمواطنين للوطن والحرص على تقدمه وازدهاره ، وخدمة كافة المواطنين وتفضيلهم على غير المواطنين . فمن أهداف السياسة الاقتصادية الجديدة : الاستغناء عن الأيدي العاملة المهاجرة. وقد لعب العلم والطموح والتخطيط العلمي الدقيق والعمل الدءوب بالإضافة إلى الإخلاص للوطن دوراً مفصليا في ذلك الإنجاز الوطني في جمهورية سنغافورة . وعلينا أن نتعلم من هذا الدرس في تقدير قيمة العلم ودوره في تطوير أوضاعنا على كافة الأصعدة .

ومن جهة ثانية : نحن كمسلمين نحمل رسالة الإسلام إلى العالم ، في سبيل إخراجهم من الظلمات إلى النور . هل نستطيع القيام بهذه المهمة أو المسؤولية الربانية العظيمة ، إذا كنا نعاني من الجهل والتخلف والفقر ؟!

بالله عليكم : هل نستطيع أن نقوم بهذه المهمة الربانية العظيمة ، إذا كان العالم ينظر إلينا بازدراء نتيجة ما نحن فيه من الجهل والتخلف الشامل في كل أوضاعنا ؟!
أيها الأحبة الأعزاء : لن نستطيع أن نخدم ديننا الإسلامي الحنيف ، وأداء الأمانة بخدم البشرية وهدايتها إلى الدين الحنيف ، إلا إذا طورنا أوضاعنا بواسطة التقدم العلمي والمعرفي .

ومن جهة ثالثة : نحن كشيعة ننتظر الإمام القائم المهدي ، عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وهدف الإمام المهدي عليه السلام ، هو إقامة دولة العدل الإلهي العالمية !! فهل نستطيع أن نكون فاعلين في خدمة قضية الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، ما لم نكن في تفكيرنا وعملنا عالميين بمستوى قضية الإمام المهدي عليه السلام ؟!

إننا ندعي بأننا شيعة الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، وندعي بأننا جنوده وأنصاره ، ونحن لن نستطيع أن نكون فاعلين ومؤثرين في خدمة قضية الإمام المهدي عليه السلام ، ما لم نكن عالميين في مستوى تفكيرنا وعملنا ، وهذا يتطلب منا تقدماً علمياً وتربوياً وعملياً ، علينا إنجازه وبدونه لن نكون فاعلين ومؤثرين في خدمة قضية إمامنا المهدي القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ، وجعلنا الله برحمته وكرمه من جنوده وأنصاره والمستشهدين بين يديه وتحت لوائه عليه السلام .

والخلاصة : إننا في حاجة ماسة وضرورية إلى التقدم العلمي والمعرفي ، في سبيل تطوير أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والأخلاقية ، وفي سبيل خدمة ديننا الإسلامي الحنيف وهداية البشرية إليه ، وفي سبيل خدمة قضية إمامنا المهدي القائم عليه السلام .

الدرس الثاني : الاستعداد للموت قبل فوات الأوان : هذا الشاب السعيد الذي نحن في ضيافته وتأبينه ، كان يدرس في الهند ، وكان أمله مثل زملائه ، أن يتخرج من الجامعة ويتوظف ويكون له بيت وزوجة وأولاد ، ولكن الموت أدركه قبل أن يحقق شيئاً من ذلك !!

والحقيقة : أن هذا الشاب السعيد ، لو كان يعمل فقط من أجل تلك المكاسب الدنيوية ، ولم يعمل من أجل دينه وآخر ته ، فقد خسر عمره كله ولم يكسب شيئاً . فقد أدركه الموت ولم يحقق شيئاً من طموحاته الدنيوية ، لقد ذهب إلى ربه ولم يحمل معه إلا عمله الذي يحاسب عليه عند ربه يوم القيامة . وهذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من الوفاة المفاجئة لهذا الشاب السعيد الذي نجلس في ضيافته وتأبينه !! علينا أن نعمل كما أمرنا سيد الحكماء بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إذ يقول : ( أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) صدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

أيها الأحبة الأعزاء : يجب أن نعمل من أجل ما يسد حاجتنا في الدنيا ، وأن لا ننشغل بها عن الآخرة . قال الله تعالى مستنكراً : ( بل تؤثرون الحياة الدنيا . والآخرة خير وأبقى . إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى ) ( الأعلى : 16-19 ) . وقال الله تعالى مستنكراً أيضاً : ( ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر . كلا سوف تعلمون . ثم كلا سوف تعلمون . كلا لو تعلمون علم اليقين . لترون الجحيم . ثم لترونها عين اليقين . ثم لتسألون يومئذ عن النعيم ) ( سورة : التكاثر ) . آمنا بالله صدق الله ألعلي العظيم .

وهنا أرغب في التنبيه إلى عدة حقائق تتعلق بالدنيا والآخرة ، وهي :

الحقيقة الأولى : لو أن إنساناً ملك الدنيا كلها ، فملك الدنيا كلها لا يساوي أقل مرتبة أو درجة يحصل عليها الإنسان في الجنة !!! وبالتالي فإن الإنسان المؤمن العارف بالدنيا والآخرة ، أزهد ما يكون في الدنيا التي يتقاتل عليها الطواغيت كما تتقاتل الديدان على الجيفة ، وينتهكون في سبيلها الحرمات والمقدسات !!! قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر منها شربة ماء ) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : ( مر رسول الله صلى عليه وآله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتاً ، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا ؟ فقالوا : لعله لو كان حياً لم يساوي درهماً . فقال النبي صلى الله عليه وآله : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على اله من هذا الجدي على أهله ) (الجدي : ولد المعز في السنة الأولى من عمره ) .

الحقيقة الثانية : أنه لا توجد لذة خالصة في الدنيا . فكل ملذاتها مشوبة بالألم والغصة ، وأن الإكثار من ملذات الدنيا مثل الأكل والجنس ، يتحول إلى عامل من عوامل هلاك الإنسان ويقضي على حياته . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( اشهد بالله ما تنالون في الدنيا نعمة إلا بفراق أخرى … ) . أما ملذات الآخرة فهي خالصة من الألم ، ولا تسبب كثرتها المرض والهلاك للإنسان .

الحقيقة الثالثة : أن أمد الحياة الدنيا محدود ، يموت الإنسان وينتهي زمانه فيها . قال الله تعالى 🙁 كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ) (العنكبوت : 57) . أما الآخرة فهي دار الخلود والبقاء .

الحقيقة الرابعة : أن الحصول على نتائج العمل فيها غير مضمون . فالشاب السعيد الذي نحن في ضيافته وتأبينه ، كان يأمل أو كان يطمح كغيره من الشباب الذين يدرسون معه ، ويجتهدون في دراستهم وقد تحملوا مرارة ألغربه ، كان يطمح في التخرج والحصول على وظيفة راقية تناسبه ، ثم يكون له بيت وزوجة وأولاد ، ولكنه لم يحصل على شيء من ذلك ، وذهب إلى ربه بعمله الذي يحاسب عليه هناك في يوم القيامة . أما العمل من أجل الآخرة فهو مضمون قطعاً . قال الله تعالى : ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) ( آل عمران : 195 ) .

هذه بعض الحقائق عن الحياة الدنيا أقدمها بين يدي كل عاقل . وأسأل : هل يمكن أن يؤثر الإنسان العاقل الدنيا على الآخرة ويفضلها عليها وهو بصير بحقيقة الدنيا والآخرة ؟! قال الله تعالى : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد . لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) ( آل عمران : 198 ) . وفي الحديث القدسي ، قال الله تعالى : ( عجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها … ) . وفي حديث قدسي آخر ، قال الله تعالى : ( عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالاً بعد حال كيف يطمئن إليها !! ) .

وفي حديث جامع للحقائق الأربع السالفة الذكر ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ( إن الدنيا معكوسة منكوسة ، لذاتها تنغيص ، ومواهبها تغصيص ، وعيشها عناء ، وبقائها فناء ، تجمح بطالبها ، وتردي راكبها ، وتخون الواثق بها ، وتزعج المطمئن إليها ، وإن جمعها إلى إنصداع ووصلها إلى انقطاع ) .

الدرس الثالث : الثبات على الدين والمبادىء واتخاذ المواقف الصادقة القوية ، وعدم الخضوع للإغراءات والتهديدات ، وذلك لسببين رئيسين ، وهما كالتالي :

السبب الأولى : أن الآخرة تتقدم على الدنيا – كما خلصنا من الحقائق السابقة التي سبق توضيحها – عند الإنسان العاقل . قال الله تعالى في حكاية إيمان السحرة وردهم على تهديدات فرعون لهم بعد إيمانهم : ( فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى . قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبير كم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى . قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا . إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى . إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي . ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى . جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) (طه : 70 – 76 ) .

السبب الثاني : أنه لا أحد يملك لنفسه موتاً ولا حياة . فإذا أغرانا أحد بشيء ثمين جدً جداً من متاع الدنيا ، على أن نتخلى عن شيء من ديننا أو من مبادئنا أو عن بعض مواقفنا الدينية أو الوطنية الصادقة ، فهل نضمن أن نعيش لحظة واحدة من عمرنا ، لكي نتسلم هذه المكافأة المادية أو نستفيد منها في شيء من حياتنا ؟! أو نضمن أن يبقى صاحب المكافأة لحظة من عمره لكي يسلمنا هذه المكافأة التي اشترى بها ذمتنا وديننا ؟! أو يضمن هو لنا ذلك ؟! لا ورب الكعبة !!!!

وإذا هددنا أحد بشيء من عذاب الدنيا أو بشيء من الحرمان ، من أجل أن نتنازل عن شيء من ديننا أو عن شيء من مبادئنا أو عن بعض مواقفنا الدينية أو الوطنية الصادقة ، واستجبنا له !!! فهل نضمن أن نعيش لحظة واحدة بعد استجابتنا نتمتع فيها بالحياة ؟!! . قال الله تعالى في رده على بعض المنافقين : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ، قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) ( آل عمران : 168 ) . وهل يضمن هو حياته حتى ينفذ تهديداته ؟!! لا ورب الكعبة الشريفة !!!!

وهنا إشكال قد يثيره محبوا الدنيا وزينتها وزخارفها ، من الذين يخدعهم الشيطان الرجيم . يقول الإشكال : أننا نرى في العادة الجارية في الحياة القائمة على الظلم ، بأن الظالمين يمارسون الأغراء والتهديد للناس ، وأن حياتهم قائمة ومستمرة على ذلك ، وفي النادر ما يحدث أن يموت الظالم أو المظلوم قبل تنفيذ الوعد والوعيد . والحياة إنما تقوم على الأكثر الجاري في الحياة ، وليس على الأقل النادر في الحياة !!!!

الجواب : ما جاء في الإشكال من السنة الجارية صحيح ، وأنه من النادر أن يموت الظالم أو المظلوم قبل تنفيذ الوعد أو الوعيد !!! ولكنه يحدث ، وهذا ما يناسب الحياة الدنيا من جهة أنها دار امتحان . فلو كان الحال في الحياة الدنيا ، أن كل ظالم يمارس الترغيب أو الترهيب من أجل الإغواء يموت هو أو من تتم غوايته ، لما كانت هناك غواية أو إضلال ، وأصبح الإنسان بمثابة المقهور على الطاعة تقريباً ، وهذا لا يتناسب مع حقيقة التكليف للإنسان في الدار الدنيا والكرامة الإنسانية التي يقوم جوهرها على الاختيار، ولتساوى الإنسان الناقص الذي لا يصبر ولا يثمن القيم والمبادىء والمواقف العادلة والصادقة في الحياة ، مع الإنسان الكامل الذي يصبر ويقاوم الأذى والترغيب من أجل دينه وإنسانيته وقيمه ومبادئه ووطنه وأمته ومن أجل رضا الله سبحانه وتعالى

أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله الكريم لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
أسأل الله الكريم أن يكتب ثواب هذا الحديث إلى روح والدي وإلى روح الشاب السعيد علي حسين محمد الحايكي رحمهما الله تعالى برحمته الواسعة التي وسعت كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى