حفل تأبين الشهيد الطفل حسين محمد عيد
التاريخ: 7/ جمادى الثاني/1424هج – الموافق : 5/أغسطس/2003م .
الموضوع : كلمة في تأبين الطفل حسين محمد عيد (رحمه الله تعالى ) الذي ذهب نتيجة حادث مروري ، وعمره عشر سنوات تقريباً.
المكان : قرية الديه – المأتم الكبير .
الزمان : مساء الثلاثاء – ليلة الأربعاء .
أعوذ بالله السميع العليم
من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً . اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة في الله تعالى ورحمة الله وبركاته .
ملاحظة : سوف أجعل الحديث في نقاط محددة ، في سبيل المزيد من الوضوح والاختصار .
النقطة الأولى – في البداية : أعزي والدي الطفل حسين محمد عيد وعائلته ، وفي نفس الوقت أهنأهم ، لأنهم ضمنوا بأن ابنهم حسين من أهل الجنة ، لأنه ذهب إلى الله تعالى بريئاً طاهراً من الذنوب ، ولأنهم ضمنوا لهم شفيعاً عند الله يوم القيامة . قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألم تعلموا أن الأطفال يكونون تحت عرش الرحمن يستغفرون لآبائهم ؟ ) وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( لأن أقدم سقطا أحب إلي من أن أخلف مئة فارس كلهم يقاتل في سبيل الله ) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : ( ولد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولد يخلفهم بعده كلهم قد ركبوا الخيل وجاهدوا في سبيل الله ) .
وفي الحديثين الأخيرين : دلالة على أن فقد الإنسان للولد يؤدي إلى ألم شديد وحرقة شديدة في القلب ، وأن صبر الإنسان على هذا الألم وهذه الحرقة قربة إلى الله تعالى ، وتسليماً لقضاء الله وقدره ، يفتح للإنسان فرصة العروج إلى الله تعالى والتقرب إليه ، ولهذا الصبر ولهذا العروج ثواب عظيم ومنزلة عظيمة عند الله الرحيم بعباده المؤمنين ، وأن ما يحصل عليه الإنسان من الثواب والقرب عند الله الرحيم على ذلك ، أكثر وأفضل من الثواب الذي يحصل عليه الإنسان لو كان له مئة من الأبناء كلهم يقاتل في سبيل الله . لأن الثواب الذي يأتيه من جهاد الأبناء يأتيه من عمل غيره ويضاف إلى عمله، بينما الصبر على ألم وحرقة القلب نتيجة فقد الأبناء قربة إلى الله تعالى وتسلماً بقضاء الله وقدره ، يرفع من درجة الإنسان المؤمن نفسه وبقربه إلى الله سبحانه وتعالى .
وهنا أرغب في ذكر ثلاث مسائل مهمة ذات صلة وثيقة بموضوع بحثنا ، وهي كالتالي :
المسألة الأولى : كما قلت في بداية الحديث ، أنه من يموت من الأطفال فإنه يكون مستحقاً لدخول الجنة ، لأنه يذهب إلى الله جل جلاله بريئاً طاهراً من الذنوب ، فيكون بذلك مستحقاً لدخول الجنة بفضل الله الرحيم وكرمه ، ويكون شفيعاً لوالديه الذين يحتاجون للشفاعة عند الله تعالى ، نتيجة رجحان كفة سيآتهم على كفة حسناتهم في ميزان أعمالهم . وفي بعض الروايات : أن الطفل يأبى أن يدخل الجنة إلا مع والديه ، فيشفع الله الرحيم اليهما بشفاعته .
المسألة الثانية : كانت المسألة الأولى إذا كان الوالدان أو أحدوهما يحتاج إلى شفاعة الطفل ، أما إذا كان الوالدان أو أحدوهما له درجة عالية ، فإن الله جل جلاله يرفع الأبناء ليجمعهم مع الوالدين في الجنة برحمته وكرمه ، بدون أن ينقص شيئاً من ثواب ومنزلة الوالدين .
فمن يموت في مرحلة الطفولة – أي قبل التكليف – يكون مستحقاً لدخول الجنة كما أوضحت قبل قليل ، إلا أنه لا يكون مستحقاً للحصول على المراتب أو الدرجات العالية في الجنة ، لأنه لا عمل له . وهنا تتجلى رحمة الله جل جلاله بعباده المؤمنين مرة ثانية ، بأن يرفع الأبناء إلى درجة الآباء في الجنة ليعشوا جميعاً سعداء في الجنة ، وأن هذه الرحمة تشمل الأطفال أيضاً . قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : ( والذين آمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امرىء بما كسب رهين ) ( الطور : 21 ) . ( التناهم : أنقصناهم ) .
المسألة الثالثة : أن رفع الدرجات لا يتوقف على الأبناء وإنما يشمل الأزواج أيضاً . قال الله تعالى : ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريا تهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) ( الرعد : 23) وهذا يعني أن الزوج المؤمن يرفع زوجته المؤمنة وأولاده المؤمنين إلى درجته إذا كان أرفع منهم درجة ، وأن المرأة المؤمنة ترفع زوجها المؤمن وأولادها المؤمنين إلى درجتها إذا كانت أعلى منهم درجة . مما يدفع الرجل المؤمن والمرأة المؤمنة إلى البحث عن الزوج المؤمن أو الزوجة المؤمنة وتفضيلهما على ذو المال والجمال ، لأن الإيمان يكون سبباً للحياة الزوجية المستقرة السعيدة القائمة على العدل والتفاهم في الحياة الدنيا ، وسبباً للحصول على المراتب أو الدرجات العالية والحياة الطيبة في الجنة للزوج أو الزوجة ولأولاد هما .
ومن الواضح جداً مما سبق : أن الإنسان المؤمن يستطيع أن يعمل من أجل نفسه ومن أجل زوجه وأولاده في الدنيا والآخرة . وهذا من فضل الله العظيم .. العظيم على عباده المؤمنين . فعلينا أن نستغل الفرصة ولا نضيعها فنكون من النادمين ، من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة . قال الله تعالى : ( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ) ( الزمر : 15 ) .
النقطة الثانية : يجب على الآباء توفير الرعاية المادية لأبنائهم ، مثل التعليم والصحة والمسكن والمأكل والملبس ، ويستحب لهم العمل أكثر في سبيل التوسعة على العيال وهو من أفضل الجهاد عند الله تعالى . قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : ( الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ) . ويجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في هذه الرعاية وأن نطالبها بذلك إذا قصرت ، ونحن نجد اليوم الكثير من أبنائنا يحرمون من حقهم في الدراسة بسبب الفقر والتمييز الطائفي ، والكثير منهم يحرم من حقه في العلاج إذا احتاج إلى العلاج في الخارج ، وقد أصبح مألوفاً عندنا في كل أسبوع جمع التبرعات في المساجد والمآتم لعلاج أطفالنا الذين يحتاجون إلى العلاج في الخارج ولم توفر لهم الدولة هذا العلاج . نعم نحن الذين نشتكي من البطالة وتدني الأجور نتحمل هذه المسؤولية ومسؤولية بناء مساجدنا ومآتمنا وبناء وترميم بيوت فقرائنا ، نرى ذلك ونقرأ في نفس الوقت بأن البحرين تحتل المرتبة الأولى في التنمية البشرية بين الدول العربية !! كما أن الكثير من أبنائنا يخسرون حياتهم نتيجة إهمال الدولة وعدم توفيرها الممرات الآمنة على الطرقات ، فقد خسر ابننا حسين محمد عيد الذي نقيم هذا التأبين من أجله ، خسر حياته بسبب إهمال الدولة ، كما أودت حوادث مماثلة بالكثيرين غيره من أبنائنا نتيجة الإهمال . ونحن نقيم هذا التأبين من أجل أن نأخذ الدروس والعبر من الحادث ، ولكي نوجه الرسائل لكل من يعنيهم الأمر بخطورة الموضع ، وحتى الآن لا أحد يريد أن يسمع ، رغم كثرة صيحات الأهالي واحتجاجاتهم ، وكأن حياة أبنائنا لا قيمة لها ، وكأن من يعنيه الأمر لا يعنيه الأمر . نحن نطالب الدولة بأن تتحمل مسؤوليتها كاملة في جميع ذلك .
ومن جهة ثانية : فإنني في الوقت الذي أطالب فيه الدولة بتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الموضوع ، فإني ألفت أنظار الجميع – ولا سيما الشباب – بأن يتحملوا مسؤوليتهم أيضاً بالحفاظ على أرواحهم وأرواح الآخرين . علينا جميعاً أن نتذكر مسؤوليتنا ونحن نقود السيارة . علينا أن نعلم بأننا إذا قصرنا أو أهملنا في سياقتنا ولم نراعي ما يجب علينا وما فيه سلامتنا وسلامة الآخرين ، فإننا نتحمل المسؤولية الشرعية أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، سواء وقع الضرر على أنفسنا أو على الآخرين !!
وعلى الآباء أيضاً أن يحرصوا على سلامة أبنائهم ، ويراقبوهم ولا يقصروا في إرشادهم وتوجيههم بما يحفظ سلامتهم ، إنهم مسئولون عن ذلك ، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية كاملة .
النقطة الثالثة : وأنا أتحدث عن الرعاية المادية للأبناء ، فإني أذكر جميع الآباء بأن أهم ما يجب العناية به في الرعاية المادية هو التعليم ، وأن هذا التذكير له أهمية في نفسه ، وله أهمية خاصة لنا نحن المستضعفين في الأرض في سبيل الخروج من المأزق الذي وضعونا فيه . إن للتعليم أهمية خاصة في نفسه لكل إنسان على وجه الأرض ، فالعلم بمثابة النور في الحياة ، ومن فقد العلم فقد النور في الحياة . خذوا هذا المثال الحسي لمعرفة قيمة العلم في الحياة . لو وضعنا في هذا المأتم أشياء كثيرة ، بعضها نافع وبعضها ضار ، وضعنا فيها مثلاً : علب فيها عسل ، وعلب فيها سم ، ووضعنا أقفاص فيها طيور ، وأقفاص فيها ثعابين وعقارب ، … الخ ، وكل هذه الأشياء موضوعة ومتداخلة مع بعضها البعض ، ولا توجد على أي منها علامة خارجية تميزها عن غيرها ، وأطفأنا أنوار المأتم ثم أدخلنا إنساناً عاقلاً إلى المأتم المظلم ، وقلنا له تصرف فيما هو موجود داخل المأتم ، وخذ منه ما يفيدك وأترك ما يضرك . فهل يستطيع الإنسان العاقل أن يتصرف فيما هو موجود في داخل المأتم المظلم وأن يستفيد فعلاً مما هو موجود في داخله ؟!
الجواب طبعاً لا . فقد يريد أخذ العسل فيأخذ السم ، وقد يريد أخذ الطيور فيأخذ العقارب والثعابين . .. الخ . أما إذا أشعلنا الأنوار وقلنا للإنسان العاقل المميز تصرف فيما هو موجود في داخل المأتم وخذ ما يفيدك وأترك ما يضرك ، فإنه يستطيع فعلاً التصرف والاستفادة مما هو موجود في داخل المأتم . والحياة هي مثل هذا المأتم : فيها النافع وفيها الضار، والعلم هو النور في هذه الحياة ، والجهل هو الظلام في هذه الحياة ، وأن الإنسان المتعلم هو الذي يستطيع أن يستفيد مما هو موجود في هذه الحياة ، أما الجاهل فلا يستطيع أن يحسن التصرف في هذه الحياة ولا يستطيع أن يستفيد فعلاً مما هو موجود فيها . ففي الوقت الذي يريد أن يستفيد من الحياة وينفع نفسه فيها ، تراه يضر نفسه بسوء تصرفه ويهلكها بسبب جهله . فعلينا أن نلتفت إلى هذه القيمة الجوهرية للعلم ، وأن نهتم كثيراً بالعلم والعلماء ، من أجل هذا النور الذي يضيء حياتنا ويتيح لنا فرصة الاستفادة من الحياة .
ومن جهة ثانية : فإن العلم اليوم يرتبط إلى حد كبير بأوضاعنا المعاشية وتطوير أوضاعنا في الحياة . فكلما كان نصيب الإنسان من التعليم أكثر ، كلما كانت فرصته في الرزق وتطوير أوضاعه المعاشية أفضل .
وهنا ينبغي أن أقف عند ما يثيره بعض أبنائنا الأعزاء .
يقول بعض أبنائنا الأعزاء : ما قيمة أن نتعلم ونفني أعمارنا في الدراسة ، ثم نصطدم بجدار الطائفية البشع ، الذي يحرمنا من حقنا في التعليم ، ويحرمنا من حقنا في العمل الكريم الذي يناسبنا ؟!
أقول لأبنائي الأعزاء : إن هذا فخ خطير كبير جداً نصب إليكم ، وعليكم أن تعرفوا ذلك بدقة . إنهم يمارسون ضدكم التمييز الطائفي بشكل بشع وأنتم تملكون الشهادات ، وبالتالي لكم الحجة عليهم . أما إذا وقعتم في الفخ وأهملتم التعليم فسوف يمارسون ضدكم التمييز الطائفي بشكل أكثر بشاعة وأكثر وقاحة ، وسوف تكون لهم الحجة الظاهرة عليكم ، لأنكم غير متعلمين وغير مؤهلين .
ومن جهة ثالثة : لن تكونوا قادرين على المنافسة ، وسوف تكونون في موضع أضعف ، مما سوف يعزز الاستضعاف والظلم أكثر ضدكم . إنهم يخلقون لكم المشاكل ثم يعاقبونكم عليها . عليكم أن تعرفوا ذلك جيداً أيها الأحبة الأعزاء .
أيها الأحبة الأعزاء : عليكم أن تعلموا بأنكم لن تكونوا قادرين على مواجهة الظلم والاستضعاف الذين يمارسان ضدكم بصورة بشعة والخروج منهما ، إلا بسلاح العقل والعلم ، فهما السلاحان الوحيدان القادران على تحقيق النصر لكم والخروج من دائرة الظلم والاستضعاف . ولن تستطيعوا خدمة دينكم وإمام زمانكم وتخدموا وطنكم وشعبكم إلا بالعلم والعقل وليس بالكثرة والعاطفة . إن العلم أيها الأحبة الأعزاء يستحق أن نضحي من أجله بالمال والراحة ، وأن نجعله الأول في سلم أولياتنا واهتماماتنا بعد أن عرفنا بعض أهميته ، ولو تعمقنا في الموضوع أكثر لأدركنا أن العلم يستحق أن نبذل في سبيله كامل مهجنا .
النقطة الرابعة : تكلمت عن الرعاية المادية التي يجب على الآباء أن يقوموا بها لأبنائهم ، ولكن يجب أن نعرف جميعاً بأن الرعاية المعنوية المتمثلة في الرعاية الدينية والأخلاقية ، هي أهم بكثير .. بكثير من الرعاية المادية . لأن الروح هي جوهر الإنسان ، وأن الرعاية المعنوية تحافظ على هذا الجوهر وتنميه ، وأن الاهتمام بالرعاية المادية ، وإهمال الرعاية المعنوية الدينية والأخلاقية ، تؤدي إلى سلخ الإنسان من إنسانيته ، وتحوله إلى حيوان كما قال الله تعالى : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) (الفرقان : 44) مثل القرد والثور والحمار ، بل شر الدواب ، كما قال الله تعالى : ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ) ( الأنفال : 55 ) وفي آية أخرى : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ( الأنفال : 22 ) . إن الرعاية المادية – أيها الأحبة – وإن كانت واجبة من أجل المحافظة على الحياة الكريمة للإنسان ، إلا أنها ليست ذات صلة بجوهر وجوده كإنسان ، فمن الممكن – وهذا ما نجده بالفعل في طول الحياة وعرضها – أن يجعلوا القرود أو الكلاب في القصور ويلبسونهم الذهب والحرير ويوقفوا لهم الأموال الضخمة جداً – كما يفعل الكثير من السفهاء – بينما يعيش الإنسان العظيم محروماً من أبسط ضروريات الحياة . وهذا ليس من شأنه أن يرفع من مكانة الكلاب أو القردة التي تسكن تلك القصور وتلبس الذهب والحرير ، وليس من شأنه أن يقلل من مكانة الإنسان العظيم الذي يعيش في أسوء حالات الفقر . ولقد عاش معظم الأنبياء عليهم السلام في حالة الفقر ، وكان الله الجبار ملك السماوات والأرض ، قادر على أن يغنيهم أقصى درجات الغنى ، إلا أنه لم يفعل وفضل معظم الأنبياء أن يعيشوا حياة الفقراء ، ومنهم نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنهم يعلمون بأن الغنى ليس كمالاً في إنسانية الإنسان ، والفقر ليس نقصاً في إنسانية الإنسان ، وأن الفقر أفضل لسلامة حياتهم الروحية وتقدمها ، وأنسب في مواساة الفقراء والمستضعفين من رعيتهم ، الذين ينظرون إليهم ويتأسون بهم في مواجهة الفقر وألم الحرمان ، وهذا من كمال إنسانيتهم التي يشعرون بها كثيراً ، ولا يشعر بها الكثير من الحكام الذين يعيشون البذخ والترف ويبذرون الأموال في الملذات والقصور ، بينما تعيش شعوبهم الفقر والحرمان في أبشع وأقسى صوره .
أيها الأحبة الأعزاء : أناشدكم بالله العظيم ، و بأعظم المقدسات عندكم . أناشد ضمائركم ، وأناشد رحمة الأبوة في نفوسكم ، وأسألكم : ما قيمة أن نسكن أبناءنا في أحسن المساكن ، ونطعمهم أفضل الطعام ، ونلبسهم أفضل اللباس ، وفي نفس الوقت نسلخهم من إنسانيتهم ؟!
هل هذه هي التربية الصحيحة والمحبة الحقيقية لأبنائنا ؟!
والأخطر من ذلك : ما قيمة أن نسكن أبناءنا في أحسن المساكن ، ونطعمهم أفضل طعام ، ونلبسهم أفضل اللباس .. ثم نسلمهم إلى جهنم ليكونوا من حطب جهنم ووقودها ؟! أعاذنا بالله العظيم من غضبه ومن النار ؟!
هل هذه هي المحبة الحقيقية للأبناء والرعاية المثلى لهم ؟!
أيها الأحبة الأعزاء : استمعوا لنداء الله الرحيم إليكم واستجيبوا له : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ( التحريم : 6 )
آمنا بالله صدق الله ألعلي العظيم .
أكتفي بهذا المقدار ، وأستغفر الله الكريم لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .