المكانة المعنوية للزهراء (ع)
اليوم : مساء السبت ـ ليلة الأحد .
التاريخ : 18 / جمادى الثانية / 1427هـ .
الموافق : 15 / يوليو ـ تموز / 2006م .
المناسبة : مولد فاطمة الزهراء ( ع ) .
المكان : قرية جبلة حبشي ـ حسينية فاطمة الزهراء ( ع ) .
أعـوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعـرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته .
في البداية : أرفـع أسمى التهاني إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، في مشارق الأرض ومغاربها .. وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة الذكرى السنوية للمولد السعيد للصديقة الطاهرة الخالصة فاطمـة الزهراء ( عليها السلام ) .
أيها الأحبة الأعزاء : تأتي هذه المناسبة العزيزة التي تثلج صدورنا وتتفتح إليها أسارير قلوبنا ، في الوقت الذي يشن فيه الكيان الصهيوني الغاشم ، عدوانه الشامل على قطاع غزة ولبنان العزيزين ، في ظل صمت مخزي للأنظمة العربية ، وحيرة محزنة ومؤلمة جدا للشعوب العربية والإسلامية .. ولا شك أن هذه الحالة : إنما هي نتيجة طبيعية لسيادة الأنظمة الشمولية الدكتاتورية المستبدة ، وتحكمها المشين في مصير الشعوب العربية المسلمة المستضعفة ، مما يدل على الحاجة الملحة للإصلاح السياسي الحقيقي في البلدان العربية والإسلامية ، وهذه مسؤولية الشعوب وبصورة خاصة قوى المعارضة فيها . وما لم يحصل الرفض لهذا العار القائم ومقاومته ، وتتحمل الشعوب العربية والإسلامية وبصورة خاصة قوى المعارضة فيها ، مسؤوليتاها الدينية والتاريخية : الوطنية والقومية ، والبدء بالتحركات الشعبية الجدية الفاعلة للإصلاح السياسي الشامل في هذه البلدان ، استجابة لنداء الدين والضمير الإنساني والقومي والوطني النابض بالحياة .. فإن القادم على هذه الأمة سوف يكون أسوء وأسوء .
أيها الأحبة الأعزاء : سوف أتحدث في هذه الليلة المباركة والمناسبة السعيدة عن المكانة المعنوية العالية للصديقة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
في صحيح البخاري : قـال الرسـول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني ” .
وفي روايـة أخرى في البخاري ومسلم : ” فإنما هي فاطمة بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها ” .
وفي صحيح الترمذي : ” إنمـا فاطمـة بضعـة مني ، يؤذيني مـا آذاها ، وينصبني ما ينصبها ” .
وفي مستدرك الصحيحين :”فاطمـة بضعة مني ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها” .
وفي الإمامة والسياسة : ” رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمـة أبنتي فقـد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقـد أرضاني ، ومن اسخـط فاطمة فقد أسخطني ” .
وفي عدد آخر من الروايات : أن الرسـول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لفاطمة ( عليها السلام ) : ” إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ” .
(راجع في كـل الرايات : فضائل الخمسة من الصحاح الستة . الفيروزآبادي . ج3 . ص151 ـ 156) .
أيها الأحبة الأعزاء : هـذه الأحاديث الشريفة المباركة ، تحدد لنا بدقة وعمق وشمول ، المكانة المعنوية العالية للسيدة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فهي تدلنا على أن الزهراء ( عليها السلام ) قد بلغت كمال العبودية لله ( ذي الجلال والإكرام ) والعصمة الكاملة ، بحيث أصبحت إرادتها وإرادة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإرادة الله ( جل جلاله ) إرادة واحـدة لا تختلف في شيء . فقـول الزهـراء ( عليها السلام ) من قول الله ( تبارك وتعالى ) ومن قول رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفعلها ( عليها السلام ) من فعل الله ( جل جلاله ) ومن فعل رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحربها من حربهما ، وسلمها من سلمهما ، وإن رمت وقتلـت فقـد رمى الله ( جل جلاله ) ورمى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقتلا !!
قال الله تعالى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 17 ) .
وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطتين أرى أهميتهما .. وهما :
النقطة الأولى ـ أن هـذه الأحاديث الشريفة المباركة : تفسر لنـا ما يوصف به أهـل البيت ( عليهم السلام ) في بعض أحاديثهم وأدعيتهم وزياراتهم ( عليهم السلام ) بأنهم وجـه الله ( سبحانه وتعالى ) ويده ولسانه .
فهم لسانه ويده : لأن قولهم ( عليهم السلام ) من قوله ( جل جلاله ) وفعلهم من فعله .
وأما وجهه : فذلـك لأن في وجوههـم وأقوالهـم وأفعالهـم ( عليهم السلام ) يعرف رضا الله ( جل جلاله ) وغضبه وسخطه ، كما يعرف الرضا والسخط في وجه الإنسان .
وعلى هذا الأساس المتين نفهم قول الله ( تبارك وتعالى ) في الحديث القدسي : ” من عاد لي وليا فقد آذنته بحرب مني ، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .. فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، وقدمه التي يمشي بها . وإذا سألني لأعطينه ، وإذا استغفرني لأغفرن له ، وإذا استعاذني أعذته ” ( رواه البخاري وأحمد )
النقطة الثانية ـ أن هذه الأحاديث الشريفة المباركة : تدلنا على أن الزهراء ( عليها السلام ) قد بلغت مرتبة العبودية الكاملة لله ( جل جلاله ) والعصمة الكاملة أيضا .. وأنها بحق : كما قـال عنها أبوها المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء المؤمنين ، وسيد نساء أهل الجنة . فلم توجد امرأة على وجه الأرض ، ولن توجد إلى يوم القيامة امرأة أفضل وأكمل منها .. وقد فهم البعض ( عقلا ونقلا ) : أن لا أحد من الأنبياء ( عليهم السلام ) يتقدم عليها في الفضل والكمال ، سوى أبوها خاتم الأنبياء والرسل (صلى الله عليه وآله وسلم)
أيها الأحبة الأعزاء : لقد أشار القرآن الكريم بإكبار إلى نساء كاملات في التاريخ الطويل للرسالات السماوية العظيمة .. منها على سبيل المثال :
أولا ـ هاجر زوجة خليل الرحمن إبراهيم أم إسماعيل ( عليهم جميعا السلام ) : وقد أشاد القرآن الكريم بإيمانها وصلاحها وزهدها وقناعتها وصبرها وشجاعتها وطاعتها لله ( سبحانه وتعالى ) ولرسوله خليل الرحمن إبراهيم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحسن تبعلها وعنايتها بولدها ورفقها به ورعايتها الحسنة له . فقد خرج بها زوجها إبراهيم الخليل ومعها ابنها الوحيد إسماعيل ( عليهم جميعا السلام ) متوجها إلى حرم الله في مكة .. ولم يكن في مكة يوم ذاك : عشب ولا شجر ولا ماء ولا حيوان ولا بشر ، فلما وصلها وأراد أن يتركها فيها مع ولدها إسماعيل ويذهب عنهما سألته : يا سيدي !! أتتركنا بهذا الوادي وليس فيه بشر ولا ماء ولا طعام ؟!
هل أمرك الله ( جل جلاله ) بهذا ؟
فقال لها خليل الرحمن ( عليه السلام ) : نعم !!
فقالت ( عليها السلام ) : إذا لا يضيعنا !!
فقد رضيت ( عليها السلام ) بقضاء الله وقدره واستسلمت إلى أمره ( جل جلاله ) بكل ثقة واطمئنان .. ولم تعترض : فكان بئر زمزم ، وكانت الكعبة الشريفة ، وكان الحج ومناسكه قياما للناس ، ونزل الخير الكثير من عند الله ( تبارك وتعالى ) ببركة ذلك الموقف : عليها وعلى ولدها إسماعيل وزوجها إبراهيم الخليل والبشرية قاطبة إلى يوم القيامة !!
قال الله تعالى على لسان خليل الرحمن إبراهيم ( عليه السلام ) مخاطبا الرب الجليل ومخلدا لهذه المناسبة : { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء } .
( إبراهيم : 37 ـ 38 ) .
ثانيا ـ سارة زوجة خليل الرحمن إبراهيم أم إسحاق ( عليهم جميعا السلام ) : وقد أشاد القرآن الكريم بفضلها وأثبت أنها من خيرة النساء ومباركة ومحدثة ، والظاهر أنها تفوق بالفضل هاجر أم إسماعيل ( عليهم جميعا السلام ) حيث وردت الكثير من الآيات القرآنية الشريفة المباركة التي تثبت حديث الملائكة معها بصورة مباشرة ، مما يدل على كمالها وعظيم فضلها ، ولـم يرد مثل ذلـك ( بحسب ما يحضرني الآن ) بالنسبة إلى هاجر ( عليها السلام ) .
قال الله تعالى : { وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } ( هود : 69 ـ 73 ) .
ثالثا ـ أم موسى ( عليهما السلام ) : لقد كان فرعون جبارا عنيدا ، وكان يعامل بني إسرائيل معاملة سيئة .. وقد تنبأ كاهن قبطي لفرعون : بأن مولودا في بني إسرائيل يذهب ملكه على يديه .. فجن جنونه : وأصدر أمره إلى الجلاوزة بذبح كل مولود يولد في بني إسرائيل ظلما وعدوانا !! فذبحوا آلاف الأطفال أمام آبائهم وأمهاتهم بدون رحمة ولا شفقة ولا خوف من عقاب .. كل ذلك الظلم : من أجل أن يسلم الملك لفرعون ، وأن يبقى في جبروته متربعا على عرش الحكم ، ليفسد في الأرض ، ويحكم في الناس بغير الحق وبالظلم والعدوان !!
قال الله تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } ( القصص : 4 ) .
وفي هذه الظروف القاسية : ولد موسى بن عمران ( عليهما السلام ) وعاش في حجر أمه الطاهرة الزكية ثلاثة شهور رغـم رقابة الشرطة والجلاوزة الشديدة على نساء بني إسرائيل المستضعفات . إلا أن أمـه الحنون خافـت عليه من بطش الطـاغية فـرعون ، فأوحى الله ( تبارك وتعالى ) إليها أن تضعه في صندوق وتلقيه في اليم ، فتوكلت على الله ( جل جلاله ) وسلمت الأمر إليه ، وصنعت ما أمرت به . فالتقط آل فرعون الطفل ، ولكنه عاد بفضل الله وبركاته إلى أمه كي تقر عينها ولتعلم أن وعد الله حق وصدق .
قال الله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ . فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ . وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ . فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } ( القصص : 7 ـ 13 ) .
وتوالت فصول القصة مشهدا بعد مشهد ، حتى انتهت بهلاك فرعون وانتهاء ملكه الغاشم على يد نبي الله موسى ( عليه السلام ) والآيات الشريفة المباركة تكشف لنا بوضوح بعضا من صفات هذه المرأة الجليلة وفضلها وكمالها وأنها محدثة .
رابعا ـ آسية بنت مزاحم ( زوجة فرعون ) : وهي من المؤمنات الصالحات من بني إسرائيل ، وكانت تكتم إيمانها ، فلما غلب موسى ( عليه السلام ) على السحرة في يوم الزينة ، اتخذت من ذلك مناسبة لتعلن تمردها على فرعون ودينه وملكه وجبروته وسلطانه . فأظهرت إيمانها منتصرة بذلك لفطرتها وعقلها ودينها الحنيف وإنسانيتها الكريمة .. وقد نهاها فرعون عن ذلـك فلـم تنتهي : فأخذ في تعذيبها حتى لقيت ربها شهيدة في سبيله . فكانت مثالا للمرأة المؤمنة الزاهـدة الصابرة المجاهدة الشهيدة الخالصة بحق وحقيقة . وقد ضرب الله ( جل جلاله ) بها مثلا للمؤمنين إلى يوم القيامة .
قال الله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( التحريم : 11 ) .
يقول العلامة الطباطبائي : ” فقد اختارت جوار ربها والقرب منه على أن تكون أنيسة فرعون وعشيقته وهي ملكة مصر ، وآثرت بيتا يبنيه لها ربها على بيت فرعون الذي فيه مما تشتهيه الأنفس وتتمناه القلوب ما تقف دونه الآمال ، فقد كانت عزفت نفسها عما هي فيه من زينة الحياة الدنيا وهي لها خاضعة ، وتعلقت بما عند ربها من الكرامة والزلفى ، فآمنت بالغيب واستقامت على إيمانها حتى قضت ” ( الميزان . ج28 . ص 344 ) .
خامسا ـ بلقيس ملكة سبأ : كانت مملكة سبأ في اليمن مركزا تجاريا ، وذات ثروة كبيرة في مقدمتها الذهب والأحجار الكريمة ، وكان على رأسهـا في عهد نبي الله سليمان ( عليه السلام ) ملكة تسمى ( بلقيس ) من بنات التبابعة ، وقد أوتيت كل ما تريد من أسباب القوة وألوان النعم ، وكانـت تحكم قومها بالعدل والشورى ، وكانت في غاية العقل والحكمة والاتزان والسيرة الحسنة ، إلا أنها وقومهـا كانوا يعبدون الشمس من دون الله ( سبحانه وتعالى ) وبسبب عقلهـا وحكمتها ورويتها ، فقد أحسنت التصرف مع كتاب نبي الله سليمان ( عليه السلام ) إليها ، وخضعت للحق لما رأته على يد نبي الله سليمان ( عليهما السلام ) وقادت قومها إلى الإيمان وحسن العاقبة ( ولله الحمد ) ولم يغريها الحكم والقوة عن الحق ، كما لم تغريها من قبل السلطة والقوة عن العدل والشورى .. وأسألكم أيها الأحبة : كم مثلها من الحكام الرجال قديما وحديثا ؟! وأرى أنكم تملكون الجواب الصحيح على هذا السؤال بالتجربة وبمقدار المعرفة المتاحة لكم بالتاريخ القديم والحديث !!
قال الله تعالى : { اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ . قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ . إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ . قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ . قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ . وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ . فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ . ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ . قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ . قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ . قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ . فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ . وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ . قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ( النمل : 28 ـ 44 ) .
سادسا ـ العذراء البتول مريم بنت عمران ( عليها السلام ) : وقد أشاد القرآن الكريم بعلمها وإيمانها وعبادتها وعفتها وصلاحها وشكرها وإخلاصها في طاعتها لله ( جل جلاله ) وانقطاعها إليه .. وضرب بها مثلا للمؤمنين إلى يوم القيامة .
قال الله تعالى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } (التحريم: 11ـ12) .
وكان أبوها عمران ( عليه السلام ) : رجـلا صالحا من أشراف بني إسرائيل ومن أعاظم علمائهم .. وقـد أوحى الله تعالى إليه : أني واهب لك ولدا ذكرا سويا مباركا ، يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحي الموتى بإذني ، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل .. فبشر زوجته بتلك البشارة الربانية العظيمة . فلما حملت نذرت ما في بطنها إلى بيت المقدس ، فكانـت مريم أم عيسى ( عليهما السلام ) وقـد تقبلها ربها بقبول حسن ، وأنبتها نباتا حسنا ، وكفلها زكريا ( عليه السلام ) وكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا .. فيسألها : من أين لك هذا يا مريم ؟!
فتقول : { هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } !!
ولما ولدت ابنها المبارك عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) : انكشفت الحقيقة ، وعرف الناس أنه الولـد الذي بشر الله ( تبارك وتعالى ) به جده عمران ( عليهم جميعا السلام ) .
قال الله تعالى : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } ( آل عمران : 35 ـ 37 ) .
وكانت الملائكة تحدثها وتخبرها باصطفاء الله ( تبارك وتعالى ) إياها وتطهيرها من الرجس والأدناس ، وتحثها على الجـد والاجتهـاد في الطاعة والعبادة والخشوع لله ( جل جلاله ) والإخلاص وحسن العبادة ، فانقطعت البتول الخالصة مريم بنت عمران ( عليها السلام ) إلى عبادة ربها بصدق وإخلاص نية ، وقـد أغناها ربها الكريم برزق الجنة ( كما مر ) عن الكسب .. وكانت بحق سيدة نساء زمانها .
كما بشرت الملائكة مريم ( عليها السلام ) : بأن الله الجليـل سيهبها بقدرته على كل شيء ، ولـدا يخلقه بكلمة ( كن ) من غير أب ، وأن اسمه المسيح عيسى بن مريم ، وأنه سوف يكون من الصفوة الصالحين المقربين من الله ( ذي الجلال والإكرام ) ونبيا ذا مكانة عالية وشرفا عظيما في الدنيا والآخرة ، وأنه يكـلم الناس في المهد وكهلا ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحي الموتى بإذن الله ( جل جلاله ) وغير ذلـك مما لـه من الفضائل والكرامات .. وقد ثبت بالدليل : أنها معصومة ومحدثة .
قال الله تعالى : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ . يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ . ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ . إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ . وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ . وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ . إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } ( آل عمران : 42 ـ 47 ) .
أيها الأحبة الأعزاء : إن كل ما ثبت في القرآن الكريم لتلك السيدات الكاملات من الفضل والكرامات وصفات الكمال الإنساني .. مثل : العقل والحكمة وكمال الإيمان وصدق الطاعة والإخلاص والصبر والزهد والعفة والطهارة وحسن العبادة والانقطاع إلى الله ( جل جلاله ) وحسن التبعل والتواضع للزوج وطاعته ، وحسن الرعاية للأولاد والحنو عليهم ، والجهاد والتضحية في سبيل الله ( عز وجل ) والثقة بوعده ونصره وثوابه ، والرضا بقضائه وقدره والتسليم لأمره .. فهو ثابت بالعقل والتجربة ( أعني السيرة الثابتة ) والنقل ( القرآن الكريم والسنة الشريفة ) للسيدة الصادقة الطاهرة الخالصة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : فهي سيدتهن جميعا وسيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء أهل الجنة ، وهي محدثة ، ومن أهل بيت العصمة الكاملة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
وهنا أرغب في التنبيه إلى نقطة مهمة ذات فائدة علمية وعملية .. وهي :
أن المكانة العالية التي حظيت بها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) والنساء الكاملات التي ذكرت أسماءهن وبعض سيرتهن في البحث قبل قليل ، لتبدد ما يحاوله البعض من تقليل قيمة المرأة ومكانتها ودورها ومسؤوليتها العامة في الحياة ، ويقصر دورهـا على البيت والفراش . وتثبت الرؤية القرآنية السامية للمرأة ، حيث تتساوى المرأة والرجل في القيمة الإنسانية والمسؤولية العامة في الحياة والجزاء ، وإن اختلفت بينهما بعض الوظائف والمسؤوليات الخاصة نظرا لاختلاف طبيعة الذكورة والأنوثة ، لتثبت بأن المرأة تفضل الرجل في خصائص الأنوثة ، والرجل يفضل المرأة في خصائص الذكورة .. بدون أن يقلل ذلك من القيمة الإنسانية والمسؤولية المشتركة بينهما في الحياة .
قال الله تعالى في إثبات القيمة الإنسانية المشتركة : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } ( النساء : 1 ) .
وعليه فإنه لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .
قال العلامة الطباطبائي : ” فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان ، أو المليئة علما ، أو الرزينة عقلا ، أو الحسنة خلقا ، أكرم ذاتا وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام ، كان من كان ، فلا كرامة إلا بالتقوى والفضيلة ” ( الميزان . ج2 . 270 ) .
وقال الله تعالى لإثبات المسؤولية المشتركة والجزاء : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( التوبة : 71 ـ 72 ) .
وقال الله تعالى في أثبات الفضل في الأنوثة والذكورة : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( النساء : 32) .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .