مصيبة ما أعظم رزيتها في الإسلام

اليوم : الخميس .
التاريخ : 24 / محرم / 1427هـ .
الموافق : 23 / فبراير ـ شباط / 2006م .
المناسبة : الاعتداء الآثم على المقام الشريف للإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) .
المكان : مسجد الشيخ خلف ـ قرية النويدرات .
الزمان : بعد صلاة الظهرين .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .

اللهم صل علي محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، وأهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، وأجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم .
اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة في الله ، ورحمة الله تعالى وبركاته ، وعظم الله أجوركم بمصابكم بالاعتداء على مقام الإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) .

مصيبة ما أعظم رزيتها في الإسلام

قلت في الأسبوع الماضي : بأن اعتداء الغربيين الآثم على مقام الرسول الأعـظم الأكـرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يمثل قمة المقدسات الإسلامية ، يعني أنه لا حرمة للمسلمين عند أولئك القوم المتغطرسين ، فقتل المسلمين وسرقة ثرواتهم وفرض الهيمنة الاستعمارية على بلادهم .. كلها لـدى الغربيين المتغطرسين حلال ( بعد أن سمحوا لأنفسهم بإهانة قمة المقدسات لدى المسلمين ) .

وفي يوم أمس الأربعاء : تجرأ أعداء الإسلام والإنسانية وأعداء أهل بيت النبوة ( عليهم السلام ) بالاعتـداء على مقام الإمامين العسكريين : علي الهادي وابنه الحـسن العسكري ( عليهما السلام ) بتفجير قبة ضريحيهما الشريف ، وهذا اعتداء على قمة المقدسات لدى المسلمين الشيعة ، مما يعني أنه لم تبق حرمة للشيعة لدى هؤلاء المعتدين الآثمين ، فدماؤهم وأموالهم وأعراضهم حلال لدى هؤلاء التكفيريين المجرمين ، لأنها أقل درجة في الحرمة من الاعتداء على مقام الإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) وقد مارس التكفيريون انتهاك كافة حرمات الشيعة ( عمليا ) ولم يبق ذلك لديهم مجرد مبدأ حبيس التفكير والتنظير .

إن خطورة هذا العمل الإجرامي الشنيع : أنه يأتي من أناس يدعون الإسلام ، ويزعمون أنهم يمارسونه من منطلقات إسلامية ، ومن أجل أهداف إسلامية مقدسة ، وأنهم ينتحرون في سبيل تحقيقها . وهذا من شأنه أن يؤسس لفتن وحروب طائفية طاحنة بين المسلمين ، تتعدى كل الخطوط الحمراء . لقد وضع الإسلام الحنيف خطوطا حمراء في قتال الكفار لم يسمح للمقاتلين المسلمين بتجاوزها .. مثل : قتل الأطفال والنساء وغير المقاتلين . أما الجماعات التكفيرية فلم تضع خطوطا حمراء في حروبها الطائفية التي تشنها ضد المسلمين الشيعة ، فهي تسمح لنفسها بقتل الأطفال والنساء وليس عندها أحـد من الشيعة بريء لا يستحق القتل . وهذا أمر إرهابي شديد الخطورة على الإسلام والإنسانية ، وهو يضع كافة المسلمين في العالم أمام مسؤولياتهم الدينية والإنسانية بالوقوف صفا واحدا لمواجهته بكل حزم وقوة ، لكي لا يؤدي السكوت عليه إلى تفريخ المزيد مـن الإرهابيين والتكفيريين في المجتمعات الإسلامية ، فتشتعل الفتن والمواجهات والحروب الطائفية ، وتشكل تهديدا وخطرا جديين على إسلامنا العظيم وكياننا الاجتماعي الإسلامي .

ومن حيث التوقيت : يأتي الاعتداء الآثم على مقام الإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) في الوقت الذي يواجه فيه المسلمون هجمة شرسة واعتداءات آثمة من الغربيين المتغطرسين على مقام الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تتطلب وحدة صف المسلمين لمواجهتها . وبدلا من أن تنصب جهود هؤلاء التكفيريين الذين يزعمون الإسلام في رص صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم ، نجدهم يسعون بكل وسيلة لإشعال حروب وفتن ومواجهات طائفية بين المسلمين ، مما يثبت مدى سوداوية وظلامية هذا التوجه التكفيري ومدى خطورته على الإسلام والمسلمين ، ويكشف لنا عن التقاء الأجندة والمصالح الاستعمارية مع الأجندة والمصالح التكفيرية . فأمريكا ( الشيطان الأكبر ) وحلفاؤها الغربيون ، يسعون في الوقت الحاضر لإضعاف عنفوان الاحتجاجات ضد الإساءة لمقام الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتخريب اللحمة التي برزت من خلالها لرص صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم لمواجهتها ، وهنا تلتقي الأجندة والمصالح الاستعمارية مع الأجندة والمصالح التكفيرية في ضرب الوحدة بين المسلمين وتحويل المعركة إلى الداخل في صورة فتن ومواجهات وحـروب طـائفية طاحنـة بين المسلمين أنفسهم .. وهذا موجود ومعروف في إستراتيجية الطرفين .

ومن جهة ثانية : فإن التحضيرات الأمريكية لضرب حزب الله وسوريا وإيران من أجل تحقيق أهدافها الشرق أوسطية للمحافظة على أمن واستقرار الكيان الصهيوني ومستقبله ، والتي على ضوئها جاء غزو العراق واحتلاله ، يتطلب إضعاف العراق وعدم استقراره ، حيث أخذا العراق ( ببركة وعي المرجعية ودورها ) وضعا يختلف تماما عما كانت تسعى إليه وتتوقعه أمريكا والكيان الصهيوني من الغزو ، لكي لا يقف العراق ( بوضعه الجماهيري الإسلامي الجديد ) إلى صف حزب الله وسوريا وإيران وناصرا للقضايا الإسلامية والقومية العادلة . وهنا تلتقي الأجندة والأهداف والمصالح الاستعمارية مع الأجندة والأهداف والمصالح التكفيرية . فالتكفيريون لا يريدون تقدما لشيعة أهل البيت ( عليه السلام ) واستقرارا لهم في العراق بأي شكل من الأشكال ، كما أنهم ينظرون إلى حزب الله وسوريا وإيران من خلال نظرتهم الطائفية التكفيرية السوداوية المظلمة ، وأفقهم وأنانيتهم الضيقتين ، وليس من خلال النبل والأفق الإسلامي الواسع والمصالح الإسلامية الجوهرية .

وعلى صعيد الحدث : فإنه مدروس بدقة ( من ناحية الزمان والمكان والنوع ) ومخطط له بعناية فائقة ، وليس وليد لحظة انفعال أو خبط عشواء . وقد سبق الحديث عن بعض الجوانب المهمة في التوقيت بالحديث عن صلة الحدث بالاحتجاجات ضد الإساءة لمقام الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والتحضير لضرب حزب الله وسوريا وإيران . أما من ناحية المكان : فإن مدينة سامراء تخضع من الناحية الإدارية فدراليا للشمال ، ومن ناحية النوع : فإن الاعتداء على مقام الإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) يثير حفيظة الشيعة بأقصى درجاتها ، لأنه يمس قمة المقدسات لديهم ، مما يحركهم بحماس شديد للمطالبة بأن يقوموا هم بأنفسهم على حمايتها لكي لا تتكرر الاعتداءات ، وهنا تتعارض الصلاحيات الإدارية بين الفدراليات والطوائف ، مما يثير فتنة كبيرة ذات صبغة عرقية وطائفية ، بين كافة الأطراف في العراق : الشيعة والسنة والأكراد ، وهنا تلتقي الأجندة والأهداف والمصالح الاستعمارية مع الأجندة والأهداف والمصالح التكفيرية في الإساءة إلى الوضع الجديد في العراق والنيل منه وإعاقة تقدمه ، من خلال استهداف وضرب التحالف بين التكتلين الرئيسيين في تشكيل الوضع الجديد في العراق .. وهما : الإتلاف الموحد والأكراد ، وإثارة الفتنة الطائفية بين العراقيين على أشدها .

مما سبق يتضح مدى ما يشكله الفكر التكفيري وممارساته الإرهابية من خطر جدي على الإنسانية والإسلام والشعوب الإسلامية . ومن الواضح أن ذلك الخطر ليس حصرا على العراق ، وإنما هو شامل لكافة الشعوب والمجتمعات الإسلامية ، فقد أصبحت جميعها مسرحا للتكفيريين وأنشطتهم الإرهابية . وهذا يتطلب من كافة المسلمين الوقوف صفا واحد لمواجهتهم بكل حزم وقوة ، قبل أن يستفحل خطرهم ، ويتطاير شررهم ، فيحرق الأخضر واليابس في العالم والمجتمعات الإسلامية .

ينبغي على كافة المسلمين في العالم ( لاسيما الرموز والقيادات ) تحمل المسؤولية لمنع الفتن والمواجهات والحروب الطائفية بين المسلمين ، وتفويت الفرصة على الأعداء الذين يخططون من أجل وقوعها بالتأكيد .

وفي الختام : لا يفوتني وأنا أتناول هذا الموضوع الخطير من الإشارة إلى تنامي بذور الفكر التكفيري وممارساته الإرهابية في البحرين ، وقد أشرت إلى ذلك في حلقات أسئلة وأجوبة ، وأكرر هنا بأننا نشعر ( كشيعة ) بأخطاره الجدية على حياة أبنائنا وأوضاعنا ، فرموزنا وقياداتنا ومؤسساتنا وتجمعاتنا ( الدينية وغيرها ) كلها أهداف مكشوفة وسهلة لهؤلاء المجرمين ، الذين ليس لديهم أي رادع يردعهم من ارتكاب أية جريمة ( مهما كانت بشاعتها ) بحق الشيعة ومقدساتهم ، وإننا قلقون من سلوك السلطة ، التي نجد في الواقع بأنها تتعاطى ( لدوافع سياسية ) بإيجابية مع أطروحاتهم وممارساتهم الإرهابية ضد الشيعة في البحرين ، بدلا من سعيها لتحمل مسؤوليتها ( كسلطة وطنية ) للحد منها والمحافـظة على اللحمة الوطنية والسلم الأهلي .

إنني أقول باختصار شديد : أن بذور الفكر التكفيري وممارساته الإرهابية تتنامي في البحرين ، في ظل تنامي خطير لهما في العالم ، وأن السلطة تتعاطى ( لدوافع سياسية ) بايجابية معهما ( كما حدث مع ضجة اللافتات العاشورائية ) مما يساعد عليهما ويشجعهما ، وليس لهؤلاء التكفيريين المجرمين أي رادع يردعهم عن ارتكاب أية جريمة ضد الشيعة ومقدساتهم ، في الوقت الذي نجد فيه رموز وقيادات ومؤسسات وتجمعات الشيعة الدينية وغيرها ، أنها أهدافا مكشوفة وسهلة لهؤلاء المجرمين .

وعلى ضوء ذلك كله : فإني أحمل السلطة مسؤولية ما قد يقدم عليه هؤلاء التكفيريون المجرمون من جرائم بحق الشيعة ومقدساتهم في المستقبل .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى