لقاء الثلاثاء (59) | 6-9-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

الفناء في الله ذي الجلال والإكرام

بدأ الأستاذ عبد الوهاب حسين حديثه الفكري لهذا الأسبوع في مجلسه بالإجابة على سؤال حول الفناء في الله جل جلاله، وقال: الفناء في اللغة، هو: الهلاك والعدم، والفناء في الله عز وجل في التصوف الإسلامي، هو الاستغراق في الله ذي الجلال والإكرام بحيث لا يرى الإنسان الفاني في الله تبارك وتعالى لنفسه ولا لغيره وجودا مستقلا عن وجود الله سبحانه وتعالى، ولا يرى لنفسه ولا لغيره صفة مستقلة عن الله جل جلاله، ولا يرى لنفسه ولا لغيره فعلا مستقلا عن الله عز وجل، فهو يرى في نفسه وفي غيره الفقر التام، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا عزة ولا منعة ولا سلطان إلا لله الواحد القهار، فلا أحد من الخلق يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياتًا ولا نشورًا، فلا يخاف الفاني في الله العزيز الحميد، ولا يرجو إلا الله وحده لا شريك له .

وقال: آخر الفناء أن يستغرق الفاني في الله ذي الجلال والإكرام فلا يرى شيئًا سواه، والبقاء الذي يعقبه، هو: أن يعيش بالله وحده، ومع الله وحده، والفناء في الله سبحانه وتعالى والبقاء به، هو غاية السلوك، ورجاء السالكين.

وقال: يلزم عن الفناء التحلّي بالصفات الإلهية، وسقوط الصفات المذمومة، والطريق إليه يكون من خلال:

  • الزهد وتطهير النفس كليا من حب الدنيا.
  • وكثرة التفكّر والتأمّل، قال الإمام الحسن (عليه السلام): “عليكم بالفكر فإنّه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة”([1]).
  • وكثرة ذكر الله ذي الجلال والإكرام، والموت والآخرة، وتلاوة القرآن، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “جلاء هذه القلوب ذكر الله وتلاوة القرآن”([2]) وفي بعض الروايات ذكر الموت.

وبخصوص حراسة القلب، قال: القلب منزل الله تبارك وتعالى، فيجب على الإنسان المؤمن حراسة قلبه ليكون نقيًّا طاهرًا، فلا يدخل إليه غير الله جل جلاله، فلا تدخل إليه وساوس الشيطان الرجيم، ولا يدخل إليه هوى النفس، ولا يدخل إليه حب الدنيا، فيكون القلب خالصًا لله وحده لا شريك له، لا ينزل فيه غيره، وهو القلب السليم حقًّا وحقيقةً، قول الله تعالى: )يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ` إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(([3]) وقول الإمام الصادق (عليه السلام): “القلب السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه”([4]).

فإذا خلص القلب، خلص الإنسان، وحسنت عاقبته، لأنّ القلب هو القائد الحقيقي للإنسان، والجوارح كلها جنود تابعة له، قول الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “القلب ملك، وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت الجنود، وإذا فسد الملك، فسدت جنوده”([5]) وخلوص القلب لازم من لوازم الفناء في الله ذي الجلال والإكرام.

وقال: القرآن الكريم يصف الأنبياء بصفة الخلوص لله تبارك وتعالى، وهو غير الإخلاص، فالإخلاص، هو: ترك الرياء في الطاعة والعبادة، والخلوص، هو: الصفاء والنقاء من الشوائب، فالخالص، هو: الصافي من الشوائب والذنوب، وهو: نقي السريرة، قول الله تعالى: )وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(([6]) واستخلصه: اختاره واصطفاه، قول الله تعالى: )وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ(([7]).

الصيام بوابة الخلوص لله

وقال: الصيام هو وسيلة من الوسائل العبادية التربوية لتدريب الإنسان على الصبر والتحمل، وهو السبيل إلى تزكية النفس تطهيرها وتصفيتها من الشوائب، قول الله تعالى: )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(([8]).

والصيام يعطي الإنسان الإحساس بالعزّة والكرامة والإباء، وهو بوابة الخلوص لله ذي الجلال والإكرام، قال الله تعالى في الحديث القدسي: “الصيام لي وأنا أجزي به” فإذا صار الإنسان في حالة الخلوص، لزم التكليف الشرعي بالمطلق، ويأبى الخضوع لغير الله الأحد الصمد، ومنه: رفض التقليد الأعمى، فالخالص لله العزيز الحميد يمتلك الجرأة والشجاعة، ويرفض التبعية العمياء، ويقول كلمة الحق، ولا يجاري الكبار في الخطأ ـ ولو كلفه ذلك حياته ـ خاصة إذا كانت المجاراة على حساب حقوق الآخرين ومصالحهم الحيوية، فهو شديد المحاسبة للنفس، وشديد الإحساس بالآخر، والحرص على صيانة حقوقه، وإنصافه من نفسه. وهو يأبى الركون إلى الظالمين، قول الله تعالى: )وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ(([9]) ويعيش الحرية بكل معانيها ولوازمها السامية والإيجابية، مثل: الإخلاص في طلب الحقيقة ونصرتها، والالتزام بالعدل وتطبيقاته المختلفة على نفسه وفي علاقاته مع الناس ومع الطبيعة، ونحو ذلك.

وبخصوص حالة الصائم، قال: ينبغي أن نميّز بين حالتين لدى الصائمين:

  • الحالة المزاجية: وهي الحالة التي يتصرّف فيها الصائم تحت تأثير الجوع والعطش بحدّة مزاج مع الآخرين، مثل: سرعة الغضب، وقد يشتم الآخرين، ويسيء إليهم، بغير وجه حق.
  • الحالة الروحية: وهي الحالة التي يتصرف فيها الصائم تحت تأثير روح الصيام، وهي التقوى، فتظهر عليه السكينة والطمأنينة والوقار، وتتجلّى في سلوكه المحبة للناس، والتسامح معهم، والصفح عنهم، ونحوه من المعاملة الراقية التي تليق بالمؤمن بما هو مؤمن، لأنّ جوهر الإيمان في الحقيقة هو التخلّق بأخلاق الله ذي الجلال والإكرام، ويلزم عن ذلك التخلّي عن الأخلاق الذميمة، والتحلّي بالأخلاق الحميدة.

وقال: مما يؤسف له كثيرًا، إنّ الكثير من الصائمين تغلب عليهم الحالة المزاجية، وتضمر لديهم الحالة الروحية، وهذا يدل على غياب الوعي بحقيقة الصيام وغايته، وقد سبق أن قلت في حديث سابق، أن التسامي، وضبط النفس، والتحليق في أفق الروحانيات، هو من لوازم الصوم الواعي، فغلبة الحالة المزاجية، وضمور الحالة الروحية، دليل على الغفلة عن جوهر الصيام وحقيقته وغايته.

سهام دعاء المظلوم

وقال: لقد ارتكبت السلطة خطأً كبيرًا بإقدامها على الهجمة القمعية في شهر رمضان المبارك، فقد هتكت حرمة الشهر العظيم، ولم تعرف حقه، وشغلت المواطنين بأراجيفها وأباطيلها عن ذكر الله جل جلاله، وأغضبت الله عز وجل، وملأت قلوب المؤمنين غًيظا، وجعلت نفسها في مرمى سهام أدعية المظلومين في هذا الشهر العظيم، وسهام أدعية المظلومين لا تخطيء، فكيف إذا كانت في هذا الشهر العظيم، سؤل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كم المسافة بين السماء والأرض، فأجاب : دعاء المظلوم، فكم من الأمهات والآباء والزوجات والأخوة والأخوات والأبناء المفجوعين قد سددوا سهام أدعيتهم إلى الذين فجعوهم في أحبتهم في هذا الشهر العظيم، وأعتقد جازمًا بأنّ هذه السهام لن تخطأ أهدافها، فعلى المعنيين بالأمر (قادة وأتباع ومعاونين) أن يتداركوا أنفسهم قبل فوات الأوان.

وقال: من لا يؤمن بالغيب قد يرى بأنّ هذا الكلام سخيف، ولكنّي أقول بأنّه عين الحقيقة.

وقد يرى البعض بأنّ من وقع عليهم الظلم هم من الشيعة، وهو يعتقد بأنّ الشيعة ليسوا على شيء، ولكنّي أقول لو كان المظلوم وثنيًا، فإنّ الله عزّ وجل سوف ينتقم له من الظالم، فعلى كل من تورط في الظلم من القادة والاتباع والأعوان أن يحذروا، ويسعوا للتدارك قبل فوات الأوان.

ردة الفعل على ما يجري دون المستوى المطلوب

وقال: ردة الفعل على الهجمة القمعية الأخيرة التي قامت بها السلطة الجائرة على المناضلين الشرفاء لم ترق إلى المستوى المطلوب ـ وذلك بحسب تقدير معظم من التقيت بهم من العلماء والمراقبين وسائر الناس ـ فالاعتقالات تعسفية، وإجراءات الاعتقال مخالفة للشرعية، والتهم باطلة وخطيرة، والتعذيب غير مسبوق، والإهانة وصلت إلى حد التحرش الجنسي بعلماء الدين، وقد جرى التحقيق مع بعض النشطاء وهم عراة بالكامل، والتهديد شامل للطائفة الشيعية ولخصوصياتها ومصالحها الحيوية ولكافة قوى المعارضة، وهذا الضعف في ردة الفعل على الهجمة القمعية، يدل بشكل واضح على وضع غير طبيعي، ووجود خلل ما في غاية الخطورة.

وقال: أتذكّر أنه في أثناء انتخابات العام 2006م حضر إلى البلاد الكثير من الصحفيين الأجانب والعرب، وقد أعرب بعضهم عن استغرابه الشديد من غياب ردة الفعل المرجوة على صدور تقرير البندر، حيث كانوا يتوقّعون بأن تكون ردّة الفعل شديدة جدًا، وأن تكون هناك هبّة وطنيّة شاملة تتناسب مع حجم التهديدات والتجاوزات الخطيرة التي كشف عنها التقرير، وكانوا يقولون بأنّ هذا ليس هو شعب البحرين والمعارضة الذين عرفناهما، وقد علّقت في ذلك الوقت بأنّ الجمود في قبال صدور التقرير يمثّل حالة غير طبيعية وخطيرة جدًا، وهذا ما ثبت أثره في التعاطي مع القضايا الوطنية اللاحقة.

وقال: أرى بأنّ للاختلافات في صفوف المؤمنين والمعارضة دور كبير في إضعاف ردود فعل الرموز والقوى السياسية والمؤسسات الشعبية والجماهير، كما أثّر سلبًا على تفاعل بعض الأطراف السياسية والإعلامية المعنيّة في الخارج وأضعفها، فأصبح تفاعلها متخلّفًا بالقياس إلى غيرها، ولم يرق إلى مستوى ما كان متوقّعًا منها.

وقال: لأننا في شهر رمضان المبارك الذي من خصائصه تربية الإنسان المؤمن على التسامي الروحي والترفع على الصغائر، ليكون الإنسان عظيمًا في أفعاله وسلوكه ومواقفه، أتساءل: هل نجحنا فعلاً من خلال صيامنا في هذا الشهر العظيم في التسامي الروحي لنتجاوز خلافاتنا في ظل هذه الأزمة المصيرية ونكون كبارًا ونصل إلى المستوى المطلوب في مواقفنا لتكون بمستوى الحدث والقيم الروحية التي نؤمن بها ونأخذها من السماء؟

وأرى: بأنّه رغم التحسّن الكبير في العلاقات والمواقف والخطاب، إلا أننا لم نصل بعد إلى الحد الأدنى من المستوى المطلوب، ذلك المستوى الذي يفرضه التسامي الروحي للمؤمنين في هذا الشهر الفضيل، لا سيما في ظل الأزمة الكبيرة التي نواجهها ونعاني فيها، والتي تهدد خصوصياتنا ومصالحنا الحيوية ووجودنا الفكري والمجتمعي، وربما يكون لاختلاف التشخيص دور آخر لا ينبغي تجاهله.

وقال: أرجو أن نستفيد أكثر من روحية الصيام للتسامي فوق خلافاتنا، وأن نتّجه جميعًا للمواقف الأقوى والأسمى، التي تنبع من روحية الدين الحنيف، والقيم الإنسانية الرفيعة، ووحدة المصير، وصيانة الحقوق، وحفظ المصالح الحيوية لكافة المواطنين، وهذا هو الفلاح وغيره خسران، وإنّي لحزين جدًا لبعض المواقف التي باع فيها أصحابها دينهم بدنيا غيرهم!!

 تعرض العلماء المعتقلين للتحرّش الجنسي

وقال: الدكتور عبد الجليل السنكيس شخصية أكاديمية محترمة، وله دور سياسي وحقوقي بارز، وهو يعاني من إعاقة مزمنة، وقد تعرض إلى إهانة بالغة وتعذيب شديد يهتز لهولهما كل ذي وجدان سليم. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإنّ التحقيق مع أحد الناشطين ـ على الأقل ـ قد جرى وهو عريان بالكامل من الملابس، وإنّ التعذيب غير المسبوق قد شمل جميع علماء الدين المعتقلين، وقد وصلت قذارة الجلادين إلى حد التحرش الجنسي ببعض علماء الدين المحترمين، فمن المؤكّد إنّ ردود الفعل لا تتناسب مع الحدث.

وقال: قد يفهم البعض إنّ ردود الفعل تنحصر في الخروج للشارع وحرق الإطارات، وهذا فهم خاطئ، فللتضامن مع المعتقلين، والاستنكار لجرائم السلطة، أشكال فاعلة كثيرة، فعلينا جميعًا أن نُظهر تضامننا الكبير مع المعتقلين، وأن نستنكر جرائم السلطة، ونعلمها بغضبنا وعدم رضانا عما تقوم به من جرائم ضد أهلنا، ونطالبها بوقف التعذيب النفسي والجسدي للمعتقلين، والسماح للمحامين والأهالي بمقابلتهم، وتحسين ظروف اعتقالهم، والافراج الفوري وغير المشروط عنهم.

وقال: من يشكك في وجود التعذيب، فعليه أن يسأل المحامين، وأن يذهب ليرى آثار التعذيب على الأشخاص الذين تمّ اختطافهم لعدة أيام أو ساعات، وهم كثر، ومن مناطق عديدة، وهم موجودون خارج السجن، والوصول إليهم سهل، ويغنيك ما تراه فيهم عن سؤالهم. والتعذيب الذي نتحدث عنه منقول عن المحامين بحسب مشاهداتهم، وبما سمعوه من المعتقلين أنفسهم، وليست نقولات مجهولة المصدر، والعلماء هم نقلوا إلى محاميهم أنهم تعرّضوا للتحرش الجنسي.

وقال: رغم الحظر المشين على النشر فيما يتعلق بالشبكة المزعومة، وهو حظر الهدف منه التغطية على فضائح التحقيق، ولم تلتزم السلطة وإعلامها بهذا الحظر، فهو حظر على طرف واحد فقط من أجل تضليل الرأي العام، والسعي لتجريم المتّهمين شعبيًا بهدف التمهيد لصدور أحكام جائرة عن المحكمة، إلا أن المحامين الشرفاء، ورغم الضغوط عليهم، ومحاولة تخويفهم، إلى درجة وضع صور بعضهم كأعضاء في الشبكة ضمن التقرير الذي نشرته المخابرات في صحيفة الوطن ووكالة الأنباء، قد اتّخذوا قرارًا جريئًا بالتمييز بين مجريات التحقيق، وبين ما يشاهدونه من آثار التعذيب على المعتقلين، وما ينقله إليهم المعتقلون عن سوء المعاملة، وتحدّثوا فعلاً إلى بعض وسائل الإعلام والمؤسّسات الحقوقيّة حول ما شاهدوه من آثار التعذيب على المعتقلين، وما سمعوه منهم عن سوء المعاملة، لكيلا يكونوا شهداء زور كما عبّروا هم أنفسهم.

الحوار والخروج من الأزمة بشكل نهائي

وبخصوص حل الأزمة، قال: البلد يعيش في أزمة حقيقية، والخروج منها لا يأتي بالتمني، فهناك ملفات ساخنة عالقة ومختلف حولها بين السلطة والمعارضة، وهناك قوى سياسية فاعلة عديدة على الساحة الوطنية تختلف في قناعاتها السياسية ومناهج عملها.

· فلا يكفي جلوس بعض رموز السلطة مع بعض رموز المعارضة في دردشة عن الأزمة، ويخرج البعض ليقول بأنّ هناك حوار وجهود مخلصة لحل الأزمة.

· ولا يكفي الإفراج عن المعتقلين لتطييب بعض الخواطر والاحتواء المؤقت لأزمة، ثم تنفجر الأزمة من جديد بعد حين، وندخل في الدوامة من جديد.

والمطلوب هو الإعداد والتفاهم بين قوى المعارضة حول ملفات الحوار، وجلوس السلطة على طاولة الحوار الجدي مع كافة القوى السياسية الفاعلة وليست المصطنعة، بهدف التوصل إلى حل سياسي واقعي عادل، يوفِّر الأرضية للاستقرار السياسي والأمني الدائم، ويحقق مطالب الشعب العادلة المشروعة، ويلبي طموح الشعب في العزة والكرامة والحياة الطيبة الهنيئة. فقد كانت هناك أزمات في السابق، وفي كل مرّة يتمُّ احتوائها من خلال إطلاق سراح المعتقلين الضحايا، ثم تعود الأزمة من جديد بشكل أسوء، وهذه مهزلة وجريمة بحق الإنسانية والكرامة والحقوق، يجب أن تنتهي بدون عودة، ويجب حفظ إنسانية الشعب، وصيانته عزته وكرامته، وإيجاد حلول واقعية عادلة للملفات الساخنة تمنع عودة هذه المهزلة بشكل نهائي.

أصبح تجاوز خط الممانعة غير ممكن

وقال: من يقرأ الساحة قراءة سياسية مهنيّة دقيقة، يستطيع أن يدرك بأنّ الإرجاف الإعلامي هو هراء وتضليل للرأي العام، وما تظهره السلطة من الحزم والحسم لا يمتُّ للواقع بصلة، فإنّ الدور الذي لعبته بعض أطراف المعارضة التي تعمل من خارج المؤسسات الرسمية، هو دور مؤثر وموجع كثيرا للسلطة، وهي تصرخ بشكل هستيري لشدة الألم، وتسعى للانتقام منهم بكل وسيلة، لأنهم نجحوا في فضح أكذوبة ما سمّي بالإصلاح، وقد فشلت السلطة في إقناع الرأي العام برواية الشبكة، والتقارير الإخبارية في وسائل الإعلام الخارجي ليس في مصلحتها، فهي تظهر المطالب الشعبية العادلة، والتمييز الطائفي، والصراع التاريخي الطويل والمرير بين السلطة والمعارضة، والسلطة تتعرض إلى تنديد واسع من المؤسسات الحقوقية الدولية، بسبب انتهاكاتها الشنيعة لحقوق الإنسان.

وقال: ربما تكون السلطة قد وقعت في فخ التوقّعات بضربة صهيونيّة للجمهورية الإسلامية في إيران، حيث أنها أرادت أن تستفيد من الظرف الإقليمي لتصفية حساباتها مع أطراف المعارضة، وقد خابت ظنونها، وأراد الله عز وجل أن يفضحها، فسقطت في مأزق الهجمة القمعية على المعارضة، وهو مأزق شديد الحرج لها.

وقال: الهجمة القمعية تكشف عن أمور عديدة مهمة، منها:

· الدور المؤثِّر والفاعل والقوي للقوى السياسية التي تعمل من خارج الأطر الرسمية، وإنّ توقيت الهجمة القمعية قبيل الانتخابات، يدلُّ على أن الانتقام من المناضلين الشرفاء، هو أهم في ميزان السلطة من نجاح الانتخابات.

· لقد أصبح واضحًا بأنّ السلطة لم تعد اللاعب الوحيد الذي يحدد الخيارات ويفرضها على الساحة الوطنية، فقد نجحت بعض أطراف المعارضة في فرض خياراتها الشعبية العادلة، وأصبحت تزاحم بها خيارات السلطة الجائرة وتعطلها.

· إنّ السلطة فقدت توازنها، ووقعت في مأزق القمعة الأمنية التي أساءت كثيرًا إلى سمعتها، في الوقت الذي حافظت قوى المعارضة على توازنها، وحقّقت على الصعيد الخارجي انتصارات سياسية وحقوقية وإعلامية سحقت بها غرور السلطة وطيشها، وإنّ السلطة لن تستطيع الاستمرار في الخيار الأمني، وسوف تنفضح على الصعيد الداخلي كما انفضحت على الصعيد الخارجي، وهذا في الحقيقة هو بسبب صمود شعبنا، وكفاءته في إدارة الصراع مع السلطة.

والخلاصة: إنّ السلطة مهما اعتقلت وعذّبت، فإنها تدرك بأنّها غير قادرة على الاستمرار في الخيار الأمني، ولن تنجح في زحزحة المناضلين الشرفاء في المعارضة عن مطالبهم العادلة، وعن مواقفهم الوطنية الشريفة، فالقمعة الأمنية إلى انتهاء ـ طال الزمن أو قصر ـ وسوف ينجح الشعب في فرض خياراته الواقعية الواضحة ومطالبه على السلطة، وسوف يحصل على حقوقه من السلطة كاملةً غير منقوصة منها.

وقال: لقد فرض تيار الممانعة وجوده في الساحة، وأصبح أكثر رسوخًا وتجذّرًا وشموخًا، والهجمة القمعية هي محاولة يائسة من السلطة للقضاء عليه، ولن تفلح ـ إن شاء الله تعالى ـ بل سوف تزيده الهجمة القمعية قوة ورسوخًا وثباتًا، ومن ثمار هذه القمعة حتى الآن، أنها أثبتت صموده ومصداقيته وأهليته، ومهّدت الطريق له للدخول أكثر إلى قلوب الجماهير، ولعلاقات أفضل مع باقي قوى المعارضة. فتجاهل وجوده ودوره أصبح عبثًا لا طائل وراءه، ولا يمكن تجاوزه في أيِّ حوارٍ جاد على الساحة الوطنية، ومن يحاول ذلك، فهو غارق في الوهم، وغير مدرك لما يدور فعلاً على الساحة الوطنية.

وقال: لدينا تصميم كامل على التمسّك التّام بمطالب الشعب العادلة، وأن يكون الحل السياسي القادم حلاً واقعيًا عادلاً، ولا تملك السلطة خيار الرفض. فهي لا تستطيع أن تستمر في الحل الأمني، وستذهب مرغمه للحل السياسي الواقعي العادل، ووصيّتي إلى كل الشرفاء في هذا الوطن، بأن يتمسّكوا بالنضال والحوار الجاد الذي تشارك فيه جميع الأطراف الفاعلة وليست المصطنعة، ويؤدِّي إلى الحل الواقعي العادل الذي يُنصف المواطنين، ويحقق مطالبهم الواقعية المشروعة، ويلبّي طموحاتهم في العزّة والكرامة والحياة الطيّبة الهنيئة، ويوفِّر الأرضيّة المناسبة للاستقرار السياسي والأمني الدائم، وألاّ يقبلوا بالحلول الترقيعيّة التي تسمح للأزمات بأن تتكرّر مرّة بعد أخرى.

وقال: أوصي الجاليات البحرينية في الدول الديمقراطية ـ لا سيما في أمريكا وأوربا ـ بأن يظهروا ويحتجّوا بشكل حضاري سلمي يتماشى مع قوانين تلك الدول أمام السفارات البحرينية فيها، وأن يسعوا لتعرية جرائم السلطة أمام الرأي العام في الخارج، ويطالبوه بالتضامن مع الشعب البحريني المظلوم ومناصرته، وأرى بأنّ هذا مما له أهمية كبيرة في نصرة قضايانا الوطنية، ويجعل السلطة تعض أصابعها ندمًا على أخطائها الشنيعة في الهجمة القمعية، واستلابها لحقوق المواطنين، والتضييق على حرياتهم العامة المشروعة.

السلطة قد تخسر كل شيء

وقال: مهما استمرّت حركة الاعتقالات، ومن شملت، فإنّ الحركة المطلبية السياسية والحقوقية لن تتوقف وستستمر، وليس أمام السلطة إلا أن تذهب للحل السياسي الواقعي العادل، فإذا ذهبت للحل السياسي الواقعي العادل سريعًا، فقد تكسب الكثير، وإذا أصرّت على الاستمرار أكثر في الخيار الأمني فسوف تخسر كثيرا، وقد تخسر كل شيء.

وقال: الكثير من امتيازات السلطة الحالية هي امتيازات محرّمة، وذهابها إلى الحل السياسي الواقعي العادل سوف يؤدّي قطعًا إلى خسارتها بعض هذه الامتيازات، لأنّ الشعب سوف يسترد حقوقه المشروعة، إلا أن الحل السياسي الواقعي يمثّل حياة للسلطة، وليس موتًا لها، لأنها سوف تحظى بالاستقرار، والشعور بالراحة والاطمئنان في ظل احتضان الشعب ومحبته لها، ورضاه عنها، والقبول بها، وهذا ما يحدث فعلا في الملكيات الدستورية العريقة، الذي يزيدها حرية التعبير والتنظيم شرفًا وفخرًا، وليس ألمًا وحسرةً ـ كما يحدث في الأنظمة الملكيّة المستبدّة، حيث القلق والقلاقل وعدم الاستقرار، فالمقارنة بين الحياة في ظل ملكية الدستورية، وبين الحياة في ظل ملكية مستبدة للحاكم والرعية، هي كالمقارنة بين الحياة في الجنة، وبين الحياة في النار.

رسالة قصيرة للسلطة

ذُكر في الاتّهام الرسمي الذي أذاعه تلفزيون البحرين الرسمي، بأّن فضيلة الشيخ سعيد النوري، وفضيلة الشيخ عبد الهادي المخوضر ـ المتهمان في الشبكة ـ هما أعضاء في تيار الوفاء الإسلامي، وأقول للسلطة: أنا قيادي في تيار الوفاء الإسلامي، وأنا اتحمّل مسؤولية كل ما قام به فضيلة الشيخ سعيد النوري، وفضيلة الشيخ عبد الهادي المخوضر فعلاً، وإذا كان ما قاما به فعلاً يوجب الاعتقال، فأنا يجب أن أُعتقل، غير أنهما قطعًا بريئين من تهمة الشبكة، كبراءة الذئب من دم يوسف (عليه السلام).

توقيت الهجمة القمعية قبيل الانتخابات

وبخصوص توقيت الهجمة القمعية قبيل الانتخابات، قال: بالنسبة إلى  التحشيد للمقاطعة، فإنّ السلطة قد كفتنا العبء، وتكفلّت هي بالترويج للمقاطعة، فإنّ المشاركة قد تبدوا للغالبية من المواطنين على أنّها تطبيع للأوضاع غير الطبيعية ـ بغض النظر عن صوابية أو خطأ خيار المشاركة في نفسه ـ وإنّ الذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظلِّ هذه الهجمة القمعيّة، والأخبار المتواترة عن التعذيب غير المسبوق، والتحرّش الجنسي بالعلماء، والإرجاف الإعلامي غير المسبوق أيضًا، والتشهير بالمعتقلين الأبرياء، سوف يمثّل حرجًا أدبيًا شديدًا للمقترعين، وقد يبدو خلافًا للوجدان والذوق السليم.

وقال: هناك تشخيص صحيح ـ في رأيي ـ لدى بعض المشاركين من الموالاة بأنّ الهجمة القمعيّة لا تخدمهم في الانتخابات، ويعتبر التوقيت غبيًا بالنظر إلى تأثيره على الانتخابات. وقد ذكرت إنّ التوقيت يدل على أنّ السلطة تعتبر الانتقام من المناضلين الشرفاء الذين كان لهم الفضل في كشف أكذوبة دعوى الإصلاح أكثر أهمية من نجاح الانتخابات، وقد توقّعت أن تلجأ السلطة إلى تأجيل الانتخابات، ولازال التوقع قائمًا، ولا يغيّر تصريح وزير العدل شيئًا في هذا التوقّع، فإنّ السلطة تتخبّط في إدارتها للأزمة، وتتصرّف بخلاف ما تعلم، وبخلاف ما تُبطن في نفسها، وفي جميع الأحوال فإنّ مشروع السلطة الانقلابي على الدستور العقدي والميثاق قد احترق وانتهى، ولا أمل له في العودة إلى الحياة، وأصبح الانتقام من أولويات السلطة، ولكنها سوف تضطر للذهاب مرغمة إلى الحل السياسي الواقعي العادل، فليس لها خيار صحيح إلا هذا، وإلا قد تخسر كل شيء.

وقال: كانت السلطة تعوّل كثيرًا في ظلِّ الاختلاف على التخويف والاستحقاق الانتخابي للضغط على بعض الأطراف من المعارضة، مثل: المجلس العلمائي، وجمعية الوفاق، وجمعية وعد، لكي تجاريها في إرجافها الجائر ضد إخوانهم في المعارضة، ولكن ظنونها خابت ولم تفلح في جرِّ هذه الأطراف الشريفة لما كانت تريد، وقد تصرفت هذه الأطراف بشكل مسؤول أغاض السلطة كثيرًا، والهجمة السياسية والإعلامية التي تمارسها السلطة على المجلس العلمائي وجمعية الوفاق وجمعية وعد، لأنهم رفضوا الاستجابة لضغوط السلطة عليهم، وقد وصل السخف بالسلطة إلى وضع صور بعض رموزهم في التقرير الذي نشرته جريدة الوطن ووكالة الأنباء ضمن أعضاء الشبكة التخريبية، وقد شملت الحملة مؤسسات حقوقية، وبعض المحامين عن المعتقلين، وجريدة الوسط، للسبب نفسه، رغم تصريح الدكتور منصور بوقوفه المطلق إلى جانب مشروع الملك، وتمّ التشهير به وبجريدته لأنه رفض أن يقبل من السلطة كل ما ذهبت إليه.

الملك والخطاب الديني المعتدل

وبخصوص خطاب الملك بشأن الخطاب الديني، قال: الخطاب مناقض للمواثيق الدولية التي تؤكّد على حق حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، بل يناقض دستور المنحة الذي يؤكد على ذات الحق، ويعتبر القوانين التي تنال منه غير دستورية.

وقال: التأسيس الأول للتضييق على الخطاب الديني بدأ من قانون الجمعيات، ويعتبر القبول بهذا القانون الظالم من الأخطاء الأساسية الكبيرة التي مهّدت الطريق لهذا الوضع المنحرف والخطير جدًا، فهذا القانون المشؤوم يمنع الجمعيات السياسية من استخدام المساجد والمآتم للأغراض السياسية، ومنها: الخطاب السياسي، والجمعيات السياسية المسجّلة تحت هذا القانون لا تستطيع بحكم التزامهم بهذا القانون من ممارسة الخطاب السياسي في المساجد والمآتم، والأمر يشجّع السلطة على ملاحقة غيرهم، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل.

وقال: اعتبر ولي العهد في برقيته للملك إنّ السلطة تمارس وضع اليد على الخطاب الديني بحكم ولاية الأمة التي تتمثل في الدولة، ويعتبر تمثل ولاية الأمة في الدولة صحيح وفق بعض النظريات، إلا أن كلام ولي العهد يصح وفق هذه النظرية لو كان نظام الدولة ينبع من الإرادة الشعبية، والحكومة منتخبة من الشعب، وليس في ظل نظام ينبع من دستور منحة فرض على الشعب بإرادة منفردة من الحاكم، وحكومة غير منتخبة، وتمارس السلطة على الشعب بحكم الأمر الواقع، فكلام ولي العهد غير مقبول وفق هذه المعطيات.

وقال: لو افترضنا جدلاً إنّ وضع الدولة صحيح ويعبّر عن ولاية الأمة على نفسها، فإنّ الحقوق وفق هذه النظرية تنقسم إلى قسمين:

· حقوق طبيعية ثابتة للإنسان بما هو إنسان، ولا يجوز سلبها منه بأيِّ حال من الأحوال، ومنها: حق الرأي والتعبير والاعتقاد.

· وحقوق وضعيّة يكتسبها الأفراد أو الشعوب بنضالاتهم في الحياة، مثل: الزيادة السنوية للعامل، والصلاحيات التي تمنحها الدساتير للشعب، وهذه الحقوق لا يجوز سلبها بعد ثبوتها.

والخلاصة: حتى لو فرضنا جدلاً إنّ وضع الدولة صحيح ويعبّر عن ولاية الأمّة على نفسها، فإنّه لا يصحُّ منها مصادرة حرية الرأي والتعبير والاعتقاد، ويُعتبر وضع اليد على الخطاب الديني محاولة للسير إلى الخلف، وهي محاولة مرفوضة، ومحكوم عليها بالفشل المحتوم، وربما تؤدي ـ كما توقع الكثيرون ـ إلى تفجير الأوضاع على الساحة الوطنية بشكل غير محسوب.

التوقعات باعتقال سماحة الشيخ المقداد وعبد الوهاب

وبخوص التوقّعات باعتقاله، قال: كانت التوقّعات في بداية الأزمة باعتقال سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد، وعبد الوهاب حسين حتمًا جزمًا، إلا أنها تراجعت كثيرًا ودخلت في دائرة الاحتمال، والسلطة تدرك فشل هجمتها القمعية، وأنها لن توصلها إلى ما كانت تريد، والرأي العام الخارجي غير مقتنع برواية السلطة عن الشبكة، ويمارس ضغطًا كبيرًا على السلطة البحرينية، وسوف تضطّر مرغمة إلى التراجع عن الحل الأمني إلى الحل السياسي.

وقال: قانون الإرهاب ينص على حكم المؤبد لكل من يؤسس أي كيان يعمل خارج القانون، إلا إنّ السلطة لن تقدم على الاعتقال لهذا السبب، لأن حرية التنظيم مكفولة في المواثيق الدولية، وقد أُدين قانون الإرهاب من قبل الأمم المتحدة والعديد من المؤسسات الحقوقية الدولية، فإذا لم تُقدم السلطة على الاعتقال تحت ذريعة الشبكة، فلن تُقدم على الاعتقال تحت ذريعة مخالفة قانون الجمعيات، لأنه لن يكون مقبولاً لدى الرأي العام في الخارج، وثمنه في الداخل قد يكون كبيرًا، ولكن كلُّ شيء محتمل ويجب أن يوضع في الحسبان.


([1]) البحار، ج78، ص115.

([2]) تنبيه الخواطر، ص362.

([3]) الشعراء: 88 ـ 89.

([4]) البحار، ج70، ص59.

([5]) كنز العمال، الحديث: 1205.

([6]) يوسف: 24.

([7]) يوسف: 54.

([8]) البقرة: 183.

([9]) هود: 113.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى