لقاء الثلاثاء (24) | 21-9-2009
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
نعيم الآخرة وعذابها
قال الأستاذ: إنّ نعيم الآخرة وعذابها، هما الثمرة الوجودية لأعمال الإنسان في الحياة الدنيا، وإنّ درجة القرب من الله ذي الجلال والإكرام، هي بالتحديد درجة الكمال الروحي الذي حصل عليها الإنسان بأعماله الطيِّبة في الحياة الدنيا. وإنّ درجة البعد عن الله U، هي بالتحديد درجة النقص والخبث في نفس الإنسان التي اكتسبها بأعماله الخبيثة في الحياة الدنيا.
فكلّما كان الإنسانُ أكثر كمالًا روحيًّا، كلّما كان أكثر قربًا من الله ذي الجلال والإكرام، أي أكثر قربًا من الرحمة والنعيم وأكثر سعادة بالنعيم. وكلّما كان أكثر نقصًا وخبثًا، كلّما كان أكثر بُعدًا عن الله U، أي أكثر بُعدًا عن الرحمة والنعيم، وأكثر عذابًا وشقاءً في الآخرة.
وقال: عالم الآخرة عالمٌ واسعٌ ونوعيٌّ، والتفاوت في درجات الآخرة أكبر من التفاوت في عالم الدنيا، قول الله تعالى: )وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً(([1]) والإحساس بالنعيم والعذاب في الآخرة أكبر من الإحساس بهما في عالم الدنيا، وهذا يتطلّب تأهيلا روحيًّا لتلقّي ذلك النعيم وذلك العذاب، والجانب الملكوتي لأعمال الإنسان ـ الطيبة والخبيثة ـ هو الذي يقوم بالتأهيل ويخلق تلك القابلية للإحساس بالنعيم والعذاب العظيمين في عالم الآخرة.
وختم الحديث في هذا الموضوع، بالقول:
• إنّ الأولياء الصالحين العظام يترفّعون في عالم الدنيا عن النعيم المادي، ويكون نعيمهم الأكبر في المعرفة والأشواق القلبية التي تربطهم بالله ذي الجلال والإكرام، ولهذا فإنّ النعيم الأكبر لهؤلاء في الآخرة، ليس في نعيم الطعام والشراب والنكاح في الجنة، وإنّما في نظرهم إلى الله ذي الجلال والإكرام، قول الله تعالى: )وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ` إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(([2]) وحديثهم معه، وهذا يحتاج إلى تأهيل روحي عالي جدًا، يخلق القابلية لذلك التحدُّثُ مع الله (، وهو نعيم عظيم، يشغلهم عن نعيم الطعام والشراب والنكاح في الجنة، وإن لم يحرمهم منه.
• لا يدخل النار إلا كل من فقد الأهليّة الروحيّة لدخول الجنّة، وهي أهليّة يفقدها الإنسان بالذنوب والأعمال الخبيثة في الحياة الدنيا، والمذنبون درجات، فهناك من تُطهِّرُه الابتلاءات في عالم الدنيا، مثل: المرض وألم فراق الأحبة، فيدخل الجنة، وهناك من تطهره غصص الموت، فيدخل الجنّة، وهناك من يُطهِّرُه عذاب البرزخ، فيدخل الجنة، وهناك من تُطهِّرُه عرصات يوم القيامة، فيدخل الجنة، وهناك من تستنقذه الشفاعة، فيدخل الجنّة، وهناك من يُدخل إلى النار فتُطهرِّه ثم يخرج منها ويدخل الجنة، ولا يخلد في النار إلا من استولى عليه الخبث، وفقد الأهليّة بالكامل لدخول الجنة الطيبة، فتكون النار العالم الذي ينسجم مع وجوده الخبيث، فيخلد في النار.
• إنّ المخلّدين في النار تكون طبيعتهم جهنميّة، فتكون جهنم عالمهم الخاص الذي يناسب وجودهم، ولا يستطيعون العيش في غير ذلك العالم، رغم كونه عالم العذاب والشقاء، مثل: الكائنات التي تعيش في عالم الدنيا في درجات حرارة عالية جدًا، فهو عالمها الخاص، ولا تستطيع العيش في عالم آخر، وبيئة أخرى.
التجنيس السياسي
تعقيبًا على تصريحات وزير الداخلية بتاريخ: 10/ سبتمبر/2009م حول نيّة الحكومة مراجعة قوانين التجنيس، قال الأستاذ: توجد أربع نقاط أساسية حول هذا الموضوع:
(1) إنّ برنامج السلطة في التجنيس السياسي غير الشرعي قد وصل إلى نهايته ولم يبقَ منه إلا الشيء القليل ـ بحسب تقرير البندر الذي يجعل من عام 2010م نهاية لهذا البرنامج ـ وبالتالي فإنّ طرح المراجعة لسياسة التجنيس في هذا الوقت هو تحصيل حاصل، وليس فيه أي شيء جديد.
(2) رغم توافق حكومات مجلس التعاون مع حكومة البحرين على تغيير التركيبة السكانية لدوافع سياسية إقليمية ـ سبق توضيحها في مناسبات سابقة عديدة ـ فإنّ هذه الحكومات قد أدركت بالتجربة أخطار هذا التجنيس على أمنها، حيث المجنّسون من مناطق تختلف في عاداتها وتقاليدها وأعرافها عن عادات وتقاليد وأعراف أبناء المنطقة، وهي مناطق ملغومة أمنيًّا.
(3) إنّ حكومة البحرين بعد أن وصل التجنيس إلى مراحله الأخيرة، فإنّها بحاجة إلى التعاون مع حكومات المنطقة لتجنّب أضرار التجنيس الأمنيّة على المنطقة أو احتوائها والتقليل منها.
(4) أمام المعارضة في ملف التجنيس خياران:
• القبول بالمجنَّسِين كأمرٍ واقع.
• رفض القبول بالمجنسين كأمر واقع، والمطالبة بإعادة النظر في وضعهم.
وقال: لم تعد المطالبة بوقف التجنيس ذات قيمة في الوقت الحاضر، فبرنامج السلطة في التجنيس قد شارف على الانتهاء، والمطلوب من المعارضة الانتقال من المطالبة بوقف التجنيس، إلى المطالبة بإعادة النظر في وضع المجنَّسِين، ومحو آثار جريمة التجنيس عن صفحة الوطن.
وقال: نحن في تيار الوفاء طرحنا في بيان الانطلاق عرض الملف برمَّتِه على المجلس المنتخب بعد حل المسألة الدستورية، وتشكيل برلمان يعبر عن الإرادة الوطنية تعبيرًا صادقًا، يتمُّ تشكيله من خلال انتخاب أعضائه في دوائر انتخابية عادلة، لا يكون للمجنسين فيها حق التصويت. ونرى بالإضافة إلى ذلك ضرورة إعداد خطة شاملة، تنفذها الجماهير والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، تهدف إلى:
• تنبيه المجنسين إلى عدم شرعية حصولهم على الجنسية البحرينية في موجة التجنيس السياسي الحالية، وإنّ التجنيس السياسي الحالي جريمة ترتكبها السلطة ضد مصالح شعبها، وبغير إرادتهم، وقبول الجنسية في الوضع الراهن يعني الاشتراك في الجريمة.
• تحميل المجنسين المسؤولية عما يترتب على قبولهم الجنسية.
• تنظيم حملة شعبية سلمية للضغط على المجنسين، بحيث نحملهم على التخلي عن الجنسية البحرينية والعودة إلى بلدهم.
المشاركة والمقاطعة في الانتخابات
قال: نحن طالبنا بمراجعة قرار المشاركة على أساس نتائج التجربة، والسعي إلى التوافق على قرار مشترك بين رموز وقيادات وخطوط التيار. ونرى بأنّ قرار المشاركة أو المقاطعة قرارٌ سياسيٌّ، يمكن أن يصيب أو يخطئ، وليس من المناسب إقحام المرجعيات الدينية في دعم أحد الخيارين ـ المشاركة أو المقاطعة ـ على حساب الآخر في ظل اختلاف المؤمنين حول الخيارين، وأن تبقى المرجعية على بعد واحد من جميع المؤمنين، لأنّ دعم أحد الخيارين على حساب الآخر في ظل الاختلاف السياسي بين المؤمنين حول الخيارين، يضر بوضع المرجعية وعلاقتها بالمؤمنين، ويساعد على تشظي المؤمنين بدلاً من توحيدهم. ونحذّر من جعل المرجعيات الدينية واجهات للمواقف السياسية، ومن جعل مباركة العلماء أو المراجع أساسًا للقرارات بدلاً من البحث الموضوعي في واقعية القرارات وصوابيتها، لأنّ هذا الأسلوب يضر بالوعي، وبالمصالح الحيوية: الإسلامية والوطنية، وبإعداد المؤمنين لتحمل المسؤولية الإسلامية والوطنية، ويؤدي إلى تشظي المؤمنين وتفريقهم بشكل أسوء وأصعب على العلاج، وندعو الجميع لتحمل المسؤولية عن قراراتهم السياسية الخاصة.
وبخصوص الجدل حول كفاءة الأداء، قال: ليكن أداء الإخوة المشاركين ممتاز بدرجة 100% فلن يُغيِّر ذلك شيًئا في النتيجة، لأنّ المؤسّسة عقيمة وغير قادرة على الإنتاج، ولا يفيد معها التلقيح الطبيعي أو الصناعي، فالعيب في الأساس هو في المؤسسة وليس في الأعضاء وعلى هذا الأساس بُنِيَت المقاطعة. ولو كان وضع المؤسسة البرلمانية سليمًا ويسمح بالإنتاج والتغيير لما كانت هناك مقاطعة أصلا. والحمد لله رب العالمين، فإنّ البلد بها العديد من الكفاءات العالية القادرة على الإنتاج والعطاء، ولكن العيب في المؤسّسة، وقد شَبَّهتُ في مناسبات سابقة الكفاءات التي تدخل هذا البرلمان بالأسد في القفص، الذي تحاصره الثعالب وتبول عليه الأرانب.
وبخصوص الحديث عن الإنجازات، قال: لا تتعبوا أنفسكم كثيرًا في النقاش حول دعاوى الإنجازات الكبيرة أو الصغيرة، واسألوا من يتحدّث عن هذه الإنجازات، هل هذه الإنجازات وليدة آليات العمل في البرلمان، أو هي مِنَح قَرَّرَت السلطة تقديمها لمن تشاء متى تشاء وكيف تشاء، وتمنعها عمن تشاء متى تشاء وكيف تشاء؟! وسوف يأتيكم الجواب بالتأكيد ـ إذا كان الجواب موضوعيًا ـ أنها منح، وإنّ السلطة رأت بأنّ من مصلحتها تقديمها، ولو شاءت منعتها، فلا يوجد أي إنجار يمكن أن يأتي وفق آلية البرلمان خلافًا لرغبة السلطة.
وفي الحقيقة: هذا خلاف ما نريد، فالذي نطالب به ويمثّل أساس الأمن والاستقرار والازدهار في البلاد وضحينا من أجله، هو مؤسسة برلمانية قادرة على الإنجاز من خلال آليّات عملها، وليست أسيرة بيد السلطة التنفيذية.
وقال: يجب أن نُميِّز بين الإنجاز عن طريق آليات عمل البرلمان، وهو الإنجاز المطلوب، والإنجاز المنحة من السلطة، أو الإنجاز من خلال الضغط، وقال: الضغط على السلطة كما يكون من داخل البرلمان، يكون من خارجه، والضغط من خارجه يكون أكثر فاعليّة، لأنه أكثر حريّة واستقلاليّة وأرفع سقفًا.
العمل الوطني المشترك
وبخصوص تعاون التيّار مع القوى السياسية، قال: تيار الوفاء الإسلامي، وضع لنفسه قاعدة في تحريك الملفات، وهي: وضع رؤية واضحة للملف، ثم تحديد الموقف استنادًا إلى الرؤية، ثمَّ وَضْعُ برنامجِ عملٍ يستند إلى الموقف المحدد. وإنّ تيار الوفاء بعد أن يقوم بوضع الرؤية يسعى لتجميع أكبر عدد ممكن من القوى السياسية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني واللجان الأهلية للتوافق حول الرؤية وتنفيذ برنامج مشترك لتحقيق الأهداف المقررة في الرؤية، وهذا ما قام به التيار بشأن ملف المعتقلين. فالتحرّك الذي تقوم به تنسيقية الدفاع عن المعتقلين هو تحرّك جماعي مشترك يستند إلى رؤية واضحة ووفق برنامج عمل تنفذه قوى سياسية ومؤسسات حقوقية، بالإضافة إلى فريق المحامين (فريق الدفاع) واللجان الأهلية، وهذا الأسلوب هو الأسلوب الذي سوف يعتمده تيار الوفاء في جميع الملفات التي سوف يقوم بتحريكها.
وبخصوص الثوابت في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، قال: الإفراج عن المعتقلين ليس هو الغاية، وإنما الغاية تحقيق المطالب، ولهذا فتيّار الوفاء يرفض كل أسلوب في المطالبة بالإفراج يضر بالمطالب، ويرى أنه خلاف الحكمة.
والخلاصة: تجب المطالبة الجدية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وهي مسؤولية دينية وإنسانية ووطنية، ولهذا تم تأسيس تنسيقية الدفاع عن المعتقلين، ولكن لا يصح إخراجهم بأساليب تضر بالمطالب الشعبية العادلة، أو تمس بكرامتهم أو كرامة المعارضة وهيبتها.
وبخصوص شعور المؤمن بالعزة والكرامة، قال: المؤمن لا يكون إلا قويًّا وعزيزًا، يرفض الذل والضعف والهوان، قول الله تعالى: )وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(([3]) فعزّة المؤمن نابعة من عزة الله U، وأثرٌ وجوديٌّ من آثار الارتباط به (، فكل من يرتبط بالله العزيز الجبّار لا يكون إلا قويًّا وعزيزًا، ومن يقبلُّ الذلَّ والهوان من المؤمنين، فهو يعاني من خلل في حالته الروحيّة، وقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق o: “إنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يُذلّ نفسَه”([4]).
وقد حذّر الأستاذ من منهج التكفيرين، وقال: لا يصح أن نقول لمن يعصي بأنه ليس بمؤمن، فمن يقبل الذل والهوان، ويسرق أو يزني أو يشرب الخمر، قد يكون مؤمنًا إيمانًا صحيحًا من الناحية العقلية، ولهذه المعصية عقوبتها في الحياة الدنيا، ولكن لا يجوز نفي الإيمان عنه ـ كما فعل الخوارج في الماضي ويفعل التكفيريون الآن ـ نعم قبول الذل والهوان والمعصية تدل على وجود خلل في الحالة الروحيّة يجب إصلاحه.
الانتماء لتيار الوفاء الإسلامي
وحول الانتماء لتيار الوفاء الإسلامي، قال: تيار الوفاء ليس تنظيمًا حزبيًّا تقليديًّا له عضويّة تقليديّة، وإنّما هو تيار شعبي في الأساس، له قيادة منظّمة وفق هيكل تنظيمي خاص يتألّف من مجموعة هيئات، مثل: الهيئة الثقافية، والهيئة السياسية، والهيئة الإعلامية، ويتم اختيار الأشخاص المناسبين لكل هيئة من بين جماهير التيار بحسب الحاجة. بالإضافة إلى اللجان الأهليِّة التي يُشكِّلُها الأهالي في المناطق للإشراف على العمل في المناطق، وحمل بعض الملفات، مثل: ملف المعتقلين، ويقوم التيّار بالتنسيق والتعاون معهم.
لمن فضل الإنجاز
وحول الإنجاز، قال: من خصائص المؤمنين العمل والإنجاز، وعدم الاكتفاء بالكلام، فقد ذمّ القرآن الكريم الاستغراق في القول على حساب العمل، قول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ` كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ(([5]).
وحذر من ادّعاء الانجاز بدون حقيقة وذمه، قول الله تعالى: )لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(([6]).
وقال: علينا أن نعلم بأنّ القيادات الإسلامية من البشر، وهم قد يضعفون، وقد يستهويهم الكلام على حساب الإنجاز، وهنا يأتي دور الجماهير في المراقبة والمحاسبة والتحفيز.
وقال: في الحالة المثالية الصحيحة، تلعب القيادات دور التحفيز والتوجيه للجماهير، ولكن قد يحدث خلل لدى القيادات، وتقوم الجماهير بدور التصحيح لهذا الخلل.
وقال: من الخطأ البيِّن دعوة الجماهير إلى السلبيّة والتسليم المطلق للقيادات غير المعصومة، فهذا من شأنه أن يُفسد الجماهير والقيادات على حدٍّ سواء، ويؤدِّي إلى نتائج كارثية في الأوضاع العامّة في المجتمع، وقد وجدنا إنّ سيرةَ المعصومين ^ تُجمع على تحفيز الجماهير على الإيجابية ونهيهم عن السلبية حتى مع وجود المعصوم، لأنّ سلبية الجماهير مفسدة ونتائجها كارثية في جميع الأحوال.
وبخصوص الفضل في تحقيق الإنجاز، قال: ينبغي للإنسان المؤمن التركيز على الإنجاز وعدم الاهتمام بأن ينسب فضل الإنجاز له أم لغيره، لأنّ المطلوب هو تحقيق المصلحة للعباد وهي تتحقق بالإنجاز، والغاية مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهو يعلم بمن له الفضل الحقيقي في الانجاز ويستحق الثواب، ولا تخدعه الادّعاءات الفارغة، فالمؤمن لا يخاف ضياع الأجر والثواب من الله تبارك وتعالى بأيِّ حالٍ من الأحوال، وهنا ينبغي التنبيه إلى نقطتين:
• إنّ ما سبق لا يعني إهمال الناس لمعرفة الأصحاب الحقيقيين للإنجاز، فهو يدخل في دائرة حفظ الحقوق التي لا يجوز بخسها، قول الله تعالى: )وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ(([7]) ولأنّ التفريط في ذلك قد يسمح بتمكين الضعفاء والفاشلين في الأرض، ومع ذلك يقبح التنازع حول هذا الموضوع، فهو يدلُّ على الفراغ وعدم الإخلاص.
• ينبغي التمييز في البحث عن صاحب الإنجاز بين نسبته إلى هذا الشخص أو ذاك، وبين نسبته إلى هذا المنهج أو ذلك، فنسبة الإنجاز إلى الأشخاص ليس بكثير الأهميّة، وقد لا تترتب على الخطأ فيه مفاسد كبيرة. أما نسبته إلى المنهج فهو الأكثر أهميّة، لأنه يكشف عن المنهج الصحيح أو الأفضل، وإنّ الخطأ في هذا الاكتشاف قد يمهِّد الطريق إلى سلسلة من الفشل، وقد يؤدِّي إلى كوارث ونكبات، فلا يصح عقلاً التفريط في هذه المعرفة، وينبغي البحث عنها، والتدقيق فيها كثيرًا لأهميتها.
وبخصوص مطابقة الخطاب للعمل، قال: في كتاب (قراءة في بيانات الثورة للإمام الحسين o) بيّنت الرؤية الإسلامية في هذا الموضوع، ومن المفيد الرجوع إلى الكتاب للاطّلاع على ما جاء فيه حول هذا الموضوع.
المؤمن ناقد يحب النقد
وبخصوص النقد، قال: الموحّد الحقيقي لا يكون إلا ناقدًا ومحبًّا للنقد فلا يتضايق منه، وقد ذكرت ذلك وبينته مرات عديدة، وأكرره للأهمية، فإنّ الله سبحانه وتعالى حقٌّ ولا يُعبَدُ إلا بالحق، فإذا طرح أحدهم أطروحة، فلابدّ أن أعرف إذا كانت حقًا فأقبلها وأتعبّد وأتقرّب بها إلى الله سبحانه وتعالى، أم باطلاً فأرفضها وأنبذها، وأتعبد الله برفضها ونبذها، لأنّ الباطل يحجب الإنسان عن الله U ويبعد العباد عنه.
وكذلك المواقف: فإنّ الله سبحانه وتعالى لا يُعبد إلا بالعدل في السلوك والمواقف، ولا تمكن عبادته بالمواقف الظالمة، وهذا يتطلب تمحيص المواقف ونقدها لنعلم العدل فيها فنتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها، أو نعلم الظلم فيها فنرفضها وننبذها، ونتقرّب إلى الله U برفضها ونبذها، وعلى هذا الأساس قامت دعوات الأنبياء ^ إلى العباد.
والموحِّد الحقيقي لا يكون إلا محبًّا للنقد الموجَّه للأطروحات والمواقف العامّة التي يدعو إليها ولا يضيق صدره به، لأنه سوف يكون في يوم القيامة، أشقى الناس بالأطروحات الباطلة والمواقف الظالمة التي يدعو إليها، فمن سعادته أن يكتشف الناس بطلان الأطروحات وظلم المواقف التي يدعو إليها ولا يأخذوا بهما لكيلا يشقى بهما أكثر في يوم القيامة.
والخلاصة: الضيق من النقد من خواص الطغاة، لأنّ وجودهم يقوم على الباطل والظلم، والنّقدُ يُعرِّيهم ويفضح باطلهم وظلمهم أمام الناس، فيرفضوا وجودهم ويثوروا عليهم، وهذا ما يخشونه. وليس من صفات الموحِّدِين الضيق من النقد، بل على النقيض من ذلك، يطلبونه قربة إلى الله سبحانه وتعالى، ويدفعهم له إخلاصهم النيّة في العمل له سبحانه.
الفتنة الطائفية في المنطقة
وحول الحرب الدائرة في اليمن بين الحكومة والحوثيين، قال: من المهم أن ندرك إنّ هناك أطرافًا دولية بالإضافة إلى الحكومات المستبدة تقوم بتحريك الفتنة الطائفية في المنطقة برمتها، وذلك من أجل مصالحها السياسية الخبيثة التي تقوم على الاستكبار ونهب ثروات الشعوب والسيطرة على مقدراتها، وإنّ ما يحدث في اليمن يقوم على هذا الأساس.
وقال: الثورة الإسلامية في إيران:
• ثورة دينية إسلامية، والشعوب العربية شعوب إسلامية، ومن مصلحتها تشجيع الإسلام ودعم المشاريع الإسلامية.
• وهي ثورة شعبية ضد حكومة الشاه المستبدة، والشعوب العربية تعاني من وطأة الحكومات المستبدة وظلمها، ومن مصلحتها دعم كل ثورة شعبية ضد الاستبداد والدكتاتورية.
• وهي ثورة ضد الكيان الصهيوني والاستكبار العالمي، والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين هو العدو الأول للشعوب العربية، وقد عانت الشعوب العربية من ظلم وقهر الاستكبار العالمي الداعم الأول للكيان الصهيوني، ومن مصلحتها أن تقوم ثورة كبيرة وقوية تقف ضد الكيان الصهيوني والاستكبار العالمي وتدعم القضية الفلسطينية.
والخلاصة: إنّ الموقف الطبيعي للشعوب العربية أن تقف إلى صف الثورة الإسلامية في إيران وتدعمها، إلا إنّ الحكومات المستبدة والكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي، وهم المتضرّرون من الثورة الإسلامية في إيران، قد نجحوا في قلب الرأي العام لدى الشعوب العربية ضد الثورة الإسلامية في إيران لصالح الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي، وذلك على أساس تحريك الحس الطائفي، ولولا الحس الطائفي، لم يتمكنوا من تحقيق ذلك.
والحال تكرّر مع حزب الله في لبنان الذي أنجز ما عجزت الجيوش العربية مجتمعة عن إنجازه، ولا زال يمثل التهديد الجِدِّي المباشر للكيان الصهيوني.
وفي ظل المواجهة المتوقّعة بين إيران ـ التهديد الأكبر للكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي والأنظمة الدكتاتورية المستبدة ـ تبقى الفتنة الطائفية، هي الوسيلة الأفضل لتقسيم الشارع الإسلامي وإضعافه، لصالح الكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي والحكومات الدكتاتورية المستبدة، وهذا ما ينبغي أن يتحسَّسَه جميع المسلمين المخلصين في العالم، لكي ينجحوا في تحديد المواقف الصائبة لأنفسهم في المعاركة التاريخية الحاسمة في المنطقة والعالم.
([4]) تفسير نور الثقلين/ ج5/ص: 336/ [سورة المنافقون(63): الآيات 1 الى 11].